بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفكّر):
المعلم الثاني المهم: الذي يؤكد عليه أهل البيت هو (التفكّر) (تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) عوالي اللئاليء/ ابن أبي جمهور 2: 57، والحديث مروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
العبادة وآثارها:
من الواضح أن الإنسان الذي يقف بين يدي ربه ويتعلق به كأنه يعرج إلى خالقه، طبعاً ليست عبادة الساهي ولا الغافل، بل عبادة الاخلاص والتوجه، مثل هذه العبادة ما هي آثارها في النفس؟
لا شك أن آثارها: هي تصفية النفس وتزكيتها، لأنها نوع من الارتباط بالغيب، ومعراج للمؤمن (الصلاة معراج المؤمن) يعني أن روحه تعرج إلى بارئها فتتعلق بالله، تصوروا سبعين سنة يتعبد الإنسان ربه. ما عسى أن تكون لها من آثار روحية؟! لا يمكن لنا أن نحصي أو أن نتوقع حجم تلك الآثار. لأنها آثار عظيمة وعالية جداً.
روي عن النبي ( صل الله عليه وآله وسلم): (تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) خير من آثار تترتب على عبادة سبعين سنة في النفس وفي القلب، عجباً لهذا الأسلوب وهذه الطريقة كيف توصل إلى هذه النتائج الباهرة، يعني أن الإنسان إذا جلس ساعة مع نفسه في مكان لا يشغله أحد ولا شيء, بينه وبين نفسه يفكر بربه، يفكر بذنوبه، يفكر بتأريخه وماضيه، يفكّر في نعم الله عليه، بعد ساعة سيخرج أفضل ممن تعبد الله سبعين سنة، الواقع أن هذه المسألة مرتبطة بالتزكية وبالفطرة، التفكّر هو من أكبر العوامل وأنجح الأساليب لإزالة الغبار عن الفطرة، ونحن مسؤولون على طهارة وتزكية تلك الفطرة، التفكّر من أكبر الوسائل لذلك البحث، هذا البحث الداخلي الذي يبحث فيه الإنسان عن ذاته وعن حقيقته وعن إنسانيته، كأن الإنسان يمسك في يده ضوءاً كاشفاً يبحث فيه عن دخائل نفسه وفي زوايا روحه حتّى يجد الفطرة ويزيل عنها التراب وينظّفها.
التفكر عبادة، بل هو خير من العبادة الشكلية، لكن له أصول وآداب.
العقل من العطايا المقدسة التي أعطاها الله للإنسان وجعل نتيجتها وثمراتها مباركة دائماً، وليس لدينا نتاج عقلي غير مبارك، بل كل ما كان نتاجاً للعقل السليم فهو مبارك.
قد يسأل سائل: أنه قد يكون هناك اُناس يستخدمون عقولهم في الباطل.
نقول: هذا ليس عقلاً، بل هو نكراء روي إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام): حين أتاه أحد الأشخاص وكان يسمع الأمير يتحدث عن العقل، فيقول له: يا مولاي وما ذلك الذي في معاوية؟ (معاوية داهية، مدبر سياسي) قال عليه السلام: الذي في معاوية هو النكراء وليس العقل، النكراء شيء يشبه العقل ولكنه النسخة الشيطانية منه، العقل ليس هذا، العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان.
فإذاً ليس لدينا نتاج عقلي سيئ، لكن علينا أن لا نشتبه فالعقل إنما هو العقل الكامل، العقل السليم، العقل الذي يستند إلى الحقائق، وليس الذي يستند إلى الحدس وإلى الظّنيات، الإنسان (طبعاً الناقص) حينما يريد أن يحكم على شيء يستند إلى معلوماته، وبما أن معلوماته ناقصة وذهنه قاصر، فقد يصدر أحكاماً خاطئة، نحن كلنا خطّاؤون وقد نخطأ في التفكير.
قد تقول لي: كيف تقول: إن العقل نتائجه دائماً سالمة وطيّبة؟
أقول: نحن نقصد بالعقل الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، والذي هو دائماً كامل في أهل البيت عليهم السلام، هذا العقل الذي لا يلحقه شيء من الغبار أو السوء أو عدم الوضوح، هذا العقل الذي نقصده الذي هو في داخلنا مغمور بالأتربة والغبار، ما الذي يخرج هذا العقل من هذه الحفرة العميقة ويخلصه من هذا المصير الأسود؟ التفكر يفعل ذلك، يعني تحريك العقل نفسه، نفس العقل إذا تحرك من جديد يحيي نفسه، ويضع يده على مواقع الخطأ والسوء والنقص ويرفعها، التفكّر عملية لا بدّ منها للإنسان للمحافظة على عقله والوصول به إلى الكمال.
وسائل تقوية العقل:
والعقل عطية كبيرة من الله، وهناك وسائل للحفاظ عليه وتقويته، وهناك وسائل لطمسه، من وسائل تقوية العقل:
1 _ التفكّر، والمراجعة (ليس منا من لم يحاسب نفسه) : الكافي/ الكليني 2: 453/ باب محاسبة النفس/ ح 2؛ وسائل الشيعة/ الحر العاملي 16: 95/ باب 96/ ح 1
2 _ استشارة العقلاء. وقد ورد عنهم عليهم السلام: (ومن شاور الرجال شاركها عقولها) نهج البلاغه: 4: 41: 161
أما ما يضعف العقل فأمور منها:
1 _ الحديث في الباطل. وفي ما لاينفع.
2 _ الكلام الكثير.
3 _ الاستخارة في غير محلها.
هناك أناس يستخيرون على الأكل والشرب والنوم و... ولا يعتمد على عقله هذه اليد إذا شدها الإنسان إلى ظهره مدة من الزمان دون أن يسمح لها بالحركة الطبيعية ستتكلس ولن تعود قادرة على الحركة المعتادة الطبيعية. وبعد فترة إذا فتح يده سيراها عاجزة عن الحركة، وستحتاج إلى مدة من العلاج الطبيعي حتّى يمكن أن تتحرك وتعود إلى سابق قوتها وفعاليتها، العقل الذي يجمده الإنسان فترة طويلة أو قصيرة ثمّ يحتاجه فلن يقدر على مساعدته، سيجده عاجزاً أو ضعيفاً، لماذا؟ لأنه لم يعطه دوره، لم يدربه على العمل، بل حبسه وعطله، فالاستخارة قبل التفكير تنتج ذلك. مع تأكيدنا على ورود الاستخارة وشرعيتها بل واستحبابها, لكن بأصولها وآدابها الواردة عنهم عليهم السلام. بالشكل الذي يحفظ للعقل دوره في اتخاذ القرارات.
نعم، حينما تفكر ولا تصل إلى نتيجة وتقف أمام مفترق طرق حينذاك يأتي دور الاستخارة، هناك روايات تؤكد على استحباب الاستخارة وأنها مستحبة، طبعاً الاستخارة بمعنيين:
1 _ طلب الخير من الله عز وجل والتوكل على الله والاقدام على العمل.
2 _ هي العملية التي نجريها بالسبحة أو بالقرآن.
إذاً الاستخارة تأتي بعد التفكير وبعد إعطاء العقل دوره.
الخلاصة:
نرجع إذاً ونقول: التفكّر مما يقوي العقل، وهناك أمور من شأنها أن تضعف العقل، والعقل إذا ضعف وأصبح الإنسان ضعيف العقل أيّ أحمقاً، سيضعف كل شيء في حياته، روحه تضعف، عمله سيعود بلا قيمة، إذا كان الله يعطي للعاقل والعالم ثواباً استثنائياً على أعماله فلن يكون نصيب الجاهل من ذلك إلا اليسير، ولذلك تقول الرواية: (نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل) مكارم الأخلاق/ الطبرسي: 441؛ بحار الأنوار/ المجلسي 74: 57
الجاهل مستيقظ يعبد ويصلي، والعالم بعقله المستنير نائم في تلك اللحظة، الله يسجل للعالم ثواباً أفضل من ثواب الجاهل في يقظته، إذاً لاحظوا أثر العقل، العقل أصبح محوراً للثواب والعقاب، لدينا رواية صريحة (إنما أجازي العباد على قدر عقولهم) بحار الأنوار/ المجلسي61: 196.
من كتاب الاعداد الروحي لعصر الظهور