بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم يا كريم
اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي " ... ( 1 )
مقدمة ..
قال تعالى : ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾(الكهف:23)
من الأمور المهمة التي ينبغي للسالك إلى الله تعالى أن يلتفت إليها و يوليها إهتماماً بالغاً هي مسألة "إدارة الوقت"، و تنظيمه و شغل أوقات الفراغ بما يعينه على المسير بثبات و يعود عليه بالمنفعة في الدارين. إذ أنه كلما كان السالك أكثر تنظيماً لوقته، ضمن استثماره بالشكل الصحيح. وقد نجد أن بعض السالكين في حالة تذبذب، و نسيان مستمر لأداء بعض الأعمال، و البعض يشتكي من قلة الوقت، و عدم قدرته على الالتزام بأعمال إضافية. في حين لو تمعن في جدول مهامه اليومية، و حسب عدد الدقائق التي يحتاجها لأداء هذه الأعمال من أصل 24 ساعة يومياً لوجد أنه لم يكن يحتاج الكثير. و أن المسألة هي فقط تنظيم للوقت.
من هذا المنطلق، ارتأينا أن نخصص موضوعاً يبحث في أهمية الوقت، و كيفية إدارته و تنظيمه، و قمنا بعمل ملخص لكتاب (وقتك حياتك للمؤلف محمد العلوي) على شكل أجزاء، و هو يعتبر دورة صغيرة في هذا المجال. نسأل الله تعالى أن يعود بالفائدة على الجميع ..
الوقت هو الحياة ..
يخطئ من يتصرف في حياته وكأنه خالد مخلد، ويخطئ ايضاً من يضيع أوقاته ولا يستثمرها، فالإنسان في هذه الحياة _شاء أن أبى_ محاسب على كل دقيقة وثانية من عمره وحياته،وفي يوم سيُسأل عن كل لحظة، في أي مجال قضاها؟ هل قضاها في الخير أم في الشر أم في الفراغ.
إن الله سبحانه خلق الإنسان من أجل هدف وغاية لا من أجل أن يعيش فقط، والإنسان الناجح هو من يستثمر أوقاته في سبيل ذلك الهدف الذي خُلق من أجله.
فالوقت هو الكنز العظيم الذي لا يقدّر بثمن، وحريّ بمن يملكه أن يحفظه بعيداً عن الضيّاع والتلف والسرقة.
ماهو الوقت؟!!... الوقت هو بمثابة الجانب المغيب في هذا الكون، ويمكن التعبير عنه بأنه روح الكون، فكما الروح ضرورية للجسد إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان بلا روح فكذلك الكون لا يمكنه أن يتخلى عن الزمن ولا يمكن اطلاق اسم الكون بدون أن تلتصق به فكرة الزمن، إذ الزمن _الوقت_ هو السياج الذي تُبنى الحضارة بداخله وضمن حدوده.
ومهما أوتي البشر من علم ومعرفة وقوة وإمكانية فإنه يبقى عاجزاً عن فصل (الوقت) عن عملية البناء الحضاري ولكنه بإمكانه أن يسابق الزمن فيختصر الوقت ليس أكثر من ذلك.
ومن هنا جاء الإسلام ليعطي للزمن قيمته الحقيقية ووزنه الفعلي وليعيد للإنسان إنسانيته لينشئ الحضارة المجيدة وليبين أهمية الوقت وقدسيته في حياة الفرد والمجتمع والأمة البشرية جمعاء.
هناك سؤال يطرح نفسه.. هل الزمان بلحظاته وثوانيه ودقائقه وساعاته وأيامه وشهوره وسنواته وقرونه، هو المسؤول عن حياة الإنسان ومصيره؟!
بلا شك إن الزمن ليس هو المسؤول وإنما المسؤول الأول والأخير هو الإنسان نفسه، وإن الزمن _في حقيقة الأمر_ ما هو إلا ظرف، فكما أن الإنسان لكي يشرب ماء يكون بحاجة إلى ظرف أو وعاء، كذلك الأمر بالنسبة للزمان فهو وعاء زمني _مقترن بالظرف المكاني_ يمارس الإنسان دوره الحياتي فيه وبالتالي فهو وسيلة، كما اللغة وسيلة للتفاهم بين الناس وجسر للوصول إلى الحاجات والمقاصد وهذا شاهد على أن الإنسان هو المسؤول {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)} سورة الزلزلة. وما جرم الزمان إذا جعله الناس ظرفاً ووعاءً للفساد؟! أليس الناس هم الذين يَفسدون ويُفسِدون؟!
ولو وقف المرء مع نفسه وتأمل في ما مضى من عمره وفي من مضى قبله لرأى نفسه وكأنه في حلم!! وإن كان مقصراً سيصاب بالندم. وحالة الندم على التفريط والتقصير في جنب الله والسخرية من مبادئه لا تنفعه حينما يأتيه عذاب الله وحينها لا تنفع تمني الهداية أو وضع مسؤوليتها على الله إذ ذهب وقت العمل وحان موعد الحساب.
اهتمام الإسلام بالوقت :
إن المتدبر في قراءة الذكر الحكيم يلاحظ اهتمام الإسلام بالوقت فالله سبحانه وتعالى يُقسم بالوقت، فيقول في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)}
وبديهة أن الله _جلّ علا_ لا يقسم بشيء إلا لمكانته المهمة وقيمته الهامة، وأكثر من ذلك أنه عز وجل يقسم بأجزاء الوقت وظواهره.. كالفجر، الصبح، الضحى، النهار، والليل، و......
وكل تلك الآيات من أجل تبيان قيمة الوقت وأهميته للإنسان حتى يستغله ويستثمره ولكي لا يحرقه في التوافه من الأمور والأشياء.
إن الله _سبحانه وتعالى_ خلق كل شيء وجعل فيه حكمة وعبرة ولكي يشعر الإنسان بالزمن والوقت جسّده في صورة الليل والنهار.
لماذا؟!!!!
إنها الحكمة الإلهية فذلك من أجل أن نعرف معنى النقصان والإنقراض. قال تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ (44)} سورة النور.
إن من يعرف فلسفة الوجود باستطاعته أن يقدّر قيمة الوقت وبإمكانه أن يسعى بقدر المستطاع في المحافظة على أوقاته من أجل أن يخرج من الامتحان وقد أكمله وأنهاه.
فالحياة الدنيا قاعة اختبار وامتحان، وكما الامتحان الدراسي لابدّ أن يحدد فيه أوقات الإجابة، فكذلك الحياة هي بدورها ايضاً يحوطها سياج زمني يستدعي عدم الإفراط والتفريط فيه.
والملاحظ أن الإسلام حدد بعض الواجبات الشرعية بزمن معين لا يمكن الخروج عن إطاره تقدّماً أو تأثراً.
فالصلاة _على سبيل المثال_ لها أوقات معلومة يجعلها واجبة الأداء فيها، ولو لم يكن هناك فارق بين الأوقات لما خصّص الله عزوجل أوقاتها وكانت خلاف الحكمة وحاشا لله ذلك وهو الرب الحكيم الذي لايغيب عنه شيء فقد قال تعالى :{ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)} سورة النساء.
كذلك الصيام يؤديه المسلم في وقته كل عام مرة واحدة، في شهر محدد، ووقت محدد من اليوم ايضاً
والحج كذلك جعله الله سبحانه وتعالى في وقت معين ومحدد.
وقسّ على ذلك بقية العبادات كالزكاة وغيرها من التكليفات الشرعية.
للموضوع بقية >>>
والله تعالى أعلم
نسأل الله لكم التوفيق ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام
(يا علي يا علي يا علي)