عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2011, 04:52 PM   رقم المشاركة : 12
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

59-60-61-62

مرّ في الآيات السابقة جانب من المصير المشوّق لأهل الجنّة، وفي هذه الآيات مورد البحث جانب بئيس من

مصير أهل النار وعبدة الشيطان.

أوّلا: يخاطبون في ذلك اليوم خطاباً تحقيرياً (وامتازوا اليوم أيّها المجرمون).

فأنتم ربّما دخلتم في صفوف المؤمنين في الدنيا وتلونتم بلونهم تارةً، واستفدتم من حيثيتهم وإعتبارهم، أمّا

اليوم «فامتازوا عنهم» وأظهروا بشكلكم الأصلي الحقيقي.

هذا في الحقيقة هو تحقّق للوعد الإلهي الوارد في الآية (28) من سورة ص حيث يقول الباري عزّوجلّ: (أم

نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار).

وعلى كلّ حال، فظاهر الآية هو التمييز في العرض بين المجرمين والمؤمنين، وإن كان بعض المفسّرين قد

احتمل إحتمالات اُخرى من جملتها: تفريق صفوف المجرمين أنفسهم إلى مجموعات فيما بينهم، أو إنفصال

المجرمين عن شفعائهم ومعبوداتهم، أو إنفصال المجرمين كلّ واحد عن الآخر، بحيث يكون ذلك العذاب الناتج

عن الفراق مضافاً على عذاب الحريق في جهنّم.

ولكن شمولية الخطاب لجميع المجرمين، ومحتوى جملة «وامتازوا» تقوّي المعنى الأوّل الذي أشرنا إليه.

الآية التالية تشير إلى لوم الله تعالى وتوبيخه المجرمين في يوم القيامة قائلا: (ألم أعهد إليكم بابني آدم ألاّ

تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدوٌّ مبين).

إنّ هذا العهد الإلهي أُخذ على الإنسان من طرق مختلفة، وكرّر على مسمعه مرّات ومرّات: (يابني آدم لا

يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنّه يريكم هو وقبيله من

حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون).

جرى هذا التحذير وبشكل متكرّر على لسان الأنبياء والرسل: (ولا يصدنّكم الشيطان إنّه لكم عدو مبين).

وكذلك في الآية (168) من سورة البقرة نقرأ: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنّه لكم عدو مبين).

ومن جانب آخر فإنّ هذا العهد اُخذ على الإنسان في عالم التكوين، وبلسان إعطاء العقل له، إذ أنّ الدلائل

العقلية تشير بشكل واضح إلى أنّ على الإنسان أن لا يطيع من تصدّى لعداوته منذ اليوم الأوّل وأخرجه من

الجنّة، وأقسم على إغواءأبنائه من بعده.

ومن جانب ثالث فقد اُخذ هذا العهد على الإنسان بالفطرة الإلهيّة للناس على التوحيد، وإنحصار الطاعة في الله

سبحانه، وبهذا لم تتحقّق التوصية الإلهية هذه بلسان واحد، بل بعدّة ألسنة وأساليب، واُمضي هذا العهد

والميثاق.

والجدير بالملاحظة أيضاً أنّ «العبادة» الواردة الإشارة إليها في جملة (لا تعبدوا الشيطان) بمعنى «الطاعة»،

لأنّ العبادة لا تنحصر بمعنى الركوع والسجود فقط، بل إنّ من مصاديقها الطاعة. كما ورد في الآية (47) من

سورة «المؤمنون» (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) وفي الآية (31) من التوبة نقرأ: (اتّخذوا

أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً).

والجميل أنّه ورد في رواية عن الصادق (عليه السلام) تعليقاً على الآية بقوله: «أما والله ما دعوهم إلى عبادة

أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون».

وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: «من أطاع رجلا في معصية فقد عبده».

وعن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن الله فقد عبد

الله، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان».

الآية التالية تأكيد أشدّ وبيان لوظيفة بني آدم، تقول الآية الكريمة: (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم).

اُخذ على الإنسان العهد بأن لا يطيع الشيطان، إذ أنّه أعلن له عن عداوته بشكل واضح منذ اليوم الأوّل، فهل

يطيع عاقل أوامر عدوّه!؟.. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، اُخذ عليه العهد بطاعة الله سبحانه وتعالى، لأنّ سبيله هو الصراط المستقيم، وهذا في الحقيقة

أعظم محرّك للبشر، لأنّ الإنسان ـ مثلا ـ لو كان في وسط صحراء قاحلة محرقة، وكانت حياته وحياة عياله في

معرض خطر قطّاع الطرق والضواري، فأهمّ ما يفكّر به هو العثور على الطريق المستقيم الآمن الذي يؤدّي

إلى المقصد، الطريق السريع والأسهل للوصول إلى منزل النجاة.

ويستفاد كذلك من هذا التعبير ضمناً بأنّ الدنيا ليست بدار القرار، إذ أنّ الطريق لا يُرسم لأحد إلاّ لمن يريد

الذهاب إلى مقصد آخر.

وللتعريف بهذا العدو القديم أكثر فأكثر يضيف تعالى: (ولقد أضلّ منكم جبلاّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون).

ألا ترون ماذا أحلّ بأتباعه من المصائب.

ألم تطالعوا تأريخ من سبقكم لتروا بأعينكم أي مصير مشؤوم وصل إليه من عبد الشيطان؟ آثار مدنهم المدمّرة

أمام أعينكم، والعاقبة المؤلمة التي وصلوا إليها واضحة لكل من يمتلك القليل من التعقّل والتفكّر.

إذن لماذا أنتم غير جادّين في معاداة من أثبت أنّه عدو لكم مرّات ومرّات؟ ولا زلتم تتّخذونه صديقاً بل قائداً

ووليّاً وإماماً!!

«الجبلّ» الجماعة تشبيهاً بالجبل في العِظم (كما يقول الراغب في مفرداته).

و «كثيراً» للتأكيد على كثرة من اتّبع الشيطان من كافّة المستويات الإجتماعية في كلّ مجتمع.

ذكر بعضهم أنّ «الجبلّ» بحدود عشرة آلاف نفر، أو أكثر، وما دون ذلك لا يكون جبلاًّ، ولكن البعض الآخر لم

يلتزم بتلك الأرقام.

وعلى كلّ حال، فإنّ العقل السليم يوجب على الإنسان أن يحذر بشدّة من عدوٍّ خطر كهذا، لا يتورّع عن أي

شيء، ولا يرحم أي إنسان أبداً، وقرابينه في كلّ زاوية ومكان هلكى صرعى، فلا ينبغي له أن يغفل عنه طرفة

عين أبداً، ولنقرأ ما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام:

«فاحذروا ـ عباد الله ـ عدوّ الله، أن يعديكم بدائه، وأن يستفزّكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله، فلعمري

لقد فوق لكم سهم الوعيد، وأغرق إليكم بالنزع الشديد، ورماكم من مكان قريب، فقال: ربّ بما أغويتني لاُزينّن

لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين»







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس