بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد عرفت ان ضد الوسوسة الخاطر المحمود المستحسن شرعا و عقلا، لان القلب اذا كان مشغولا بشىء لا يمكن ان يشغله شىء آخر، فاذا كان مشغولا بشىء من الخواطر المحمودة لا سبيل للخواطر المذمومة اليه، و ربما كان للغفلة التي هي ضد النية تقابل لكل من الوسوسة و الخاطر المحمود، اذ عند الغفلة لا يتحقق شىء منهما، الا ان خلو القلب عن كل نية و خاطر بحيثيكون ساذجا في غاية الندرة، على ان الظاهر ان مرادهم من الغفلة خلو الذهن من القصد الباعث و ان كان مشغولا بالوساوس الباطلة، كما ياتي تحقيقه.
ثم الخاطر المحمود ان كان قصدا و نية لفعل جميل معين كان متعلقا بالقوة التي يتعلق هذا الفعل بها، و الا كان راجعا اما الى الذكر القلبي او الى التدبر في العلوم و المعارف و التفكر في عجائب صنع الله و غرائب عظمته، او الى التدبر الاجمالى الكلي فيما يقرب العبد الى الله سبحانه او ما يبعده عنه تعالى، و ليس وراء ذلك خاطر محمود متعلق بالدين او غير ذلك من الخواطر المذمومة المتعلقة بالدنيا.
و اذا عرفت ذلك فاعلم: انه من معالجات مرض الوسواس معرفة شرافة ضده الذى هو الخاطر المحمود، ليبعثه على المواظبة عليه الموجبة لدفع الوساوس. و فضيلة الخواطر المحمودة الباعثة على الافعال الجميلة ياتي ذكرها في باب النية و ربما يعلم من بيان فضيلة نفس هذه الافعال ايضا كما ياتي ذكرها في باب النية، و فضيلة الذكر القلبي يعلم في باب مطلق الذكر.
اما بيان شرافة التفكر و بعض مجاريه من افعال الله تعالى و الاشارة الى كيفية التفكر فيها و فيما يقرب العبد الى الله تعالى و فيما يبعده عنه، فلنشر الى مجمل منه هنا لتعلقه بالقوة النظرية، فنقول:
التفكر: هو سير الباطن من المبادىء الى المقاصد، و المبادىء: هي آيات الآفاق و الانفس، و المقصد: هو الوصول الى معرفة موجودها و مبدعها و العلم بقدرته القاهرة و عظمته الباهرة، و لا يمكن لاحد ان يترقى من حضيض النقصان الى اوج الكمال الا بهذا السير.
و هو مفتاح الاسرار و مشكاة الانوار، و منشا الاعتبار و مبدا الاستبصار، و شبكة المعارف الحقيقة و مصيدة الحقائق اليقينية، و هو اجنحة النفس للطيران الى و كرها القدسي، و مطية الروح للمسافرة الى وطنها الاصلي و به تنكشف ظلمة الجهل و استاره و تنجلى انوار العلم و اسراره، و لذا ورد عليه الحث و المدح في الآيات و الاخبار كقوله سبحانه:
«ا و لم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السمواتو الارض و ما بينهما الا بالحق» (1) .
و قوله تعالى:
«ا و لم ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ما خلقالله من شيء» (2)
و قوله تعالى:
«فاعتبروا يا اولى الابصار» (3)
و قوله تعالى:
«قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق» (4)
و قوله تعالى:
«ان فى خلق السموات و الارض لآيات لاولى الالباب» (5)
و قوله تعالى:
«و فى الارض آيات للموقنين. و في انفسكم ا فلا تبصرون» (6)
و قوله تعالى:
«الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الارض» (7) .
و قول رسول الله-صلى الله عليه و آله و سلم-: «التفكر حياة قلب البصير»
و قوله-صلى الله عليه و آله و سلم: «فكرة ساعة خير من عبادة سنة» ، و لا ينال منزلة التفكر الا من خصه الله عز و جل بنور التوحيد و المعرفة، و قوله -صلى الله عليه و آله و سلم-: «افضل العبادة ادمان التفكر في الله و في قدرته» (8) ، و مراده من التفكر في الله التفكر في قدرته و صنعه و في عجائب افعاله و مخلوقاته و غرائب آثاره و مبدعاته، لا التفكر في ذاته، لكونه ممنوعا عنه في الاخبار، و معللا بانه يورث الحيرة و الدهشة و اضطراب العقل، و قد ورد: «اياكم و التفكر في الله، و لكن اذا اردتم ان تنظروا الى عظمته فانظروا الى عظيم خلقه» . و اشتهر عن النبي-صلى الله عليه و آله و سلم-انه قال: «تفكروا في آلاء الله و لا تفكروا في الله، فانكم لن تقدروا قدره» ، و قول امير المؤمنين عليه السلام: «التفكر يدعو الى البر و العمل به» ، و قوله عليه السلام: «نبه بالتفكر قلبك، و جاف عن الليل جنبك، و اتق الله ربك» ، و قول الباقر عليه السلام: «باجالة الفكر يستدر الراى المعشب»
و قول الصادق عليه السلام: «الفكر مرآة الحسنات و كفارة السيئات، و ضياء للقلوب و فسحة للخلق، و اصابة في صلاح المعاد، و اطلاع على العواقب، و استزادة في العلم و هي خصلة لا يعبد الله بمثلها» ، و قول الرضا عليه السلام: «ليس العبادة كثرة في الصلاة و الصوم، انما العبادة التفكر في امر الله عز و جل» .
.......................................
1) الروم الآية: 8.
2) الاعراف، الآية: 185.
3) الحشر، الآية: 3.
4) العنكبوت، الآية: 20.
5) آل عمران، الآية: 190.
6) الذاريات، الآية: 20-21.
7) آل عمران، الآية 191.
8) روى هذه الاحاديث في الكافي في (باب التفكر) عن ابى عبد الله -عليه السلام-كما هنا.
مقتطفات من كتاب الذنوب الكبيرة للسيد دستغيب ج1