مركز نور السادة الروحي
         
 
     

:: مركز نور السادة الروحي ليس لديه أي مواقع آخرى على شبكة الأنترنت، ولا نجيز طباعة ونشر البرامج والعلاجات إلا بإذن رسمي ::

::: أستمع لدعاء السيفي الصغير  :::

Instagram

العودة   منتديات نور السادة > نـــور الـســـادة الإســلامــيـة > نور القرآن الكريم
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 12-05-2012, 09:08 AM   رقم المشاركة : 1
زينب بنتُ الزهــراء
مرشــدة سابقة
 
الصورة الرمزية زينب بنتُ الزهــراء








زينب بنتُ الزهــراء غير متواجد حالياً

افتراضي (كلام في عبادة الاصنام في فصول)3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يارسول الله وعلى بضعتك الطاهرة وعلى آل بيتك الطاهرين جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يابقية الله في أرضه ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


(كلام في عبادة الاصنام في فصول) < بحث قرآني وروائي ..

3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

اتضح في الفصل المتقدم أن الانسان في مزلة من تجسيم الامور المعنوية وسبك غير المحسوس في قالب المحسوس بالتمثيل والتصوير وهو مع ذلك مفطور للخضوع أمام أي قوة فائقة قاهرة والاعتناء بشأنها.
ولذا كانت روح الشرك والوثنية سارية في المجتمع الانساني سراية تكاد لا تقبل التحرز والاجتناب حتى في المجتمعات الراقية الحاضرة وحتى في المجتمعات المبنية على أساس رفض الدين فترى فيها من النصب وتماثيل الرجال وتعظيمها واحترامها والبلوغ في الخضوع لها ما يمثل لك وثنية العهود الاولى والانسان الاولى.
على أن اليوم من الوثنية على ظهر الارض ما يبلغ مآت الملايين قاطنين في شرقها وغربها.
ومن هنا يتأيد بحسب الاعتبار أن تكون الوثنية مبتدئة بين الناس باتخاذ تماثيل الرجال العظماء ونصب اصنامهم وخاصة بعد الموت ليكون في ذلك ذكرى لهم، وقد ورد في روايات أئمة اهل البيت ما يؤيد ذلك ففى تفسير القمى مضمر أو في علل الشرائع مسندا عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم) الاية، قال: كانوا يعبدون الله عزوجل فماتوا فضج قومهم وشق ذلك عليهم فجاءهم إبليس لعنه الله وقال لهم: أتخذ لكم أصناما على صورهم فتنظرون إليهم وتأنسون بهم وتعبدون الله، فأعد لهم اصناما على مثالهم فكانوا يعبدون الله عزوجل وينظرون إلى تلك الاصنام، فلما جاءهم الشتاء والامطار أدخلوا الاصنام البيوت.
فلم يزالوا يعبدون الله عزوجل حتى هلك ذلك القرن ونشأ اولادهم فقالوا: إن آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء فعبدوهم من دون الله عزوجل فذلك قول الله تبارك وتعالى: (ولا تذرن ودا ولا سواعا) الاية.
وكان رب البيت في الروم واليونان القديمين - على ما يذكره التاريخ - يعبد في بيته فإذا مات اتخذ له صنم يعبده أهل بيته، وكان كثير من الملوك والعظماء معبودين في قومهم، وقد ذكر القرآن الكريم منهم نمرود الملك المعاصر لابراهيم (عليه السلام) الذى حاجه في ربه، وفرعون موسى.
وهوذا يوجد في بيوت الاصنام الموجودة اليوم وكذا بين الاثار العتيقة المحفوظة عنهم أصنام كثير من عظماء رجال الدين كصنم بوذا وأصنام كثير من البراهمة وغيرهم.
واتخاذهم أصنام الموتى وعبادتهم لها من الشواهد على أنهم كانوا يرون أنهم لا يبطلون بالموت وأن ارواحهم باقية بعده، لها من العناية والاثر ما كان في حال حياتهم بل هي بعد الموت اقوى وجودا وأنفذ إرادة وأشد تأثيرا لما أنها خلصت من شوب المادة ونجت من التأثرات الجسمانية والانفعالات الجرمانية، وكان فرعون موسى يعبد أصناما له وهو إله ومعبود في قومه، قال تعالى: (وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك وآلهتك) الاعراف: 127.
.......................

المصدر / تفسير الميزان للسيد الطباطبائي , الجزء العاشر .


روابط تابعة :
1 - الانسان واطمئنانه إلى الحس
2 - الاقبال إلى الله بالعبادة
3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟






التوقيع

« من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، »
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين ..
• • • •
قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(( فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والائمة من ولدها
أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلف عنه هوى ))
• • • •
اَللّـهُمَّ اَعْطِني بَصيرَةً في دينِكَ، وَفَهْماً في حُكْمِكَ، وَفِقْهاً في عِلْمِكَ، وَكِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَوَرَعاً يَحْجُزُني عَنْ مَعاصيكَ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ،
وَاجْعَلْ رَغْبَتي فيـما عِنْدَكَ، وَتَوَفَّني في سَبيلِكَ، وَعَلى مِلَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم ..
• • • •
[
  رد مع اقتباس
قديم 12-10-2012, 11:19 PM   رقم المشاركة : 2
زينب بنتُ الزهــراء
مرشــدة سابقة
 
الصورة الرمزية زينب بنتُ الزهــراء








زينب بنتُ الزهــراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: (كلام في عبادة الاصنام في فصول)3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يارسول الله وعلى بضعتك الطاهرة وعلى آل بيتك الطاهرين جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يابقية الله في أرضه ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


(كلام في عبادة الاصنام في فصول) < بحث قرآني وروائي ..

4 - اتخاذ الاصنام لارباب الانواع وغيرهم:

كأن اتخاذ تماثيل الرجال هو الذى نبه الناس على اتخاذ صنم الاله إلا أنه لم يعهد منهم ان يتخذوا تمثالا لله سبحانه المتعالى أن يحيط به حد أو يناله وهم، وكأن هذا هو الذى صرفهم عن اتخاذ صنمه بل تفرقوا في ذلك فأخذ كل ما يهمه من جهات التدبير المشهود في العالم فتوسلوا إلى عبادة الله بعبادة من وكله إلى الله على تدبير تلك الجهة المعنى بها بزعمهم.
فالقاطنون في سواحل البحار عبدوا رب البحر لينعم عليهم بفوائدها ويسلموا من الطوفان والطغيان، وسكان الاودية رب الوادي، وأهل الحرب رب الحرب، وهكذا.
ولم يلبثوا دون ان اتخذ كل منهم ما يهواه من إله فيما يتوهمه من الصورة والشكل، ومما يختاره من فلز أو خشب أو حجارة أو غير ذلك حتى روى أن بنى حنيفة من اليمامة اتخذوا لهم صنما من أقط ثم أصابهم جدب وشملهم الجوع فهجموا عليه فأكلوه.
وكان الرجل إذا وجد شجرة حسنة أو حجرا حسنا وهواه عبده، وكانوا يذبحون غنما أو ينحرون إبلا فيلطخونه بدمه فإذا أصاب مواشيهم داء جاءوا بها إليه فمسحوها به، وكانوا يتخذون كثيرا من الاشجار أربابا فيتبركون بها من غير أن يمسوها بقطع أو كسر ويتقربون إليها بالقرابين ويأتون إليها بالنذورات والهدايا.
وساقهم هذا الهرج إلى ان ذهبوا في امر الاصنام مذاهب شتى لا يكاد يضبطها ضابط، ولا يحيط بها إحصاء غير أن الغالب في معتقداتهم انهم يتخذونها شفعاء يستشفعون بها إلى الله سبحانه ليجلب إليهم الخير ويدفع عنهم الشر، وربما أخذها بعض عامتهم معبودة لنفسها مستقلة بالالوهية من غير أن تكون شفعاء، وربما كانوا يتخذونها شفعاء ويقدمونها أو يفضلونها على الله سبحانه كما يحكيه القرآن في قوله تعالى: (فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم) الاية، الانعام: 136.
وكان بعضهم يعبد الملائكة، وآخرون يعبدون الجن، وقوم يعبدون الكواكب الثابتة كشعري، وطائفة تتخذ بعض السيارات إلها - وقد أشير إلى جميع ذلك في الكتاب الالهى - كل ذلك طمعا في خيرها أو خوفا من شرها.
وقل أن يتخذ إله من دون الله ولا يتخذ له صنم يتوجه إليه في العبادات به بل كانوا إذا اتخذوا شيئا من الاشياء إلها شفيعا عملوا له صنما من خشب أو حجر أو فلز، ومثلوا به ما يتوهمونه عليه من صورة الحياة فيسوونه في صورة إنسان أو حيوان وإن كان صاحب الصنم على غير الهيأة التى حكوه بها كالكواكب الثابتة والسيارة وإله العلم والحب والرزق والحرب ونحوها.
وكان الوجه في اتخاذ أصنام الشركاء قولهم: إن الاله لتعاليه عن الصورة المحسوسة كأرباب الانواع وسائر الالهة غير المادية أو لعدم ثباته على حالة الظهور كالكوكب الذى يتحول من طلوع الغروب يصعب التوجه إليه كلما أريد بالتوجه فمن الواجب أن يتخذ له صنم يمثله في صفاته ونعوته فيصمد إليه بوسيلته كلما أريد.
...............................
5 - الوثنية الصابئة.

الوثنية وإن رجعت - بالتقريب - إلى أصل واحد هو اتخاذ الشفعاء إلى الله وعبادة أصنامها وتماثيلها، ولعلها استولت على الارض وشملت العالم البشرى مرارا كما يحكيه القرآن الكريم عن الامم المعاصرة لنوح وإبراهيم وموسى (عليه السلام) إلا أن اختلاف المنتحلين بها بلغ من التشتت واتباع الاهواء والخرافات مبلغا كان حصر المذاهب الناشئة فيها كالمحال وأكثرها لا تبتنى على أصول متقررة وقواعد منتظمة متلائمة.
ومما يمكن أن يعد منها مذهبا قريبا من الانتظام والتحصل مذهب الصابئة والوثنية البرهمية والبوذية: أما الوثنية الصابئة فهى تبتنى على ربط الكون والفساد وحوادث العالم الارضى إلى الاجرام العلوية كالشمس والقمر وعطارد والزهرة ومريخ والمشترى وزحل وأنها بما لها من الروحانيات المتعلقة بها هي المدبرة للنظام المشهود يدبر كل منها ما يتعلق به من الحوادث على ما يصفه فن أحكام النجوم، ويتكرر بتكرر دوراتها الادوار والاكوار من غير أن تقف أو تنتهى إلى أمد.
فهى وسائط بين الله سبحانه وبين هذا العالم المشهود تقرب عبادتها الانسان منه تعالى ثم من الواجب أن يتخذ لها أصنام وتماثيل فيتقرب إليها بعبادة تلك الاصنام والتماثيل.
وذكر المؤرخون أن الذى أسس بنيانها وهذب أصولها وفروعها هو (يوذاسف) المنجم ظهر بأرض الهند في زمن طهمورث ملك إيران، ودعا إلى مذهب الصابئة فاتبعه خلق كثير، وشاع مذهبه في أقطار الارض كالروم واليونان وبابل وغيرها، وبنيت لها هياكل ومعابد مشتملة على أصنام الكواكب 7 ولهم أحكام وشرائع وذبائح وقرابين يتولاها كهنتهم.
وربما ينسب إليهم ذبح الناس.
وهؤلاء يوحدون الله في ألوهيته لا في عبادته، وينزهونه عن النقائص والقبائح، ويصفونه بالنفى لا بالاثبات كقولهم: لا يعجز ولا يجهل ولا يموت ولا يظلم ولا يجور، ويسمون ذلك بالاسماء الحسنى مجازا وليسوا بقائلين باسم حقيقة وقد قدمنا شيئا من تاريخهم في تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين) الاية، البقرة: 62 في الجزء الاول من هذا الكتاب.
.......................

المصدر / تفسير الميزان للسيد الطباطبائي , الجزء العاشر .


وفقكم الله لكل خير ببركات وسداد أهل البيت عليهم السلام ..






التوقيع

« من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، »
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين ..
• • • •
قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(( فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والائمة من ولدها
أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلف عنه هوى ))
• • • •
اَللّـهُمَّ اَعْطِني بَصيرَةً في دينِكَ، وَفَهْماً في حُكْمِكَ، وَفِقْهاً في عِلْمِكَ، وَكِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَوَرَعاً يَحْجُزُني عَنْ مَعاصيكَ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ،
وَاجْعَلْ رَغْبَتي فيـما عِنْدَكَ، وَتَوَفَّني في سَبيلِكَ، وَعَلى مِلَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم ..
• • • •
[
  رد مع اقتباس
قديم 12-10-2012, 11:24 PM   رقم المشاركة : 3
زينب بنتُ الزهــراء
مرشــدة سابقة
 
الصورة الرمزية زينب بنتُ الزهــراء








زينب بنتُ الزهــراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: (كلام في عبادة الاصنام في فصول)3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يارسول الله وعلى بضعتك الطاهرة وعلى آل بيتك الطاهرين جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يابقية الله في أرضه ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


(كلام في عبادة الاصنام في فصول) < بحث قرآني وروائي ..


6 - الوثنية البرهمية:


والبرهمية - على ما تقدم - من مذاهب الوثنية المتأصلة، ولعلها أقدمها بين الناس فإن المدنية الهندية من أقدم المدنيات الانسانية لا يضبط بدء تاريخي لها على التحقيق، ولا يضبط بدء تاريخي لوثنية الهند غير أن بعض المؤرخين كالمسعودي وغيره ذكروا أن برهمن اسم أول ملوك الهند الذى عمر بلادها وأسس قواعد المدنية فيها وبسط العدل بين أهلها.
ولعل البرهمية نشأت بعده باسمه فكثيرا ما كانت الامم الماضية يعبدون ملوكهم والاعاظم من أقوامهم لاعتقادهم أنهم ذووا سلطة غيبية وأن اللاهوت ظهر فيهم نوع ظهور، ويؤيده بعض التأييد أن الظاهر من (ويدا) وهو كتابهم المقدس أنه مجموع من رسائل ومقالات شتى ألف كل شطر منها بعض رجال الدين في أزمنة مختلفة ورثوها من بعدهم فجمعت وألفت كتابا يشير إلى دين ذى نظام وقد صرح به علماء سانسكريت ولازم ذلك أن يكون البرهمية كغيرها من مذاهب الوثنية مبتدئة من افكار عامية غير قيمة، متطورة في مراحل التكامل حتى بلغت حظها من الكمال.
ذكر البستانى في دائرة المعارف ما ملخصه: برهم (بفتحتين فسكون أو بفتح الباء والهاء وسكون الراء) هو المعبود الاول والاكبر عند الهنود، وهو عندهم اصل كل الموجودات واحد غير متغير وغير مدرك أزلى مطلق سابق كل مخلوق خلق العالم كله بمجرد ما أراد دفعة واحدة بقوله: أوم أي كن.
وحكاية برهم تشبه من كل وجه حكاية (أي بوذة) فليس الفرق إلا في الاسم والصفات وكثيرا ما يجعلون نفس برهم اسما للاقانيم الثلاثة المؤلف منها ثالوث الهنود، وهى: (برهما ووشنو وسيوا) ويقال لعبدة برهم: البرهميون أو البراهمة.
وأما برهما فهو نفس برهم معبود الهنود بعد ان شرع في أعماله (بدليل زيادة الالف في آخره وهو من اصطلاحاتهم) وهو الاقنوم الاول من الثالوث الهندي أي إن برهم ينبثق في نفسه في ثلاثة اقانيم كل مرة في اقنوم فالاقنوم الاول الذى يظهر به اول مرة هو برهما، والثانى وشنو، والثالث سيوا.

فلما انبثق برهما لبث مدة طويلة جالسا على سدرة تسمى بالهندية (كمالا) وبالسنسكريتية بدما، وكان ينظر من كل جهة، وكان له اربعة رؤوس بثماني أعين فلم ير إلا فضاء واسعا مظلما مملوء ماء فارتاع لذلك ولم يقدر أن يدرك سر أصله فلبث ساكتا أبكم غارقا في التأملات.
فمضت على ذلك اجيال وإذا بصوت قد طرق أذنيه بغتة ونبهه من سباته وأشار عليه ان يفزع إلى (باغادان) وهو لقب برهم فظهر برهم بصورة رجل له الف رأس فسجد له برهما وجعل يسبحه فانشرح صدر باغادان وأبدع النور وكشف الظلمات، وأظهر لعبده حالة كينونته والكائنات بصور جراثيم متخدرة وأعطاه القوة لاخراجها من هذا الخمول.
فبقى برهما يتأمل في ذلك مائة سنة إلهية وهى عبارة عن ستة و ثلاثين الف سنة شمسية ثم ابتدأ بالعمل فأبدع اولا سبع السماوات المسماة عندهم (سورغة) وأنارها بالاجرام المسماة (ديقانة) ثم أبدع (مريثلوكا) أي مقر الموت ثم الارض وقمرها، ثم المساكن السبعة السفلى المسماة بتالة، وأنارها بثمانية جواهر موضوعة على رؤوس ثمانى حيات.
فالسماوات السبع والمساكن السفلى السبعة هي العوالم الاربعة عشر في الميثولوجيا الهنديه.

ثم خلق الازواج السبعة لكى تعينه في أعماله فامتنع من مساعدته عشرة منها وهى (مونى) والريشة التسعة التى منها (ناريدا أو نوردام) واقتصرت على التأملات الدنيوية فتزوج حينئذ أخته (ساراسواتى) وأولدها مائة ولد، وكان البكر اسمه (دكشا) فولد لدكشا خمسون بنتا فتزوجت ثلث عشرة منهن (كاسيابا) الذى يسمونه احيانا برهمان الاول، وهو الذى ولد لبرهما ولدا يسمى (مارتشى).
وولدت احدى البنات المذكورات واسمها (أديتى) الارواح المنيرة المسماة (ديقانة) وهى التى تفعل الخير وتسكن السماوات، وأما أختها (ديتي) فولدت جمهورا غفيرا من الارواح الشريرة المسماة (داتينة) أو (اسورة) وهى سكان الظلام وفاعلة كل شر في العالم.
وكانت الارض إلى ذلك الوقت خالية من السكان فقال بعضهم: إن برهما أخرج من نفسه (مانوسويامبوقا) الذى يقول الاخرون: إنه سابق له وأنه نفس برهم المعبود الواحد ثم إن برهما زوجه (ساتاروبا) وقال لهما أن يكثرا وينميا.
وقال آخرون: إن برهما ولد اربعة اولاد وهم برهمان وكشتريا وقايسيا وسودارا فالاول خرج من فمه، والثانى من ذراعه اليمنى، والثالث من فخذه اليمنى والرابع من رجله اليمنى فكانوا أربع أرومات لاربع فرق أصلية.
وتزوج الثلاثة الاخيرون بثلاث نساء منه أيضا خرجت واحدة من ذراعه اليمنى والثانية من فخذه اليسرى، والثالثة من رجله اليسرى، وسمين باسم بعولتهن بزيادة علامة التأنيث وهى (نى)، وتزوج برهمان أيضا زوجة من أبيه، ولكن كانت من نسل الاسورة الشريرة، فهذا ما في الفيداس عن كيفية خلق العالم.

ثم إن برهما بعد أن كان الاله الخالق القدير سقط عن رتبة وشنو الاقنوم الثاني وسيوا الاقنوم الثالث وذلك أنه انتفخ بالكبرياء والعجب، وظن نفسه نظير العلى فسقط في ناراك أي الجحيم، ولم ينل العفو إلا بشرط أن يتجسد مرة في كل من الاجيال الاربعة، فتجسد أول مرة بصورة غراب شاعر اسمه (كاكابوسندا) وفي الثانية بصورة (بارباقلميكى) فكان أولا لصا ثم رجلا عبوسا رزينا نادما ثم ترجمانا مشهورا للفيداس ومؤلفا للراميانا، وفي المرة الثالثة بصورة (قياسا) وهو شاعر ومؤلف (المهابارانا) والبغاقة وعدة بورانات، وفي المرة الرابعة وهو العصر الحالى المسمى (كالى يوغ) بصورة (كاليداسا) الشاعر التشخيصى العظيم ومؤلف (ساكنتالا) ومنقح مؤلفات (قلميكى).
ثم إن برهما ظهر في ثلاث أحوال، ففى الحال الاولى كان الواحد الصمد والكل الاعظم العلى، وفي الحال الثانية ظهر منبثقا من الاول أي شارعا في العمل وفي الحال الثالثة ظهر متجسدا بصورة انسان وحكيم.
وليس لبرهما عبادة عامة في الهند، وله هناك هيكل واحد فقط غير أن البراهمة يجعلونه موضوع عبادتهم، ويدعونه مساء وصباحا، وهم يرمون الماء ثلاث مرات براحة أيديهم على الارض ونحو الشمس، ويجددون له عبادتهم وقت الظهر بتقديمهم له زهرة، وفي تقديس النار يقدمون له سمنا مصفى كما يقدمون لاله النار، وهذا التقديس أهم وأقدس من كل ما سواه.
واسمه هوم أو هوما ورغيب.
ويمثل برهما بصورة رجل ذى لحية طويلة بإحدى يديه سلسلة الكائنات وبالاخرى الاناء الذى فيه ماء الحياة السماوي راكبا الهمسا وهو الطير الالهى الذى يشبه اللقلق والنسر.
وأما برهمان فهو ابن برهما البكر أخرجه من فيه كما تقدم، وجعل نصيبه أربعة الكتب المقدسة المسماة (فيداس) كناية عن الكلمات الاربع التى نطق بها بأفواهه الاربعة.
فلما أراد برهمان أن يتزوج نظير إخوته قال له برهما: إنك ولدت للدرس والصلاة فيجب أن تبتعد عن العلاقات الجسدية فلم يقتنع برهمان بقول أبيه فغضب برهما وزوجه بواحدة من جنيات الشر المسماة أسورة، ومن هذا ولد البراهمة وهم الكهنة المقدسون الذين خصوا بتفسير الفيداس، وكانوا يتولون أمر كل التقدمات التى يقدمها الهنود للالهة.
وولد كشتريا صنف الحربيين من البراهمة، وقايسيا صنف أهل الزراعة منهم، وسودرا صنف العبيد، فالبراهمة أربعه أصناف، انتهى ملخصا من دائرة المعارف للبستاني.
وذكر غيره أن البرهمية منقسمة إلى طبقات أربع هم البراهمة (علماء المذهب) والحربيون والزراع والتجار، ولا يعبؤ بغيرهم كالنساء والعبيد، وقد نقلنا في ذيل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) الاية، المائدة: 105 في الجزء السادس من الكتاب في بحث علمي عن كتاب ما للهند من مقولة لابي ريحان البيرونى شيئا من وظائف البراهمة وعباداتهم، وكذا عن الملل والنحل للشهرستاني شطرا من شرائع الصابئين.
والمذاهب الوثنية الهندية وكان الصابئين مثلهم أيضا مطبقون على القول بالتناسخ وهو أن العوالم غير متناهية من ناحيتى الازل والابد ولكل منها حظا من البقاء مؤجلا فإذا انقضى أمد بقائه بطلت صورته وتولد منه عالم آخر يعيش فيموت فيحدث ثالث وهكذا، والنفوس الانسانية المتعلقة بالابدان لا تموت بموت أبدانها بل موت أبدانها مبدء حياة جديدة لها فإنها تتعلق بأبدان أخر تعيش فيها عيشة سعيدة إن كسبت في بدنها السابق فضائل نفسانية وعملت عملا صالحا، وعيشة شقية إن تلبست بالرذائل واقترفت السيئات إلا الكاملون في معرفة البرهم (الله سبحانه) فإنهم أحياء بحياة الابد آمنون من التولد الثاني خارجون عن سلطان التناسخ.

.......................
المصدر / تفسير الميزان للسيد الطباطبائي , الجزء العاشر .


وفقكم الله لكل خير ببركات وسداد أهل البيت عليهم السلام ..






التوقيع

« من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، »
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين ..
• • • •
قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(( فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والائمة من ولدها
أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلف عنه هوى ))
• • • •
اَللّـهُمَّ اَعْطِني بَصيرَةً في دينِكَ، وَفَهْماً في حُكْمِكَ، وَفِقْهاً في عِلْمِكَ، وَكِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَوَرَعاً يَحْجُزُني عَنْ مَعاصيكَ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ،
وَاجْعَلْ رَغْبَتي فيـما عِنْدَكَ، وَتَوَفَّني في سَبيلِكَ، وَعَلى مِلَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم ..
• • • •
[
  رد مع اقتباس
قديم 12-10-2012, 11:31 PM   رقم المشاركة : 4
زينب بنتُ الزهــراء
مرشــدة سابقة
 
الصورة الرمزية زينب بنتُ الزهــراء








زينب بنتُ الزهــراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: (كلام في عبادة الاصنام في فصول)3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يارسول الله وعلى بضعتك الطاهرة وعلى آل بيتك الطاهرين جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يابقية الله في أرضه ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


(كلام في عبادة الاصنام في فصول) < بحث قرآني وروائي ..
7 - الوثنية البوذية:

وقد أصلحت الوثنية البرهمية (1) بالبوذية منسوبة إلى بوذا (سقيامونى) المتوفى سنة خمسماءة وثلاث وأربعين قبل المسيح على ما نقل عن التاريخ السيلانى وقيل غير ذلك حتى أن الاختلاف في ذلك ينسحب إلى ألفى سنة، ولذلك ربما ظن أنه شخص

* (هامش) *
(1) ملخص ما في دائرة المعارف للبستاني.
(*)

خرافي لا حقيقة له لكن الحفريات الاخيرة التى وقعت في غايا الحديثة وآثارا أخرى في بطنة دلت على صحة وجوده، وقد انكشفت بها آثار أخرى من تاريخ حياته وتعاليمه التى ألقاها إلى تلامذته وأتباعه.
وكان بوذا من بيت الملك ابن ملك يدعى (سوذودانا) فعزفت نفسه الدنيا وشهواتها واعتزل الناس في شبابه ولبث في بعض الغابات الموحشة سنين من عمره مكبا على التزهد والارتياض حتى تنورت نفسه بالمعرفة فخرج إلى الناس وهو ابن ست وثلاثين سنة على ما قيل فدعاهم إلى التخلص عن الشقاء والالام والفوز بالراحة الكبرى والحياة السماوية الابدية السرمدية، ووعظهم وحثهم على التمسك بذيل شريعته بالتخلق بالاخلاق الكريمة ورفض الشهوات واجتناب الرذائل.
وكان بوذا - على ما نقل - يقول عن نفسه من دون كبرياء برهمية: (أنا (1) متسول، ولا توجد إلا شريعة واحدة للجميع، وهى العقاب الشديد للمجرمين والثواب العظيم للصالحين، وشريعتي شريعة نعمة للجميع، وفيها كالسماء مكان للرجال والنساء والصبيان والبنات والاغنياء والفقراء على أنه يعسر على الغنى أن يسلك طريقها).
وكان تعليمه على ما عند البوذيين: أن الطبيعة ذات فراغ وأنها وهمية خداعة وأن العدم يوجد في كل مكان وكل زمان، وهو مملوء من الغش، ونفس هذا العدم يزيل كل الحواجز بين أصناف الناس وجنسياتهم وأحوالهم الدنيوية، ويجعل أحقر الديدان إخوة للبوذيين.
وهم يعتقدون أن آخر عبارة نطق بها سقيامونى هي (كل مركب فان) والغاية القصوى عندهم هي نجاة النفس من كل ألم وغرور، وأن دور التناسخ الذى لا نهاية له ينتهى أو ينقطع بمنع النفس أن تولد ثانية، ويتوصل إلى ذلك بتطهيرها حتى من رغبة الوجود.
فهذه القواعد الاساسية للبوذية موجودة صريحا في أقدم تعليمها المدرج في

* (هامش) *
(1) أي تصيبني التسويلات والوساوس النفسانية وفى كلامه هذا نسخ لحكم الطبقات في الشريعة البرهمية القاضى بتفاوت الناس في التشرف بالسعادة الدينية وتحريم بعضهم كالنساء والصبيان منها.
(الاريانى ستيانس) وهى أربع حقائق سامية تنسب إلى سقيامونى ذكرها في عظته الاولى التى قام بها في غابة تعرف بغابة الغزال بالقرب من بنارس.
وتلك الحقائق الاربع تتعلق بالالم وأصله وملاشاته وبالطريقة المؤدية إلى الملاشاة فالالم هو الولادة والسن والمرض والموت ومصادفة المكروه ومفارقة المحبوب والعجز عما يرام، وأسباب الالم الشهوات النفسانية والجسدية والاهواء، وملاشاة جميع هذه الاسباب هي الحقيقة الثالثة، ولطريقة الملاشاة أيضا ثمانية أقسام وهى: نظر صحيح وحس صحيح، ونطق صحيح، وفعل صحيح، ومركز صحيح، وجد صحيح وذكر صحيح، وتأمل صحيح، فهذه صورة الايمان عندهم وقد وجدت محفورة على أبنية كثيرة ومدونة في عدة كتب.
وأما خلاصة الادب البوذى فهى اجتناب كل شئ ردى، وعمل كل شئ صالح وتهذيب العقل.
فهذا هو الذى سلموه من تعليم بوذا، وما عداه من العبادات والذبائح والكهنوت والفلسفة والاسرار أمور أضيفت إليه بكرور الايام ومرور الدهور، وهى تشتمل على أقاويل وآراء عجيبة في خلق العالم ونظمه وغير ذلك.
ومما يقال إن بوذا لم يتكلم عن الاله قط، غير ان ذلك لم يكن لاعراض منه عن مبدء الوجود ولا لانكار بل لان الرجل كان يبذل كل جهده في تجهيز الناس بالزهد عن زهرة الحياة الدنيا وتنفيرهم عن هذه الدار الغارة.
.........................
8 - وثنية العرب.

وهم أول من عارضهم الاسلام بالدعوة إلى التوحيد من عبدة الاوثان، كان معظم العرب في عهد الجاهلية بدويين واهل الحضارة منهم كاليمن في طبع البداوة يحكم فيهم من السنن والاداب رسوم مختلطة مختلفة مأخوذة من جيرانهم الاقوياء كالفرس والروم و********* والحبشة والهند، ومنها السنن الدينية.
وكان أسلافهم الاقدمون وهم العرب العاربة ومنهم عاد إرم وثمود على دين الوثنية كما يحكيه الله سبحانه في كتابه عن قوم هود وصالح وعن أصحاب مدين وعن اهل سبأ في قصة سليمان والهدهد، حتى أن جاء ابراهيم (عليه السلام) بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى ارض مكة وهى واد غير ذى زرع وبها قبيلة جرهم، وأسكنهما هناك فنشأ إسماعيل (عليه السلام) وبنيت بلدة مكة، وبنى إبراهيم (عليه السلام) الكعبة البيت الحرام ودعا الناس إلى دينه الحنيف وهو الاسلام فاستجيب له في الحجاز وما والاها وشرع لهم الحج كما يدل على جملة ذلك قول الله تعالى له فيما يحكيه القرآن: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، الحج: 27 ثم تهود بعض الاعراب لمعاشرة كانت بينهم وبين اليهود النازلين بالحجاز، وتسربت النصرانية إلى بعض أقطار الجزيرة، والمجوسية إلى بعضها الاخر.
ثم وقعت وقائع بين آل إسماعيل وجرهم بمكة حتى آل إلى غلبة آل إسماعيل وإجلاء جرهم منها واستولى عمرو بن لحى على مكة وما والاها.
ثم إنه مرض مرضا شديدا فقيل له: إن البلقاء من أرض الشام حمة لو استحممت بها برئت فقصدها واستحم بها فبرئ، ورأى هناك قوما يعبدون الاصنام فسألهم عنها فقالوا: هذه ارباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والاشخاص البشرية نستنصر بها فننصر ونستسقى بها فنسقى فأعجبه ذلك فطلب منهم صنما من اصنامهم فدفعوا إليه هبل فرجع إلى مكة ووضعه على الكعبة، وكان معه إساف ونائلة وهما صنمان على شكل زوجين - كما في الملل والنحل - أو شابين - كما في غيره - فدعا الناس إلى عبادة الاصنام وروج ذلك بين قومه فعادوا يعبدونها بعد إسلامهم وقد كانوا يسمون حنفاء لاتباعهم ملة ابراهيم (عليه السلام) فبقى عليهم الاسم وهجرهم المعنى وصار الحنفاء اسما للوثنيين (1) منهم.
وكان مما يقربهم إلى الوثنية أن الكعبة المشرفة كان يعظمها اليهود والنصارى والمجوس والوثنية جميعا فكان لا يظعن من مكة ظاعن إلا حمل معه شيئا من حجارة الحرم تبركا وصبابة، وحيثما حلوا وضعوه وطافوا به تيمنا وحبا للكعبة والحرم.
وعن هذه الاسباب شاعت الوثنية بين العرب عاربهم ومستعربهم ولم يبق من أهل التوحيد بينهم إلا آحاد لا يذكرون، وكان من الاصنام المعروفة بينهم هبل وإساف ونائلة، وهى التى أتى بها عمرو بن لحى ودعا إليها الناس، واللات والعزى

* (هامش) *
(1) ولعل هذا هو الوجه في اصرار القرآن على توصيف ابراهيم بالحنيف والاسلام بالحنيفية.
(*)
ومناة وود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وقد ذكرت هذه الثمان في القرآن ونسبت الخمس الاواخر منها إلى قوم نوح.
وروى في الكافي بإسناده إلى عبد الرحمان بن الاشل بياع الانماط عن الصادق (عليه السلام) أن يغوث كان موضوعا قبالة باب الكعبة، وكان يعوق عن يمين الكعبة ونسر عن يسارها.
وفي الرواية ايضا أن هبل كان على سطح الكعبة وإساف ونائلة على الصفا والمروة.
وفي تفسير القمى قال: كانت ود لكلب، وكانت سواع لهذيل ويغوث لمراد، وكانت يعوق لهمدان، وكانت نسر لحصين.
وكانت في الوثنية التى عندهم آثار من وثنية الصابئة كالغسل من الجنابة وغيره.
وفيها آثار من البرهمية كالقول بالانواء والقول بالدهر كما تقدم عن وثنية بوذه قال تعالى: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) الجاثية: 24 وإن ذكر بعضهم أنه قول الماديين المنكرين لوجود الصانع.
وفيها شئ من الدين الحنيف وهو اسلام إبراهيم (عليه السلام) كالختنة والحج إلا أنهم خلطوه بسنن وثنية كالتمسح بالاصنام التى حول الكعبة والطواف عريانا، والتلبية بقولهم: لبيك لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك.
وعندهم أمور أخر اختلقوه من عند أنفسهم كالقول بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام والقول بالصدى والهام والانصاب والازلام وأمور أخر مذكورة في التواريخ وقد تقدم تفسير البحيرة والسائبة والوصيلة والحام في سورة المائدة في ذيل آية 103 وكذا ذكر الازلام والانصاب في ذيل آية 3 وآية 90.



.......................
المصدر / تفسير الميزان للسيد الطباطبائي , الجزء العاشر .




وفقكم الله لكل خير ببركات وسداد أهل البيت عليهم السلام ..







التوقيع

« من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، »
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين ..
• • • •
قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(( فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والائمة من ولدها
أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلف عنه هوى ))
• • • •
اَللّـهُمَّ اَعْطِني بَصيرَةً في دينِكَ، وَفَهْماً في حُكْمِكَ، وَفِقْهاً في عِلْمِكَ، وَكِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَوَرَعاً يَحْجُزُني عَنْ مَعاصيكَ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ،
وَاجْعَلْ رَغْبَتي فيـما عِنْدَكَ، وَتَوَفَّني في سَبيلِكَ، وَعَلى مِلَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم ..
• • • •
[
  رد مع اقتباس
قديم 12-10-2012, 11:38 PM   رقم المشاركة : 5
زينب بنتُ الزهــراء
مرشــدة سابقة
 
الصورة الرمزية زينب بنتُ الزهــراء








زينب بنتُ الزهــراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: (كلام في عبادة الاصنام في فصول)3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يارسول الله وعلى بضعتك الطاهرة وعلى آل بيتك الطاهرين جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يابقية الله في أرضه ..


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


(كلام في عبادة الاصنام في فصول) < بحث قرآني وروائي ..

9 - دفاع الاسلام عن التوحيد و منازلته الوثنية.

لم تزل الدعوة الالهية تخاصم الوثنية وتقاومه وتندب إلى التوحيد كما ذكره الله في كتابه فيما يقصه من دعوة الانبياء والرسل كنوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب وموسى (عليهم السلام)، وأشير إلى ذلك في قصص عيسى ولوط ويونس (عليهم السلام).
وقد أجمل القول في ذلك في قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) الانبياء: 25.
وقد بدأ النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته العامة بدعاء الوثنيين من قومه إلى التوحيد بالحكمة والموعظة والجدال بالتى هي أحسن فلم يجيبوه إلا بالاستهزاء والاذى وفتنة من آمن به منهم وتعذيبه أشد العذاب حتى اضطر جمع من المسلمين إلى ترك مكة والهجرة إلى الحبشة، ثم مكروا لقتله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهاجر إلى المدينة ثم هاجر إليها بعده عدة من المؤمنين.
ولم يلبثوا حتى تعلقوا به بالقتال، وقاتلوه ببدر وأحد والخندق وفي غزوات اخرى كثيرة حتى أظهره الله تعالى عليهم بفتح مكة فظهر (صلى الله عليه وآله وسلم) البيت والحرم من أوثانهم، وكسر الاصنام المنصوبة حول الكعبة المشرفة، وكان هبل منصوبا على سطح الكعبة فأصعد عليا (عليه السلام) إليه فرماه إلى الارض وكان - على ما يقال - أعظم أصنامهم فدفن - على ما ذكروه - في عتبة باب المسجد.
والاسلام شديد العناية بحسم مادة الوثنية وتخلية القلوب عن الخواطر الداعية إليها وصرف النفوس حتى عن الحومان حولها والاشراف عليها، وذلك مشهود مما ندب إليه من المعارف الاصلية والاخلاق الكريمة والاحكام الشرعية فتراه يعد الاعتقاد الحق أنه لا إله إلا الله له الاسماء الحسنى يملك كل شئ، له الوجود الاصيل الذى يستقل بذاته وهو الغنى عن العالمين، وكل ما هو غيره منه يبتدئ واليه يعود، واليه يفتقر في جميع شؤون ذاته حدوثا وبقاء فمن أسند إلى شئ شيئا من الاستقلال بالقياس إليه تعالى - لا بالقياس إلى غيره - في شئ من ذاته أو صفاته أو اعماله فهو مشرك بحسبه.
وتراه يأمر بالتوكل على الله، والثقة بالله، والدخول تحت ولاية الله، والحب في الله، والبغض في الله، وإخلاص العمل لله، رو ينهى عن الاعتماد بغير الله، والركون إلى غيره، والاطمئنان إلى الاسباب الظاهرة ورجاء من دونه، والعجب والكبر إلى غير ذلك مما يوجب إعطاء الاستقلال لغيره والشرك به.
وتراه ينهى عن السجدة لغيره تعالى، وينهى عن اتخاذ التماثيل ذوات الاظلال وعن تصوير ذوى الارواح، وينهى عن طاعة غير الله والاصغاء إليه فيما يأمر وينهى إلا ما رجع إلى طاعة الله كطاعة الانبياء وأئمة الدين، وينهى عن البدعة واتباعها وعن اتباع خطوات الشيطان.
والاخبار المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) متظافرة في أن الشرك ينقسم إلى جلى وخفى، وأن الشرك ذو مراتب كثيرة لا يسلم من جميعها إلا المخلصون، وأنه أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، وقد روى في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء: 89، القلب السليم الذى يلقى ربه ليس فيه أحد سواه.
قال: وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للاخرة.
وورد أيضا أن عبادته تعالى طمعا في الجنة عبادة الاجراء، وعبادته خوفا من النار عبادة العبيد، وحق العبادة أن يعبد تعالى حبا له وتلك عبادة الكرام، وهذا مقام مكنون لا يمسه إلا المطهرون وقد تقدمت عدة من هذه الروايات في بعض الابحاث السابقة من الكتاب.
.......................
10 - بناء سيرة النبي على التوحيد ونفى الشركاء:

أجمل تعالى سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) التى أمره باتخاذها والسير بها في المجتمع البشرى في قوله: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران: 64، وقال تعالى يشير إلى ما داخل دينهم من عقائد الوثنية: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) المائدة: 77.
وقال أيضا يذم أهل الكتاب: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) التوبة: 31.
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سوى بين الناس في إجراء الاحكام والحدود وقارب بين طبقات المجتمع كالحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والخادم والمخدوم، والغنى والفقير، والرجل والمرأة، والشريف والوضيع فلا كرامة ولا فخر ولا تحكم لاحد على أحد إلا كرامة التقوى والحساب إلى الله والحكم إليه.
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بالسوية، وينهى عن تظاهر القوى بقوته بما يتأثر وينكسر به قلب الضعيف المهين كتظاهر الاغنياء بزينتهم على الفقير المسكين، والحكام والرؤساء بشوكتهم على الرعية.
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعيش كأحد من الناس لا يمتاز منهم في مأكل أو مشرب أو ملبس أو مجلس أو مشية أو غير ذلك، وقد تقدم جوامع سيرته في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب.
****
تم البحث بحمد الله وعونه *
.......................
المصدر / تفسير الميزان للسيد الطباطبائي , الجزء العاشر .


وفقكم الله لكل خير ببركات وسداد أهل البيت عليهم السلام ..






التوقيع

« من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، »
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين ..
• • • •
قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(( فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والائمة من ولدها
أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلف عنه هوى ))
• • • •
اَللّـهُمَّ اَعْطِني بَصيرَةً في دينِكَ، وَفَهْماً في حُكْمِكَ، وَفِقْهاً في عِلْمِكَ، وَكِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَوَرَعاً يَحْجُزُني عَنْ مَعاصيكَ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ،
وَاجْعَلْ رَغْبَتي فيـما عِنْدَكَ، وَتَوَفَّني في سَبيلِكَ، وَعَلى مِلَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم ..
• • • •
[
  رد مع اقتباس
قديم 12-10-2012, 11:54 PM   رقم المشاركة : 6
زينب بنتُ الزهــراء
مرشــدة سابقة
 
الصورة الرمزية زينب بنتُ الزهــراء








زينب بنتُ الزهــراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: (كلام في عبادة الاصنام في فصول)3 - كيف نشأت الوثنية؟ وبما ذا بدأت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يارسول الله وعلى بضعتك الطاهرة وعلى آل بيتك الطاهرين جميعاً ورحمة الله وبركاته ..
السلام عليك ياسيدي ومولاي يابقية الله في أرضه ..



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


(كلام آخر ملحق بالكلام السابق) < في فصول ..

نزن فيه تعليم القرآن الكريم بقياسه إلى تعاليم ويدا، و أوستا، والتوراة، والانجيل على نحو الاجمال والكلية في فصول وهذا بحث تحليلي شريف.

1 - التناسخ عند الوثنيين:

من الاصول الاولية التى تبتنى عليها البرهمية ومثلها البوذية والصابئية هو التناسخ وهو أن العالم محكوم بالكون والفساد دائما فهذا العالم المشهود لنا وكذا ما فيه من الاجزاء مكون عن عالم مثله سابق عليه وهكذا إلى غير النهاية، وسيفسد هذا العالم كما لا يزال يفسد أجزاؤه ويتكون منه عالم آخر وهكذا إلى غير النهاية، والانسان يعيش في كل من هذه العوالم على ما اكتسبه في عالم يسبقه فمن عمل صالحا واكتسب ملكة حسنة فستتعلق نفسه بعد مفارقة البدن بالموت ببدن سعيد ويعيش على السعادة، وهو ثوابه، ومن أخلد إلى الارض واتبع هواه فسوف يعيش بعد الموت في بدن شقى ويقاسي فيه أنواع العذاب إلا من عرف البرهم واتحد به فإنه ينجو من الولادة الثانية ويعود ذاتا أزلية أبدية هي عين البهاء والسرور والحياة والقدرة والعلم لا سبيل للفناء والبطلان إليها.
ولذلك كان من الواجب الدينى على الانسان أن يؤمن بالبرهم (وهو الله اصل كل شئ) ويتقرب إليه بالقرابين والعبادات، ويتحلى بالاخلاق الكريمة والاعمال الصالحة فإن عزفت نفسه الدنيا وتخلق بكرائم الاخلاق وتحلى بصوالح الاعمال وعرف البرهم بمعرفة نفسه صار برهمنا واتحد بالبرهم وصار هو هو، وهو السعادة الكبرى والحياة البحتة، وإلا فليؤمن بالبرهم وليعمل صالحا حتى يسعد في حياته التالية وهى آخرته.
لكن البرهم لما كان ذاتا مطلقة محيطا بكل شئ غير محاط لشئ كان أعلى وأجل من أن يعرفه الانسان إلا بنوع من نفى النقائص أو يناله بعبادة أو قربان فمن الواجب علينا أن نتقرب بالعبادة إلى اوليائه وأقوياء خلقه حتى يكونوا شفعاء لنا عنده، وهؤلاء هم الالهة الذين يعبدون من دون الله بعبادة اصنامهم، وهم على كثرتهم إما من الملائكة أو من الجن أو من أرواح المكملين من البراهمة، وإنما يعبد الجن خوفا من شرهم، وغيرهم طمعا في رحمتهم وخوفا من سخطهم ومنهم الازواج والبنون والبنات لله تعالى.
فهذه جمل ما تتضمنه البرهمية ويعلمه علماء المذهب من البراهمة.
لكن الذى يتحصل من (أوبانيشاد) وهو القسم الرابع من كتاب (ويدا) المقدس ربما لم يوافق ما تقدم من كليات عقائدهم وإن اوله علماء المذهب من البراهمة.
فإن الباحث الناقد يجد أن رسائل (أوبانيشاد) المعلمة للمعارف الالهية وإن كانت تصف العالم الالوهى والشؤون المتعلقة به من الاسماء والصفات والافعال من إبداء وإعادة وخلق ورزق وإحياء وإماتة وغير ذلك بما يوصف به الامور الجسمانية المادية كالانقسام والتبعض والسكون والحركة والانتقال والحلول والاتحاد والعظم والصغر وسائر الاحوال الجسمانية المادية إلا أنها تصرح في مواضع منها أن برهم (2) ذات مطلقة متعالية من أن يحيط به حد له الاسماء الحسنى والصفات العليا من حياة وعلم وقدرة، منزه عن نعوت النقص وأعراض المادة، والجسم ليس كمثله شئ.
وتصرح (3) بأنه تعالى أحدى الذات لم يولد من شئ ولم يلد شيئا وليس له

* (هامش) *
(1) أوبانيشاد كالخاتمة لكتب (ويدا) المقدسة وهى رسائل متفرقة مأثورة من كبار رجال الدين من عرفائهم القدماء الاقدمين تحتوى جمل ما حصلوه من المعارف الالهية بالكشف ويعتبرها البراهمة وحيا سماويا.
(2) هذا كثير الورود يعثر عليه الراجع في أغلب فصول أوبانيشاد.
(3) (لم يولد منه شئ ولم يتولد من شئ وليس له كفوا أحد) اوبانيشاد (شيت استر) ادهيا السادس آية 8 (السر الاكبر).
كفو ومثل البتة.
وتصرح (1) بأن الحق أن لا يعبد غيره تعالى ولا يتقرب إلى غيره بقربان بل الحرى بالعبادة هو وحده لا شريك له.
وتصرح (2) كثيرا بالقيامة وأنه الاجل الذى ينتهى إليه الخلقة، وتصف ثواب الاعمال وعقابها بعد الموت بما لا يأبى الانطباق على البرزخ من دون أن يتعين حمله على التناسخ.
ولا خبر في هذه الابحاث الالهية الموردة فيها عن الاوثان والاصنام وتوجيه العبادات وتقديم القرابين إليها.
وهذه التى نقلناها من (أوبانيشاد) - وما تركناه اكثر - حقائق سامية ومعارف حقة تطمئن إليها الفطرة الانسانية السليمة، وهى - كما ترى - تنفى جميع أصول الوثنية الموردة في اول البحث.
والذى يهدى إليه عميق النظر أنها كانت حقائق عالية كشفها آحاد من أهل ولاية الله ثم أخبروا بما وجدوا بعض تلامذتهم الاخذين منهم غير أنهم تكلموا غالبا بالرمز واستعملوا في تعاليمهم الامثال.
ثم جعل ما أخذ من هؤلاء أساسا تبتنى عليه سنة الحياة التى هي الدين المجتمع عليه عامة الناس، وهى معارف دقيقة لا يحتملها إلا الاحاد من أهل المعرفة لارتفاع سطحها عن الحس والخيال اللذين هما حظ العامة من الادراك وكمال صعوبة إدراكها على العقول الراجلة غير المتدربة في المعارف الحقة.
واختصاص نيلها بالاقلين من الناس وحرمان الاكثرين من ذلك وهى دين إنساني أول المحذور فإن الفطرة أنشأت العالم الانساني مغروزة على الاجتماع المدنى، وانفصال بعضهم عن بعض في سنة الحياة وهى الدين إلغاء لسنة الفطرة وطريقة الخلقة.
على أن في ذلك تركا لطريق العقل وهو أحد الطرق الثلاث: الوحى والكشف

* (هامش) *
(1) قال شبت استر: (اعمل الصالحات لتلك الذات النورانية إلى أي ملك اقدم القربان وأترك تلك الذات الظاهرة؟) اوبانيشاد شيت استر.
ادهيا الرابع آية 13.
(2) وهذا كثير الورود في فصول اوبانيشاد يعثر عليه المراجع.
(*)
والعقل، وأعمها وأهمها بالنظر إلى حياة الانسان الدنيوية فالوحي لا يناله إلا أهل العصمة من الانبياء المكرمين، والكشف لا يكرم به إلا الاحاد من أهل الاخلاص واليقين، الناس حتى أهل الوحى والكشف في حاجة مبرمة إلى تعاطى الحجة العقلية في جميع شؤون الحياة الدنيوية ولا غنى لها عن ذلك، وفي إهمال هذا الطريق تسليط التقليد الاجباري على جميع شؤن المجتمع الحيوية من اعتقادات وأخلاق وأعمال، وفي ذلك سقوط الانسانية.
على أن في ذلك إنفاذا لسنة الاستعباد في المجتمع الانساني ويشهد بذلك التجارب التاريخي المديد في الامم البشرية التى عاشت في دين الوثنية أو جرت فيهم سنن الاستعباد باتخاذ أرباب من دون الله.

2 - سريان هذه المحاذير إلى سائر الاديان:

الاديان العامة الاخر على ما فيها من القول بتوحيد الالوهية لم تسلم من شرك العبادة فساقهم ذلك إلى الابتلاء بعين ما ابتليت به الوثنية البرهمية من المحاذير التى أهمها الثلاثة المتقدمة.
أما البوذية والصابئة فذلك فيهم ظاهر والتاريخ يشهد بذلك، وقد تقدم شئ مما يتعلق بعقائدهم وأعمالهم.
وأما المجوس فهم يوحدون (أهورامزدا) بالالوهية لكنهم يخضعون بالتقديس ليزدان وأهريمن والملائكة الموكلين بشؤون الربوبية وللشمس والنار وغير ذلك، والتاريخ يقص ما كانت تجرى فيهم من سنة الاستعباد واختلاف الطبقات والتدبر والاعتبار يقضى أنه إنما تسرب ذلك كله إليهم من ناحية تحريف الدين الاصيل، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم: (أنه كان لهم نبى فقتلوه وكتاب فأحرقوه).
وأما اليهود فالقرآن يقص كثيرا من أعمالهم وتحريفهم كتاب الله واتخاذهم العلماء أربابا من دون الله، وما ابتلاهم الله به من انتكاس الفطرة ورداءة السليقة.
وأما النصارى فقد فصلنا القول فيما انحرفوا فيه من النظر والعمل في الجزء الثالث من الكتاب فراجع وإن شئت فطبق مفتتح إنجيل يوحنا ورسائل بولس على سائر الاناجيل وتممه بمراجعة تاريخ الكنيسة فالكلام في ذلك طويل.
فالبحث العميق في ذلك كله ينتج أن المصائب العامة في المجتمعات الدينية في العالم الانساني من مواريث الوثنية الاولى التى أخذت المعارف الالهية والحقائق العالية الحقة مكشوفة القناع مهتوكة الستر فجعلتها أساس السنن الدينية، وحملتها على الافهام العامة التى لا تأنس إلا بالحس والمحسوس فأنتج ذلك ما أنتج.

3 - إصلاح الاسلام لهذه المفاسد:

أما الاسلام فإنه أصلح هذه المفاسد إذ قلب هذه المعارف العالية في قالب البيان الساذج الذى يصلح لهضم الافهام الساذجة والعقول العادية فصارت تلامسها من وراء حجاب وتتناولها ملفوفة محفوفة، وهذا هو الذى يصلح به حال العامة وأما الخاصة فإنهم ينالونها مسفرة مكشوفة في جمالها الرائع وحسنها البديع آمنين مطمئنين وهم في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، قال الله تعالى: (والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم) الزخرف: 4، وقال: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) الواقعة: 79، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنا معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).
وعالج غائلة الشرك والوثنية في مرحلة التوحيد بنفى الاستقلال في الذات والصفات عن كل شئ إلا الله سبحانه فهو تعالى القيوم على كل شئ، وركز الافهام في معرفة الالوهية بين التشبيه والتنزيه فوصفه تعالى بأن له حياة لكن لا كحياتنا، وعلما لا كعلمنا، وقدرة لا كقدرتنا وسمعا لا كسمعنا، وبصرا لا كبصرنا، وبالجملة ليس كمثله شئ وأنه أكبر من أن يوصف، وأمر الناس مع ذلك أن لا يقولوا في ذلك قولا إلا عن علم، ولا يركنوا إلى اعتقاد إلا عن حجة عقلية يهضمها عقولهم وأفهامهم.
فوفق بذلك أولا لعرض الدين على العامة والخاصة شرعا سواء، وثانيا أن استعمل العقل السليم من غير أن يترك هذه الموهبة الالهية سدى لا ينتفع بها، وثالثا أ أن قرب بين الطبقات المختلفة في المجتمع الانساني غاية ما يمكن فيها من التقريب من غير ان ينعم على هذا ويحرم ذاك أو يقدم واحدا ويؤخر آخر قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الانبياء: 92 وقال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: 13.
وهذا إجمال من القول يمكنك أن تعثر على تفصيل القول في أطرافه في أبحاث متفرقة تقدمت في هذا الكتاب والله المستعان.

4 - اشكال الاستشفاع والتبرك في الإسلام :

ربما يظن أن ما ورد في الادعية من الاستشفاع بالنبي آله المعصومين صلوات الله عليهم ومسألته تعالى بحقهم وزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرك بتربتهم وتعظيم آثارهم من الشرك المنهى عنه وهو الشرك الوثني محتجا بأن هذا النوع من التوجه العبادي فيه إعطاء تأثير ربوبي لغيره تعالى وهو شرك وأصحاب الاوثان إنما أشركوا لقولهم في أوثانهم: إن هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
وقولهم: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ولا فرق في عبادة غير الله سبحانه بين أن يكون ذلك الغير نبيا أو وليا أو جبارا من الجبابرة أو غيرهم فالجميع من الشرك المنهى عنه.
وقد فاتهم أولا: أن ثبوت التأثير سواء كان ماديا أو غير مادى في غيره تعالى ضروري لا سبيل إلى إنكاره، وقد أسند تعالى في كلامه التأثير بجميع أنواعه إلى غيره، ونفى التأثير عن غيره تعالى مطلقا يستلزم إبطال قانون العلية والمعلولية العام الذى هو الركن في جميع أدلة التوحيد، وفيه هدم بنيان التوحيد.
نعم المنفى من التأثير عن غيره تعالى هو الاستقلال في التأثير ولا كلام لاحد فيه، وأما نفى مطلق التأثير ففيه إنكار بديهة العقل والخروج عن الفطرة الانسانية.
ومن يستشفع بأهل الشفاعة الذين ذكرهم الله في مثل قوله: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) الزخرف: 86 وقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الانبياء: 28.
أو يسأل الله بجاههم ويقسمه بحقهم الذى جعله لهم عليه بمثل قوله مطلقا: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) الصافات: 173 وقوله: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا) المؤمن: 51.

أو يعظمهم ويظهر حبهم بزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرك بتربتهم بما أنهم آيات الله وشعائره تمسكا بمثل قوله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج: 32، وآية القربى وغير ذلك من كتاب وسنة.
فهو في جميع ذلك يبتغى بهم إلى الله الوسيلة وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) المائدة: 35 فشرع به ابتغاء الوسيلة، وجعلهم بما شرع من حبهم وتعزيرهم وتعظيمهم وسائل إليه، ولا معنى لايجاب حب شئ وتعظيمه وتحريم آثار ذلك فلا مانع من التقرب إلى الله بحبهم وتعظيم أمرهم وما لذلك من الاثار إذا كان على وجه التوسل والاستشفاع من غير أن يعطوا استقلال التأثير والعبادة البتة.
وثانيا: أنه فاتهم الفرق بين أن يعبد غير الله رجاء أن يشفع عند الله أو يقرب إلى الله، وبين أن يعبد الله وحده مع الاستشفاع والتقرب بهم إليه ففى الصورة الاولى إعطاء الاستقلال وإخلاص العبادة لغيره تعالى وهو الشرك في العبودية والعبادة، وفي الصورة الثانية يتمحض الاستقلال لله تعالى ويختص العبادة به وحده لا شريك له.
وإنما ذم تعالى المشركين لقولهم: (إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى) حيث أعطوهم الاستقلال وقصدوهم بالعبادة دون الله سبحانه، ولو قالوا: إنما نعبد الله وحده ونرجو مع ذلك أن يشفع لنا ملائكته أو رسله وأولياؤه بإذنه أو نتوسل إلى الله بتعظيم شعائره وحب أوليائه، لما كفروا بذلك بل عادت شركاؤهم كمثل الكعبة في الاسلام هي وجهة وليست بمعبودة، وإنما يعبد بالتوجه إليها الله.
وليت شعرى ما ذا يقول هؤلاء في الحجر الاسود وما شرع في الاسلام من استلامه وتقبيله؟ وكذا في الكعبة؟ فهل ذلك كله من الشرك المستثنى من حكم الحرمة؟ فالحكم حكم ضروري عقلي لا يقبل تخصصا ولا استثناء، أو أن ذلك من عبادة الله محضا وللحجر حكم الطريق والجهة، وحينئذ فما الفرق بينه وبين غيره إذا لم يكن تعظيمه على وجه إعطاء الاستقلال وتمحيض العبادة، ومطلقات تعظيم شعائر الله وتعزير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبه ومودته وحب أهل بيته ومودتهم وغير ذلك في محلها.
*****

انتهى بحمد الله ..

.......................
المصدر / تفسير الميزان للسيد الطباطبائي , الجزء العاشر .

وفقكم الله لكل خير ببركات وسداد أهل البيت عليهم السلام ..







التوقيع

« من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، »
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَينِ الذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسين ..
• • • •
قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(( فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والائمة من ولدها
أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلف عنه هوى ))
• • • •
اَللّـهُمَّ اَعْطِني بَصيرَةً في دينِكَ، وَفَهْماً في حُكْمِكَ، وَفِقْهاً في عِلْمِكَ، وَكِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَوَرَعاً يَحْجُزُني عَنْ مَعاصيكَ، وَبَيِّضْ وَجْهي بِنُورِكَ،
وَاجْعَلْ رَغْبَتي فيـما عِنْدَكَ، وَتَوَفَّني في سَبيلِكَ، وَعَلى مِلَّةَ رَسُولِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ،
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم ..
• • • •
[
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 03:29 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.