مركز نور السادة الروحي
         
 
     

:: مركز نور السادة الروحي ليس لديه أي مواقع آخرى على شبكة الأنترنت، ولا نجيز طباعة ونشر البرامج والعلاجات إلا بإذن رسمي ::

::: أستمع لدعاء السيفي الصغير  :::

Instagram

العودة   منتديات نور السادة > نـور مدرســة ( السـير والسـلوك ) > نور مواضيع مدرسة السير والسلوك
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 02-05-2016, 10:35 PM   رقم المشاركة : 1
خادم تراب الزهراء (ع)
مشرف
 
الصورة الرمزية خادم تراب الزهراء (ع)








خادم تراب الزهراء (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي أصول الديـــــــــن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجَل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله من كل سوء وشر ...

نقلاً من كتاب بداية المعرفة مؤلفه حسن مكي العالمي ، أحد المؤمنين قام بكتابة الإصول الخمسة الاساسية
من ذلك الكتاب ومن يريد الإستزادة من الامور العقائدية الأخرى فليراجع ذلك الكتاب .

التوحــــــــــــــيد

1- التوحيد في الذات : أحد
هذا هو القسم الأول من قسمي التوحيد الذاتي ، والله تعالى أحد بسيطٌ غير مُركَب .
والمُركب هو ما له جُزءٌ ، ويقابله البسيط وهو مالا جُزء له .
ويدلَُ على انه تعالى بسيط ، انه تعالى ـ بحسب ما انتهت إليه القسمة العقلية ــ واجب الوجود ، فلو كان مركبا من أجزاء ، لكان مفتقرا إلى أجزائه ، والمفتقر مُمكنٌ .
توضيح ذلك :
إن التركيب إما تركيب ذهني ، كتركَُب الماهيات من الأجناس والفصول ، أو تركيب خارجي كتركَُب الأجسام من الأعضاء والأجهزة المختلفة ، وتركَُب المواد من الجزئيات ، والجزئيات من الذرَات .
والمُركَب ، بكلا المعنيين ، محتاجٌ إلى أجزائه ، أما احتياج وجود ، كاحتياج الماء إلى عُنصُرية : الأوكسجين والهيدروجين ، وبدون أحدهما ينعدم ويفنى ، وكماهية الإنسان ، تحتاج إلى كلا جزئيها العقليين : الحيوان والناطق ، لتتحصَل في الذهن .
أو احتياج تكامل ، كاحتياج البدن إلى اليد ،وبدونها يكون البدن ناقصاً في فاعليته .
فلو كان الباري ـ جلَت عظمته ــ مركَباً ، لكان مفتقراً إلى أجزائه ، إماً في تحقق وجوده وبقائه ، أو في كماله وتماميته في فعاليته . والافتقار مساوً للإمكان ، فيلزم كونه ممكناً ، مع الخالق واجب الوجود .
وبإمكانك أن تقول : إنَ فرض كون الصانع واجب الوجود ، بحسب ما انتهت إليه القسمة العقلية ، يُستلزمُ كونهُ بسيطاً لا جُزء له .
وإلى هذه الصفه يشير سبحانه في سورة الإخلاص بقوله : ( قُل هُو الله أحد ) ( سورة الإخلاص : الآية الأولى .
التوحيد في الذات : واحد لا ثاني له
هذا هو القسم الثاني في أقسام التوحيد الذاتي . والله تعالى واحدٌ في ذاته لا ثاني له ، ويدل على ذلك أنَه لو كان في الوجود واجباً وجودٍ ، للزم إمكانُهما ، وهو خلاف الفرض .
بيان ذلك :
إن واجبي الوجود المُفترضين ، يشتركان في وجوب الوجود حسب الفرض . وبحكم كونهما اثنين ، لابد من مائز وراء هذا الأمر المُشترك يُميَزهما عن بعضهما ، وبدونِه لا تتحقق الإثتينيَة * ( يقول الحكيم السبزواري : وما له تكثَر قد حصلا ففيه ما سواه قد تخلَلا ، ففرض الإثنينيَة ، لازمة التركب )
. فيلزم عندئذ تركَُب كلَ منهما من شيئين : أـ مابه الإشتراك : وهو واجبيَة الوجود .
ب ـ مابه الإمتياز
وإذا كان كلَ منهما مركباً ، لم يكن أيَ منهما واجب الوجود ، لأنَ المركَب كما عرفت محتاج إلى أجزائه ، والاحتياج صفة الإمكان ، فان واجب الوجود غنيَ محضاً عن كل شيء . فإذن يلزم من فرض واجبي وجودٍ ، إمكانُهما ، وهو خلاف الفرض .
وإلى الواحديَة في الذات يُشير الذكر الحكيم بقوله : ( ولم يكُن لهُ كُفُواً أحد ) (سورة الإخلاص : الآية4 .
2- التوحيد في الخالقيَة : لا خالق سواه
التوحيد في الخالقيَة معناه انه لا خالق في الوجود إلإَ الله ، وبعبارة أدق كلَ ما سوى الله إنما يخلُقُ ويفعلُ بالاستناد إلى الله تعالى وبإقداره ، لا بالاستقلال وإنما المستقل في الخلق هو الله سبحانه لاغير .
والدليل على ذلك أنَ كلَ ما سوى الله تعالى ممكن الوجود ، كما تقدَم إثباته في التوحيد الذاتي وممكن الوجود محتاجٌ إلى الواجب في وجوده وآثار وجودهِ وآثار وجودهِ التي هي : خلقُهُ وفِعلهُ وتصرفاته جميعها . فلو كان هناك خالقٌ مستقلٌ آخر سوى الله ، للزم أن يكون هناك واجبٌ وجودٍ آخر ، وهذا خلافُ الواحديَة في الذات .
وعلى هذا ، فكل ما ورد في الكتاب والسُنًة من أن بعض الأشياء التكوينية تقوم بأفعال في الكون وتوجد أشياء أخرى ، كالشمس تُنير كوكبنا ، والمطر يخرج النبات من الأرض . أو ما يرجع إلى الإنسان في صنعه وإيجاده للأشياء ، كل ذلك معناه إن إيجادها وفعلها هو إيجادٌ وفعلٌ تبعيٌَ وظلَيٌَ ، وفي طول إيجاده تعالى ، وليس إيجادُها وفعلُها في عرضٍ إيجاده تعالى وبالاستقلال عنه . وفي الذكر الحكيم آياتٌ كثيرةٌ تشير إلى التوحيد في الخالقيَة . مثل قوله : ( الله خالقُ كل شيء ) ( سورة الزمر ، الآية 62)
3- 4- التوحيد في الربوبيَة : لا ربَ سواه
الرَبوبيَة بمعنى الإدارة والتدبير يُقال : ربَُ الدار ، وربَُ القطيع ، وربَُ البستان : أي راعيها ، ومدبر أمورها ، ومُديَر شؤونها وحاجاتها بما يكفل بقاءها ويضمن نموَها وإنتاجها وتكاملها ، كلَ بحسبها .
والله واحدٌ في الرَُبوبيَة ، بمعنى انه لا شريك له في تدبير الكون وتنظيم أموره وشؤونه ، ورعاية الموجودات جميعها .
وهذه المسألة هي نقطة الإنكار الأساسيَة لمشركي الجاهليَة ، فإنهم ، وان كانوا يعتقدون بوحدة الإله الصانع لهذا الكون ، ولكنهم ــ لعجز عقولهم عن إدراك وتصوَر إمكانية إتصال ذلك الخالق الذي لا يُرى ، بهذا الكون الماديَ ــ إختلفوا مجموعة كثيرة من الأرباب هي زعمهم المدبَرة لهذا الكون ، مفوضة في ذلك من قبل الإله الأكبر الخالق للكون ، الذي انقطعت يده عن تدبيره .
ولم يكن اختلاق هذه الأرباب من وحي أفكارهم وإبداعها ، بل هي فكرة مُستوردة من بلاد الروم وفارس ، كما يظهر ذلك من المنقولات التاريخية . ( لاحظ مثلا: السيرة الحلبية ،ج3 ،ص29 . )
وبغضَ النظر عن الأدلة النقليَة والآيات الكثيرة في القرآن الكريم ، الدالة على وحدة المدبَر لهذا الكون ، هناك أدلة عقلية وافرة على ذلك ، نكتفي بثلاثة أدلة :
الدليل الأول : الاستحالة العقليَة
إن فرض وجود أكثر من إله يدير مجموع الكون ، فرضُ في جميع وجوهه المُتصورة بيان ذلك :
لو كان هناك إلهان ــ مثلاً ــ مدبران لمجموع الكون ، فلنفرض عند ذاك أَنَ إرادة أحدهما تعلقت بتحريك جسم ما ، فلا يخلو إما أن يمكن للآخر تسكينه ، أولاً . فإن أمكن ، فلا يخلو :
إما أن يقع مرادهما معاً . أو لا يقع مرادُ أيَ منهما . أو لا يقع مراد أحدهما فقط .
والأول محال ، لاستلزامه اجتماع المتناقضين .
والثاني محال أيضاً ، لاستلزامه ارتفاعهما وخلو الجسم عن الحركة والسكون .
والثالث فيه فسادان
أ- الترجيح بلا مرجُح .
ب- عجز الآخر .
والترجيح بلا مرجَح ، محال . وعجز الإله باطل ، إذ يخرج لذلك عن صلاحية التدبير ، ويكون حاله كغيره من الموجودات فلا يكون إلهاً . وان لم يمكن للآخر تسكينه ، يلزم عجزه ، وقد عرفت أنَ عجز الإله باطل . فظهر من ذلك استحالة وجود أكثر من مدبَرٍ واحد لمجموع الكون .
الدليل الثاني : ثبات النظام الكوني
إن اتساق النظام الكوني وثباته ، دليل وحدة الرب المدبَر له .
وعبارة أخرى : لو كان مع الله ( وهو واجب الوجود الصانع لهذا الكون ) شريك في تدبير الكون ، للزم فساد نظام الوجود ، والحال أنَه متَسق وثابت ، فيُنتج عدم الشريك له
.
بيان ذلك :
لو كان تدبير الكون وتنظيم أموره ورعايته موجوداته ، راجعاً إلى أكثر من إله فحينئذٍ كلَُ إله سيفعل ما يريده ويراه مناسباً في تدبير هذا الكون الواحد . فيلزم فساد النظام ، لتنازع الآلهة المدَبرة له وتمانعها ــ لا محالة ــ في إدارته ، وهو خلافُ المشاهد بالحِسَ من انتظام الكون بما فيه على أحسن وأتمَ نظم .
وإلى هذا الدليل أشار الذكر الحكيم بقوله : ( ( لو كان فيهما آلهةٌ إلاَ الله لفسدتا )) ( سورة الأنبياء : الآية 22)

الدليل الثالث : وحدة النظام الكونيَ
ويدل على وحدة الرب المدَبر لهذا الوجود ، خضوعه في جميع أجزائه لنظام واحد منسجم ومتعاطف ، وقد كشف العلم الحديث عن كثير من الحقائق في ترابط الإنسان بدناً وروحاً بمحيطه وترابط الأرض والماء والهواء والأفلاك في علاقات متبادله تحفظ توازن الوجود وبقاءه ، واستمرار مقوَمات الحياة لجميع الموجودات .
فلو كان ثمَة إله آخر يدير قسماً من الكون ، لشاهدنا نظامه ، وأحسسنا بوجود نوعين من الأنظمة يدار بهما الكون ، لكل منهما خصائصه ومميزاته التي ينفرد بها ، وذلك كلَُه منتف . فيدل على انه لامدبَر سوى اله واحد .
والى هذا الدليل يشير قوله تعالى : ( ما اتَخذ اللَه من ولدٍ وما كان معهُ مِن إله إذاً لذهب ُكلَُ إله بما خلق ) ( سورة المؤمنون : الآية 91)
وعليه يشير الإمام علي ( عليه السلام ) في وصيَته القيَمة إلى ولده الحسن ( عليه السلام ) حيث يقول : " واعلم يابُنيَ أنه لو كان لربك شريك لأتتك رُسلُهُ ، ولرأيت آثار مُلكهِ وسُلطانهِ ولعرفت أفعاله وصِفاته " ( وصية الإمام أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ، ص21 ، ط دار الأضواء . )

القرآن والمدَبرات
سؤال :
يعترف القرآن الكريم بوجود أصنافٍ من الملائكة تقومُ بتدبير شؤون هذا الكون وذلك عدة آياتٍ ، منها :
قوله تعالى ( والذارياتِ ذرواً * فالحامِلاتِ وِقراً * فالجارِياتِ يثسراً * فالمُقسماتِ أمراً ) ( سورة الذاريات : ( الآيات 1ـ4 )
قوله تعالى : ( والنًازعات غرقاً * والنَاشِطاتِ نشطاً * والسَابحاتِ سبحاً * فالسَابقات سبقاً * فالمُدبرات أمراً ) ( سورة النازعات : الآيات 5ـ1)
أفلا يتنافى هذا مع التوحيد في الربوبية ، وأنَه لامُدبَر سواهُ تعالى ؟
الجواب :
لامنافاة في ذلك ، لانَ تدبير الملائكة هو في طول تدبيره سبحانه ، أي أنَ تدبيرها ـ في كل آن ولحظة ـ بأمره سبحانه وإذنه ومشيئته ، كما يقول تعالى : ( يخافونَ ربَهم من فوقِهم ويفعلُون ما يُؤمرون ) سورة النحل : الآية 50 .
ويقول تعالى : ( بل عِبادٌ مُكرمون * لا يسبقُونه بالقولِ وهُم بأمرهِ يعملُون ) ( سورة الأنبياء : الآيتان 26و27. ).

فتدبير الكون بيده تعالى ، والملائكة ليست سوى مجرَد وسائط في إجراء وتنفيذ أوامره وما يشاؤه سبحانه في تدبير هذا الكون ومافيه .
4- التوحيد في العبادة
التوحيد في العبادة ، من أبرز السمات التي تُميَز المُوحَد عن المشرك ، فكلَُ من يعبدُ غير الله أو يعبُد شيئاً آخر فهو مشرك . ولذلك ركَز الإسلام عليه وجعله شعاراً للمسلمين يرددونه كل يوم مرات عديدة في صلواتهم وهو قولهم : ( إياك نعبُدُ وإياك نستعينُ) (سورة الفاتحة : الآية 5)
كما صرَح القرآن الكريم بأن الأنبياء كانوا يبعثون عبر التاريخ إلى شعوب العالم جميعاً وهم يدعونهم إلى عبادة الله وحده وترك عباده من سواه ، كما يقول : ( ولقد بعثنا في كُلَ أُمَةٍ رَسُولاً أنِ اعبُدُوا الله واجتبوا الطَاغوت ) ( سورة النحل : الآية 36 وقد وردت آيات كثيرة تحكي عن هذه الدعوة إلى عبادة الله وذمَ عبادة سواه ، يمكنك أن تلاحظ منها : الأعراف ، 59 ،65، 73، 85، هو : - 50 و61،84. الأنبياء : 25المؤمنون :23و22وطه :14.)
فإذا كان التوحيد في العبادة بهذه المثابة من الأهمية ، فمن الضروري جدا معرفة حقيقة العبادة وحدودها التي تُصحَحُ إطلاق المُوحَد والمُشرك ، وليعلم من ذلك وجه انحصارها بالله سبحانه وتعالى .

ماهي حقيقة العبادة ؟
العبادةُ هي الخضوع الناشيءُ عن اعتقاد خاصَ ، هو اعتقادُ الخاضع أنَ المخضوع لهُ هو خالقُه وربَُه ، أي هو المالك لشؤون العابد كلَها في دينه ودنياه وآخرته .
توضيح ذلك :
إذا أحس الإنسان بمملوكيَته الكاملة في جميع شؤونه المعيشية والأُخروية التي هو صائر إليها أحس بمملوكيتة هذه لموجودٍ آخر هو خالقُه ورازِقهُ جميع نعمه ، يفعل جيمع ذلك بقدرته المطلقة واستقلاله التام ، وإحاطته الشاملة بالوجود ومافيه ، وكل ماسواه مفتقرٌ إليه ، محتاج في وجوده وبقاءه إلى فيض جوده ، إذا اعتقد الإنسان بذلك أيما اعتقاد ، فانه سيلجأ إلى تجسيد إحساسه هذا بألفاظ وأعمال خاصة ، تحمل جميع مظاهر الخضوع والخشوع والانقياد والتسليم ، محاولاً بذلك أن يوفي ربه مايراه له من حق ومنه عليه في جميع شؤون وجوده ، فهذا هو الذي يسمى عباده ونستنتج من هذا البيان نتيجتين : النتيجة الأولى : لا معبود سوى الله
على ذلك البيان المتقدم ، يكون استحقاق العبادة من شؤون الخالقيَة والرَُبوبية ، فمن كان واجب الوجود ، غنياً مطلقاً عن كلَ شيء ، وكان خالقاً للوجود بأسره وربَاً مديراً لشؤونه ، فهو مستحقٌَ للعبادة . وإذن لا واجب ولا خالق ولا رب سوى الله ــ كما تقدَم أثبات جميع ذلك ــ فلا معبود سواه
.
النتيجة الثانية : مجرد التعظيم والتبرك والتوسل ليس عبادة
كما يظهر مما تقدم انه ليس كلَ خضوع عبادة ، بل لا بدَ لصِدقِ العبادة أن يفترن ذلك الخضوع اللفظي أو العملي بعقيدة قلبية لدى الخاضع ، هي خالقيَة ومالكية وربوبية من يُخضع له وغناه واستقلاله التام في خلقه ، وربوبيته للعالم ، وبدون ذلك يكون ذلك اللفظ أو العمل تعظيما واحتراما وتقديرا للمخضوع له لا أزيد .
وفي القرآن الكريم نجد عدة مصاديق لما ذكرنا :
منها : سجود الملائكة لأدم ( عليه السلام ) كما يقول تعالى : (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ) ( سورة البقرة : الآية 34) . فهذا السجود خضوع عملي تام أمام موجود سوى الله تعالى ، ومع ذلك لم يكن شركا بالله ، لأنه لم يكن ناشئا من الاعتقاد بخالقيه آدم لهم وربوبيته ، فلم يصدُق عليه انَه عبادة لآدم . ولو كان مجرَد الخضوع والصورة الظاهرية له ، كافيا في صدق العبادة لكان الله تعالى آمراً بأن يُشرك به ، ولكان الملائكةُ مشركين ، والعياذُ بالله من جميع ذلك .
ومنها : سجود أخوة يوسف له كما يقول تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخرَوا لهُ سُجدَا) ( سورة يوسف : الآية 100 )
وعلى هذا الأساس يأمر سبحانه كل إنسان بالخضوع التام لوالديه ، والتذلل امامهما ، إذ يقول ( واخفَِض لهُما جناح الذَُل من الرَحمة ) ( سورة الإسراء : الآية 24)
فلو كان مجرد الخضوع التامَ عبادةً ، لكان سبحانه يأمُرُنا بالشرك ، والعياذ بالله .
وفي أمور الناس العُرفية كثير من هذه المظاهر ، التي لا يرون ولايتوهمون فيها شيئا من العبادة ، كتقبيل يد العالم احتراماً ، وتقبيل المصحف تبرَُكاً ، وتقبيل ضرائح الأنبياء وأوصيائهم تبجيلاً وتعظيماً لمقامهم الذي أنزلهم الله تعالى فيه ، كما يقول جل شأنه : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عِمران على العالمين ) ( سورة آل عمران : الآية 33)
ويقول : ( ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ) ( سورة ص : الآيات 45ــ 48)
وقد فرض القرآن الكريم محبة بعض الأولياء إذ يقول : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)( سورة الشورى : الآية 23 )
فكل هذه المظاهر إنما هي من مظاهر الاحترام والتبجيل التي ترضاها فطرة الإنسان ، وحبَذها الشارع ودعى إليها ، فليست هي عبادة لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً .
ومن هنا يظهر بطلان مزاعم فرقة الوهابيَة المُبتدعة ، التي ادَعت أنَ التبرَك بضرائح الأولياء والتوسل بهم إلى الله ، وطلب شفاعتهم ، وأمثال ذلك ، هو شركٌ بالله وعبادة لغيره ، وفاعل ذلك مشرك . فقد عرفت مما تقدَم أن العبادة لا تصدق بأي وجه على هذه الأفعال ، لاشتراط صدقها باقترانها باعتقاد الخاضع بخالقية ومالكية وربوبية المخضوع له لجميع ما في الكون بالاستقلال التام ، مع إن هذه الأفعال تقع بقصد الاحترام أو باعتقاد أن هؤلاء الأولياء لهم مقام ممنوح بإذن الله ، فهم يغيثون بقدرة الله وإرادته ، ويشفعون بإذنه سبحانه . هذا ، إضافة إلى النماذج القرآنية المتقدمة التي تدل على أمره سبحانه بسجود الملائكة لآدم ، وتشير إلى سجود أخوة يوسف له ، والسجود أعظم من الأفعال المتقدمة ومن أجل مظاهر الخضوع ، مع انه لم يكن عبادة له .
فالكلمة الحاسمة في هذه الموضوعات من وجهة التوحيد والشَرك هي محاسبة عقيدة القائم بهذه الأفعال ، فأن كانت ناشئة عن اعتقاد بخالقيَة وربوبية هذه الأشياء واستقلالها في فعلها استقلالاً تمامَاً ، كانت شرِكاً ، وإلاَ فلا .


يتبع النبوَة.

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع


مات التصبر بانتظارك ايها المحيي الشريعه فانهض فما ابقى التحمل غير احشاء جزوعه قد مزقت ثوب الاسى وشكت لواصلها القطيعه فالسيف ان به شفاء قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش هذه النفس الصريعة طالت حبال عواتقن فمتى تعود به قطيعه كم ذا القعود ودينكم هدمت قواعده الرفيعة تنعى الفروع اصوله واصوله تنعى فروعه فيه تحكم من اطاح اليوم حرمته المنيعه



( اللهم انصرنا على القوم الكافرين واظهر علينا وليك القائم المؤمل وايده بتأيدك فأنك على كل شيء قدير )

  رد مع اقتباس
قديم 02-05-2016, 10:52 PM   رقم المشاركة : 2
خادم تراب الزهراء (ع)
مشرف
 
الصورة الرمزية خادم تراب الزهراء (ع)








خادم تراب الزهراء (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إصول الديـــــــــن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجَل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله من كل سوء وشر ...

النبــــــوَة

تعريف النبي
النبيَُ شخصٌ من البشر ومن الناس أنفسهم ، يجتبيه الله تعالى على سائر بني نوعه ، ويختصَُه بعنياته وهدايته : فيوحي إليه أو يُحدثه من وراء حجاب ، أو يرسل إليه ملكا يكلَمه . وهذه هي الطرق الثلاثة التي يحصل بها اتصال النبي بالله تعالى ، ويتلقى النبيَ عبرها المعارف الحقَة التي فيها السعادة وفي خلافها الشقاوة والضلالة . واليها يشير الذكر الحكيم بقوله : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) ( سورة الشورى : الآية 51)
ثم يأمره سبحانه بهداية سائر الناس ــ أو الإنس والجنَ جميعاً ــ وإبلاغهم ما أوحي إليه وجاءه من الغيب ، لتتمَ حُجَةُ الله على الناس ، وتنفتح أمامهم سبل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة
.
ومن هنا جاء لفظُ النبيَ ، فانه من الأنباء بمعنى الأخبار ، والنبيَ مُخبرَ عن الله تعالى بما فيه صلاح الدنيا والآخرة . ( قبل بان لفظ النبي إن قريء بدون الهمزة في آخره ، فانه يكون اسما من النبوة وهو الارتفاع لأنه مفضل على الناس ويرفع منزلته . وان قرئ بالهمزة ( نبيء) فيكون اسما من النبأ وهو الخبر . ولكن الذي استقر به هو ان يكون مأخوذا ــ في كلا الحالين ــ من إلنبأ والإنباء ، وتكون قراءته من دون الهمزة ، تخفيفا . ووجه الاستقراب انا نستخدم اللفظ من دون الهمزة ولا يصح أن يراد إلا الإخبار ، مثل قولنا " نبي الأمة " أي مخبرها عن الله تعالى ، ونحو ذلك من الإضافات ، والله العالم بالصواب .) .
وقد استبان من هذا التعريف النبوة كفيلةٌ بإزاحة علتين للناس :
1- علتهم في معاشهم وحياتهم الدنيا .
2- علتهم في معادهم وحياتهم الأخرى .
وهذا ما سنوضحه في دليل لزوم البعثة .
ومن هنا عرف بعض المتكلمين النبوة بأنها : " سفارةٌ بين الله وذوي العقول من عباده ، لإزاحة علَتهم في أمر معادِهم ومعاشِهِم "
دليل لزوم البعثة
دليلنا على لزوم بعثة الأنبياء على الله تعالى ، هو حكمته تعالى وتنزهه عن العبث واللغو في فعله .
وذلك انه لو لم يرسل الله تعالى الأنبياء إلى الناس حاملين لهم نظم الحياة الاجتماعية الصحيحة ، ومُبيَنين لهم سبل العبادات المُقربة إليه تعالى ، لاضمحلَ المجتمع الإنساني ، ولضلَ البشرُ في متاهات الشرك والفساد ، وهذا مبطل لغرضه تعالى من الخِلقة ، ومستلزمٌ للَغوِ والعبث في فعله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

توضيح الدليل في جهتين :
الجهة الأولى ــ استقرار الحياة رهن القانون الكامل
إن المُطالع لحياة البشر ، ماضيهم وحاضرهم ، يُذعن ويُقرَُ بأن الإنسان ذو نزعة فطرية ٍ نحو الاجتماع والتمدَُن ونبذ الوحدةِ والإنفراد .
ونحن إذا رجعنا القهقري إلى أعماق التاريخ ، نرى أنَ الإنسان البدائي الذي كان يقطن كهف الجبال وأعماق الأدغال ـ لم ينفك عن البحث عن أناس مثله ليتألف معهم ويُشكَلوا مجتمعات صغيرة تزيل عنهم وحشة الانفراد ، وتكفل لهم البقاء .
ومن المعلوم المشاهد انَه عندما يتشكل الناس في بيئات جماعية ، يحتاج كلَُ فرد منهم ، لأجل انتظام أمور معاشه ، إلى التملَك وتخصيص بعض المسلتزمات بنفسه ، وحراستها وإدامة بقائها ، من جهة . والى التعاون والتعاضد مع بني نوعه ــ لأنه غير قادر على تأمين كل ما يحتاج إليه بسعي نفسه ــ من جهة أخرى . وهذا يستلزم ــ استلزاماً طبيعيَاً ــ حصول التنافر والتعاند ، بحث لو لم يجعل لهذا التنازع لجامٌ وضابطٌ وقانون ، لانعدمت الحياة الاجتماعية من رأس ، ولانقلب هناء الحياة إلى تعاسة وشقاء .
ومن هنا كان لابد لأجل استقرار حياة البشر وسعادتهم وترقبهم ، من وجود قانون دقيق ومُحكم يقوم بتحديد وظائف كل فرد وحقوقه ، ويُشرَع الحدود والقيود التي يجب تحرك الجميع من خلالها .
ولكن وضع هكذا قانون ، له شروط عديدة منها ـ وهو أهمها أن يكون المقنَن عارفاً كمال المعرفة بطبائع البشر وميَولاتهم ورغباتهم وما يكبح جماحها ويعدَلها ويضبطها . وعارفاً بعادات أبناء المجتمع والروابط الحقيقة التي تكفل لهم السعادة الدنيوية . وعالماً بما ينفعهم وما يضرَُهم في جميع الشؤون والموضوعات التي يواجهونها في حياتهم اليومية .
ومضافاً إلى ذك ، لابُدَ أن يكون المُقنَن متجرداً عن ملاحظة كسب أي نفع شخصيَ يستفيده من تقنينه ، وإلا فلن يُنصت له احد ، ولن ينقاد لقانونه مجتمع هذا ، مع أنَ القانون يحتاج في تنفيذه وإبصاره النور بعد جعله ، إلى ضمانات إجرائية تكفل تطبيقه بجميع حذافيره ، لتتحقق بعدها الغاية المنشودة من تقنينه . ومن المعلوم أنَ قصر الضمانات الإجرائية على الضوابط المادية الظاهرية ، كملاحقة الشرطة والعقوبات البدنية والمالية ، غير ناجحٍ بمفرده إلاَ إذا انضمت إليه المراقبة الباطنية الوجدانية المستمرة . وكان إلى جانبه عقيدة بوجود عالم آخر يحشر إليه الناس بعد الموت ، يلقى الإنسان هناك عقوبة كل مخالفة ارتكبها لمواد هذا القانون .

ونحن مهما بحثنا وفتشنا ، وحسبنا وافترضنا ، لن نجد هذه الشروط مجتمعة عند أحد سوى خالق البشر ومُفيض الوجود، ومن بيده الجنة والنار ، والثواب والعقاب ، العالم بالسرائر وما تُخفيه الضمائر ، وتميل إليه الطبائع ( ألا يعلم من خلق وهو اللَطيفُ الخبير ) ( سورة الملك الآية 14) . فاتضح إلى هنا أن وصول الإنسان إلى السعادة في حياته لا يتم إلاَ في ظل قانون متكامل ، سار في جميع جزئيات وجوانب حياة البشر . ومثل هذا القانون لا يقوم به إلاَ خالق البشر . وحيث إنَ الله تعالى إنما خلق الإنسان ليكون سعيداً في دياه وآخرته ــ لأنَ خلقه للشقاء ـ أو عبثا بلا غاية خلاف الحكمة ـ والسعادة في الدنيا لا تتم إلاَ في ظل القانون الكامل الذي لا يمكن لأحد وضعه إلاَ الله ، كان اللازم عليه تعالى ــ بمعنى الجري على مقتضى حكمته ــ إرسال من يُبلغ القانون إلى البشر ، وهم الأنبياء (عليهم السلام) .وقد أشار تعالى إلى هذا الدليل في كتابه الحكيم بقوله ــ عزَ من قائل ــ ( لقد أرسلنا رُسلنا بالبيَنات وأنزلنا معهُمُ الكتاب والميزان ليقُوم النًاس بالقسط ...)(سورة الحديد : الآية 25). فعرَف الهدف من بعثة الأنبياء بأنه إقامة القسط والعدل في المجتمعات ، لما فيه من تأمين السعادة الدنيوية للبشر ، وبالتالي تهيئة أرضية تكالمهم وسعادتهم الأخروية الخالدة .
الجهة الثانية ـ النبوة تعرَف سبل سعادة الآخرة
لما كان الهدف الأسمى من خلقه الإنسان ، تحلَيه بالكمالات المعنوية ، وتهذيب النفس وتطهرها من دنس الشوائب المادية والشهوانية ، ليبلُغ بذلك أعلى درجات القرب إلى الله تعالى ، وينال به سعادة الأبد ، كما قال تعالى : ( وما خلقتُ الجِنَ والإنس إلاَ ليعبدون )(سورة الذاريات : الآية 56) ، أي ليصلوا إلى أعلى مراتب الكمال البشري ، وهي مرتبة العبودية الكاملة لله تعالى ، الضامنة للسعادة الأُخروية .
لما كان ذلك ، وكان هذا لايُنال إلاَ بالوقوف على المعارف الحُقَة ، وطُرق الأعمال العبادية الصالحة ، ومدارج نبذ التعلَق بالأغراض الدنيوية الزائلة ، وتنزيه العقل عن الانزلاق في مهاوى الأهواء النفسانية المُضلَة ، كل ذلك على الوجه الأتمَ والنهج الأصوب ، من دون مخالجة شك أو معارضة وهم .
كان لابُدَ حينئذ ــ تحقيقا لحكمة الله تعالى في خلق البشر ــ من إرسال شخص لم يحصل له ذلك التعلَق المانع ، فيعلمهم المعارف الحُقَة ويوضحها لهم ، ويزيل عنهم الشَُبهات ويرفعها ويدفعها ويعضُد ما اهتدت إليه عقولهم بهدي الله وفطرته التي فطر الناس عليهم ، ويبين لهم ما لم يهتدوا إليه ، ويُذكَرهم بالنعيم الموعود ، ويحذرهم العقاب وسوء المآل .
ثم يقرر لهم العبادات البدنية والمالية ، والأعمال الخيرة الصالحة ، ماهي ، وكيف هي ، كل ذلك على وجه يوجب لهم الزُلفى عند ربهم ، وحسن المآب .
وهذا الشخص المفتقر إليه في انتظام أحوال المعاش وسعادة الآخرة ، الذي توجب الحكمة الإلهية إرساله إلى البشر، هو النبيَ .


يتبع الإمـــامة

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع


مات التصبر بانتظارك ايها المحيي الشريعه فانهض فما ابقى التحمل غير احشاء جزوعه قد مزقت ثوب الاسى وشكت لواصلها القطيعه فالسيف ان به شفاء قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش هذه النفس الصريعة طالت حبال عواتقن فمتى تعود به قطيعه كم ذا القعود ودينكم هدمت قواعده الرفيعة تنعى الفروع اصوله واصوله تنعى فروعه فيه تحكم من اطاح اليوم حرمته المنيعه



( اللهم انصرنا على القوم الكافرين واظهر علينا وليك القائم المؤمل وايده بتأيدك فأنك على كل شيء قدير )

  رد مع اقتباس
قديم 02-05-2016, 11:25 PM   رقم المشاركة : 3
خادم تراب الزهراء (ع)
مشرف
 
الصورة الرمزية خادم تراب الزهراء (ع)








خادم تراب الزهراء (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إصول الديـــــــــن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجَل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله من كل سوء وشر ...

الإمــــــــــامة


تعريـــف الإمامة
الإمامة : " ولاية إلهيَة ، عامة ، خلافة عن الرسول "
المراد من إلهية : أنَها بتفويض وتنصيص من الله تبارك وتعالى .
ومن عامَة : شمول وظائف ، وظائف الإمام التشريعية والإجرائيَة لشؤون الدين والدنيا أجمع . ومن خلافة عن الرسول : الإمامة المفردة عن النبوة ، التي هي محل بحثنا ، لا الإمامة المجتمعة النبوَة ، فان النبي ــ وهو الموحى إليه لتبليغ رسالة الله ــ قد يكون ذا وظيفة إرشادية فحسب ، وقد يكون ــ إَضافة إلى تلك ــ إماما ذا ولاية إجرائية.
واستيفاء البحث في المقام ، يتوقف على بيان الأمور التالية مُقدَمةً :
1- الإمامة من أصول الدين 2- وظائف الإمام وصلاحيَاته . 3- مواصفات الإمام 4- كيفيَة تعيين الإمام ، وأنه لايكون إلاَ بالنصَ الشرعي.
الأمر الأول - الإمامة من إصول الدين
بعث الله النبي محمداً (صلى الله عليه وآله )بشريعة خاتمة لما تقدَمها من الشرائع ، وعامَة لجميع البشر على اختلاف طوائفهم وأعراقهم ، لتكون دين الله الخالد شعوب العالم .
وقد أدَى الرَسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) ما كان مُقدراً له من بيان أصول الدين وفروعه وتشكيل نواة المجتمع البشريَ الإسلاميَ الصالح ، أدَاه بالتمام والكمال ، ثم ارتحل إلى ربَه . ارتحل الرسول الأكرم والرسالة لمَا تستكمل بعدُ جميع أهدافها لانَ غايتها القصوى لم تكن لتستوعب حياةُ النبيَ الأكرم بلوغها . فكان والحال هذه ، لابدَ من قيام أشخاص كاملين ، بعد النبي الأكرم ، بإكمال المسير الذي بدأه ، بأن يُبينَوا جميع أحكام شريعة الله تعالى ، وينشروا دين العدل الإلهي ، في كافَة مجالاته : الإدارية والاقتصادية والأمنية ، بين الناس ، إلى أن تتحقق كامل أهداف الرسالة ببسط شرع الله في جميع أصقاع المعمورة . وهؤلاء الأشخاص هم الأئمة ــ ووجودهم يُعدَ ــ في منطق العقل ــ من أوجب الواجبات ، إذ بدونهم تبقى الرسالة مبتورة ، ولا تنال هدفها الذي لأجله أُرسلت . وتنتفي بالتالي فائدة بعثة النبي الخاتم وتكون لغوا وعبثا . والله تعالى حكيم ، منزَه عن فعال ذلك . وبهذا يتضح أنَ ضرورة الإمامة لا تقلَ عن ضرورة النبوَة ، بل هما متلازمتان لاتنفك أحداهما عن الأخرى . فتكون الإمامة ــ حينئذ ــ من أصول الدين ، والاعتقاد بها من أركان العقائد الإسلامية
.
الأمر الثاني ــ وظائف الإمام وصلاحياته
قد ظهر لك مما تقدَم أنَ الإمامة ــ في حقيقتها ــ استمرار النبوَة في كافَة مجالاتها ، وان المسؤوليات التي تقع على عاتق النبيَ ، هي نفسها الواقعة على عاتق الإمام ، وبالتالي ، فالصلاحيات التي يتمتع بها النبي ، والمجالات التي يحق له فيها إمال أمره ونهيه ، وعلى البشر إطاعته هي نفسها للإمام . نعم ، يمتاز النبي عن الإمام بأن النبي يقول ما يقوله ، ويفعل ما يفعله بوحي وإرشاد مباشر من الله تعالى . بينما الإمام يقول ويفعل بتعليمٍ مُسبقٍ من النبي . ويمكن للمتتبع في سير الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) أن يستكشف المسؤوليات التي كان يتولاَها ، والصلاحيات التي كان يتمتع بها ، وبالإمكان تلخيصها في الأمور التالية :
1- تفسير كتاب الله العزيز ، وشرح مقاصده ، وبيان متشابهاته ، وتقرير قِصصهِ وحِكمِه وأخلاقه وعقائده وبراهينه . 2- بيان حكم الله تعالى في الموضوعات التي كانت تحدث وتستجد ولم يكن قد نزل فيها حكمٌ مُسبق . 3- صيانة الدين في عقائده وشرائعه ومفاهيمه ، عن الشَُبهات المُضلَة والتشكيكات الباطلة التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين . 4- صيانة المسلمين عن الانحراف في عقائد الدين وشرائعه ومفاهيمه ، بمراقبتهم المستمرة على جميع هذه الأصعدة وتصحيح أية أخطاء تظهر في أفكارهم وأفعالهم . 5- حفظ الوحدة بين أبناء المجتمع الإسلامي المتعدد الطوائف ، حيث كانت تظهر بين الفينة والأخرى ، من بعض الأفراد ، بعض النزعات القبليَة والأهواء الجاهلية الموروثة . 6- إدارة أمور الدولة التي أوجد الرسول (صلى الله عليه وآله ) نواتها ، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية ، في جميع آفاقها وأبعادها .
وبناء على ما قدَمناه لك ، يكون الإمام مسئولا عن هذه الوظائف ، ومتمتعاً بنفس هذه الصلاحيات الإجرائية
.

الأمر الثالث ــ مواصفات الإمام ومؤهلاته
الآن وقد وقفت على حقيقة الإمامة ومكانتها ووظائف الإمام وصلاحيَاته ، يمكنك أن تدرك مايُلزم أن يتصف به الإمام من مؤهلات وما يشترط أن يكون فيه من مُواصفات . وهي ، بعبارة جامعة : كلَ الكمالات التي يُشترطُ اتصاف النبي بها ، وأبرزها : العصمة ، والإحاطة بأصول الشريعة وفروعها ، والمعرفة التامَة بكتاب الله وسنَة نبيَه ، وقدرته على دفع الشبهات وصيانة الدين ، والحكم بالعدل .
فلو لم يكن الإمام معصوما عن المعصية والخطأ ــ كالنبيَ ــ فكيف يكون مبيناً لشريعة الرسول وهاديا للناس إلى الحق ، حيث لا يؤمن ــ حينئذٍ ــ من كذبه أو أخطائه ؟ .
وكيف يكون له على الناس حق الطاعة والتسليم التام ؟ ولو لم يكن الإمام عالماً بأصول الشريعة وفروعها ، لكان حاكما بالظن والاستنباط والري القياس الاستحسان ، ومع هذه ، كيف يكون صائناً للدين من الانحراف في شرائعه وعقائده ومفاهيمه . وكيف يقضي بالحق والعدل بين الناس ؟
شبـــهة
قد يقال بأن العلم بسنة الرَسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) وأحاديثه الشريفة ، كافٍ في الإمام ، خصوصا مع تصريح القرآن الكريم بتحقق إكمال الدين وإتمام النعمة . في آية كريمة نزلت على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) في أواخر حياته المباركة ، بالتحديد في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة ، وهي قوله سبحانه : ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ ( سورة المائدة : الآية :3) فإذا كان الدين كاملا برحلة الرسول الأكرم ، كفتنا سُنَته الشريفه ليعمل المسلمون وأئمتهم بها ، ولاشيء وراءها يحتاج إلى بيان وقيم عليه .
جوابـــها
إن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) لحق بالرفيق الأعلى ، لمَا يُبيَن سوى جزء يسير من الأحكام يتناسب والظروف المكانية والزمانية ، والموضوعات التي كان يواجهها المسلمون آنذاك . وهي مما لا يمكن أن تكفي بحال ــ على فرض صيانتها من الدَس والتحريف ــ في هداية الأمة وجميع شعوب العالم ، في جميع الأزمان المستقبلة . فإذا فرضنا وقوع الدَس والتحريف فيها ـ كما قد حصل فعلاً ــ لم يبق للاعتماد عليها مجال .
وأما الآية الكريمة المذكورة ، فان ظرف نزولها والقرائن الموجودة فيها ، تدل على أنَ المراد من إكمال الدين وإتمام النعمة ، أحكام أصول الدين ودعائمه ، وضمان استمراريته وبقائه ، بإبطال ما كان يطمع فيه المنافقون ــ الذين هم كافرون في الواقع ـ من تزلزله وبطلانه بوفاة الرسول الأكرم ، كما هو شأن كل الدعَوات الدنيوية ، فإنها تفنى بموت دُعائها ، تمَ ترسيخه وإحكامه بإعلان عليَ بن أبي طالب ــ في ذلك اليوم الذي نزلت فيه الآية الكريمة ــ إماماً وخليفةً على المسلمين بعد رسول الله . وبذلك يئس الذي كفروا ، وتمت النعمة على المسلمين .

الأمر الرابع ــ كيفية تعيين الإمام
مما بيَناه في حقيقة الإمامة ، وان الإمام يجب أن يكون شخصاً مثاليَأً من الأمة له القابلية لتحمَل أعباء وظائف النبوَة ، وإكمال المسيرة التي بدأها رسول (صلى الله عليه وآله ) إلى الغاية التي أرادها الله تعالى ، وهي نشر الدين ووراثة المؤمنين للأرض والحكم بالعدل بين الناس ، وهداية البشر إلى الكمال الذي خُلقوا له .
ومما يستلزمه ذلك ، من لزوم كون هذا الشخص معصوماً عن المعصية والخطأ ليكون مفروض الطاعة على الناس ، وكونه عالماً تاماً بأصول الشريعة وفروعها ، وعارفا كمال المعرفة بكتاب الله وسنة الرسول ، وغير ذلك مما تقدم . من جميع ذلك ، يظهر أنَ مثل هذا الشخص المثالي لا يمكن نصبه إماماً على الناس إلاَ بتعيين من الله تعالى . ولا تتحقق إمامة احد ــ بالمعنى الذي بيَناه لك ــ بإيكال أمر تعيينه إلى الناس بالانتخاب وغيره .

الإمام بعد رسول الله علي بن أبي طالب
إذا كان التحليل العقلي يقضي بضرورة وجود إمام معصومٍ منصوصٍ عليه من جانب صاحب الشريعة ليُكمل المسيرة التي بدأها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله ) فان الآثار الإسلامية تطابق ذلك الأصل العقلي ، وتُثبت نصيب عليَ بن أبي طالب ، ابن عمَ الرسول ، للخلافة والولاية من بعده وتنوع هذه الآثار بين آيات الكتاب الحكيم ، والسنَة النبويَة الشريفة ، واحتجاجات عليَ ( عليه السلام ) نفسه بذلك ، فيما يلي نقتطف من كلَ منها ثمرة ، فيها الغناء من الدلالة على ذلك
1- ولاية علــــــــــيَ (عليه السلام ) في الكتـــــــــــاب
قال تعالى في كتابه الحكيم :
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (سورة المائدة : الآية 55)
الوليَ في اللغة هو : الأولى بالتصرف في أمر من أمور غيره.
فوليَ الصغير هو أوَلى الناس بالتصرف في شؤونه المالية .
ووليَُ النًصرة ( الناصر ) هو الأولى بالتصرف في أمر المنصور من حيث تقويته في الدفاع . وان شئت قلت : هو أولى الناس بالدفاع عمن التزم نصرته .
ووليَُ الصَُحبة ( الصاحب ) هو الأولى بأن يؤدي حقوق الصَُحبة من غيره . وهكذا .

والله سبحانه وليَ عباده ، من حيث انه ــ لمكان كونه الخالق ــ الأولى بالتصرف في أمور دنياهم بالتدبير والرزق ، وفي أمور دينهم بالتشريع ولهداية ، ويعبَر عنهما بالولايتين التكوينية والتشريعية . وفي هذه الآية الكريمة ، أثبت الله تعالى الولاية لنفسه ولرسوله وللذين آمنوا لا جميعهم ، بل الذين اتصفوا بوصف خاصَ ، وهو إعطاؤهم للصدقة وهم في حالة الركوع من الصلاة . وهذا الوصف بعينه لم يتحقق إلا في شخص عليَ بن أبي طالب ، كما وردت بذلك الآثار المتضافرة . *( الآثار الواردة في ذلك ، من السنة الشيعة ، كثيرة . لاحظ ــ لتسهيل الوقوف عليها ــ البحث الروائي الذي ذكره العلامة الطباطبائي في الميزان ج6 ص15ــ25 الطبعة الثانية ــ الأعلمي 1971 م بيروت).
والولاية التي أثبتها الله تعالى لنفسه ، هي نفسها أثبتها للرَسول ولعليَ ( عليهما السلام ) وتمتاز ولايته تعالى عن ولايتيهما ، أن ولاية الله سبحانه ثابتة بالأصل ، لمكان خالقيَته تعالى وربوبيَته ، والأخيرتان فرعيتان بإذنه تعالى ، التي وقفت عليها ، فتكون الآية ــ بضمينة الآثارــ مثبتةً لإمامة عليَ بن أبي طالب (عليه السلام
).
- ولاية علـــــــيَ ( عليه السلام ) في الســـــــــــنة
روي الطَبري ، والأسكافي ، وابن الأثير ، والخازن ، واحمد وغيرهم بأسانيد صحيحة ، عن علىَ بن أبي طالب ، انه لمَا نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ( وأنذرِ عشِيرتك الأقربين ) (سورة الشعراء : الآية214 )، دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وقال لي :
" يا عليَ ، إن الله أمرني أن أُنذر عشيرتي الأقربين ، فضِقتُ بذلك ذرعاً ، وعرفت أنَي متى أباديهم بهذا الأمر ، أرى منهم ما أكره ، فصمتُ عليه حتى جاءني جبرئيل ، فقال : يامحمَد ، انك إن لا تفعل ما تؤمر به ، يعذَبك ربَُك . فاصنع يا عليَ لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطَلب حتى أكلَمهُم وابلَغهُم ما أمرت به. "
ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له ، وهم يؤمئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه ... إلى أن قال : فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة ، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله ) :- (( أسِقهم )) فجئتهم بذلك العسَ ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً ، ثم تكلَم رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فقال : - "
يا بني عبد المطلب ، إنَي والله ما أعلم شابَاً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتم به ، إنَي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن ادعُوكم إليه ، فأيُكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيَي وخليفتي فيكم ؟.
فأحجم القومُ عنها جميعاً ، وقلت : " أنا يا نبيَ الله أكون وزيرك عليه ".
فأخذ برقبتي ، ثم قال :
_" إن هذا أخي ، ووصييَ وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه "

وفي رواية أخرى : قال ذلك القول ثلاث مرات ، كلَُ ذلك أقوم إليه ، فيقول " إجلس " *(لاحظ تاريخ الطبري ، ج2،ص 63ــ 64 . و" نقض العثمانية " لأبي جعفر الاسكافي على مافي شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ، ج13 ، ص244" والكامل " لابن الأثير ،ج2، ص24" تاريخ أبي الفداء عماد الدين الدمشقي " ج3 ص40 . وتفسير " الخازن " لعلاء الدين البغدادي ، ص390 . ومسند الإمام احمد ج1 ، ص111وص159. وجاء في الكثير من كتب التاريخ والحديث ، فمن أراد التوسع فليلاحظ :
-الغدير ، للعلامة المتتبع الأميني ( رحمه الله ) ج2 ،ص278 ــ 289.
- المراجعات ، للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) المراجعة 20 والمراجعة 22. ).
ويُعرف هذا الحديث بحديث الدار ، وحديث بدء الدعوة ، وهو من المستفيضات الروائيَة ، وحادثته من المسلمات التاريخية .

ودلالته على نصَ الرسول بالخلافة لعليَ ، في غاية الوضوح .
الأئمة بعد علـــيَ ( عليه السلام )
عرفت فيما مضى أن الإمامة ضرورة عقلية ، وانه يجب على الله تعالـى إكمالاً لغرضه من البعثة ــ أن ينصب للناس إماماً معصوماً ، له ما للنبيَ من الكمالات ــ سوى الوحي ــ إلى أن تتحقق أهداف الرسالة الخاتمة كاملة ببسط الدين والعدل الإلهي على كافة أرجاء المعمورة . وهذا الدليل يقتضي لزوم وجود إمام معصوم في كلَ زمان ، إلى أن تتحقق تلك الغاية . وعرفت أنَ الإمام المصوم يستحيل انتصابه على الناس إلاَ بنصَ من صاحب الشرع او من إمام معصوم متقدم . كما قد عرفت ــ والحمد لله ــ إنَ الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) هو عليَ بن أبي طالب ، بنصٍ من الله تعالى في كتابه ، ومن رسوله الكريم في سُنًته .فإذا اجتمعت لديك هذه المقدَمات ، سهل عليك معرفة الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) إلى يومنا هذا ، وعدتهم اثنا عشر إماماً ، نص رسول الله (صلى الله عليه وآله ) على عددهم وأسمائهم كما نصَ كل إمام على الإمام الذي يليه . وفيما يلي نُبيَن هذين الأمرين .
1- عدَة الأئمة : اثنا عشر
تواترت الأحاديث من طرق الفريقين على أن خلفاء رسول الله وأوصياءه والأئمة الذي يولون أمر المسلمين من بعده ، إثنا عشر إماماً منها قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لايزالُ الدينُ قائماً ــ يقاتل عليه عصابة (في رواية أحمد ) حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة . كلهم من قريش (صحيح البخاري ، ج9،ص101 ـ وصحيح مسلم ، ج6ص3 وسنن الترمذي ج4،ص501وسنن ابي داود ج2 ص421، ومسند احمد ، ج5ص86و89. وجامع الإصول ،ج4 ،ص400و442. وذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة إن رواية : الخلفاء بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، قد رويت في الصحاح والمسانيد من عشرين طريقاً (ينابيع المودة ، للقندوزي الحنفي ، ج3، ص104 ، نشر الاعلمي أفست عن ط اسطنبول ). وقد روى هذا الحديث بصور اخرى كثيرة ، اشرنا اليها في الالهيات ، ج2 ص611ــ 613، الطبعة الاولى .
ومنها قول ه( صلى الله عليه وآله " أنا سيَد النبيَين ، وعليٌَ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر أوَلهم علي ، وآخرهم القائم المهدي "(أخرجه القندوزي في ينابيع المودة ج3ص105، وفي هذا الكتاب روايات كثيرة من طرق السنة في هذا المجال فلاحظها.)
وغير هذين النموذجين الكثير جدا من الأحاديث . ولا يمكن حملها على اثني عشر خليفه من أصحاب الرسول ، لان الذي تولَوا الخلافة منهم قل من ذلك . كما لا يمكن حملها على الخلفاء الذين أعقوبهم من ملوك بني أميَة أو بنيَ العباس، لزيادتهم عن لك العدد كثيراً ، ولظلمهم الفاحش ، الذي تغنينا أٍسفار التاريخ المملوءة به عن إثباته . فلم يبق إلاَ أن يكونوا من أهل بيته ، وقد ثبتت في عليَ (عليه السلام ) فتكون من بعده في العلماء من بنيه ، الذين نصَ عليهم عليَ ( عليه السلام ) ونصَ كلٌ منهم عليه
.
2- أسماء الأئمة ( عليهم السلام )
روت الشيعة الإمامية نص إمامٍ إمامٍ على من يقوم مقامه إلى اتني عشر إماماً . وحيث إن ابتداء التنصيص كان من عليَ ( عليه السلام ) الذي نصبه الله ورسوله إماماً ــ تكون إمامتهم ثابتة على نحو اليقين .
فقد نصَ أمير المؤمنين علي (23قبل الهجرة ــ 40هــ) على إمامة ولده الحسن (3هــ ــ 60هــ) من بعد ، ثم الحسين (4هــ ــ 61 هــ) من الحسن .
ونص الإمام الحسين بن علي على إمامة ولده عليَ السجَاد ؛ زين العابدين (38 هــ 95هــ)
ونص الإمام علي بن الحسين على إمامة ولده محمد ؛ الباقر (57 هــ 95هــ)
ونص الإمام محمد بن عليَ إمامة ولده جعفر ؛ الصادق (83 ــ 148 هــ)
ونص الإمام جعفر بن محمَد على إمامة ولده موسى؛ الكاظم (128 هــ 183هــ)
ونص الإمام موسى بن جعفر على إمامة ولده عليَ ؛ الرضا (148 هــ 203هــ )
ونص الإمام علي بن موسى على إمامة ولده محمَد ؛ الجواد ( 195هــ 220هــ)
ونص الإمام محمد بن عليَ على إمامة ولده عليَ ؛ الهادي(212 ــ 254)
ونص الإمام علي بن محمد على إمامة ولده الحسن ؛ العسكري (232 ــ 260)
ونص الإمام الحسن بن عليَ على إمامة ولده محمد؛ المهدي (ولدعام 255 هــ ــ ولايزال حيَاً يُرزق مُنتظراً الإذن الإلهي بالخروج.

وهذا التنصيصات مستفيضة ، رواها واخبر عنها الأمناء الصادقون من أصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) خالف عن سالف ، وضبطوها في كتبهم ومجاميعهم الحديثَية ، وتحفَظوا على إبلاغها لكل نسلٍ نسلٍ . ونقلوا معاجزهم الباهرة التي وقعت منهم في مقامات إثبات إمامتهم ، وهي بحدَ ذاتها كافية لإثبات إمامتهم ، للدليل عينه المتقدَم في بحث إثبات النبَوة.
وبإمكان الباحث الكريم الرجوع إلى كتبهم العديدة المدونة في هذا المجال ، ومن أسهلها تناولاً كتاب الكافي لثقة الإسلام الكُليني ، المتوفَى عام 329 للهجرة
.
الاستدلال من وجه آخر
وبالإمكان الاستدلال على إمامتهم عليهم السلام بوجه آخر ، وهو أنَ مخالفي الشيعة رووا تلك الأخبار الكثيرة التي تقدمت الإشارة إليها ، والتي تصرُح بان الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر إماماً . فاإذا ثبت هذا العدد ، كان القائل بإمامه من يطابقه ، هو الصادق من بين جميع الطوائف ، وليس غير الشيعة الإماميَة تقول بذلك دون غيرهم ، فيثبت إمامة هؤلاء الكرام بأعيانهم (أورد هذا الدليل ، الشيخ الطوسي في كتابه ، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد ص371 ــ 372 ، ط النجف ــ 1399 هــ ، وماذكرناه توضيح جلي لما أفاده قدس سره .
الإمام المــــــــهدي
تسلَم الإمام المهدَي منصب الإمامة عام 260هــ ، واضطرته ظروف الجور والظلم والمطاردة من جهة ، وحالة الاضمحلال الفكري والأخلاقيَ في المجتمع في الإسلاميَ خاصة والبشري عامة ، المانعة من تمكينه التام لأداء ويفته الراوية مباشرة ــ وهو آخر الأئمة المذخورين ــ من جهة ثانية ، اضطرَه ذلك إلى الاستتار وتفويض أمور الإمامة الإجرائية والتشريعيَة ــ بالحد الذي سنشير إليه ــ إلى الفقهاء المتضلَعين بحديث الرسول والأئمة ، كما سنتطرق إليه في البحث الآتي ، وستستمر غيبته هذه إلى أن تتحقق مقتضيات ظهوره ، وتزول أٍسباب استتاره فيحقَق عند ذاك الغاية الإلهيَة المرضيَة من بعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فيملأ الأرض هداية ونوراً ، وقسطا وعدلاً.


يتبع العــــدل

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع


مات التصبر بانتظارك ايها المحيي الشريعه فانهض فما ابقى التحمل غير احشاء جزوعه قد مزقت ثوب الاسى وشكت لواصلها القطيعه فالسيف ان به شفاء قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش هذه النفس الصريعة طالت حبال عواتقن فمتى تعود به قطيعه كم ذا القعود ودينكم هدمت قواعده الرفيعة تنعى الفروع اصوله واصوله تنعى فروعه فيه تحكم من اطاح اليوم حرمته المنيعه



( اللهم انصرنا على القوم الكافرين واظهر علينا وليك القائم المؤمل وايده بتأيدك فأنك على كل شيء قدير )

  رد مع اقتباس
قديم 02-05-2016, 11:34 PM   رقم المشاركة : 4
خادم تراب الزهراء (ع)
مشرف
 
الصورة الرمزية خادم تراب الزهراء (ع)








خادم تراب الزهراء (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إصول الديـــــــــن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجَل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله من كل سوء وشر ...

العـــــــــدل


العــــــــــدل
العدلُ معناه وضعُ كل شيء في موضعه ، وعدمُ التجاوز عن حدَه ، ويقابله الظُلم والجور . والله تعالى عادل ، لما عرفت من أنَ العقل البشري إذا تُرك وإدراكه البديهي ، يحكم بقُبح الظلم ، ولزوم تنزَه كلَ موجودٍ عاقل عنه ، واستحقاق فاعله للذَم ، وحُسن العدل ، ولزوم أتصاف كل عاقلٍ له ، واستحقاقِ فاعله للمدِح ، فإذن يجب ــ في منطق العقل ــ أتصاف الخالق تعالى بالعدل .
فإن قلت : كيف يكون للعقل البشري الممكن أن يحكم على الواجب بحكمٍ ، ويُلزم الله تعالى بالاتصاف بصفة ما ، والله تعالى قادرٌ على ما يشاء ، ويفعل ما يريد ؟
قلت : في الواقع ، إن العقل بحكمه هذا ، إنما يقوم بالكشف عن واقعية موجودة في ذاته تعالى ، ويتصف بها واجب الوجود الصانع لهذا الكون . وليس هذا الحكم إلاَ كسائر الأحكام التي يصدرها العقل ــ ببديهته ــ على الأشياء التكوينية ، كقول العقل : ( إن الأربعة زوجٌ ) فليس هو في حكمه هذا يعطي الزوجيَة للأربعة ، أو يلزم الأربعة بان تكون زوجا لا فردا ، وإنَما يكشف عن أمر موجود واقع في الخارج .
وهكذا الأمر هنا ، فان العقل يكشف عن أتصاف فعله تعالى بالعدل بالنظر إلى حسن العدل الذاتيَ ، وتنزَهه عن الظلم بالنظر إلى القبح الذاتي للظلم .

فلا منافاة إذن بين قول العقل : يجب أن يكون الله تعالى عادلاً ، وبين سعةِ قدرته ومشيئته تعالى لما يريد .
فظهر إنَ الله تعالى ــ بحكم العقل القطعي البديهي ـ يتَصف بالعدل ويتنزه عن الظلم ، فهو عادلٌ لايجُور ولايظلم.

العدل في الكتاب والسنة
تضافرت الآيات الكريمات العزيز مركَزة على قيامه سبحانه بالقِسط وعدله في تشريعه ، وفي جزائه ، نذكر منها :
*
قوله سبحانه : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ)( سورة آل عمران : الاية 18)
*
وقوله سبحانه : (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (سورة المؤمنون : الآية 62). والجزء الأول من هذه الآية ناظر إلى عدله سبحانه في العباد في تشريع الأحكام والجزء الثاني ناظرٌ إلى عدله يوم الجزاء في حسابه وجزائه بالثواب أو العقاب .
وفي آيةٍ أخرى جعل الهدف من بعثة الأنبياء وإنزال الشرائع السماوية ، قيام المجتمعات الإنسانية بالقسط . أفلا يكون هو تعالى أولى بالاتصاف بهذه السمة الكماليَة ؟
*
قال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ( سورة الحديد : الآية 25).
وفي السُنة كثر التصريح بعدله سبحانه ، والتأكيد عليه ، نكتفي منها ــ بكلمة جامعة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، في مفتتح خطبة له ، وهي قوله : ( أشهد أنَه عدلٌ عدل ) نهج البلاغة ، الخطبة 214.
وفي استعماله ( عليه السلام ) صيغة المصدر ــ الدالَة على المبالغة في قوله : ( عدل ) تصريح باستحالة انفكاك فعله تعالى عن العدل .
وفي قوله ( عليه السلام ) ( عدل ) تأكيد لذلك ، وإشارة إلى أنَ ــ كلَ أفعاله تعالى التي نشاهدها في الوجود ، ونعيشها في حياتنا اليومية ، عادلة لا جور ولا ظلم فيها .


- يتبع المعـــــاد

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع


مات التصبر بانتظارك ايها المحيي الشريعه فانهض فما ابقى التحمل غير احشاء جزوعه قد مزقت ثوب الاسى وشكت لواصلها القطيعه فالسيف ان به شفاء قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش هذه النفس الصريعة طالت حبال عواتقن فمتى تعود به قطيعه كم ذا القعود ودينكم هدمت قواعده الرفيعة تنعى الفروع اصوله واصوله تنعى فروعه فيه تحكم من اطاح اليوم حرمته المنيعه



( اللهم انصرنا على القوم الكافرين واظهر علينا وليك القائم المؤمل وايده بتأيدك فأنك على كل شيء قدير )

  رد مع اقتباس
قديم 02-05-2016, 11:59 PM   رقم المشاركة : 5
خادم تراب الزهراء (ع)
مشرف
 
الصورة الرمزية خادم تراب الزهراء (ع)








خادم تراب الزهراء (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: إصول الديـــــــــن

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجَل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله من كل سوء وشر ...

المعـــــــــــاد
تمهيد
بعد تصرَُم الحياة ، ودمار الكون ، واندثار الموجودات ، وفناء الإنسان ، وانطواء صفحة هذه النَشأة الدَنيويَة ، تنفتح صفحة نشأة أخرى أبديَة ، لاخاتمة لها : الأرض فيها غير الأرض ، والسماء فيها غير السماء ، والحياةُ فيها غير الحياة ، والإنسان فيها غير الإنسان أنه ـ حينذاك ــ موجود خالد ، إما سعيد في نعيم لا يزول ، أو شقي في عذاب لا ينقضي وبكلمة جامعة : إنها دار الحيوان .
كلَ من رأى تلك الحياة الدنيا ، من أول أناسيَها إلى آخرهم ، هو الآن محشور ليبدأ هذه الحياة الخالدة : فإن ورد محشره بقلب سليم ، فهنيئاً له جناتُ الفردوس نزَُلاً ، يدخلُها بسلام ويحباها بأمن ، وإن ورد محشرهُ بقلب خبيث ، فتعساً له في نُزلَ الحميم ، يدخُلها مذموماً مدحوراً ، ويُصلَى فيها جحيماً وسعيراً . إنها إذن ، منتهى سعي الإنسان في الدنيا ، وخاتمة نضاله المستميت لإِشباع جوعه ، وإرواء إظمائه ، وستر عورته ، من حِلَه أو حرامه . لقد كانت الدنيا دار ابتلاء ، وفترة تمحيص ، ولحظة اختبار ،في مهمة عمياء كشف الآن عن غطائها ، وتبَدت خاتمتها ، وإذا بما قدَمت يداه حاضراً ، ليُجزاهُ ثواباً أو عقاباً . بل كأنَ الإنسان لم يُخلق إلاَ لهذه الحياة الخالدة ، ولم تكن تلك إلا مفازةً في طريقها ، وقد تجاوزها الآن ، إما بنجاح أو خسران .
هل هذا كلَه مجرَد ادَعاء ، وخيالات وأوهام ؟ إنَه أمرٌ قام عليه الدليل والبرهان ؟.
الجواب : إنه يقينٌ لايعتروه شكَ ، بل ضرورةٌ حتمية لا مناص منها واليك الدليل
الدليل على وجود نشأة أخرى
إثبات المعاد سهل للغاية ،ولا يحتاج إلى مزيد مئونة ، وذلك إنَا بعد أن أثبتنا وجود الخالق ، ثم رسالة نبيَه الخاتم وإعجاز القرآن الكريم ، الدالٌ على انه كلامه تعالى ، نتصفَحه ، فنرى فيه من الآيات الدالَة على القيامة والمعاد والحشر والحساب والجنَة ونعيمها ، والنار وجحيمها، والمتحدَثة عن بعض المشاهد التفصيليَة لما يحصل فيها ، نرى ما يربو على المئات منها ، فيكون هذا دليلاً قاطعا على قيامة الناس بعد الموت إلى حياة أخرى.
ولكن مع ذلك ، نورد دليلاً عقلياً ، يضفي على المعاد صبغة الوجوب ، والضرورة الحتميَة ، وهو التالي.

المعـــاد مقتضـــي الحكمة الإلهيَة
بالإمكان بيان هذا الدليل بعدَة وجوه ، نذكر وجهين منها ، هما:
أ- صيانة الخلقة عن العبث
ذكرنا في مباحث الحكمة من الصفات الثبوتَية الفعليَة ، أنَ العقل مستقل في الحكم بحسن الأفعال وقبحها ، من دون أن يحتاج في ذلك إلى ورود ترخيص شرعي بذلك ، كما يقول الأشاعرة . ومن هناك ، يحكم العقل لحكمة الخالق ولزوم كون أفعاله كلَها ذوات غايات ، وقُبح وقوع الأفعال العبثية اللَغويَة الخالية من أيَة فائدة ، عنه تعالى .
وهو بهذا الحكم إنما يكشف عن واقعية في ذات الله تبارك وتعالى ،وأنه متَصف بهذه الصفة . لا أنَه ــ كما قد يُتصوَر ــ يُصدرُ حُكماً على الله تعالى يحدَُ من فاعليته المُطلقة ، بل هو فاعلٌ تامٌ في الفاعلية ، له أنَ يفعل ما يشاء ، إلا انه حكيم لا يفعل إلاَ ما كان ذا غاية وفائدة لكائناته ، لا لذاته الكاملة بالكمال المطلق ، والغنية عن كل شيء
.
وانطلاقاً من هذا الأساس ، نقول :
إن الله تعالى خلق الإنسان ، وزوَده بالمدارك والحواسَ ، وأسباب التفكير والمعرفة ، واهبطه إلى هذه الدنيا ، ليعيش قسوتها ، وتعتصره مرارتها ، ويكدح ليله ونهاره مبتغياً لقمة عيشه في محيط الشقاء والبلايا :
"المولودُ المؤمَل ما لا يُدرك ، السالك سبيل من قد هلك ، غرضُ الأسقام ، ورهينة الأيام ، ورميَةُ المصائب ، وعبدُ الدنيا ، وتاجر الغُرور ، وغريم المنايا ، وأسيرُ الموت ، وحليفُ الهُموم ، وقرينُ الأحزان ، ونصبُ الآفات ، وصريعُ الشهَوات ، وخليفةُ الأموات " ( اقتباس من كلام أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) في وصيته لولده الحسن ( عليه السلام) نهج البلاغة ، الكتاب 31.
وفوق ذلك ، لم يتركه هملا يعيش على هواه ، بل قيَد تصرفاته ، وحدَ من اختياراته ، بتشريعات أنزلها إليه ، وتكاليف وضعها عليه ، وهي تتصادم ورغباته في الجموح والانطلاق.
وحينئذ نقول : إذا كان الخالق حكيما ، فلا بد ـ إذن ـ أن تكون ثمة غاية من خلق الإنسان ، وإلا كان خلقه مع هذه المشقَات والتكاليف،لغواً وعبثاً ، فما هي تلك الغاية ؟ هل هي منحصرة بإطار الحياة الدنيا التي يعيشها ، بأن يحيياها ولاغير ، ولكن لا يخرج بذلك عن دائرة العبثية ، لما عرفته من طبيعة هذه الحياة ، يكونُ الإنسان مخلوقاً ــ حينذاك ــ لكي يوضع عليه التكليف ، ويعاني الشقاء بلا ذنب ، ليس إلا ، وهو عين العبث ، تنزَه الخالق الحكيم عنه.

فإذا لم تكن الغاية هي الدنيا ، فلا بد أن تكون حياة أخرى ، ويكون بلاء هذه وتكاليفها معبراً إليها ، وأنبوب اختبار وتمحيص للعباد،ومضَمار سباقٍ لتحصيل الكمالات النفسَية والمعنويَة ، والاكتساء بزيَ العبودية لله وحده ، والفوز ــ في النتيجة ــ بكأس النجاة والسعادة الأوفى .
والى هذا يشير قوله تعالى : (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)(سورة المؤمنون: الآية 115)
وقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)(سورة المُلك : الآية 2
)
ب ـ العدل الإلهي
ويمكن طرح دلالة الحكمة الإلهية على ضرورة المعاد ، بصورة أخرى ، وهي أن الخالق الحكيم ، عادلٌ ، يستحيل عليه أن يظلم ، وإنما يعطي كلَ ذي حقًه .
ونحن نرى أنَ العباد على صنفين :
- صنف قد بذلوا المشاقَ في سلوك طريق امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه ، ولانضباط بما أودعه الله تعالى في عقول الناس من معرفة طرق الخير والشر .
- وصنف آخر ، تهاونوا في ذلك ، فسلكوا طرق المعصية والفساد ، ومخالفة أوامر المولى وإرشادات الفطرة الإلهية
فهذا لا يخلو الأمر من أحد وجوه :
- إن يمهلهم المولى ، من حيث الثواب والعقاب .
- أن يُسوَي بينهم ، بأن يُثيب الجميع ، أو يعاقب الجميع .
- أن يفرق بينهم ، بأن يُثيب العاصي ، ويعاقب المطيع .
- أن يفرق بينهم ، بأن يثبت المطيع ، ويعاقب العاصي.
والأول عبثٌ ، وقد تقدَم الكلام فيه ، والثاني والثالث خلاف العدل ، فعتُيَن الرابع ، وهو مقتضى العدل الإلهي . ولكن حيث إن هذا التفريق العادل غير متحقق في هذه النشأة الدنيوية ، فلا بُدَ أن تكون ثمة نشأة أخرى يتحقق فيها دله تعالى : فيًثيبُ فيها المطيعين ، ويُعاقبُ العاصين ، وإلى هذا الدليل يشير تعالى في كتابه العزيز بقوله : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (سورة ص : الآية 28)
قوله تعالى : ( وقال الَذين كفرُوا لا تأتينا السَاعةُ قُل بلى وربَي لتأتينَكُم ...* ليجزي الَذين آمنوا وعملوا الصَالحات ، أُلئك لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ * والَذين سعوا في آياتنا مُعاجزين أُلئك لهُم عذابٌ من رجزٍ أليمٌ ) (سورة سبأ : الآية 3ـ5)
فالآية الأولى تصرح بأن مقاضى العدل الإلهي التفريق بين العباد بالثواب والعقاب ، بإثابة المطعين وعقاب العاصين ، وأنَه يستحيل عليه تعالى أن يعامل الجميع بالسويَة . والآية الثانية تشير إلى هذه الإثابة والمعاقبة ليست في الدنيا ، بل في نشأة أخرى
.
كيفية معاد الإنسان
قد وقفت على الأدلة العقلية والسمعية على وجود حياةٍ أخرى ينتقل إليها الإنسان بعد الموت ، ولكن قد يُتساءل : كيف يعاد الإنسان ؟ هل يعاد بروحه أو بجسده فقط ؟ أو بهما معاً ؟ إن غاية ما دلَنا عليه الدليل العقلي المتقدَم ، هو ضرورة بعث الإنسان إلى حياة أخرى ليلاقي يها جزاءه على ما عملهُ ، إما ثواباً أو عقاباً ، وهو قاصر عن أن يُعين أي شيء هو المُعاد خاصَة إذا عرفنا إن الإنسان ليس هو مجرَد هذا الهيكل الجسماني ، وليست كلَُ مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وخيالاته مجرَد انفعالات عصبيَة نتيجة عمليات فيزويوكيميائية تجري في الخلايا والأنزيمات ، ليكون المعاد جسمانياً فحسب . بل الإنسان
المخاطب بــ " زيد " و"عمرو" هو هذا الهيكل الجسماني إضافة إلى روح منفصلة عنه ، متعلَقة به تعلَُقاً تدبيرياً ، فإذا مات اندثر البدن وبقيت تلك الروح .
فإذا آن المعاد ، هل يُعاد ذلك الجسد المعدوم ليُحشر مع تلك الروح سويَة إلى الحساب ، ثم إلى الجنة أو النار ؟ أو يختصَ المعاد بالروح ؟ . لا سبيل إلى إُثبات أي منهما بالبرهان العقلي ، وإنما السبيل إليه هو السمع .

ولقد دلَتنا آيات القرآن الكريم على أن المُعاد يوم القيامة هو الإنسان :
بروحه وجسده الدنيوي ، كليهما ، لا يفوت أيَ منهما ، كما لا يُنقص من أحدهما شيء .
ويمكن تصنيف الآيات الدالة على ذلك إلى أهمها
:
1-ما يدل على بعث أجزاء البدن جميعها.
2- ما يدُل على بعث الروح والبدن الدنيوي يوم القيامة . 3- ما يدل على وقوع عذابٍ ونعيم ، جسمانييَن وروحييَن .
فمن الصنف الأول ، قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الإنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِين وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم)( سورة يس : الآيات 77 ــ 79)
فهذه الآيات تدُلَُ على إعادة الحياة إلى رفاتِ أجساد الموتى ، ومن الواضح أنَ عودة الجسد تُرافقهُ عودةُ روحه.
ومن الصنف الثاني ، قوله تعالى : ( يوم تشهدُ عليهم ألسِنتُهم وأيديهم وأرجُلهم بما كانُوا يعملُون )(سورة النور : الآية 24)
ومن الصنف الثالث ، قوله تعالى : (كلما نضجت جُلُودُهُم بدَلناهُم جُلوداً غيرها ليذوقوا العذاب )(سورة النساء : الآية 56) فإن الشطر الأول من الآية يدلً على وقوع عذاب جسماني ، والشطر الثاني منها ــ الذي يذكر تذوَق العذاب ــ يدلٌ على وقوع عذابٍ روحي .
وقوله تعالى : ( وأنذرهُم يوم الحسرةِ إذ قُضي الأمرُ ) ( سورة مريم : الآية 40) والحسرة ألم نفسيَ وعذاب روحي ، وتتجلى في مواطن عدَة ، منها قوله تعالى : ( يوم تُقلَبُ وُجُوهُهُم في النَارِ يقُولُون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرَسُلا ) ( سورة الأحزاب : الآية 66) وغيرها من الآيات .
وتحكي الآيات القرآنية صوراً رائعة لأهل الجنَة ، مزيجه من النعيم الجسماني والروحاني ، منها قوله تعالى : ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُون هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُون لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُون سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيم) (سورة يس : الآيات 55 -58)
وقوله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.)(سورة التوبة : الآية 72)
وفي رضوان الله ، لذة روحية أكبر من جميع الذائذ الجسمانية التي يتنعم بها أهل الجنة. فالمعادُ إذا ، للجسد والروح معاً . وهذا من ضروريات دين الإسلام ، لأن آيات القرآن الكريمــ التي أوردنا شيئاً يسيراً منها ــ دالة عليه بنحو لا يقبل التأويل .



وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع


مات التصبر بانتظارك ايها المحيي الشريعه فانهض فما ابقى التحمل غير احشاء جزوعه قد مزقت ثوب الاسى وشكت لواصلها القطيعه فالسيف ان به شفاء قلوب شيعتك الوجيعه
فسواه منهم ليس ينعش هذه النفس الصريعة طالت حبال عواتقن فمتى تعود به قطيعه كم ذا القعود ودينكم هدمت قواعده الرفيعة تنعى الفروع اصوله واصوله تنعى فروعه فيه تحكم من اطاح اليوم حرمته المنيعه



( اللهم انصرنا على القوم الكافرين واظهر علينا وليك القائم المؤمل وايده بتأيدك فأنك على كل شيء قدير )

  رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 09:40 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.