بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صَلِّ على كامل النور محمد وأهل بيته الأخيار الأبرار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحوث مستلّة من كتاب تزكية النفس للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد كاظم الحسيني الحائري (دام ظله)
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وقال عزوجل: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ....}.
وقال عز اسمه: {.... قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
وقال سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
روي عن جابر، عن ابي جعفر عليه السلام أنه قال (قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ! فو الله ما شيعتنا الا من اتقى الله واطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر الا بالتواضع، والتخشع، والامانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الالسن عن الناس الا من خير، وكانوا إمناء عشائرهم في الاشياء. قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول، أحب علياً واتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالاً، فلو قال: إني احب رسول الله – فرسول الله خير من علي – ثم لا يتبع سيرته، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً، فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد الى الله عزوجل [واكرمهم عليه] أتقاهم، وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب الى الله تبارك وتعالى الا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان مطيعاً لله فهو لنا ولي، ومن كان عاصياً لله فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا الا بالعمل والورع).
وفي الحديث الوارد في باب الزهد عن ابي جعفر عليه السلام: (.... أعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع....) يقول سماحة السيد الحائري (دام ظله) أنه كما يبدو لي هو الزهد بالمعنى الاول من المعنيين الماضيين في ذاك البحث، وهو: ترك المحرمات والمشتبهات، فهذا يكون أدنى درجات الورع، ويشتد الورع بأضافة التورع عن المكروهات والشبهات الجائزة الارتكاب او المباحات الشاغلة عن الله سبحانه وتعالى، فكلما توغل الانسان في هذا السلم من الورع اقترب الى الاطمئنان القلبي والعاطفي بالله سبحانه وتعالى، ولذلك قال×: (أعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين..).
وهناك احتمال آخر في كون (... أعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع...) وهو: أن المقصود بالزهد: الزهد عن الحرام والمشتبه الماليين، في حين أن الورع يعني: التورع في جميع الابواب لا في خصوص الاموال، ولا تنافي بين الأمرين.
والتقوى والورع شيء واحد، والتقوى من الوقاية بمعنى التوقي، وفي عرف المتشرعة يقصد بها التوقي من عذاب الآخرة، أو من غضب الرحمن، أو من الابتعاد عن الرب وما الى ذلك، وقد قسمها الشيخ المجلسي رحمه الله الى ثلاث مراتب:
الاولى: وقاية النفس من العذاب المخلد بتصحيح العقائد الايمانية.
الثانية: التجنب عما يؤثم: من فعل أو ترك، قال وهو المعروف عند اهل الشرع.
الثالثة: التوقي من كل ما يشغل القلب عن الحق، قال وهذه درجة الخواص، بل خاص الخاص.
عن الرضا× (الايمان فوق الاسلام بدرجة، والتقوى فوق الايمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين).
واذا نظرت الى الآية الاولى التي بدانا بها هذا الموضوع لرأيت ان الله سبحانه وتعالى جعل التفضيل بالتقوى، والتفاضلات المادية التي يتمسك بها الناس غير المتدينين تكون في الغالب اما راجعة الى، التفاضل بالنسب والقبيلة، أو بالمال والقدرات الاقتصادية، او بالمكانة الاجتماعية والسياسية أو القدرة والسلطة، وكل هذه إمتيازات وهمية مزيفة، وفي مقابلها جاءنا القرآن بأمتيازات معنوية من أرقى ما يمكن أن يكون.
فقد فضل الله العلماء على الجهال في قوله تعالى: {... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}.
وفضل الله المجاهدين على القاعدين في قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } النساء95.
وفضل الله تعالى المؤمنين على غيرهم والعلماء على غيرهم في قوله تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.. }.
والذي يجلب الانتباه ان التفضيل بالتقوى جعل تفضيلاً مطلقاً، في حين ان التفضيلات الاخرى لا يفهم منها أكثر من التفضيل النسبي، ولعل السبب في ذلك ما يلي: إن التقوى لا يمكن أن تخلو من العلم، لأن الجاهل لا يستطيع ان يتقي موارد الخطر التي يجهلها، ولكن العلم يمكن ان يخلو من التقوى، فلا يزداد صاحبه من الله الا بعداً، ولهذا فالعلم لم يصبح إمتيازاً مطلقاً، ولكن التقوى اصبحت امتيازا مطلقاً، وكذلك التقوى لا يمكن ان تكون بلا ايمان، في حين ان الايمان قد يكون بلا تقوى، ولهذا لم يصبح الايمان إمتيازاً مطلقاً، ولكن التقوى اصبحت إمتيازاً مطلقاً، وكذلك الجهاد ليس الا فخذا من أفخاذ التقوى، والتقوى في كل مورد بحسبه، فقد تكون التقوى في الجهاد، واخرى في التعلم، وثالثة في تبليغ الرسالة الاسلامية.... وما الى ذلك فالتقوى هي الفضيلة الجامعة المطلقة، وليس الجهاد.
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ. مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ.ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ. لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.
منقول