عرض مشاركة واحدة
قديم 12-27-2014, 04:14 PM   رقم المشاركة : 1
المهدي طاووس أهل الجنة
مـراقـبة أولـى ( شؤون إدارية )







المهدي طاووس أهل الجنة غير متواجد حالياً

افتراضي مجاري التفكر في المخلوقات 2

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لا ريب في ان طبقات العوالم المنتظمة المرتبة على النحو الاصلح و النهج الاحسن بامر موجدها الحكيم و مدبرها العليم، مبتداة في الصدور من الاشرف فالاشرف، حتى ينتهي الى اسفل العوالم و اخسها، و هو عالم الارض بما فيه، و كل عالم اسفل لا قدر له بالنسبة الى ما فوقه، فلا قدر للارض بالنظر الى عالم الجو، و لا للجو بالقياس الى عالم السماوات، و لا للسماوات بالنسبة الى عالم المثال، و لا للمثال بالنظر الى عالم الملكوت، و لا للملكوت بالقياس الى الجبروت، و لا للجميع بالنسبة الى ما لا سبيل لنا الى دركه تفصيلا و اجمالا من عوالم الالوهية، كما ظهر لعلماء الطبيعة و اهل الرصد و الهندسة، و وضح لارباب المكاشفة و العرفان و اصحاب المشاهدة و العيان.





ثم اخس العوالم الذى عرفت‏ حاله -اعنى الارض- لا قدر لما على ظهرها من الحيوان و النبات و الجماد، بالنظر الى نفسها، و لذا يفسد من ادنى تغير لها جل ما عليها، و لكل جنس مما علهيا انواع و اقسام و اصناف غير متناهية. و اضعف انواع الحيوان البعوضة و النحل و اشرف انواعه الانسان فنحن نشير الى نبذة يسيرة من الحكم و العجائب المودعة فيها، و كيفية التفكر فيها، ليقاس عليها البواقي اجمالا. فان بيان مجارى التفكر باسرها في حين المحال، و ما يمكن منه خارج عن حيطة الضبط و التدوين، و لذا ترى ان البارعين من الحكماء و الفائقين من اجلة العرفاء بذلوا و سعهم في بيان مجارى التفكر و مطارحه و شرح بمجال النظر و مسارحه فسطروا فيه الاساطير و ملاوا منه الطوامير، و خاضوا في غمرات بحار الافكار و غاصوا في تيار لجج الانظار، و مع ذلك لم يعودوا بالنظر الى ما هو الواقع الا صفر اليدين و رجعوا آخر الامر (بخفي حنين) .



و نحن لو تعرضنا لشرح ما يمكن لنا دركه من الحكم و الغرائب المودعة في عضو واحد من اعضائها على التفصيل لخرجنا عن وضع الكتاب، و ارتكبنا ما يعمل الناظرين من الاطناب، فنشير اجمالا الى بعض ما فيها من الحكم و العجائب، تنبيها للطالبين على كيفية التفكر في الصنائع الالهية، فنقول:
اما (البعوض) -فانظر كيف خلقه الله على صغر قدره على شكل الفيل الذي هو اعظم الحيوانات، اذ خلق له خرطوما كخرطومه، و خلق له مع صغره جميع الاعضاء التي خلقها للفيل بزيادة جناحين، فقسم اعضاءه الظاهرة، فانبت جناحيه و اخرج يديه و رجليه، و شق سمعه و بصره و دبر في باطنه اعضاء الغذاء، و ربك فيها من القوى الغاذية و الجاذبة و الدافعة و الماسكة و الهاضمة ما ركب في الحيوانات العظيمة -كما ياتى في الانسان- ثم هداه الى غذائه الذى هو دم الانسان و غيره من الحيوانات، فانبت له آلة الطيران الى الانسان، و خلق له الخرطوم الطويل و هو محدد الراس، و هداه الى الامتصاص من مسام بشرة الانسان حتى يضع خرطومه في واحد من مسامه، و يغرز فيه و يمص الدم و يتجرعه، و خلق خرطومه -مع دقته- مجوفا حتى يجرى فيه الدم الصافي الرقيق و ينتهى الى باطنه و ينتشر فى معدته و في سائر اعضائه، و عرفه ان الانسان يقصده بيده فعلمه حيلة الهرب، و خلق له السمع الذى يسمع به حفيف حركة اليد مع كونها بعيدة منه، فيترك المص و يهرب، و اذا سكنت اليد عاد، و خلق له حدقتين حتى يبصر مواضع غذائه فيقصده مع صغر حجم وجهه.


و لما كانت ‏حدقة كل حيوان صغيرة بحيث لا يحتمل الاجفان لصغره، و كانت الاجفان مصقلة لمراة الحدقة عن القذى و الغبار، خلق للبعوض و الذباب و غيرهما من الحيوانات الصغيرة يدين ليمسح بهما حدقتيه و يطهرهما عن الغبار و القذى، اولا ترى الذباب انه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه. و اما الانسان و غيره من الحيوانات العظيمة خلق لحدقتيه الاجفان حتى ينطبق احدهما على الآخر و اطرافهما حادة، فيجمع الغبار الذى يلحق الحدقة و يرميها الى اطراف الاهداب. فهذه لمعة يسيرة من عجائب صنع الله فيه، و فيها من العجائب الظاهرة و الباطنة ما لو اجتمع الاولون و الآخرون على الاحاطة بكنهها عجزوا عن حقيقتها.



مقتطفات من كتاب جامع السعادات للنراقي ج1







  رد مع اقتباس