بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله قاسم الجبّارين، مبير الظالمين، باسم الرسول (ص) وآله الطاهرين، باسم علي أمير المؤمنين (ع)، باسم الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)، باسم الحسن والحسين والتسعة المعصومين (ع)، باسم الحجّة(عج) المهدي صاحب القرآن والتأويل.اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل الدعاء أمر استحبابي في الحياة؛ أي أمر كمالي.. أو أن الدعاء من ضروريات حياتنا؟..
أولاً: إن البعض منا يستخدم الدعاء أداة لقضاء الحوائج.. وهذا يكشف عن علاقة مؤسفة مع رب العالمين، ويبدو أن هذه العلاقة هي العلاقة السائدة بين العباد جميعا: وهي أننا نريد الله -عز وجل- لأنفسنا، ولا نريد أنفسنا لله.
إن الذي يتأمل في هذه المقولة، يعيش حالة من الاضطراب.. فكيف يكون موقف الإنسان عندما يواجه ربه، وهو يظن أنه كان على خير، لا نقول كـ {[COLOR="rgb(0, 100, 0)"]الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا[/COLOR]}، هذا للذين لهم هفوات وأخطاء.. إنما الكلام هنا في الطيبين من الناس، في الذين لهم: صلاة، وعبادة، ودعاء؛ هؤلاء يظنون أنهم قد بلغوا أقصى الرتب.. والحال بأنهم اتخذوا ذكر الله، واتخذوا رب العالمين والصلة به؛ ذريعة لنيل حوائجهم.
إن هناك فرقا بين أن يطلب الإنسان حاجته من الله ورسوله وأوليائه، وبين إنسان يطلب حاجته من أهل الدنيا، وخصوصا لئام الخلق.. فالإنسان الذي يطلب الحاجة من لئام الخلق، هذا سيء.. والإنسان الذي يطلب الحاجة من كرام الدنيا، هذا لا بأس به.. أما الإنسان الذي يطلب حاجته من رب العالمين، فهذا جيد.. ولكنْ هناك فرق بين أن يطلب الإنسان ربه ويدعوه لأجل قضاء حوائجه، وبين أن يتخذ الإنسان الحاجة والمسكنة وانكسار القلب ذريعة، ليس فقط لقضاء الحوائج، بل أيضا ذريعة للأنس بربه والكلام مع ربه.
مثلا: هناك طبيب لا يفتح المجال كي يزوره أحد، هو لا يفتح بيته ولا مجلسه؛ لأن المجال الطبيعي للطبيب هي العيادة، حيث أن وظيفته معالجة المرضى.. بعض الأوقات قد يتفق هذا المعنى: أن الذي يحب اللقاء بهذا الطبيب، يتمنى أن يصاب بمرض، كي يذهب إلى عيادته؛ لا طلبا للشفاء، ولكن ليحظى بلقائه.. وهذا مجرد مثال، يمكن أن نفترض له مصداقا خارجيا.. إن الإنسان المؤمن يتخذ الحاجة والمسكنة وانكسار القلب؛ ذريعة للحديث مع الله عز وجل.. ولهذا قد يكون لك حاجة، فتدعو لقضاء حاجتك في جوف الليل، أو تذهب لزيارة أئمة أهل البيت، أو للعمرة، أو لزيارة النبي الأكرم.. تتفاعل في الزيارة من أجل طلب الحاجة، تجهد نفسك، وبعد هذا التفاعل الشديد؛ تزهد في حاجتك، بل تحتقر هذه الحاجة، وتقول: أنا الآن في محضر الإمام أو عند محضر النبي، في هذا الجو المتفاعل أقول: يا مولاي اشف لي صداعي مثلا!.. أو أعطني الحاجة الفلانية!.. الإنسان يكاد يستحي من ذكر مشكلته، وقد نسمع البعض يقول: رجعت من هذه الزيارة ولم أطلب حاجتي تلك، والحال بأن هذه الحاجة قضيت تلقائيا.. فالكريم يلتفت إلى حوائجك دون أن تصر عليه.
فإذن، إن الدعاء ذريعة للحديث مع رب العالمين والأنس به، وخاصة أن الدعاء يفتح باب اللقاء معه عز وجل.. أضف إلى أن الله -عز وجل- ينظر إلى المنكسرين المفتقرين، وقد ورد في الحديث القدسي: (أنا عند المنكسرة قلوبهم، والمندرسة قبورهم).. القلب الكسير قلب قريب إلى الله عز وجل.. فالانكسار والمسكنة والأذى والألم، يغطي على بعض الذنوب والسيئات.. ولهذا ورد في روايات أهل البيت (ع)، وهي من أواخر وصايا أحد المعصومين قبل استشهاده: (يا بني!.. إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله).. فهذا الإنسان يعيش الانقطاع إلى رب العالمين، ومن هنا يكون التحرش بهذا الإنسان أمر خطير.
ثانيا: لو عملنا إحصائية وجرد من أول البلوغ إلى يومنا هذا، ما هو نوع وصنف ما طلبناه من الله عز وجل؟.. إن ما طلبناه من الله عز وجل، لا يتعدى الجيب والجسد.. فالجيب: مثلا كقضاء الديون، والجسد: كطلب الشفاء من الأمراض البدنية.. هذه الأيام هناك حركة إيجابية متعارف عليها، كأن يأتي إنسان ويقول: ادعُ للمريض الفلاني!.. إن طلب الدعاء إلى الغير أمر جيد، ولا يعني هذا أن الذي طلبت منه الدعاء إنسان متميز، فهو قد يكون أيضا ابتلي بالعجب والغرور، فعند قول: يا فلان ادع لفلان!.. قد يعتقد الإنسان أنه صار شخصية متميزة فليس الأمر هكذا.. وكذلك الدعاء للغير مستجاب، وفي إحدى الروايات: قال أمير المؤمنين (ع): (لا تستحقروا دعوة أحد؛ فإنه قد يستجاب اليهودي فيكم، ولا يستجاب له في نفسه).. فكأن الله عز وجل يقول: عبدي يدعو لعبد آخر، وأنا رب العباد.. فكيف لا أستجيب دعاء هذا الداعي؟!..
فإذن، إن الدعاء للغير من موجبات الاستجابة، ولهذا يقال: إذا أردت أن يقضي الله -عز وجل- لك حاجة، قدم حوائج الإخوان قبل حاجتك.. عن أبي عبد الله (ع): ([COLOR="rgb(0, 100, 0)"]مَن دعا لأخيه بظهر الغيب، وكّل الله به ملكاً يقول: ولك مثلاه[/COLOR]).
وبالتالي، فإننا مازلنا في نمط الحوائج التي تعود إلى الحياة الدنيا.. والحال بأن الحوائج المتعلقة بعالم الآخرة أدوم وأبقى!.. فهل يقال في هذه الأيام: ادعوا لفلان مبتلي بمرض العجب والرياء؟.. قلَّ من يسأل هذا الدعاء، وقلّ أيضا من يذهب لزيارة المشاهد، ويطلب من رب العالمين أن يخلصه من الآفات النفسية.. وقد يقول قائل: نحن دعونا لهذه الحاجة المعنوية، ألا نقول في شهر رمضان، وفي ليالي الجمعة: اللهم!.. فك رقبتي من النار.. وهذه الأدعية أدعية معنوية؟..
الجواب هو: بدل أن ندعو فقط للخلاص من نار جهنم، لماذا لا ندعو للخلاص من العلل التي تسوقنا إلى نار جهنم؟.. فالإنسان قبل أن يطلب من الله -عز وجل- أن يخلصه من نار جهنم، يطلب أولا من الله -عز وجل- أن يعينه على ما لا يجعله من الداخلين إلى النار، وهنا الشجاعة والفخر والبطولة!..
يتبع....
" شبكة السراج في الطريق إلى الله"
وأسأل الله و أهل البيت عليهم السلام التوفيق و السداد وأن تقضى جميع حوائجكم في الدنيا و الآخرة عاجلاً ببركة و سداد أهل البيت عليهم السلام
( يا علي يا علي يا علي (50))