عرض مشاركة واحدة
قديم 07-04-2010, 02:14 PM   رقم المشاركة : 1
كوكب دري
مـراقـب عـام
 
الصورة الرمزية كوكب دري







كوكب دري غير متواجد حالياً

افتراضي وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ

السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين


ما هي القسوة:
القسوة هي بمعنى الشدة والصلابة وهي نوع مرض وانحراف عن الإستقامة يعرض على قلب الإنسان, عندها لا يقبل الحق ولا يخشع له أي أنه لا يذل وينقاد ويسلم له, ولا يوجد فيه الخشوع للحق الذي هو حقيقة الإيمان, وأيضاً لا يؤثر النصح والإنذار فيه, وأيضاً لا تؤثر فيه المشاهد التي توجد الرقة والحنان كشكاية المظلوم, وصرخة اليتيم, وبقاء المرضى بدون علاج, وحاجة واضطراب الفقراء... لا يحس بأي إحساس رحمة تجاه هؤلاء وأمثالهم وكأنه لم يسمعهم ولم يرهم, يمر بهم كالحيوان.والتأمل الدقيق في آيات القرآن المجيد والروايات التي تقدمت يكشف بوضوح أن مرض القسوة ذنب كبير للقلب الإنساني وتجب فوراً التوبة منه والسعي في علاجه بالتفصيل الذي سيذكر خصوصاً مع ملاحظة أن قساوة القلب سبب عدم الإيمان والحرمان من الآثار العظيمة للخشوع للحق.
قسوة القلب منشأ كثير من الذنوب:
وهي أيضاً سبب عدم الخوف وعدم الإضطراب من سفر الآخرة وعدم الإعتناء بأهوال مواقف القيامة, وأيضاً سبب لكبائر من الذنوب لا تحصى كقطيعة الرحم وعدم مساعدة المسكين وحرمان الفقير وعدم رعاية اليتيم وعدم الخوف من القهر والعذاب الإلهيين والأمن من الإنتقامات الإلهية الخفية, وفي الحقيقة فإن التقوى ( وهي الخوف والحذر من الذنوب وكل ما هو خلاف العبودية والخوف مما هو موجب للعذاب الأخروي بحيث يصبح هذا الخوف وهذا الحذر عادة لا يمكن أن تزول ) لا يمكن حصولها مع قسوة القلب, إذن يجب من أجل الحصول على التقوى السعي في علاج هذا المرض.
ويجب أن يعلم أيضاً أن مرض القسوة ليس أمراً تكوينياً أي أن الإنسان لا يخلق قاسي القلب, بل هو أمر كسبي أي يبتلى به الإنسان من جراء أقواله وأفعاله القبيحة وستذكر هنا بعض الأمور التي تتسبب بهذا المرض.
القسوة ممكنة العلاج ولها مراتب:
يجب العلم أيضاً أن مرض القسوة يمكن علاجه كما سيذكر, وبعد العلاج والشفاء منه قد يرجع أيضاً ويبتلى به الإنسان مجدداً, والهدف من هذا التذكير أن لا يصيب القاريء الغرور ويظن أنه في أمان من هذا المرض فأولاً للقسوة مراتب ولعله الآن مبتلى ببعض هذه المراتب ثانياً: يجب أن يعتبر نفسه في معرض خطر الإبتلاء به لأن من الممكن أن تكون نتيجة عدم الحذر والإبتلاء ببعض أسباب القسوة هي الإبتلاء بهذا المرض ومن هنا أمرنا الأئمة عليهم السلام أن نراقب قلوبنا وأن نبادر إلى علاجها بمجرد أن نلاحظ فيها شيئاً من القسوة.
راقبوا حالات قلوبكم:
" عن الشحام ( أبي أسامة ) قال: زاملت أبا عبد الله ( الإمام الصادق ) عليه السلام ) فقال لي: إقرأ فافتتحت سورة من القرآن فقرأتهما فرقَّ وبكى ثم قال: يا أبا أسامة ارعوا قلوبكم بذكر الله تعالى ( أي احفظوا قلوبكم من وساوس الشيطان بذكر الله ) واحذروا النكت فإنه يأتي على القلب تارات أو ساعات الشك من صباح ( أحد الرواة ) ليس فيه إيمان ولا كفر شبه الخرقة البالية أو العظم النخر ( أي لا قيمة للقلب في مثل هذه الحالة كما أنه لا قيمة للخرقة البالية أو العظم النخر أو كما أن الخرقة البالية والعظم النخر يتناثران ويتلاشيان بأقل حركة فكذلك القلب في هذه الحالة ينتقل من الإيمان إلى الكفر لأقل وسوسة من الشيطان ) يا أبا أسامة أليس ربما تفقدت قلبك فلا تذكر به خيراً ولا شراً ولا تدري أين هو قال: قلت له: بلى إنه ليصيبني وأراه يصيب الناس قال: أجل ليس يعرى منه أحد قال: فإذا كان ذلك فاذكروا الله تعالى واحذروا النكت فإنه إذا أراد بعبد خيراً نكت إيماناً وإذا أراد به غير ذلك فكنت غير ذلك قال قلت وما غير ذلك جعلت فداك ما هو قال إذا أراد كفراً نكت كفراً ".
مع كلام المجلسي والفيض رحمهما الله:
قال المرحوم المجلسي في معنى ( نكت كفراً ) أي لأنه استحق أن يحجب الله عنه لطفه يصبح الشيطان مسلطاً على قلبه ويلقي فيه ما أراد وإسناد النكت إلى الله مجاز لأن منع اللطف من الله يصبح سبباً لوقوعه في شَرك الشيطان.وقال المرحوم الفيض: النكث في الحديث بمعنى نقض عهد الإيمان بالشك وفي بعض النُّسخ النكت هو بمعنى ضرب الخشبة الصلبة بالأرض ليظهر أثر هذه الضربة وبناءاً عليه فمعنى احذروا النكت هو:احذروا أن يستقر بعد هذه الحالة أثر الكفر في قلوبكم ويظهر.ونقل أيضاً في هذا الباب عن الإمام الصادق عليه السلام: " إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبداً وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبداً وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبداً ومنهم من أعير الإيمان عارية فإذا هو دعا وألحّ في الدعاء مات على الإيمان ".
علاقة بقاء الإيمان وزواله بعمل الإنسان:
قال المرحوم المجلسي في شرح فقرة فإذا هو دعا...: فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة وعدم الزيغ كما كان دأب الصالحين قبلنا وفيه دلالة أيضاً على أن الإيمان والكفر والسلب ( سلب الإيمان ) مسببان عن فعل الإنسان لأنه يصير بذلك مستحقاً للتوفيق اوالخذلان.وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الإيمان والكفر قد يكون ثابتاً وقد يكون متزلزلاً يزول بحدوث ضده لأن القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر فيه الإيمان وكل ما هو حق, وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر فيه الكفر وكل ما هو باطل، وإذا كان القلب بين ذلك أي يختلط فيه الضياء والظلمة كان متردداً بين الإقبال والإدبار ومذبذباً بين الإيمان والكفر فإن غلب الأول ( الضياء ) دخل الإيمان فيه من غير استقرار وإن غلب الثاني ( الظلام ) دخل الكفر فيه كذلك ( من غير استقرار ) وربما يصير الغالب مغلوباً فيعود من الإيمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الإيمان فلا بد للعبد من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلاً إلى الله عز وجل شكره وبذل جهده وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب ويزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين:" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ". آل عمران 8. وإن رآه مدبراً زائغاً عن الحق تاب واستدرك ما فرّط فيه وتوكل على الله وتوسل إليه بالدعاء والتضرع لتدركه العناية الإلهية فتخرجه من الظلمات إلى النور وإن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان واستحق من ربه الخذلان فيموت مسلوب الإيمان كما قال سبحانه: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ". الصف 5. أعاذنا الله من ذلك وسائر أهل الإيمان.

تنقل أحوال القلب:
" عن سلام بن المستنير قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فدخل عليه حمران بن أعين وسأله عن أشياء, فلما همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرك - أطال الله بقاءك لنا وأمتعنا بك - أنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا ويهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما هي القلوب مرّة تصعب ومرّة تسهل. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قالوا يا رسول الله نخاف علينا النفاق قال فقال: ولمَ تخافون ذلك قالوا: إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك وحتى كأنا لم نكن على شيء, أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً حتى يذنبوا ثم يستغفروا الله فيغفر ( الله ) لهم. إن المؤمن مفتّن تواب أما سمعت قول الله عز وجل: " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " وقال " استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ".

قال المجلسي رحمه الله في شرح هذا الحديث:
إن للروح الإنساني منازل في السير إلى الله أولها المحسوسات وثانيها المتخيلات وثالثها في الموهومات ورابعها المعقولات, وهو في هذا المنزل يمتاز عن سائر الحيوانات ويرى فيه ما هو خارج عن عالم الحس والخيال والوهم ويعلم روح الأشياء وحقائقها, وله ( لهذا المنزل ) عرض عريض أوله أول عالم الإنسان وآخره عالم الملائكة بل فوقه وهو معراج الإنسان وأعلى عليين له, كما أن الثلاثة الأول أسفل السافلين له, وأعظم أسباب معراجه قطع التعلق عن الدنيا والإعراض عنها بالكلية، ثم الدوام على هذه الحالة فإنه يوجب الوصول إلى حالة شريفة هي مرتبة عين اليقين وله في تلك المرتبة قدرة على أفعال غريبة وآثار عجيبة بإذن الله تعالى كمصافحة الملائكة والمشي على الماء والهواء وغيرها ومنه يعلم أن الكرامات غير منكرة من الأولياء كما زعمه بعض العلماء.


مقتطفات من كتاب القلبُ السَّليم للسَّيّد عَبْد الحُسَيْن دَسْتغيْب
وفقكم الله تعالى ببركة وسداد اهل البيت عليهم السلام
(يا علي يا علي يا علي (33))







التوقيع


اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف و عجل فرجهم ياكريم
اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف و عجل فرجهم ياكريم
اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف و عجل فرجهم ياكريم

  رد مع اقتباس