مركز نور السادة الروحي
         
 
     

:: مركز نور السادة الروحي ليس لديه أي مواقع آخرى على شبكة الأنترنت، ولا نجيز طباعة ونشر البرامج والعلاجات إلا بإذن رسمي ::

::: أستمع لدعاء السيفي الصغير  :::

Instagram

العودة   منتديات نور السادة > نـــور الـســـادة الإســلامــيـة > نور القرآن الكريم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 02-20-2011, 11:44 AM   رقم المشاركة : 1
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
سورة یــس :

1,2,3 (يس والقرآن الحكيم...) إقسام منه تعالى بالقرآن الحكيم على

كون النبيّ صلى الله عليه وآله من المرسلين، وقد وصف القرآن بالحكيم لكونه مستقراً فيه الحكمة وهي حقائق

المعارف وما يتفرع عليها من الشرائع والعبر والمواعظ.

-4(على صراط مستقيم...) تنكير الصراط ـ كما قيل ـ للدلالة على التفخيم.

-5((تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ))(5 و 6).

وصف للقرآن ذاك المنزل الذي أنزله الله العزيز الرحيم الذي استقر فيه العزة والرحمة.

6- (لتنذر قوماً ما أُنذر...) إنّما أرسلك وأنزل عليك القرآن، لتنذر وتخوف قوماً لم ينذر آباؤهم فهم غافلون.

س ـ رجّح بعض المفسرين أن تكون ((ما)) نافية، والمعنى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ينذر قوماً لم يُنذر

آباؤهم من قبل. وعلى هذا فيطرح هذا السؤال: كيف تنسجم فرضية ترك أبائهم من دون نذير مع قوله تعالى: ((وَإِنْ

مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)) (فاطر:24) وكيف يحاسَب أولئك الآباء على كفرهم ما دام لم يُبعث لهم رسول وقد قال

الله تعالى: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) (الاسراء:15)

ج ـ أولاً: ان أولئك الآباء يمثلون أحد أو بعض أجيال الأمة، فعدم ارسال رسول لهم لا يعني عدم وجود رسول

للأمة، ففي الجزيرة العربية كان هناك عدة رسل، وقد انتشرت بينهم الحنيفية التي جاء بها إبراهيم الخليل (عليه

السلام) قبل تحريفها فيما بعد، والآية التي تحدثت عن النذير لكل أمة لم تتضمن الإخبار عن وجود نذير في كل جيل

منها، فلا ينافيها عدم وجود نذير في بعض الأجيال السابقة على عصر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)،

ولعلّ التعبير في الآية ((خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)) يؤكد كفاية تقدم النذير.

وثانياً: إن الهدف من بعثة الرسل إقامة الحجة على الأمم، ويكفي في إقامة الحجة على الأجيال المتعاقبة وجود

رسول في بعضها، ولا يتوقف إقامة الحجة على وجود رسول في كل جيل، والآية الكريمة: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى

نَبْعَثَ رَسُولاً)) لم تتضمن بعثة الرسول لكل جيل، بل مجرد بعثة الرسول التي تتم به الحجة، وإن كانت على عدة

أجيال.

7ـ (لقد حق القول...) اُقسم لقد ثبت ووجب القول على أكثرهم. والمراد بالقول الذي حق عليهم: كلمة العذاب.

8ـ (إنّا جعلنا في أعناقهم...) مقمحون: إسم مفعول من الإقماح وهو رفع الرأس، كأنهم قد ملأت الأغلال ما بين

صدورهم إلى أذقانهم، فبقيت رؤوسهم مرفوعة إلى السماء لا يتأتى لهم أن ينكسوها فينظروا إلى ما بين أيديهم.

9ـ (وجعلنا من بين أيديهم...) وجعلنا من جميع جهاتهم سداً فجعلناه يغطيهم فهم لا يبصرون فلا يهتدون.

10ـ (وسواء عليهم أ أنذرتهم...) عطف تفسير وتقرير لما تتضمنه الآيات الثلاث المتقدمة.

11 ـ (إنّما تنذر من...) إنّما تنذر الإنذار النافع الذي له أثر، من اتبع القرآن إذا تليت عليه آياته وما إليه، وخشي

الرّحمن خشية مشوبة بالرجاء، فبشّره بمغفرة عظيمة وأجر كريم.

12 ـ (إنّا نحن نحيي الموتى...) المراد بإحياء الموتى: إحياؤهم للجزاء. والمراد بما قدموا: الأعمال التي عملوها

قبل الوفاة فقدموها على موتهم، والمراد بآثارهم: ما تركوها لما بعد موتهم من خير يعمل به أو شر يعمل به.

((... وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)).

ج ـ قيل: إنه الكتاب الظاهر الدال على علمه تعالى، وهو اللوح المحفوظ.

13ـ (واضرب لهم مثلاً...) المثل: كلام أو قصّة يمثل به مقصد من المقاصد فيتّضح للمخاطب.

14ـ (إذ أرسلنا إليهم...) واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية، وهم في زمان أرسلنا إليهم رسولين إثنين من رسلنا

فكذّبوهما فقوّيناهما برسول ثالث فقالت الرّسل: إنّا إليكم مرسلون.

15 ـ (قالوا إن أنتم...) كانوا يرون أن البشر لا ينال النبوة والوحي، ويستدلون على ذلك بأنفسهم حيث لا يجدون

من أنفسهم شيئاً من ذاك القبيل.

16 ـ (قالوا ربّنا يعلم...) إنّا مرسلون إليكم صادقون في دعوى الرسالة ويكفينا في ذلكم علم ربنا الذي أرسلنا بها،

ولا حاجة لنا فيه إلى تصديقكم لنا، ولا نفع لنا فيه من أجر ونحوه، ولا يهمنا تحصيله منكم، بل الذي يهمنا هو تبليغ

الرسالة واتمام الحجّة.

18 ـ (قالوا إنّا تطيرنا...) القائلون أصحاب القرية والمخاطبون هم الرسل، والتطير: هو التشؤم.

19 ـ (قالوا طائركم معكم...) إن الذي ينبغي أن تتشأموا به هو معكم وهو حالة إعراضكم عن الحق الذي هو

التوحيد. (أ إن ذكِّرتم) إستفهام توبيخي والتقدير: أ إن ذكرتم بالحق قابلتموه بمثل هذا الجحود الشنيع والصنيع

الفظيع من التطيّر والتوعّد. (بل أنتم قوم مسرفون) مجاوزون للحد في المعصية.

((قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ...))

س ـ ما معنى أن يكون طائرهم معهم؟

ج ـ الطائر: هو ما يتطيّرون ويتشائمون منه، وكأن المقصود أن سبب الشؤم ملازم لكم وهو الكفر بالله تعالى.

20 ـ (وجاء من أقصى...) كان على ما يعطيه التدبّر في المنقول في كلامه، رجلاً نَوّر الله سبحانه قلبه بنور

الإيمان، وقد خاصم القوم فخصمهم وأبطل ما تعلق به القوم من الحجّة على عدم جواز عبادة الله سبحانه ووجوب

عبادة آلهتهم، وأثبت وجوب عبادته وحده وصدق الرسل في دعواهم الرسالة ثمّ آمن بهم.

21 ـ (إتّبعوا من لا يَسألكم...) هؤلاء الرسل مهتدون في قولهم: لا تعبدوا إلاّ الله وهم لا يريدون منكم أجراً من مال

أو جاه.

22، 23 ـ (وما لي لا أعبد...) شرع في استفراغ الحجّة على التوحيد ونفي الآلهة في آيتين [والآيتان] حجّتان

قائمتان على إبطال ما احتج به الوثنية وبنوا على ذلك عبادة الأصنام وأربابها.







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-02-2011, 11:45 PM   رقم المشاركة : 2
قلبي نور اليقين
متخرجو مدرسة السير والسلوك








قلبي نور اليقين غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بارك الله فيكم وجزاكم خيراً

جعل الجنة مثواكم







التوقيع

شكراً لله الذي منحني أباً كأبي
رباه أحفظ لي أبي


اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحْمَتِكَ وَ كَلِمَةِ نُورِكَ وَ أَنْ تَمْلَأَ قَلْبِي نُورَ الْيَقِينِ وَ صَدْرِي نُورَ الْإِيمَانِ وَ فِكْرِي نُورَ النِّيَّاتِ وَ عَزْمِي نُورَ الْعِلْمِ وَ قُوَّتِي نُورَ الْعَمَلِ وَ لِسَانِي نُورَ الصِّدْقِ وَ دِينِي نُورَ الْبَصَائِرِ مِنْ عِنْدِكَ وَ بَصَرِي نُورَ الضِّيَاءِ وَ سَمْعِي نُورَ الْحِكْمَةِ وَ مَوَدَّتِي نُورَ الْمُوَالاةِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ
  رد مع اقتباس
قديم 03-03-2011, 12:33 AM   رقم المشاركة : 3
شمس آل محمد (ص)
مرشدة سير وسلوك








شمس آل محمد (ص) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته


متابعين لمواضيعكم بصمت .. واصلوا اخينا الفاضل ..

احسنتم على الطرح النورااني ..



نترقب جديدكم المبارك..
الحمدلله رب العالمين







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجِّل فرجهم ياكريم

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً )

روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال (( من عَمْلَ بِما يَعْلَمْ ،علَّمه الله ما لايَعْلَمْ ))

((اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعه وفي كل ساعه وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين))

اسألكم برآءة الذمة


  رد مع اقتباس
قديم 03-03-2011, 09:58 PM   رقم المشاركة : 4
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم

السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

20.... 30 تشير هذه الآيات إلى جانب آخر من جهاد الرسل الذي

وردت الإشارة إليه في هذه القصّة. والإشارة تتعلّق بالدفاع المدروس للمؤمنين القلائل وبشجاعتهم في قبال

الأكثرية الكافرة المشركة .. وكيف وقفوا حتّى الرمق الأخير متصدّين للدفاع عن الرسل.

تشرع هذه الآيات بالقول: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتّبعوا المرسلين).

هذا الرجل الذي يذكر أغلب المفسّرين أنّ اسمه «حبيب النجّار» هو من الأشخاص الذين قُيّض لهم الإستماع

إلى هؤلاء الرسل والإيمان وأدركوا بحقّانية دعوتهم ودقّة تعليماتهم، وكان مؤمناً ثابت القدم في إيمانه، وحينما

بلغه بأنّ مركز المدينة مضطرب ويحتمل أن يقوم الناس بقتل هؤلاء الأنبياء، أسرع ـ كما يستشفّ من كلمة

يسعى ـ وأوصل نفسه إلى مركز المدينة ودافع عن الحقّ بما إستطاع. بل إنّه لم يدّخر وسعاً في ذلك.

التعبير بـ «الرحمن» هنا علاوة على أنّه إشارة إلى سعة رحمة الله وأنّه سبب لكلّ النعم والمواهب، وذلك بحدّ

ذاته دليل على توحيد العبادة، فإنّه يوضّح أنّ الله الرحمن لا يريد أحداً بضرٍّ، إلاّ إذا أوصلت الإنسان مخالفاته

إلى أن يخرج من رحمة الله ويلقي بنفسه في وادي غضبه.

لكن لننظر ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم إزاء ذلك المؤمن الطاهر؟

القرآن لا يصرّح بشيء حول ذلك، ولكن يستفاد من طريقة الآيات التالية بأنّهم ثاروا عليه وقتلوه.

وفي رواية اُخرى أنّهم وطؤوه بأرجلهم حتّى مات(2).

ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة بعبارة جميلة مختصرة هي (قيل ادخل الجنّة) وهذا التعبير ورد في

خصوص شهداء طريق الحقّ في آيات اُخرى من القرآن الكريم (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل

أحياء عند ربّهم يرزقون).(3)

والجدير بالذكر والملاحظة أنّ هذا التعبير يدلّل على أنّ دخوله الجنّة كان مقترناً باستشهاده شهادة هذا الرجل

المؤمن، بحيث أنّ الفاصلة بين الإثنين قليلة إلى درجة أنّ القرآن المجيد بتعبيره اللطيف ذكر دخوله الجنّة بدلا

عن شهادته، فما أقرب طريق الشهداء إلى السعادة الدائمة!!

وواضح أنّ المقصود من الجنّة هنا، هي (جنّة البرزخ) لأنّه يستفاد من الآيات ومن الرّوايات أنّ الجنّة الخالدة

في يوم القيامة ستكون نصيب المؤمنين، كما أنّ جهنّم ستكون نصيب المجرمين.

وعليه فإنّ هناك جنّة وجهنّم اُخريين في عالم البرزخ، وهما نموذج من جنّة وجهنّم يوم القيامة، فقد ورد عن

أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال: «والقبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر

النار» ( بحار الأنوار، ج6، ص218).

وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنّا منزلين).

فلسنا بحاجة إلى تلك الاُمور، وأساساً فانّه ليس من سنّتنا لإهلاك قوم ظالمين أن نستخدم جنود السماء، لأنّ

إشارة واحدة كانت كافية للقضاء عليهم جميعاً وإرسالهم إلى ديار العدم والفناء، إشارة واحدة كانت كافية

لتبديل عوامل حياتهم ومعيشتهم إلى عوامل موت وفناء، وفي لحظة خاطفة تقلب حياتهم عاليها سافلها.

ثمّ يضيف تعالى (إن كانت إلاّ صيحة واحدة فإذا هم خامدون).

هل أنّ تلك الصيحة كانت صدى صاعقة نزلت من الغيوم على الأرض وهزّت كلّ شيء، ودمّرت كلّ العمران

الموجود، وجعلت القوم من شدّة الخوف والوحشة يستسلمون للموت؟

أو أنّها كانت صيحة ناتجة عن زلزلة خرجت من قلب الأرض فضجّت في الفضاء بحيث أنّ موج إنفجارها

أهلك الجميع.

أيّاً كانت فإنّها لم تكن سوى صيحة لم تتجاوز اللحظة الخاطفة في وقوعها، صيحة أسكتت جميع الصيحات،

هزّة أوقفت كلّ شيء عن التحرّك، وهكذا هي قدرة الله سبحانه وتعالى، وهكذا هو مصير قوم ضالّين لا نفع

فيهم.

الآية الأخيرة تتعرّض إلى طريقة جميع متمردّي التاريخ إزاء الدعوات الإلهية لأنبياء الله بلهجة جميلة تأسر

القلوب فتقول: (ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون).

وا أسفاه عليهم أن أغلقوا نافذة الرحمة الإلهية عليهم! وا أسفاه عليهم أن كسّروا مصباح هدايتهم!!، هؤلاء

الضالّون المحرومون من السعادة لم يكتفوا بعدم الإستماع بآذان قلوبهم لنداء قادة البشرية العظام فقط، بل

إنّهم أصرّوا على السخرية والإستهزاء منهم ثمّ بادروا إلى قتلهم. مع أنّهم علموا المصير المشؤوم للطغاة

الكفّار من قبلهم، وسمعوا أو قرءوا على صفحات التأريخ كيف كانت خاتمتهم الأليمة، ولكنّهم لم يعتبروا

بالمواعظ وسلكوا نفس المسير، وصاروا إلى نفس المصير.

ومن الواضح أنّ هذه الجملة هي قول الله تعالى، لأنّ جميع هذه الآيات توضيح منه تعالى، غير أنّ من الطبيعي

أن الحسرة هنا ـ بمعناها المتعارف وهو الغمّ على ما فات ـ لا تنطبق على الله سبحانه وتعالى، كما أنّ

(الغضب) وأمثاله أيضاً لا يصدر بمفهومه المتعارف من الله سبحانه، بل المقصود أنّ حال تلك الفئة التعيسة

سيء إلى حدّ أنّ كلّ إنسان يطّلع عليه يتأسّف ويتحسّر متسائلا: لماذا غرقوا في تلك الدوامة مع توفّر كلّ

وسائل النجاة؟

التعبير بـ «عباد» إشارة إلى أنّ العجب أن يكون هؤلاء العباد غارقين بنعم الله سبحانه وتعالى ثمّ يرتكبون مثل

تلك الجنايات.


نتعلّم من القصّة التي عرضتها الآيات السابقة اُموراً عديدة منها:

الف ـ أنّ المؤمنين لا يستوحشون أبداً من سلوك طريق الله سبحانه وتعالى منفردين كما هو حال

المؤمن «حبيب النجّار» الذي لم ترهبه كثرة المشركين في مدينته.عن أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة

والسلام: «لا تستوحشوا من طريق الهدى لقلّة أهله».

ب ـ المؤمن عاشق لهداية الناس، ويتألّم لضلالهم، وحتّى بعد شهادته يتمنّى أن يرى الآخرون مقامه ليكون

سبباً في إيمانهم!

ج ـ محتوى دعوة الأنبياء بحدّ ذاتها دليل على هدايتهم وحقّانيتهم (وهم مهتدون).

د ـ الدعوة إلى الله يجب أن تكون خالية من أي ترقّب للأجر لكي تكون مؤثّرة.

هـ ـ تارةً يكون الضلال مكشوفاً وواضحاً، أي أنّه ضلال مبين، وعبادة الأوثان تعدّ مصداقاً واضحاً لـ «الضلال

المبين».

و ـ أهل الحقّ يستندون إلى الواقعيات، والضالّون يستندون إلى أوهام وظنون.

ز ـ إذا كان هناك شؤم ونكبات فإنّ سببها نفس الإنسان وأعماله.

ح ـ الإسراف سبب لكثير من الإنحرافات والنكبات.

ط ـ وظيفة الأنبياء وأتباعهم «البلاغ المبين» والدعوة العلنية، سواء إستجاب الناس أو لم يستجيبوا.

ي ـ التجمّع والكثرة من العوامل المهمّة للنصرة والعزّة والقوّة (وعزّزناهما بثالث).

ك ـ إنّ الله لا يحتاج لتدمير أئمّة التمرّد والعصيان إلى تجنيد طاقات الأرض والسماء، بل تكفي الإشارة.

ل ـ لا فاصلة بين الشهادة والجنّة،

م ـ إنّ الله يطهّر الإنسان من الذنوب أوّلا ثمّ يقربه إلى جوار رحمته (بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرّمين).

ن ـ يجب على مريد الحقّ أن لا يستوحش من مخالفة الأعداء، لأنّ ذلك ديدنهم على مدى الدهور (ياحسرة على

العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون).

وأي حسرة أكبر وأشدّ من أن يغلق الإنسان ـ لمجرّد تعصّبه وغروره ـ عينيه، فلا يبصر الشمس المضيئة الساطعة.

س ـ كان المستضعفون يؤمنون بالأنبياء قبل جميع الناس (وجاء من أقصى المدينة رجل ...).

ع ـ وهم الذين لم يتعبوا ولم يكلّوا من طريق الحقّ، ولم يكن لسعيهم وإجتهادهم حدّ. (يسعى).

ف ـ يجب تعلّم طريقة التبليغ والدعوة إلى الله من الرسل الإلهيين الذين استفادوا من جميع الأساليب والطرائق

المؤثّرة لأجل النفوذ في قلوب الغافلين، وفي الآية أعلاه والروايات التي أدرجناها نموذج على ذلك.

یتبع ان شاءالله ببرکة دعائکم







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-04-2011, 04:48 AM   رقم المشاركة : 5
شمس آل محمد (ص)
مرشدة سير وسلوك








شمس آل محمد (ص) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

عليكم السلام ورحمة الله وبركاتة

احسنتم اخينا الفاضل ..

اشفيتم غليلي بأجابتكم عما يدور في فكري من اسئلة في هذه السورة المباركة ..


باك الله فيكم وسدد الله خطاكم بمحمد وآل محمد
وصل الله على محمد وآل محمد
الحمدلله رب العالمين ..‘‘







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجِّل فرجهم ياكريم

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً )

روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال (( من عَمْلَ بِما يَعْلَمْ ،علَّمه الله ما لايَعْلَمْ ))

((اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى ابائه في هذه الساعه وفي كل ساعه وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين))

اسألكم برآءة الذمة


  رد مع اقتباس
قديم 03-04-2011, 07:46 AM   رقم المشاركة : 6
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم

السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

اقتباس:
احسنتم اخينا الفاضل ..
اشفيتم غليلي بأجابتكم عما يدور في فكري من اسئلة في هذه السورة المباركة ..
باك الله فيكم وسدد الله خطاكم بمحمد وآل محمد
وصل الله على محمد وآل محمد
الحمدلله رب العالمين ..‘‘
وانتم من المحسنات اختی الکریمة

حماک الله جل جلاله مما یبعدک عنه وتولاک مما یقربک منه ..






التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-04-2011, 08:39 AM   رقم المشاركة : 7
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

31....32

التّفسير

الغفلة الدائمة:

تتحدّث هاتان الآيتان ـ إستناداً إلى ما مرّ في الآيات السابقة ـ عن الغفلة المستمرّة لمجموعة كبيرة من البشر

في هذا العالم على مرّ العصور والقرون، فتقول الآية: (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون)

ولكن على من يعود ضمير الجمع في (ألم يروا)؟

يُستدلّ من الآية السابقة (ياحسرة على العباد ...) على أنّ المقصود هو جميع البشر، إذ أنّ كلمة «العباد» في

الآية المذكورة تشمل جميع البشر على طول التاريخ، الذين ما إن جاءهم الأنبياء حتّى هبّوا لمخالفتهم

وتكذيبهم والإستهزاء بهم، وعلى كلّ حال فهي دعوة لجميع البشر بأن يتأمّلوا في تأريخ القدماء، ويعتبروا من

آثارهم التي خلّفوها، بفتح قلوبهم وبصائرهم.

في آخر الآية يضيف تعالى: (أنّهم إليهم لا يرجعون).

أي أنّ المصيبة الكبرى في إستحالة رجوعهم إلى هذه الدنيا لجبران ما فاتهم وتبديل ذنوبهم حسنات، لأنّهم

دمّروا كلّ الجسور خلفهم، فلم يبق لهم سبيل للرجوع أبداً.

هذا التّفسير يشبه بالضبط ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) حينما تحدّث

في أخذ العبرة من الموتى فقال: «لا عن قبيح يستطيعون إنتقالا ولا في حسن يستطيعون إزدياداً»

وتضيف الآية التالية (وإن كلّ لمّا جميع لدينا محضرون).

أي أنّ المسألة لا تنتهي بهلاكهم وعدم إستطاعتهم العودة إلى هذه الدنيا، كلاّ فانّ الموت في الحقيقة بداية

الشوط وليس نهايته، فعاجلا سيحضر الجميع في عرصة المحشر للحساب، ثمّ العقاب الإلهي المتلاحق

والمستمر في إنتظارهم.

إذا كانت الحال كذلك أفلا ينبغي عليهم الإعتبار من مصير هؤلاء السابقين لهم، والإستفادة من الفرصة قبل

الفوت للإبتعاد عن مواجهة ذلك المصير المشؤوم.

33-34-35-36

توضّح الآيات مسألتي التوحيد والمعاد معاً لإيقاظ المنكرين لهاتين المسألتين ودفعهم إلى الإيمان.

تتعرّض الآية الاُولى إلى قضيّة إحياء الأرض الميتة والبركات التي تعود على الإنسان من ذلك فتقول: (وآية

لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبّاً فمنه يأكلون).

قضيّة الحياة والبقاء من أهمّ دلائل التوحيد، وهي قضيّة في واقعها معقّدة ومليئة بالألغاز وباعثة على الدهشة

حتّى الآن، لم يعرف العلماء كيف تتكوّن طبقات خلايا البذور؟ وما هي القوانين المعقدّة التي تحكمها؟ بحيث أنّها

بمجرد توفّر الشرائط المساعدة تبدأ بالتحرّك والنمو والرشد. وتستلّ من ذرّات التراب الميتة وجودها، وبهذا

الطريق تتحوّل الموجودات الميتة إلى أنسجة موجودات حيّة فتعكس في كلّ يوم مظهراً مختلفاً من مظاهر

حياتها ونموّها.

قضيّة الحياة في عالم النباتات والحيوانات وإحياء الأرض الميتة تعتبر من جانب دليلا على وجود معلومات

وقوانين دقيقة سخّرت في خلق ذلك العالم، ومن جانب آخر تعتبر دليلا على البعث بعد الموت.

لآية التالية توضيح وشرح للآية الاُولى من هذه الآيات، فهي توضّح كيفية إحياء الأرض الميتة، فتقول:

(وجعلنا فيها جنّات من نخيل وأعناب وفجّرنا فيها من العيون).

كان الحديث في الآية الاُولى عن الحبوب الغذائية، بينما الحديث هنا عن الفواكه المقوّية والمغذّية والتي

يعدّ «التمر» و «العنب» أبرز وأهمّ نماذجها حيث يعتبر كلّ منهما غذاءً كاملا.

وكما أشرنا سابقاً فقد دلّت دراسات العلماء وبحوثهم على أنّ هاتين الفاكهتين تحتويان على الفيتامينات

والمواد الحياتية المختلفة واللازمة لجسم الإنسان، إضافةً إلى أنّ هاتين الفاكهتين يمكن حفظهما وتناولهما

طازجتين أو مجفّفتين على مدار العام.

«أعناب» جمع «عنب» و «النخيل» ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ جمعه «نخل» ولكن بإختلاف بين

الكلمتين، (فالعنب) يطلق على الثمرة نفسها، ومن النادر إطلاقه على شجرة العنب ولكن «النخل» اسم

للشجرة، و (الثمره) يقال له «الرطب» أو «التمر».

يرى البعض بأنّ هذا الإختلاف في التعبير عن الفاكهتين بالإشارة إلى الشجرة مرّة وإلى الثمرة مرّة اُخرى،

بسبب أنّ النخلة ـ وكما هو معروف ـ كلّها مفيدة وقابلة للإستفادة، جذعها وجريدها وسعفها وأخيراً ثمرها، في

حين أنّ شجرة (الكرم) غالباً ما يستفاد من «عنبها» فقط، وأمّا ساقها وأوراقها فلا يستفاد منها إلاّقليلا.

وأمّا ما ورد من ذكر الإثنتين بصيغة الجمع، فيبدو أنّه إشارة إلى الأنواع المختلفة لكلّ منهما، إذ أنّ كلا منهما

لها عشرات الأنواع تختلف في أشكالها وخصائصها ومذاقها.

والجدير بالملاحظة ـ أيضاً ـ أنّ الحديث في هذه الآية تعرّض إلى إحياء الأرض الميتة دون أن يقرن ذلك بذكر

المطر الذي عادةً ما يذكر في مثل هذه المواضع، وورد الحديث هنا عن «العيون»، وذلك لأنّ المطر كاف

لزراعة الكثير من المحاصيل والنباتات، في حين أنّ الأشجار المثمرة تحتاج إلى الماء الجاري أيضاً.

«فجّرنا» من مادّة «تفجير» وهو شقّ الشيء شقّاً واسعاً، ومن هنا إستخدمت الكلمة للتعبير عن العيون، لأنّها

تشقّ الأرض وتدفع ماءها إلى سطح الأرض.

الآية التالية تشرح وتوضّح الهدف من خلق تلك الأشجار المباركة المثمرة فتقول: إنّ الغرض من خلقها لكي

يأكلوا من ثمارها دون حاجة إلى بذل جهد في ذلك ودون تدخّل الإنسان في صناعتها .. (ليأكلوا من ثمره وما

عملته أيديهم أفلا يشكرون).

نعم، ثمار على شكل غذاء كامل تظهر على أغصان أشجارها، قابلة للأكل بمجرّد جنيها من أغصانها، ولا

تحتاج إلى طبخ أو أيّة تغييرات اُخرى، ذلك إشارة إلى غاية لطف الله بهذا الإنسان وكرمه.

حتّى أنّ ذلك الطعام الجاهز اللذيذ، يمكن تجميعه وتعليبه لكي يحفظ لمدّة طويلة بدون أن ينقص من قيمته

الغذائية شيء، على خلاف الأغذية التي يصنعها الإنسان من المواد الطبيعية التي أعطاها الله له، فهي غالباً ما

تكون سريعة التلف والفساد.

وعلى كلّ حال، فالهدف هو تحريك حسّ تشخيص الحقّ، والشكر في الإنسان، لكي يضعوا أقدامهم على أوّل

طريق معرفة الله عن طريق الشكر، لأنّ شكر المنعم أوّل قدم في طريق معرفته.

الآية الأخيرة من الآيات موضع البحث، تتحدّث عن تسبيح الله وتنزيهه، وتشجب شرك المشركين الذي ذكرته

الآيات السابقة، وتوضّح طريق التوحيد وعبادة الأحد الصمد للجميع فتقول: (سبحان الذي خلق الأزواج كلّها

ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون).

نعم، فالله الذي خلق كلّ هذه الأزواج في هذا العالم الواسع، لا حدّ لعلمه وقدرته ومنزّه عن كلّ نقص وعيب، لذا

فلا شريك ولا شبيه له، وإن عدّ بعض الناس الحجر والخشب الجامد الميّت نظائر له، فإنّ تلك النسبة الباطلة لا

تنقص من مقام كبريائه شيئاً.

بديهي أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى أن يسبّحه أحد، إنّما ذلك تعليم للعباد ومنهاج عملي من أجل طي

طريق التكامل.

أمّا ما هو المقصود من «أزواج» هنا، فللمفسّرين أقوال كثيرة.

ما هو مسلّم به أنّ «أزواج» جمع «زوج» عادةً، تطلق على الذكر والاُنثى من أي نوع، سواء كان ذلك في

عالم الحيوان أو في غيره، ثمّ شمل المعنى كلّ إثنين يقترنان مع بعضهما البعض أو حتّى إذا تضادّا، حتّى

الغرفتين المتشابهتين في البيت يقال لهما زوج، ودفّتي الباب وهكذا، فالمتصوّر أنّ لكلّ مخلوق زوج.

على كلّ حال فليس من المستبعد أن يكون المعنى المقصود هنا هو المعنى الخاصّ، أي جنس المذكر والمؤنث،

والقرآن الكريم يُخبر من خلال هذه الآية عن وجود ظاهرة الزوجية في جميع عوالم النبات والإنسان

والموجودات الاُخرى التي لم يطّلع عليها البشر.

هذه الموجودات يمكن أن تكون النباتات التي لم تحدّد سعة دائرة الزوجية فيها حتّى الآن. أو إشارة إلى

الحيوانات التي تعيش في أعماق البحار، وهذه الحقيقة لم تعرف سابقاً، وما عرف منها في العصر الحاضر إلاّ

جانب يسير.

أو أنّها إشارة إلى موجودات اُخرى تقطن كواكب اُخرى في هذا الكون المترامي. أو موجودات حيّة لا ترى

بالعين المجرّدة، وإن كان العلماء في وقتنا الحاضر يشيرون إلى أنّ ليس في تلك الموجودات الحيّة ذكر واُنثى،

ولكن عالم هذه الموجودات الحيّة غامض ومعقّد إلى درجة أنّ العلم البشري حتّى الآن لم يلج كلّ غوامضها

ومكنوناتها.

وحتّى وجود الزوجية في عالم النبات ـ كما قلنا ـ لم يكن معلوماً منها في عصر نزول القرآن سوى بعض

الحالات المحدودة كما في النخل وأمثاله، وقد كشف القرآن الكريم الستار عن ذلك كلّه، وقد ثبت أخيراً من

البحوث العلمية أنّ الزوجية قضيّة عامّة وشاملة في عالم النبات.

كذلك احتمل أيضاً أن تكون قضيّة الزوجية هنا إشارة إلى وجود البروتونات الموجبة والالكترونات السالبة في

الذرّة التي تعتبر الأساس في تشكيل كلّ الموجودات في عالم المادّة ولم يكن الإنسان مطّلعاً على هذه الحقيقة

والزوجية قبل تفجير الذرّة، ولكن بعد ذلك ثبت علمياً وجود الأزواج السالبة والموجبة في نواة الذرّة

والالكترونات التي تدور حولها.

على كلّ حال، فإنّ هذه الآية واحدة من الآيات التي توضّح محدودية علم الإنسان، وتدلّل على أنّ هناك الكثير

من الحقائق الخافية علينا وعن معلوماتنا حتّى الآن.







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-05-2011, 05:32 PM   رقم المشاركة : 8
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته


37-38-39-40

هذه الآيات تتحدّث في قسم آخر من آثار عظمة الله في عالم الوجود، وحلقة اُخرى من حلقات التوحيد التي مرّ

منها في الآيات السابقة ما يتعلّق بالمعاد وإحياء الأرض الميتة، ونمو النباتات والأشجار.

تقول الآية الكريمة الاُولى (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون).

«نسلخ» من مادّة (سلخ) وتعني في الأصل نزع جلد الحيوان، والتعبير في الآية تعبير لطيف، فكأنّ نور النهار

لباس أبيض ألبسه جسد الليل، يُنزع عنه إذا حلّ الغروب ليبدو لونه الذاتي، والتأمّل في هذا التعبير يوضّح هذه

الحقيقة، وهي أنّ الظلام هو الطبيعة الأصل للكرة الأرضية، وأنّ النور والإضاءة صفة عارضة عليها

تأتيها من مصدر آخر، فهو كاللباس الذي يرتدى، وحينما يُخلع ذلك الثوب، يظهر اللون الطبيعي للبدن.

هنا يشير القرآن الكريم إلى ظلمة الليل، وكأنّه يريد ـ بعد أن تعرّض إلى كيفية إحياء الأرض الميتة كآية من

آيات الله في الآيات السابقة ـ أن يعرض نموذجاً عن الموت بعد الحياة من خلال مسألة تبديل النور بظلمة الليل.

على كلّ حال، فعندما يستغرق الإنسان في ظلمة الليل، ويتذكّر النور وبركاته ونشاطه ومنبعه يتعرّف ـ بتأمّل

يسير ـ على خالق النور والظلام.

الآية التي بعدها تتعرّض إلى النور والإضاءة وتذكر الشمس فتقول: (والشمس تجري لمستقر لها).

هذه الآية تبيّن بوضوح حركة الشمس بشكل مستمر، إنّ ذلك إشارة إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض،

تلك الحركة التي ستستمر إلى آخر عمر العالم الذي هو نهاية عمر الشمس ذاتها.

و أحدث التفاسير التي ظهرت بخصوص هذه الآية، هو ما كشفه العلماء أخيراً من حركة الشمس مع

منظومتها باتّجاه معيّن ضمن المجرة التي تكون المجموعة الشمسية جزءاً منها، وقيل أنّ حركتها باتّجاه نجم

بعيد جدّاً أطلقوا عليه اسم «وجا».

وعلى كلّ حال، فإنّ حركة كوكب الشمس الذي يعادل مليون ومائتي الف مرّة حجم الأرض، بحركة دقيقة

ومنظمة في هذا الفضاء اللامتناهي، ليس مقدوراً لغير الله سبحانه الذي تفوق قدرته كلّ قدرة وبعلمه

اللامتناهي، لذا فإنّ الآية تضيف في آخرها (ذلك تقدير العزيز العليم).

أمّا آخر ما قيل في تفسير هذه الآية فهو أنّ تعبير الآية يشير إلى نظام السنّة الشمسية الناشىء عن حركة

الشمس عبر الأبراج المختلفة، ذلك النظام الذي يعطي لحياة الإنسان نظاماً وبرنامجاً معيّناً يؤدّي إلى تنظيم

حياته من مختلف النواحي.

لذا فإنّ الآية التالية تتحدّث عن حركة القمر ومنازله التي تؤدّي إلى تنظيم أيّام

الشهر، وذلك لأجل تكميل البحث السابق، فتقول الآية: (والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم).

المقصود بـ (المنازل) تلك المستويات الثمانية والعشرون التي يطويها القمر قبل الدخول في «المحاق» والظلام

المطلق. لأنّ القمر يمكن رؤيته في السماء إلى اليوم الثامن والعشرين، ولكنّه يكون في ذلك اليوم هلالا ضعيفاً

مائلا لونه إلى الإصفرار، ويكون نوره قليلا وشعاعه ضعيفاً جدّاً، وفي الليلتين الباقيتين من الثلاثين يوماً تنعدم

رؤيته تماماً ويقال: إنّه في دور (المحاق)، ذلك إذا كان الشهر ثلاثين يوماً، أمّا إذا كان تسعة وعشرين يوماً،

فإنّ نفس هذا الترتيب سيبدأ من الليلة السابعة والعشرين ليدخل بعدها القمر في (المحاق).

تلك المنازل محسوبة بدقّة كاملة، بحيث أنّ المنجّمين منذ مئات السنين يستطيعون أن يتوقّعوا تلك المنازل

ضمن حساباتهم الدقيقة.

هذا النظام العجيب ينظّم حياة الإنسان من جهة، ومن جهة اُخرى فهو تقويم سماوي طبيعي لا يحتاج إلى تعلّم

القراءة والكتابة لمتابعته. بحيث أنّ أيّ إنسان يستطيع بقليل من الدقّة والدراية في أوضاع القمر خلال الليالي

المختلفة .. يستطيع بنظرة واحدة أن يحدّد بدقّة أو بشكل تقريبي أيّة ليلة هو فيها.

ففي الليلة الاُولى يظهر الهلال الضعيف وطرفاه إلى الأعلى، ويزداد حجمه ليلة بعد ليلة حتّى الليلة السابعة

حيث تكتمل نصف دائرة القمر، ثمّ تستمر الزيادة حتّى تكتمل الدائرة الكاملة للقمر في الليلة الرابعة عشرة

ويسمّى حينئذ «بدراً». ثمّ يبدأ بالتناقص تدريجياً حتّى الليلة الثامنة والعشرين حيث يصبح هلالا باهتاً يشير

طرفاه إلى الأسفل.

نعم، ان الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا هذا التقويم الدقيق للشهور والسنين في كبد السماء.

بعد إستعراضنا لأشكال القمر ومنازله يتّضح تماماً معنى الجملة التالية (حتّى عاد كالعرجون القديم).

وفي الحقيقة فإنّ الشبه بين العرجون والهلال من جوانب عديدة: من ناحية الشكل الهلالي، ومن ناحية اللون

الأصفر، والذبول، وإشارة الأطراف إلى الأسفل، وكونه في وسط دائرة مظلمة تكون في حالة العرجون منسوبة

إلى سعف النخل الأخضر، وبالنسبة للهلال منسوبة إلى السماء المظلمة.

والوصف بـ (القديم) إشارة إلى كون العرجون عتيقاً، فكلّما مرّ عليه زمن وتقادم أكثر أصبح ضعيفاً وذابلا

واصفّر لونه وأصبح يشبه الهلال كثيراً قبل دخوله المحاق.

وسبحان الله فقد تضمّن تعبير واحد قصير كلّ تلك الظرافة والجمال؟

الآية الأخيرة من هذه الآيات، تتحدّث عن ثبات ودوام ذلك النظم في السنين والشهور، والنهار والليل، فقد وضع

الله سبحانه وتعالى لها نظاماً وبرنامجاً لا يقع بسببه أدنى إضطراب أو إختلال في وضعها وحركتها، وبذا ثبت

تاريخ البشر وإنتظم بشكل كامل، تقول الآية: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلّ

في فلك يسبحون).

من المعلوم أنّ الشمس تطوي في دورانها خلال العام الأبراج الإثني عشر، في حين أنّ القمر يطوي منازله

خلال شهر واحد، وعليه فحركة القمر أسرع من حركة الشمس في مدارها إثنتي عشرة مرّة، لذا فإنّ الآية

تقول بأنّ الشمس بحركتها لا يمكنها أن تدرك القمر في حركته فتقطع في شهر واحد ما تقطعه في سنة واحدة.

وبذا يختلّ النظام السنوي لها.

كما أنّ الليل لا يتقدّم على النهار، بحيث يدخل جزء منه في النهار، فيختلّ النظام الموجود، بل إنّهما ـ على مدى

ملايين السنين ـ ثابتان على مسيرهما دون أدنى تغيير.

يتّضح ممّا قلنا أنّ المقصود من حركة الشمس في هذا البحث، هي الحركة بحسب حِسّنا بها، والملفت للنظر

هنا، هو أنّ هذا التعبير عن حركة الشمس ظلّ يستعمل حتّى بعد أن ثبت للجميع بأنّ الشمس هي المركز الثابت

لحركة الأرض حولها، فمثلا يقال: إنّ الشمس قد تحوّلت إلى برج الحمل، أو يقال: وصلت الشمس إلى دائرة

نصف النهار، أو أنّ الشمس بلغت الميل الكامل (الميل الكامل هو بلوغ الشمس إلى أقصى نقطة إرتفاع لها في

نصف الكرة الأرضية الشمالي في بداية الصيف أو بالعكس أدنى نقطة إنخفاض في بداية الشتاء).

هذه التعبيرات تدلّل دوماً على أنّه حتّى بعد أن تمّ الكشف عن دوران الأرض حول الشمس وثبات الأخيرة ظلّت

تستخدم، لأنّ النظر الحسّي يستشعر حركة الشمس وثبات الأرض، ومن هنا تستعمل هذه التعبيرات، وعلى هذا

أيضاً يكون قوله تعالى: (وكلّ في فلك يسبحون).

كذلك يحتمل أن يكون المقصود من (السباحة) هنا حركة الشمس في فلكها مع المنظومة الشمسية والمجرّة

التي نحن فيها، حيث أنّ الثابت علمياً حالياً أنّ المنظومة الشمسية التي نعيش فيها جزء من مجرّة عظيمة هي

بدورها في حالة دوران.

جملة (كلّ في فلك يسبحون) في إعتقاد الكثير من المفسّرين، إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والنجوم

الاُخرى التي تتّخذ لنفسها مسارات ومدارات، وإن لم يرد ذكر النجوم في الآية، ولكن بملاحظة ذكر «الليل»

وإقتران ذكر النجوم مع القمر والشمس، لا يستبعد المعنى المذكور، خاصّة وأنّ «يسبّحون» ورد بصيغة

الجمع.

وكذلك يحتمل أن تكون الجملة إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والليل والنهار، لأنّ كلا من الليل والنهار له

مدار خاص، ويدور حول الأرض بدقّة، فالظلام يغطّي نصف الكرة الأرضية دوماً، والنور يغطّي النصف الآخر

منها، وهما يتبادلان المواضع خلال أربع وعشرين ساعة ويتمّان دورة كاملة حول الأرض.

«يسبّحون» من مادة «سباحة» وهي كما يقول «الراغب» في المفردات: المرّ السريع في الماء والهواء.

واستعير لحركة النجوم في الفلك والتسبيح تنزيه الله تعالى، وأصله المرّ السريع في عبادة الله!» ولذا فإنّها في

الآية إشارة إلى الحركة السريعة للأجرام السماوية، والآية تشبهها بالموجودات العاقلة المستمرة في دورانها،

وقد ثبت حالياً أنّ الأجرام السماوية تنطلق بسرعة هائلة في الفضاء.







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-06-2011, 02:13 PM   رقم المشاركة : 9
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

41-42-43-44...

إنّ حركة السفن والبواخر التي هي من أهمّ وأضخم وسائل الحمل والنقل البشري، وما يمكنها إنجازه يعادل

آلاف الأضعاف لما تستطيعه المركّبات الاُخرى، كلّ ذلك ناجم عن خصائص الماء ووزن الأجسام التي تصنع

منها السفن، والطاقة التي تحرّكها، سواء كانت الريح أو البخار أو الطاقة النووية. وكلّ هذه القوى والطاقات

التي سخّرها الله للإنسان، كلّ واحدة منها وكلّها معاً آية من آيات الله سبحانه وتعالى.

ولكي لا يتوهّم أنّ المركّب الذي أعطاه الله للإنسان هو السفينة فقط، تضيف الآية التالية قائلة: (وخلقنا لهم من

مثله ما يركبون).

المراكب التي تسير على الأرض، أو في الهواء وتحمّل البشر وأثقالهم.

الآية التالية ـ لأجل توضيح هذه النعمة العظيمة ـ تتعرّض لذكر الحالة الناشئة من تغيير هذه النعمة فتقول:

(وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون).

فنصدّر أمرنا لموجة عظيمة فتقلب سفنهم، أو نأمر دوّامة بحرية واحدة ببلعهم، أو يتقاذفهم الطوفان بموجة في

كلّ إتّجاه بأمرنا، وإذا أردنا فنستطيع بسلبنا خاصّية الماء ونظام هبوب الريح وهدوء البحر وغير ذلك أن نجعل

الإضطراب صفة عامّة تؤدّي إلى تدمير كلّ شيء، ولكنّنا نحفظ هذا النظام الموجود ليستفيدوا منه. وإذا وقعت

بين الحين والحين حوادث من هذا القبيل فإنّ ذلك لينتبهوا إلى أهميّة هذه النعمة الغامرة.

وأخيراً تضيف الآية لتكمل الحديث فتقول: (إلاّ رحمة منّا ومتاعاً إلى حين).

نعم فهم لا يستطيعون النجاة بأيّة وسيلة إلاّ برحمتنا ولطفنا بهم.


45-46-47...

الإعراض عن جميع آيات الله:

بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن الآيات الإلهيّة في عالم الوجود، تنتقل هذه الآيات لتتحدّث عن ردّ فعل

الكفّار المعاندين في مواجهة هذه الآيات الإلهيّة، وكذلك توضّح دعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم

وإنذارهم بالعذاب الإلهي الأليم.

يفتتح هذا المقطع بالقول: (وإذا قيل لهم اتّقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلّكم ترحمون)

«العلاّمة الطباطبائي» في «الميزان» يرى أنّ «ما بين أيديكم» الشرك والمعاصي في الحياة الدنيا، و «ما

خلفكم» العذاب في الآخرة . في حين أنّ ظاهر الآية هو أنّ كلا الإثنين من جنس واحد، وليس بينهما سوى

التفاوت الزمني، لا أنّ إحداهما إشارة إلى الشرك والذنوب، والاُخرى إشارة إلى العقوبات الواقعة نتيجة ذلك.

وایضا أنّ المقصود من «ما بين أيديكم» هو عقوبات الدنيا و «ما خلفكم» عقوبا الآخرة.

الآية التالية تؤكّد نفس المعنى وتشير إلى لجاجة هؤلاء الكفّار وإعراضهم عن آيات الله وتعاليم الأنبياء، تقول

الآية الكريمة: (وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين).

فلا الآيات الأنفسية تؤثّر فيهم، ولا الآفاقية، ولا التهديد والإنذار، ولا البشارة والتطمين بالرحمة الإلهيّة، لا

يتقبّلون منطق العقل ولا أمر العواطف والفطرة، فهم مبتلون بالعمى الكلّي بحيث لا يتمكّنون حتّى من رؤية

أقرب الأشياء إليهم، وحتّى أنّهم لا يفرّقون بين ظلمة الليل وشمس الظهيرة.

ثمّ يشخّص القرآن الكريم أحد الموارد المهمّة لعنادهم وإعراضهم فيقول: (وإذا قيل لهم أنفقوا ممّا رزقكم الله

قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلاّ في ضلال مبين).

ذلك المنطق الضعيف الذي يتمسّك به الأنانيون والبخلاء في كلّ عصر وزمان ويقولون: إنّ فلاناً أصبح فقيراً

بسبب عمل إرتكبه وأدّى به إلى الفقر، مثلما أنّنا أغنياء بسبب عمل عملنا فشملنا لطف الله ورحمته، وعليه

فليس فقره ولا غنانا كانا بلا حكمة. غافلين عن أنّ الدنيا إنّما هي دار إمتحان وإبتلاء، والله سبحانه وتعالى

إنّما يمتحن البعض بالفقر كما يمتحن البعض الآخر بالغنى والثروة .

ورغم أنّ البعض قد حصر الآية من حيث التطبيق في مجموعة خاصّة كاليهود، أو المشركين في مكّة، أو جميع

الملاحدة الذين أنكروا الأديان الإلهيّة، ولكن يبدو أنّ للآية مفهوماً عامّاً يمكن أن تكون له مصاديق في كلّ

عصر وزمان، وإن كان مصداقها حين نزولها هم اليهود أو المشركون فتلك ذريعة عامّة يتشبّثون بها على مرّ

العصور، وهي قولهم: إذا كان الله هو الرازق إذاً لماذا تريدون منّا أن نعطي الفقراء من أموالنا؟ وإذا كان الله

يريد أن يرى هؤلاء محرومين فلماذا تريدون منّا إغناء من أراد الله حرمانه؟ غافلين عن أنّ نظام التكوين قد

يوجب شيئاً، ويوجب نظام التشريع شيئاً غيره.

فنظام التكوين ـ بإراة الله ـ أوجب أن تكون الأرض بجميع مواهبها وعطاياها مسخّرة للبشر، وأن يعطى البشر

حريّة إنتخاب الأعمال لطي طريق تكاملهم، وفي نفس الوقت خلق الغرائز التي تتنازع الإنسان من كلّ جانب.

ونظام التشريع أوجب قوانين خاصّة للسيطرة على الغرائز وتهذيب النفوس، وتربية الإنسان عن طريق الإيثار

والتضحية والتسامح والإنفاق، وذلك الإنسان الذي لديه الأهلية والإستعداد لأن يكون خليفة الله في الأرض،

إنّما يبلغ ذلك المقام الرفيع من هذا الطريق، فبالزكاة تطهر النفوس، وبالإنفاق ينتزع البخل من القلوب،

ويتحقّق التكافؤ، وتقلّ الفواصل الطبقية التي تفرز آلاف العلل والمفاسد في المجتمعات.

وذلك تماماً كما يقول شخص: لماذا ندرس؟ أو لماذا نعلّم غيرنا؟ فلو شاء الله سبحانه وتعالى لأعطى العلم

للجميع، فلا تكون هنالك حاجة إلى التعلّم! فهل يقبل ذلك عاقل؟

جملة (قال الذين كفروا) والتي ورد التأكيد فيها على صفة الكفر، في حين يمكن أن يكتفي بالضمير، إشارة إلى

أنّ هذا المنطق الخرافي والتعلّل إنّما ينبع من الكفر!

ولسان حال المؤمنين بقولهم: (أنفقوا ممّا رزقكم الله) إشارة إلى أنّ المالك الأصلي في الحقيقة هو الله سبحانه

وتعالى، وإن كانت تلك الأموال أمانة في أيدينا أو أيديكم لأيّام، ويا لهم من بخلاء اُولئك الذين لم يكونوا

حاضرين لأن يحولوا المال إلى آخرين بأمر صاحب المال؟!

أمّا جملة: (إن أنتم إلاّ في ضلال مبين) فلتفسيرها توجد إحتمالات ثلاثة:

الأوّل: أنّها تتمّة ما قاله الكفّار للمؤمنين.

الثاني: أنّه كلام الله سبحانه وتعالى يخاطب به الكفّار.

الثالث: أنّه تتمّة ما قاله المؤمنون للكفّار.

ولكن التّفسير الأوّل هو الأنسب، لأنّه يتّصل مباشرةً بحديث الكفّار السابق، وفي الحقيقة إنّهم يريدون معاملة

المؤمنين بالمثل ونسبتهم إلى الضلال المبين.







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-08-2011, 10:55 AM   رقم المشاركة : 10
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

48-49-50-51-52-53

صيحة النشور!

بعد ذكر المنطق الأجوف والذرائع التي تشبّث بها الكفّار في مسألة الإنفاق في الآيات السابقة، تتعرّض هذه

الآيات إلى الحديث عن إستهزائهم بالقيامة، لتنسف بجواب قاطع منطقهم الفارغ حول إنكار المعاد.

مضافاً إلى أنّها تكمل بحوث التوحيد التي مرّت في الآيات السابقة بالبحث حول المعاد.

تقول الآية الكريمة الاُولى: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين). فإذا لم تستطيعوا تشخيص زمان دقيق

لقيام الساعة، فمعنى هذا أنّكم لستم صادقين في حديثكم.

الآية التالية ترد على هذا التساؤل المقرون بالسخرية بجواب قاطع حازم، وتخبرهم بأنّ قيام الساعة ليس

بالأمر المعقّد أو المشكل بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى: (ما ينظرون إلاّ صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون).

فكلّ ما يقع هو صيحة سماوية كافية لأن تقبض فيها أرواح جميع المتبقّين من الناس على سطح الأرض بلحظة

واحدة وهم على حالهم، وتنتهي هذه الحياة المليئة بالصخب والدعاوى والمعارك والحروب، ليتخلّف وراءها

صمت مطبق، وتخلو الأرض من أي صوت أو إزعاج.

وفي حديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما

يتبايعانه فما يطويانه حتّى تقوم، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتّى تقوم، والرجل يليط حوضه

ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم».

جملة «ما ينظرون» هنا بمعنى «ما ينتظرون»، فكما يقول (الراغب) في مفرداته «النظر تقليب البصر

والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمّل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص،

وهو الرويّة، والنظر الإنتظار».

أمّا فيم كانوا يختصمون؟ لم تذكر الآية ذلك، ولكن من الواضح أنّ المقصود هو التخاصم على أمر الدنيا

والاُمور المعيشية الاُخرى، ولكن البعض يرى: إنّه تخاصم في أمر «المعاد»، والمعنى الأوّل أنسب على ما

يبدو، وإن كان إعتبار شمول الآية لكلا المعنيين، وأي نوع من النزاع والخصومة ليس ببعيد.

ومن الجدير بالملاحظة أنّ الضمائر المتعدّدة في الآية جميعها تعود على مشركي مكّة الذين كانوا يشكّكون في

أمر المعاد، ويستهزئون بذلك بقولهم: متى تقوم الساعة؟

ولكن المسلّم به أنّ الآية لا تقصد أشخاص هؤلاء، بل نوعهم «نوع البشر الغافلين عن أمر المعاد» لأنّهم

ماتوا ولم يسمعوا تلك الصيحة السماوية أبداً «تأمّل بدقّة»!!

على كلّ حال، فإنّ القرآن بهذا التعبير القصير والحازم إنّما أراد تنبيههم إلى أنّ القيامة ستأتي وبشكل غير

متوقّع، وهذا أوّلا. وأمّا ثانياً فإنّ قيام الساعة ليس بالموضوع المعقّد بحيث يختصمون ويتنازعون فيه، فبمجرّد

صيحة واحدة ينتهي كلّ شيء وتنتهي الدنيا بأسرها.

لذا فهو تعالى يضيف في الآية التالية قائلا: (فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يرجعون).

في العادة فإنّ الإنسان حينما تلم به حادثة ويحسّ بعدها بقرب أجله، يحاول جاهداً أن يوصل نفسه إلى أهله

ومنزله ويستقرّ بين عياله، ثمّ يقوم بإنجاز بعض الاُمور المعلّقة، ويعهد بأبنائه أو متعلّقيه إلى من يثق به عن

طريق الوصيّة أو غير ذلك. ويوصي بإنجاز بعض الاُمور الاُخرى.

ولكن هل تترك الصيحة السماوية فرصة لأحد؟ ولو سنحت الفرصة فرضاً فهل بقي أحد حيّاً ليستمع الوصيّة؟ أو

يجتمع الأولاد مع اُمّهم على سرير الأب ـ مثلا ـ ويحتضنونه ويحتضنهم لكي يسلم الروح بطمأنينة؟ لا أبداً، فلا

إمكان لأي من هذهالاُمور.

وما نلاحظه من تنكير التوصية في التعبير القرآني هنا إنّما هو إشارة إلى أنّ الفرصة لا تسنح حتّى لوصية

صغيرة أيضاً.

ثمّ تشير الآيات إلى مرحلة اُخرى، مرحلة الحياة بعد الموت. فتقول: (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى

ربّهم ينسلون).

التراب والعظام الرميم تلبس الحياة من جديد، وتنتفض من القبر بشراً سويّاً، ليحضر المحاكمة والحساب في

تلك المحكمة العظيمة المهولة، وكما أنّهم ماتوا جميعاً بصيحة واحدة، فبنفخة واحدة يبعثون أحياء من جديد،

فلا هلاكهم يشكّل عقبة أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، ولا حياتهم كذلك، تماماً كما هو الحال في جمع الجنود في

الجيوش، بنفخة بوق واحدة ينهضون جميعاً من فرشهم ويخرجون من خيمهم، ويقفون في صفّ واحد، وإحياء

الموتى وبعثهم بالنسبة إلى الله سبحانه بهذه البساطة والسرعة.

«أجداث» جمع «جدث» وهو القبر، والتعبير يشير بوضوح إلى أنّ للمعاد جنبة جسمانية بالإضافة إلى الجنبة

الروحية، وأنّ الجسد يعاد بناؤه جديداً من نفس المواد السابقة.

واستخدم صيغة الماضي في الفعل «نفخ» إشارة إلى عدم وجود أدنى شكّ في وقوع مثل هذا الأمر، وكأنّه

لثباته وحتميته قد وقع فعلا.

«ينسلون» من مادّة «نسل» والنسل الإنفصال عن الشيء ـ كما يقول الراغب في المفردات ويضيف ـ يقال:

نسل الوبر عن البعير والقميص عن الإنسان، و .. ومنه نسل إذا عدا، والنسل الولد لكونه ناسلا عن أبيه.

وقوله تعالى: (ربّهم) كأنّها تلميح إلى أنّ ربوبية ومالكية وتربية الله كلّها توجب أن يكون هناك حساب وكتاب

ومعاد.

وعلى كلّ حال، فإنّه يستفاد من الآيات القرآنية أنّ نهاية هذا العالم وبداية العالم الآخر يكون كلاهما على شكل

حركة عنيفة وغير متوقّعة.

تضيف الآية التالية: (قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).

نعم فإنّ المشهد مهول ومذهل إلى درجة أنّ الإنسان ينسى جميع الخرافات والأباطيل ولا يتمكّن إلاّ من

الإعتراف الواضح الصريح بالحقائق، الآية تصوّر القبور «بالمراقد» والنهوض من القبور (بالبعث) كما ورد

في الحديث المعروف «كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون».

ففي البدء يستغربون إنبعاثهم ويتساءلون عمّن بعثهم من مرقدهم؟ ولكنّهم يلتفتون بسرعة ويتذكّرون بأنّ

أنبياء الله الصادقين، وعدوهم بمثل هذا اليوم، فيجيبون أنفسهم قائلين: (هذا ما وعد الرحمن وصدق

المرسلون) ولكن وا أسفاه إنّنا كنّا نستهزىء بكلّ ذلك!!

وعليه فإنّ هذه الجملة هي بقيّة حديث هؤلاء المتكبّرين الكفرة بالمعاد والبعث، ولكن البعض ذهب إلى أنّ

حديث الملائكة أو المؤمنين، وذلك على ما يبدو خلاف ظاهر الآية، ولا داعي ولا ضرورة له، لأنّ إعتراف

الكفّار والمنكرين للمعاد في ذلك اليوم لا ينحصر بهذه الآية، ففي الآية (97) من سورة الأنبياء (واقترب الوعد

الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين).

وعلى كلّ حال، فإنّ التعبير بـ «مرقد» يوضّح أنّهم في عالم البرزخ كانوا بحالة شبيهة بالنوم العميق، وكما

ذكر في الآية (100) من سورة «المؤمنون»، فإنّ البرزخ بالنسبة إلى أكثر الناس الذين هم على الوسط من

الإيمان أو الكفر هو حالة شبيهة بالنوم، وفي حال المؤمنين أصحاب المقامات الرفيعة، أو الكفّار الموغلين في

الكفر والجحود فإنّ البرزخ بالنسبة إليهم عالم واضح المعالم، وهم فيه أيقاظ يهنأون في النعيم أو يصطرخون

في العذاب.

احتمل بعضهم أيضاً أنّ هول ودهشة القيامة شديدان إلى درجة أنّ العذاب في البرزخ يكون شبه النوم بالنسبة

إلى ما يرونه في القيامة.

ثمّ تقول الآية لبيان سرعة النفخة: (إن كانت إلاّ صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون).

وعليه فإحياء الموتى وبعثهم من القبور وإحضارهم في محكمة العدل الإلهي لا يحتاج إلى مزيد وقت، كما كان

الأمر عند هلاكهم، فالصيحة الاُولى للموت، والصيحة الثانية للحياة والحضور في محكمة العدل الإلهي.

وإستخدام تعبير «الصيحة» والتأكيد عليها بـ «واحدة» وكذلك التعبير بـ «إذا» في مثل هذه الموارد، إنّما هو

للإشارة إلى وقوع غير المتوقّع، والتعبير بـ (هم جميع لدينا محضرون) بصيغة الجملة الإسمية دليل على

الوقوع السريع لهذا المقطع من القيامة.

واللهجة الحازمة لهذه الآيات تترك أعمق الأثر في القلوب، وكأنّ هذه الصيحة تقول: ياأيّها الناس النائمون،

أيّتها الأتربة المتناثرة، أيّتها العظام المهترئة! انهضوا .. انهضوا واستعدّوا للحساب والجزاء ... فما أجمل

الآيات القرآنية، وما أروع إنذاراتها المعبّرة!!







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-09-2011, 02:52 PM   رقم المشاركة : 11
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

54-55-56-57-58

أصحاب الجنّة فاكهون!

هنا يبدأ البحث حول كيفية الحساب في المحشر، ثمّ ينتقل في الختام إلى تفصيل وضع المؤمنين الصلحاء

والكفّار الطالحين، فتقول الآية الكريمة الاُولى: (فاليوم لا تظلم نفس شيئاً).

فلا ينقص من أجر وثواب أحد شيئاً، ولا يزاد على عقوبة أحد شيئاً، ولن يكون هنالك أدنى ظلم أو إضطهاد لأحد

حتّى بمقدار رأس الإبرة.

ثمّ تنتقل الآية لتوضّح تلك الحقيقة وتعطي دليلا حيّاً عليها فتقول: (ولا تجزون إلاّ ما كنتم تعملون).

إنّ ظاهر الآية ـ ومن دون تقدير مضمر ـ يهدف إلى القول بأنّ جزاءكم جميعاً هو نفس أعمالكم، فأي عدالة

أفضل وأعلى من هذه العدالة؟!

وبعبارة اُخرى: فإنّ الأعمال الحسنة والسيّئة التي قمتم بها في هذه الدنيا سترافقكم في ذلك العالم أيضاً، ونفس

تلك الأعمال ستتجسّد هناك وترافقكم في جميع مراحل الآخرة، في المحشر وبعد نهاية الحساب.

فهل أنّ تسليم حاصل عمل إنسان إليه أمر مخالف للعدالة؟

وهل أنّ تجسيد الأعمال وقرنها بعاملها ظلم؟

ومن هنا يتّضح أن لا معنى للظلم أساساً في مشهد يوم القيامة، وإذا كان يحدث في الدنيا بين البشر أن تتحقّق

العدالة حيناً ويقع الظلم أحياناً كثيرة، فذلك لعدم إمكان ربط الأعمال بفاعليها.

جمع من المفسّرين تصوروا أنّ الجملة الأخيرة أعلاه تتحدّث عن الكفّار والمسيئين الذين سيرون عقاباً على

قدر أعمالهم، دون أن تشمل المؤمنين، بلحاظ أنّ الله سبحانه وتعالى قد جزاهم وأثابهم بأضعاف ما يعادل

أعمالهم.

ولكن بملاحظة ما يلي ينحلّ هذا الإشتباه، وهو أنّ الحديث هنا هو حديث عن العدالة في الثواب والعقاب وأخذ

الجزاء حسب الإستحقاق، وهذا لا ينافي أنّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يزيد المؤمنين من فضله، فهذه

مسألة «تفضل» وتلك مسألة «إستحقاق».

ثمّ تنتقل الآيات لتتعرّض إلى جانب من مثوبة المؤمنين العظيمة، وقبل كلّ شيء تشير إلى مسألة الطمأنينة

وراحة البال فتقول: (إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شغل فاكهون).

«شغل»: ـ على وزن سرر ـ و «شغل» ـ على وزن لطف ـ : كليهما بمعنى العارض الذي يذهل الإنسان

ويصرفه عن سواه، سواء كان ممّا يبعث على المسرّة أو الحزن، ولكن لإلحاقه كلمة «فاكهون» التي هي

جمع «فاكه» وهو المسرور الفرح الضاحك، يمكن إستنتاج أنّ المعنى إشارة إلى الإنسان المشغول بنفسه

والمنصرف تماماً عن التفكير في أي قلق أو ترقّب، والغارق في السرور والسعادة والنشاط بشكل لا يترك أي

مجال للغمّ والحسرة أن تعكّر عليه صفوه، وحتّى أنّه ينسى تماماً هول قيام القيامة والحضور في محكمة العدل

الإلهية، تلك المواقف التي لولا نسيانها فإنّها حتماً ستلقي بظلالها الثقيلة من الغمّ والقلق على القلب، وبناءً

على ذلك فإنّ أحد الآثار المترتبة على إنشغال الذهن بالنعمة هو نسيان أهوال المحشر

وبعد التعرّض إلى نعمة الطمأنينة وراحة البال التي هي أساس جميع النعم الاُخرى وشرط الإستفادة من جميع

المواهب والنعم الإلهية الاُخرى، ينتقل إلى ذكر بقيّة النعم فيقول تعالى: (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك

متكئون)

«أزواج» تشير إلى الزوجة التي يعطيها الله في الجنّة، أو الزوجة المؤمنة التي كانت معه في الدنيا.

وأمّا ما احتمله البعض من أنّها بمعنى «النظائر» كما في الآية ـ 22 سورة الصافات (احشروا الذين ظلموا

وأزواجهم) الآية فيبدو بعيداً. خصوصاً أنّ (أرائك) جمع «أريكة» وهي الحجلة على السرير. كما يقول أرباب

اللغة.

التعبير بـ «ظلال» إشارة إلى أنّ أشجار الجنّة تظلّل الأسرة والتخوت التي يجلس عليها المؤمنون في الجنّة، أو

إشارة إلى ظلال قصورهم، وكلّ ذلك يدلّل على وجود الشمس هناك، ولكنّها ليست شمساً مؤذية، نعم فإنّ لهم

في ذلك الظلّ الملائم لأشجار الجنّة سروراً ونشاطاً عظيمين.

إضافةً إلى ذلك فإنّ (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدّعون).

يستفاد من آيات القرآن الاُخرى أنّ غذاء أهل الجنّة ليس الفاكهة فقط، ولكن تعبير الآية يدلّل على أنّ الفاكهة ـ

وهي فاكهة مخصوصة تختلف كثيراً عن فاكهة الدنيا ـ هي أعلى غذاء لهم، كما أنّ الفاكهة في الدنيا ـ كما

يقول المتخصّصون ـ أفضل وأعلى غذاء للإنسان.

«يدعون» أي يطلبون، والمعنى أنّ كلّ ما يطلبونه ويتمنّونه يحصلون عليه، فما يتمّنوه من شيء يحصل

ويتحقّق على الفور.

يقول العلاّمة «الطبرسي» في مجمع البيان: العرب يستخدمون هذا التعبير في حالة التمنّي، فيقول: «ادع عليّ

ما شئت» أي تمنّ عليّ ما شئت ...

وعليه فإنّ كلّ ما يخطر على بال الإنسان وما لا يخطر من المواهب والنعم الإلهية موجود هناك معدّ ومهيّأ،

والله عنده حسن الثواب.

وأهمّ من كلّ ذلك، المواهب المعنوية التي أشارت إليها آخر آية بقولها: (سلام قولا من ربٍّ رحيم).

هذا النداء الذي تخفّ له الروح، فيملؤها بالنشاط، هذا النداء المملوء بمحبّة الله، يجعل الروح الإنسانية تتسلّق

الأفراح نشوى بالمعنويات التي لا يرقى إليها وصف ولا تعادلها أيّة نعمة اُخرى. نعم فسماع نداء المحبوب،

النداء الندي بالمحبّة، المعطّر باللطف، يغمر سكّان الجنّة بالحبور ... الحبور الذي تعادل اللحظة منه جميع ما

في الدنيا، بل ويفيض عليه.

ففي رواية عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «بينا أهل الجنّة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا

رؤوسهم فإذا الربّ قد أشرف من فوقهم فقال: السلام عليكم ياأهل الجنّة، وذلك قول الله تعالى: (سلام قولا من

ربٍّ رحيم) قال فينظر إليهم وينظرون إليه

فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتّى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم.

نعم فإنّ جذبة مشاهدة المحبوب، ورؤية لطفه، تبعث اللذّة والشوق في النفس بحيث أنّ لحظة واحدة من تلك

المشاهدة العظيمة لا يمكن مقارنتها بأيّة نعمة، بل بالعالم أجمع، وعشّاق رؤيته والنظر إليه هائمون في ذلك

إلى درجة أنّه لو قطعت عنهم تلك الإفاضة المعنوية فإنّهم يحسّون بالحسرة والألم، وكما ورد في حديث لأمير

المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام «لو حجبت عنه ساعة لمتّ».

الملفت للنظر أنّ ظاهر الآية يشير إلى أنّ سلام الله الذي ينثره على المؤمنين في الجنّة، هو سلام مستقيم بلا

واسطة، سلام منه تعالى، وأي سلام ذلك الذي يمثّل رحمته الخاصّة! أي أنّه ينبعث من مقام رحيميته وجميع

ألطافه وكراماته مجموعة فيه، ويا لها من نعمة عظيمة!!







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-15-2011, 04:52 PM   رقم المشاركة : 12
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

59-60-61-62

مرّ في الآيات السابقة جانب من المصير المشوّق لأهل الجنّة، وفي هذه الآيات مورد البحث جانب بئيس من

مصير أهل النار وعبدة الشيطان.

أوّلا: يخاطبون في ذلك اليوم خطاباً تحقيرياً (وامتازوا اليوم أيّها المجرمون).

فأنتم ربّما دخلتم في صفوف المؤمنين في الدنيا وتلونتم بلونهم تارةً، واستفدتم من حيثيتهم وإعتبارهم، أمّا

اليوم «فامتازوا عنهم» وأظهروا بشكلكم الأصلي الحقيقي.

هذا في الحقيقة هو تحقّق للوعد الإلهي الوارد في الآية (28) من سورة ص حيث يقول الباري عزّوجلّ: (أم

نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار).

وعلى كلّ حال، فظاهر الآية هو التمييز في العرض بين المجرمين والمؤمنين، وإن كان بعض المفسّرين قد

احتمل إحتمالات اُخرى من جملتها: تفريق صفوف المجرمين أنفسهم إلى مجموعات فيما بينهم، أو إنفصال

المجرمين عن شفعائهم ومعبوداتهم، أو إنفصال المجرمين كلّ واحد عن الآخر، بحيث يكون ذلك العذاب الناتج

عن الفراق مضافاً على عذاب الحريق في جهنّم.

ولكن شمولية الخطاب لجميع المجرمين، ومحتوى جملة «وامتازوا» تقوّي المعنى الأوّل الذي أشرنا إليه.

الآية التالية تشير إلى لوم الله تعالى وتوبيخه المجرمين في يوم القيامة قائلا: (ألم أعهد إليكم بابني آدم ألاّ

تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدوٌّ مبين).

إنّ هذا العهد الإلهي أُخذ على الإنسان من طرق مختلفة، وكرّر على مسمعه مرّات ومرّات: (يابني آدم لا

يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنّه يريكم هو وقبيله من

حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون).

جرى هذا التحذير وبشكل متكرّر على لسان الأنبياء والرسل: (ولا يصدنّكم الشيطان إنّه لكم عدو مبين).

وكذلك في الآية (168) من سورة البقرة نقرأ: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنّه لكم عدو مبين).

ومن جانب آخر فإنّ هذا العهد اُخذ على الإنسان في عالم التكوين، وبلسان إعطاء العقل له، إذ أنّ الدلائل

العقلية تشير بشكل واضح إلى أنّ على الإنسان أن لا يطيع من تصدّى لعداوته منذ اليوم الأوّل وأخرجه من

الجنّة، وأقسم على إغواءأبنائه من بعده.

ومن جانب ثالث فقد اُخذ هذا العهد على الإنسان بالفطرة الإلهيّة للناس على التوحيد، وإنحصار الطاعة في الله

سبحانه، وبهذا لم تتحقّق التوصية الإلهية هذه بلسان واحد، بل بعدّة ألسنة وأساليب، واُمضي هذا العهد

والميثاق.

والجدير بالملاحظة أيضاً أنّ «العبادة» الواردة الإشارة إليها في جملة (لا تعبدوا الشيطان) بمعنى «الطاعة»،

لأنّ العبادة لا تنحصر بمعنى الركوع والسجود فقط، بل إنّ من مصاديقها الطاعة. كما ورد في الآية (47) من

سورة «المؤمنون» (أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) وفي الآية (31) من التوبة نقرأ: (اتّخذوا

أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً).

والجميل أنّه ورد في رواية عن الصادق (عليه السلام) تعليقاً على الآية بقوله: «أما والله ما دعوهم إلى عبادة

أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون».

وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: «من أطاع رجلا في معصية فقد عبده».

وعن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن الله فقد عبد

الله، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان».

الآية التالية تأكيد أشدّ وبيان لوظيفة بني آدم، تقول الآية الكريمة: (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم).

اُخذ على الإنسان العهد بأن لا يطيع الشيطان، إذ أنّه أعلن له عن عداوته بشكل واضح منذ اليوم الأوّل، فهل

يطيع عاقل أوامر عدوّه!؟.. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، اُخذ عليه العهد بطاعة الله سبحانه وتعالى، لأنّ سبيله هو الصراط المستقيم، وهذا في الحقيقة

أعظم محرّك للبشر، لأنّ الإنسان ـ مثلا ـ لو كان في وسط صحراء قاحلة محرقة، وكانت حياته وحياة عياله في

معرض خطر قطّاع الطرق والضواري، فأهمّ ما يفكّر به هو العثور على الطريق المستقيم الآمن الذي يؤدّي

إلى المقصد، الطريق السريع والأسهل للوصول إلى منزل النجاة.

ويستفاد كذلك من هذا التعبير ضمناً بأنّ الدنيا ليست بدار القرار، إذ أنّ الطريق لا يُرسم لأحد إلاّ لمن يريد

الذهاب إلى مقصد آخر.

وللتعريف بهذا العدو القديم أكثر فأكثر يضيف تعالى: (ولقد أضلّ منكم جبلاّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون).

ألا ترون ماذا أحلّ بأتباعه من المصائب.

ألم تطالعوا تأريخ من سبقكم لتروا بأعينكم أي مصير مشؤوم وصل إليه من عبد الشيطان؟ آثار مدنهم المدمّرة

أمام أعينكم، والعاقبة المؤلمة التي وصلوا إليها واضحة لكل من يمتلك القليل من التعقّل والتفكّر.

إذن لماذا أنتم غير جادّين في معاداة من أثبت أنّه عدو لكم مرّات ومرّات؟ ولا زلتم تتّخذونه صديقاً بل قائداً

ووليّاً وإماماً!!

«الجبلّ» الجماعة تشبيهاً بالجبل في العِظم (كما يقول الراغب في مفرداته).

و «كثيراً» للتأكيد على كثرة من اتّبع الشيطان من كافّة المستويات الإجتماعية في كلّ مجتمع.

ذكر بعضهم أنّ «الجبلّ» بحدود عشرة آلاف نفر، أو أكثر، وما دون ذلك لا يكون جبلاًّ، ولكن البعض الآخر لم

يلتزم بتلك الأرقام.

وعلى كلّ حال، فإنّ العقل السليم يوجب على الإنسان أن يحذر بشدّة من عدوٍّ خطر كهذا، لا يتورّع عن أي

شيء، ولا يرحم أي إنسان أبداً، وقرابينه في كلّ زاوية ومكان هلكى صرعى، فلا ينبغي له أن يغفل عنه طرفة

عين أبداً، ولنقرأ ما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام:

«فاحذروا ـ عباد الله ـ عدوّ الله، أن يعديكم بدائه، وأن يستفزّكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله، فلعمري

لقد فوق لكم سهم الوعيد، وأغرق إليكم بالنزع الشديد، ورماكم من مكان قريب، فقال: ربّ بما أغويتني لاُزينّن

لهم في الأرض ولأغوينّهم أجمعين»







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 03-15-2011, 04:59 PM   رقم المشاركة : 13
*يقيني محمد*
منتسب سابق لمدرسة السير والسلوك







*يقيني محمد* غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

احسنتم ورحم الله والديكم على متابعة الطرح
في ميزان اعمالكم وقضى الله حوائجكم

واصلوا ونحن من المتابعين ان شاء الله

لكم جزيل الشكر ..






  رد مع اقتباس
قديم 03-30-2011, 11:19 AM   رقم المشاركة : 14
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

63...68

يوم تسكت الألسن وتشهد الأعضاء!!

تعرّضت الآيات السابقة، إلى قسم من التوبيخات والتقريعات الإلهيّة وإلى مخاطبته سبحانه المجرمين في يوم

القيامة.

هذه الآيات تواصل البحث حول الموضوع نفسه أيضاً.

نعم، ففي ذلك اليوم وحينما تظهر جهنّم للمجرمين الكافرين يذكّرهم الله بوعده، والآية تشير إلى ذلك فتقول:

(هذه جهنّم التي كنتم توعدون).

فقد بُعث إليكم الأنبياء واحداً بعد واحد، وحذّروكم من مثل هذا اليوم ومن مثل هذه النار، ولكنّكم لم تأخذوا

أقوالهم إلاّ على محمل السخرية والإستهزاء (اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون)

ثمّ يشير تعالى إلى شهود يوم القيامة ... الشهود الذين هم جزء من جسد الإنسان، حيث لا مجال لإنكار

شهادتهم، فيقول تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).

نعم ففي ذلك اليوم لا تكون أعضاء الإنسان طوع إرادته وميوله، فهي بأجمعها تتخلّى عن إمتثال أمره

وتستسلم لأمر الله سبحانه، ويالها من محكمة عجيبة تلك المحكمة التي شهودها نفس أعضاء الإنسان. تلك

الأعضاء التي كانت الوسائل لإرتكاب المعاصي والذنوب.

ويحتمل أن تكون شهادة الأعضاء، بسبب أنّ المجرمين حينما يرون بأنّهم سيصلون جهنّم جزاء أعمالهم،

يميلون إلى إنكار ما ارتكبوا ظنّاً منهم أنّه يمكن الإفلات بإخفاء الحقائق والإنكار، إلاّ أنّ الأعضاء تبدأ هنا

بالشهادة، الأمر الذي يثير عجب اُولئك المجرمين ووحشتهم ويغلق عليهم جميع طرق الفرار والخلاص.

أمّا عن كيفية نطق تلك الأعضاء، فثمّة تفسيرات وإحتمالات عديدة:

1 ـ انّ الله سبحانه وتعالى يجعل في كلّ واحد من تلك الأعضاء القدرة على التكلّم والشعور، وهي تقوم بنقل

الحقيقة بصدق، وما هو العجب في ذلك؟ فمن جعل في قطعة من اللحم المسمّاة «لسان» أو «مخ الإنسان»

القدرة على النطق، يستطيع أن يجعل هذه القدرة في سائر أعضاء البدن أيضاً.

2 ـ أنّ تلك الأعضاء لا تُعطى الإدراك والشعور، ولكن الله سبحانه وتعالى ينطقها، وفي الحقيقة فإنّ تلك

الأعضاء ستكون محلا لظهور الكلام، وإنكشاف الحقائق بإذن الله.

3 ـ أنّ أعضاء البدن الإنساني تحتفظ بآثار الأعمال التي قامت بها في الدنيا، إذ أنّ أي عمل في هذه الدنيا لا

يفنى، بل إنّ آثاره ستبقى على كلّ عضو من البدن، وفي الفضاء المحيط بها، وفي ذلك اليوم الذي هو يوم

الظهور والتجلّي، ستظهر هذه الآثار على اليد والقدم وسائر الأعضاء، وظهور تلك الآثار هو منزلة الشهادة.

وهذا تماماً كما يرد في لغتنا المعاصرة حينما نقول: «عينك تشهد على سهرك»، أو «الجدران تبكي صاحب

الدار».

وعلى كلّ حال، فإنّ من المسلّمات شهادة الأعضاء في يوم القيامة، ولكن هل أنّ كلّ عضو يكشف عن فعله

فحسب، أو يكشف عن كلّ الأعمال؟ فلا شكّ أنّ الإحتمال الأوّل هو الأنسب، لذا فإنّ الآيات القرآنية الكريمة

الاُخرى تذكر شهادة الاُذن والعين والجلد، كما في الآية (20) من سورة فصلت حين يقول تعالى: (حتّى إذا ما

جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) أو ما ورد في الآية (24) من سورة النور

من قوله تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون).

والجدير بالملاحظة أنّه تعالى في سورة النور يقول: (تشهد عليهم ألسنتهم)وفي الآية مورد البحث يقول: (اليوم

نختم على أفواههم)، ومن الممكن أن يكون ما يحصل هناك هو أن يختم على فم المجرم أوّلا لتشهد أعضاؤه،

وبعد أن يرى بنفسه شهادة أعضائه، يفتح لسانه، ولأنّه لا مجال للإنكار فإنّ لسانه أيضاً يقرّ بالحقيقة.

وكذلك يحتمل أن يكون المقصود من كلام اللسان هو الكلام الداخلي الذي ينبعث منه كما في سائر الأعضاء،

وليس نطقه العادي.

آخر ما نريد قوله بخصوص موضوع تكلّم الأعضاء هو أنّ ذلك خاص بالمجرمين، وإلاّ فالمؤمنون حسابهم

واضح، لذا ورد في الحديث عن الباقر (عليه السلام) «ليست تشهد الجوارح على مؤمن، إنّما تشهد على من

حقّت عليه كلمة العذاب، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، قال الله عزّوجلّ: (فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك

يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا)(تفسير الصافي، مجلّد 4، صفحة 258).

الآية التالية تشير إلى أحد ألوان العذاب التي يمكن أن يبتلي الله تعالى بها المجرمين في هذه الدنيا، تقول الآية

الكريمة: (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم).

وفي تلك الحالة التي يبلغ فيها الرعب الذروة عندهم: (فاستبقوا الصراط فأنّى يبصرون). فهم عاجزون حتّى

عن العثور على الطريق إلى بيوتهم، ناهيك عن العثور على طريق الحقّ وسلوك الصراط المستقيم!

وعقوبة مؤلمة اُخرى لهم: انّنا لو أردنا لمسخناهم في مكانهم على شكل تماثيل حجرية فاقدة للروح والحركة،

أو على أشكال الحيوانات بحيث لا يستطيعون التقدّم إلى الأمام، ولا الرجوع إلى الخلف: (لو نشاء لمسخناهم

على مكانتهم فما استطاعوا مضيّاً ولا يرجعون)(«مكانتهم» بمعنى محل التوقّف، وهي إشارة إلى أنّ الله

سبحانه وتعالى قادر على أن يخرجهم عن اْنسانيتهم في محل توقّفهم، يغيّر أشكالهم، ويفقدهم القدرة على

الحركة، تماماً كالتمثال الخالي من الروح).

«فاستبقوا الصراط» يمكن أن تكون بمعنى التسابق فيما بينهم للعثور على الطريق الذي يذهبون منه عادةً، أو

بمعنى الإنحراف عن الطريق وعدم العثور عليه، على ضوء ما قاله بعض أرباب اللغة من أن «فاستبقوا

الصراط» بمعنى «جاوزوه وتركوه حتّى ضلّوا».

وعلى كلّ حال، فطبقاً للتفسير الذي قبل به أغلب المفسّرين الإسلاميين، فإنّ الآيتين أعلاه، تتحدّثان عن عذاب

الدنيا، وعن تهديد الكفّار والمجرمين بأنّ الله سبحانه وتعالى قادر على تعريضهم لمثل هذا العذاب في الدنيا،

ولكن للطفه ورحمته فإنّه يمتنع عن ذلك، فقد ينتبه هؤلاء المعاندين ويرجعوا عن غيّهم إلى طريق الحقّ.

ولكن يوجد إحتمال آخر أيضاً، وهو أنّ الآيات تشير إلى العقوبات الإلهيّة في يوم القيامة لا في الدنيا، وفي

الحقيقة فهو تعالى بعد أن أشار إلى «الختم على أفواههم» في الآية السابقة، يشير هنا إلى نوعين آخرين من

العقوبات التي لو شاء لأجراها عليهم:

الأوّل: الطمس على عيونهم بحيث لا يمكنهم رؤية «الصراط» أي طريق الجنّة.

الثاني: أنّ هؤلاء الأفراد بعد أن كانوا فاقدين للحركة في طريق السعادة فإنّهم يتحوّلون إلى تماثيل ميتة في ذلك

اليوم ويظلّون حيارى في مشهد المحشر، وليس لهم طريق للتقدّم أو للتراجع، إنّ تناسب الآيات ـ طبعاً ـ يؤيّد

هذا التّفسير الأخير، وإن كان أكثر المفسّرين قد اتّفقوا على قبول التّفسير السابق

الآية الأخيرة من هذه المجموعة تشير إلى وضع الإنسان في آخر عمره من حيث الضعف والعجز العقلي

والجسمي، لتكون إنذاراً لهم وليختاروا طريق الهداية عاجلا، ولتكون جواباً على الذين يلقون بمسؤولية

تقصيرهم على قصر أعمارهم، وكذلك لتكون دليلا على قدرة الله سبحانه وتعالى، فالقادر على أن يعيد ذلك

الإنسان القوي إلى ضعف وعجز الوليد الصغير .. قادر على مسألة المعاد بالضرورة، وعلى الطمس على

عيون المجرمين ومنعهم عن الحركة، كذلك تقول الآية الكريمة: (ومن نعمّره ننكّسه في الخلق أفلا يعقلون).

«ننكّسه» من مادّة «تنكيس» وهو قلب الشيء على رأسه. وهي هنا كناية عن الرجوع الكامل للإنسان إلى

حالات الطفولة. فالإنسان منذ بدء خلقته ضعيف، ويتكامل تدريجيّاً ويرشد، وفي أطواره الجنينية يشهد في كلّ

يوم طوراً جديداً ورشداً جديداً، وبعد الولادة ـ أيضاً ـ يستمرّ في مسيره التكاملي جسمياً وروحياً وبسرعة، وتبدأ

القوى والإستعدادات التي أخفاها الله في أعماق وجوده بالظهور تدريجيّاً الواحدة تلو الاُخرى، في طور الشباب،

ثمّ طور النضج، ليبلغ الإنسان أوج تكامله الجسمي والروحي.

وهنا تنفصل الروح عن الجسد في تكاملها ونموّها، فتستمر في تكاملها في حال أنّ الجسد يشرع بالنكوص،

ولكن العقل في النهاية يبدأ هو الآخر بالتراجع أيضاً، فيعود تدريجيّاً ـ وأحياناً بسرعة ـ إلى مراحل الطفولة،

ويتساوق ذلك مع الضعف البدني أيضاً، مع الفارق طبعاً، فالآثار التي تتركها حركات وروحيات الأطفال على

النفس هي الراحة والجمال والأمل ولهذا فهي مقبولة منهم، ولكنّها من أهل الشيخوخة، قبيحة ومنفّرة، وفي

بعض الأحيان قد تثير الشفقة والترحّم، فالشيخوخة أيّام عصيبة حقّاً، يصعب تصوّر عمق آلامها.

في الآية (5) سورة الحجّ أشار القرآن المجيد إلى هذا المعنى، قائلا: (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم

من بعد علم شيئاً). لذا فقد ورد في بعض الروايات أنّ من جاوز السبعين حيّاً فهو «أسير الله في الأرض»(ورد

هذا الحديث في سفينة البحار مادّة (عمر).

وعلى كلّ حال فإنّ جملة (أفلا يعقلون) تشعّ تنبيهاً عجيباً بهذا الخصوص، وتقول للبشر: إنّ هذه القدرة والقوّة

التي عندكم لو لم تكن على سبيل «العارية» لما أخذت منكم بهذه البساطة. اعلموا أنّ فوقكم يد قدرة اُخرى

قادرة على كلّ شيء، فقبل أن تصلوا إلى تلك المرحلة خلّصوا أنفسكم، وقبل أن يتبدّل هذا النشاط والجمال إلى

موت وذبول. اجمعوا الورد من هذا الروض، وتزوّدوا بالزاد من هذه الدنيا لطريق الآخرة البعيد، لأنّه لم يمكنكم

أداء أي عمل ذي قيمة في وقت الشيب والضعف والمرض. ولذا فإنّ من ضمن ما أوصى به النّبي (صلى الله

عليه وآله وسلم) أبا ذرّ أنّه قال: «اغتنم خمساً: قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل

فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»(بحار الأنوار، مجلّد 77، صفحة 75، حديث ـ 3).







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 04-01-2011, 04:50 PM   رقم المشاركة : 15
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

69-70

انّه ليس بشاعر .. بل نذير!!

قلنا أنّ في هذه السورة بحوثاً حيّة وجامعة حول اُصول الإعتقادات: التوحيد، والمعاد، والنبوّة، وتنتقل الآيات

من بحث إلى آخر ضمن مقاطع مختلفة من الآيات.

طرحت في الآيات السابقة بحوث مختلفة حول التوحيد والمعاد، وتعود هاتان الآيتان إلى البحث في مسألة

النبوّة، وقد أشارتا إلى أكثر الإتّهامات رواجاً والتي اُثيرت بوجه الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)،

وردّت عليهم ردّاً قويّاً، منها اتّهام الرّسول بكونه شاعراً، فقالت: (وما علّمناه الشعر وما ينبغي له).

لماذا اتّهم الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الإتّهام مع أنّه لم يقل الشعر أبداً؟

كان ذلك بسبب الجاذبية الخاصّة للقرآن الكريم ونفوذه في القلوب، الأمر الذي كان محسوساً للجميع، بالإضافة

إلى عدم إمكانية إنكار جمال ألفاظه ومعانيه وفصاحته وبلاغته، وقد كانت جاذبية القرآن الكريم الخاصّة قد

أثّرت حتّى في نفوس الكفّار الذين كانوا أحياناً يأتون إلى جوار منزل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بشكل

خفي ليلا لكي يستمعوا إلى تلاوته للقرآن في عمق الليل.

وكم من الأشخاص الذين تولّعوا وعشقوا الإسلام لمجرّد سماعهم القرآن الكريم وأعلنوا إسلامهم في نفس

المجلس الذي استمعوا فيه إلى بعض آياته.

وهنا حاول الكفّار من أجل تفسير هذه الظاهرة العظيمة، ولغرض إستغفال الناس وصرف أنظارهم من كون ذلك

الكلام وحياً إلهيّاً، فأشاعوا تهمة الشعر في كلّ مكان، والتي كانت بحدّ ذاتها تمثّل إعترافاً ضمنياً بتميّز كلام

القرآن الكريم.

وأمّا لماذا لا يليق بالرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون شاعراً، فلأنّ طبيعة الشعر تختلف

تماماً عن الوحي الإلهي، للأسباب التالية:

1 ـ إنّ أساس الشعر ـ عادةً ـ هو الخيال والوهم، فالشاعر غالباً ما يحلّق بأجنحة الخيال، والحال أنّ الوحي

يُستمدّ وجوده من مبدأ الوجود ويدور حول محور الحقيقة.

2 ـ الشعر يفيض من العواطف الإنسانية المتغيّرة، وهي في حال تغيّر وتبدّل مستمرين، أمّا الوحي الإلهي

فمرآة الحقائق الكونية الثابتة.

3 ـ لطافة الشعر تنبع في الغالب من الإغراق في التمثيل والتشبيه والمبالغة، إلى درجة أن قيل «أحسن الشعر

أكذبه»، أمّا الوحي فليس إلاّ الصدق.

4 ـ الشاعر في أغلب الموارد وجرياً وراء التزويق اللفظي يكون مجبراً على السعي وراء الألفاظ، ممّا يضيع

الكثير من الحقائق في الأثناء.

5 ـ وأخيراً يقول أحد المفسّرين: إنّ الشعر مجموعة من الأشواق التي تحلّق منطلقة من الأرض باتّجاه

السماء، بينما الوحي حقائق نازلة من السماء إلى الأرض، وهذان الإتّجاهان واضح تفاوتهما.

وهنا يجب أن لا ننسى تقدير مقام اُولئك الشعراء الذين يسلكون هذا الطريق باتّجاه أهداف مقدّسة، ويصونون

أشعارهم من كلّ ما لا يرضي الله، وعلى كلّ حال فإنّ طبيعة أغلب الشعراء كما أوردناه أعلاه.

لذا فإنّ القرآن الكريم يقول في آخر سورة الشعراء: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنّهم في كلّ واد يهيمون

وأنّهم يقولون ما لا يفعلون).( الشعراء، 224 ـ 226)

طبعاً فإنّ نفس هذه الآيات تشير في آخرها إلى الشعراء المؤمنين الذين يسخّرون فنّهم في سبيل أهدافهم

السامية، وهم مستثنون من ذلك التعميم ولهم حساب آخر.

ولكن على أيّة حال فإنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن أن يكون شاعراً، وعندما يقول تعالى:

(وما علّمناه الشعر) فمفهومه أنّه مجانب للشعر لأنّ جميع التعاليم النازلة إليه هي من الله تعالى.

والملفت للنظر أنّ التأريخ والروايات تنقل كثيراً من الأخبار التي تشير إلى أنّ الرّسول الأكرم (صلى الله عليه

وآله وسلم) حينما يريد الإستشهاد ببيت من الشعر، فإنّه غالباً ما يقوله بطريقة منثورة.

فعن عائشة أنّها قالت: كان رسول الله يتمثّل ببيت أخي بني قيس فيقول:

ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا *** ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار

فيقول أبو بكر: ليس هكذا يارسول الله فيقول: إنّي لست بشاعر وما ينبغي لي(مجمع البيان، ج4، ص433.).

ثمّ يضيف تعالى في آخر الآية لنفي الشعر عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن هو إلاّ ذكر وقرآن

مبين).

والهدف هو الإنذار وإتمام الحجّة: (لينذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين).

نعم، هذه الآيات «ذكر» ووسيلة تنبيه، هذه الآيات «قرآن مبين» يوضّح الحقّ بلا أدنى تغطية أو غمط، بل

بقاطعية وصراحة، ولذا فهو عامل إنتباه وحياة وبقاء.

مرّة اُخرى نرى القرآن الكريم يجعل (الإيمان) هو (الحياة) و (المؤمنين) هم (الأحياء) و (الكفّار)

هم «الموتى»، ففي جانب يذكر عنوان «حيّاً» وفي الطرف المقابل عنوان «الكافرون»، فهذه هي الحياة

والموت المعنوي اللذان هما أعلى بمراتب من الموت والحياة الظاهريين. وآثارهما أوسع وأشمل، فإذا كانت

الحياة والمعيشة بمعنى «التنفّس» و «أكل الطعام» و «الحركة»، فإنّ هذه الأعمال كلّها تقوم بها الحيوانات،

فهذه ليست حياةً إنسانية، الحياة الإنسانية هي تفتّح أزهار العقل والفهم والملكات الرقيقة في روح الإنسان،

وكذلك التقوى والإيثار والتضحية والتحكّم بالنفس، والتحلّي بالفضيلة والأخلاق، والقرآن ينمي هذه الحياة في

وجود الإنسان.

والخلاصة: أنّ الناس ينقسمون حيال دعوة القرآن الكريم إلى مجموعتين: مجموعة حيّة يقظة تلبّي تلك

الدعوة، وتلتفت إلى إنذاراتها، ومجموعة من الكفّار ذوي القلوب الميتة، الذين لا تؤمل منهم أيّة إستجابة أبداً،

ولكن هذه الإنذارات سبب في إتمام الحجّة عليهم، وتحقّق أمر العذاب بحقّهم.

حياة وموت القلوب:

في الإنسان أنواع من الحياة والموت:

الأوّل: الحياة والموت النباتي الذي مظهره النمو والرشد والتغذية والتوالد، وهو في هذا الشأن يشابه جميع

النباتات.

الثاني: الحياة والموت الحيواني. وأبرز مظاهرها «الإحساس» و «الحركة»، وهو مشترك في هاتين الصفتين

مع جميع الحيوانات.

أمّا النوع الثالث من الحياة الخاصّ بالإنسان فقط، فهو (الحياة الإنسانية والروحية). وهو ما قصدته الروايات

بقولها «حياة القلوب». حيث أنّ المقصود بالقلب هنا «الروح والعقل والعواطف» الإنسانية.

ففي حديث أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حول القرآن يقول: «وتعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث،

وتفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب»(نهج البلاغة، خطبة 110، 133 وكلمات قصار 388).

وفي حديث آخر له عليه أفضل الصلاة والسلام يقول عن الحكمة والتعلّم: «واعلموا أنّه ليس من شيء إلاّ

ويكاد صاحبه يشبع منه ويملّه إلاّ الحياة، فإنّه لا يجد في الموت راحة، وإنّما ذلك بمنزلة الحكمة التي هي حياة

للقلب الميّت وبصر للعين العمياء».

وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن

مرض القلب، ألا وإنّ من صحّة البدن تقوى القلوب».

ويقول عليه الصلاة والسلام: «ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه،

ومن قلّ ورعه مات قلبه»( نهج البلاغة، الكلمات القصار كلمة 345).

ومن جهة اُخرى فإنّ القرآن الكريم يشخّص للإنسان نوعاً خاصّاً من الإبصار والسماع والإدراك والشعور،

غير النظر والسماع والشعور الظاهري، ففي الآية (171) من سورة البقرة نقرأ: (صم بكم عمي فهم لا

يعقلون).

وفي موضع آخر يقول تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).( البقرة ـ 10)

كذلك يقول سبحانه: (ثمّ قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة).( البقرة، 74)

وحول مجموعة من الكافرين يعبّر تعبيراً خاصاً فيقول تعالى: (اُولئك الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم).

( المائدة، 41)

وفي موضع أخر يقول تعالى: (إنّما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثمّ إليه ترجعون).(الأنعام، 36.)

من مجموع هذه التعبيرات وتعبيرات كثيرة اُخرى شبيهة لها يظهر بوضوح أنّ القرآن يعدّ محور الحياة

والموت، هو ذلك المحور الإنساني والعقلاني، إذ أنّ قيمة الإنسان تكمن في هذا المحور.

وفي الحقيقة فإنّ الحياة والإدراك والإبصار والسماع وأمثالها، تتلخّص في هذا القسم من وجود الإنسان، وإن

اعتبر بعض المفسّرين هذه التعبيرات مجازية، إذ أنّ ذلك لا ينسجم مع روح القرآن هنا، لأنّ الحقيقة في نظر

القرآن هي هذه التي يذكرها، والحياة والموت الحيوانيان هما المجازيان لا غير.

إنّ أسباب الموت والحياة الروحية كثيرة جدّاً، ولكن القدر المسلّم به هو أنّ النفاق والكبر والغرور والعصبية

والجهل والكبائر، كلّها تميت القلب، ففي مناجاة التائبين التي تروى عن الإمام السجّاد (عليه السلام) في

الصحيفة السجادية ورد «وأمات قلبي عظيم جنايتي».

والآيات مورد البحث تأكيد على هذه الحقيقة.

فهل أنّ من يرضى من حياته فقط بأن يعيش غير عالم بشيء في هذه الدنيا، ويجري دائماً مدار العيش الرغيد

الرتيب، لا يعبأ بظلامة المظلوم، ولا يلبّي نداء الحقّ، يفكّر في نفسه فقط، ويعتبر نفسه غريباً حتّى عن أقرب

الأقرباء، هل يعتبر مثل هذا إنساناً حيّاً؟

وهل هي حياة تلك التي تكون حصيلتها كميّة من الغذاء ال*********وف، وإبلاء بعض الألبسة، والنوم والإستيقاظ

المكرور؟ وإذا كانت تلك هي الحياة فما هو فرقها عن حياة الحيوان؟

إذاً يجب أن نقرّ ونعترف بأنّ وراء هذه الحياة الظاهرية يكمن عقل وحقيقة أكّد عليها القرآن وتحدّث عنها.

الجميل أنّ القرآن يعتبر الموتى الذين كان لموتهم آثار الحياة الإنسانية أحياءاً، ولكن الأحياء الذين ليس فيهم

أي من آثار الحياة الإنسانية فانّهم في منطق القرآن الكريم أموات أذلاّء.







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 04-02-2011, 09:50 AM   رقم المشاركة : 16
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

71 - ... - 76

فوائد الأنعام للإنسان!!

يعود القرآن الكريم مرّة اُخرى في هذه الآيات إلى مسألة التوحيد والشرك، ويشير ـ ضمن تعداد قسم من آثار

عظمة الله في حياة البشر، وحلّ مشكلاتهم ورفع حاجاتهم ـ إلى ضعف وعجز الأصنام، وبمقارنة واضحة يشطب

على الشرك ويثبت بطلانه، وفي نفس الوقت يثبت حقّانية خطّ التوحيد.

تقول الآية الكريمة الاُولى: (أو لم يروا أنّا خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون).

ولكي يستفيدوا بشكل جيّد من هذه الحيوانات: (وذلّلناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون).

ولا تنتهي منافعها إلى هذا الحدّ، بل (ولهم فيها منافع ومشارب) وعليه (أفلا يشكرون) الشكر الذي هو وسيلة

معرفة الله وتشخيص وليّ النعمة.هنا يجب الإلتفات إلى بعض الاُمور:

1 ـ من بين النعم المختلفة التي تغمر الإنسان، أشارت الآية إلى نعمة وجود الأنعام، لأنّها تشكّل حضوراً دائماً

في حياة الإنسان اليومية، إلى حدّ أنّ حياة الإنسان إقترنت بها، بحيث لو أنّها حذفت من صفحة حياة الإنسان

فإنّ ذلك سيشكّل عقدة ومشكلة بالنسبة إلى معيشته وأعماله، غير أنّ الإنسان لا يلتفت إلى أهمّيتها لأنّه تعوّد

رؤيتها يومياً.

2 ـ جملة (عملت أيدينا) كناية عن إعمال القدرة الإلهيّة بشكل مباشر، إذ أنّ أهمّ الأعضاء التي يمارس بها

الإنسان قدرته ويعبّر عنها هي يداه، لهذا السبب كانت «اليد» كناية عن القدرة، كأن يقول أحدهم: «إنّ المنطقة

الفلانية في يدي» كناية عن أنّها تحت سيطرته ونفوذه، ويقول القرآن في هذا الصدد (يد الله فوق أيديهم).

(الفتح، 10)

وذكر «الأيدي» هنا بصيغة الجمع إشارة إلى مظاهر متنوّعة لقدرة الباري عزّوجلّ.

3 ـ جملة (فهم لها مالكون) المبتدأة بفاء التفريع، إشارة إلى أنّ الخلق مرتبط بقدرتنا، وأمّا المالكية فقد

فوّضناها إلى الإنسان، وذلك منتهى اللطف الإلهي، وعليه فلا محلّ للإشكال الذي ظهر لبعض المفسّرين نتيجة

وجود «فاء التفريع»، فالمعنى تماماً كما نقول لشخص: هذا البستان زرعناه وأعمرناه، استفد منه أنت، وهذا

منتهى إظهار المحبّة والإيثار.

4 ـ جملة (وذلّلناها لهم) إشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي تذليل هذه الحيوانات للإنسان. فتلك

الحيوانات القوية والتي تنسى في بعض الأحيان ذلك التذليل الإلهي، وتثور وتغضب وتعاند فتصبح خطرة إلى

درجة أنّ عشرات الأشخاص لا يمكنهم الوقوف أمامها. وفي حالاتها الإعتيادية فإنّ قافلة كاملة من الجمال

يقودها تارةً صبي لم يبلغ الحلم، ويدفعها في الطريق الذي يرتئيه!

إنّه لأمر عجيب حقّاً، فإنّ الإنسان غير قادر على خلق ذبابة، ولا حتّى ترويضها وتذليلها لخدمته، أمّا الله القادر

المنّان فإنّه خلق ملايين الملايين من الحيوانات المختلفة، وذلّلها للإنسان لتكون في خدمته دوماً.

5 ـ جملة (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون) ـ مع الإلتفات إلى أنّ (ركوبهم) صفة مشبّهة بمعنى (مركوبهم) ـ إشارة

إلى أنّ الإنسان ينتخب قسماً منها للركوب وقسماً آخر للتغذّي. وإن كان لحم أغلب الحيوانات المشهورة حلال

بنظر الإسلام، إلاّ أنّ الإنسان إستفاد عمليّاً من بعضها فقط للتغذية، فمثلا لحم الحمير لا يستفاد منه إلاّ في

الضرورة القصوى.

ومن الواضح انّ ذلك إذا اعتبرنا «منها» في كلا الجملتين «للتبعيض الإفرادي»، أمّا لو اعتبرنا

الاُولى «للتبعيض الافرادي» والثانية «للتبعيض الأجزائي» يكون معنى الآية (بعض الحيوانات تنتخب للركوب

وينتخب جزء من أجسامها للتغذية (إذ أنّ العظام وأمثالها غير قابلة للأكل).

6 ـ (لهم فيها منافع) إشارة إلى فوائد الحيوانات الكثيرة الاُخرى التي تتحقّق للإنسان، ومن جملتها الأصواف

والأوبار التي تصنع منها مختلف الملابس والخيم والفرش، والجلود التي تصنع منها الحقائب والملابس

والأحذية ووسائل اُخرى مختلفة، وحتّى في عصرنا الحاضر الذي تميّزت فيه الصناعات التقليدية من منتجات

الطبيعة لا زال الإنسان في مسيس الحاجة إلى الحيوانات من حيث التغذية ومن حيث الفوائد الاُخرى كالألبسة

ووسائل الحياة الاُخرى. وحتّى بعض أنواع الأمصال واللقاحات ضدّ الأمراض التي يستفاد فيها من دماء بعض

الحيوانات، بل حتّى أنّ أتفه الأشياء الحيوانية وهي روثها أصبح ومنذ وقت طويل مورد إستفادة الإنسان لتسميد

المزارع وتغذية النباتات المثمرة.

7 ـ (مشارب) إشارة إلى الحليب الذي يؤخذ من تلك الدواب ويؤمّن مع منتجاته قسماً مهمّاً من المواد الغذائية

للإنسان، بشكل أضحت فيه صناعة الحليب ومنتجاته تشكّل اليوم رقماً مهمّاً في صادرات وواردات الكثير من

الدول، ذلك الحليب الذي يشكّل غذاء للإنسان، ويخرج من بين دم وفرث لبناً سائغاً يلتذّ به الشاربون، ويكون

عاملا لتقوية الضعفاء.

8 ـ جملة (أفلا يشكرون) جاءت بصيغة الإستفهام الإستنكاري، وتهدف إلى تحريك الفطرة والعواطف الإنسانية

لشكر هذه النعم التي لا تحصى، والتي ورد جانب منها في الآيات أعلاه، وكما نعلم فإنّ «لزوم شكر المنعم»

أساس لمعرفة الله، إذ أنّ الشكر لا يمكن أن يكون إلاّ بمعرفة المنعم، إضافةً إلى أنّ التأمّل في هذه النعم

وإدراك أنّ الأصنام ليس لها أدنى تأثير أو دخل فيها، سيؤدّي إلى إبطال الشرك.

لذا فإنّ الآية التالية، تنتقل إلى الحديث عن المشركين ووصف حالهم فتقول: (واتّخذوا من دون الله آلهة لعلّهم

ينصرون).

فيا له من خيال باطل وفكر ضعيف؟ ذلك الذي يعتقد بهذه الموجودات الضعيفة التافهة التي لا تملك لنفسها ـ

ناهيك عن الآخرين ـ ضرّاً ولا نفعاً، ويجعلونها إلى جانب الله سبحانه وتعالى ويقرنونها به تعالى، ويلجأون

إليها لحلّ مشاكل حياتهم؟ نعم، فهم يلجأون إليها لتكون عزّاً لهم:

(واتّخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزّاً).( مريم، 81)

ويتوهّمون أنّها تشفع لهم عند الله (ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند

الله).

على كلّ حال، فإنّ جميع هذه الأوهام نقش على الماء، وكما يقول القرآن الكريم في الآية (192) من سورة

الأعراف: (ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون).

وعليه تضيف الآية التالية: إنّ المعبودات لا تستطيع نصرة المشركين، وسيكون هؤلاء المشركون جنوداً

مجنّدة يتقدّمونها إلى جهنّم: (لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون).

ويا له من أمر أليم أن يصطف هؤلاء المشركون بصفوف تتقدّمها تلك الأصنام ليدخلوا جهنّم زمراً في ذلك

اليوم العظيم، دون أن يستطيعوا حلّ عقدة مشكلة واحدة من مشكلات هؤلاء المشركين في ذلك الموقف الرهيب.

التعبير بـ (محضرون) يكون عادةً للتحقير، لأنّ إحضار الأفراد دون أن يكون لموافقتهم أو عدمها أثر إنّما يدلّل

على حقارتهم، وبناءً على هذا التّفسير فإنّ الضمير الأوّل «هم» في جملة (وهم لهم جند محضرون) يعود

على «المشركين»، والضمير الثاني يعود على «الأصنام»، في حال أنّ بعض المفسّرين احتملوا العكس بحيث

تكون الأصنام والأوثان هي التابعة للمشركين في يوم القيامة. وفي نفس الوقت فإنّهم ـ المشركين ـ ليس لهم

في الأوثان أدنى أمل، والظاهر أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

وعلى كلّ حال، فإنّ هذه التعابير تصدق ـ فقط ـ على المعبودات الحيّة ذات الشعور كالشياطين والعصاة من

الجنّ والإنس، ولكن يحتمل أيضاً أنّ الله سبحانه وتعالى يبعث الروح في تلك الأصنام والأوثان ويعطيها العقل

والشعور لكي توبّخ هي اُولئك الذين عبدوها في الدنيا، وضمناً نقول إنّ هذه الأوثان الحجرية والخشبية ستكون

هي الحطب الذي يؤجّج على اُولئك المشركين نار جهنّم (إنّكم وما تعبدون من دون الله حَصَب جهنّم أنتم لها

واردون).( الأنبياء، 98)

أخيراً ـ وفي آخر آية من هذه الآيات، ولمواساة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)وتثبيت فؤاده إزاء

مكر المشركين، والفتن والأعمال الخرافية ـ تقول الآية الكريمة:

(فلا يحزنك قولهم) تارةً يقولون شاعر، واُخرى ساحر وأمثال ذلك من التهم (إنّا نعلم ما يسّرون وما يعلنون).

فلا تخفى علينا نواياهم، ولا مؤامراتهم في الخفاء، ولا جحودهم وتكذيبهم لآياتنا في العلن، نعلم بكلّ ذلك،

ونحفظ لهم جزاءهم إلى يوم الحساب، وستكون أنت أيضاً في أمان من شرّهم في هذه الدنيا.

وبهذا الحديث الإلهي المواسي يمكن لكلّ مؤمن أيضاً ـ مضافاً إلى الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ

أن يكون مطمئن القلب بأنّ كلّ شيء في هذا العالم هو بعين الله، وسوف لن يصيبه شيء من مكائد الأعداء،

فهو تعالى لا يترك عباده المخلصين في اللحظات والمواقف العصيبة، وهو دوماً حام لهم وحافظ.







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 04-03-2011, 10:12 PM   رقم المشاركة : 17
قريرةٌ بنور الزهراء
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بنور الزهراء








قريرةٌ بنور الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليك سيدي ومولاي الحجة ابن الحسن وعلى ابائك الطاهرين ورحمة الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...

أحسنتم كثيراً .. تقبل الله اعمالكم بأحسن القبول ..
يا لجمال آيات الله وعظمتها ..

جزيتم خير الجزاء وبارك اهل البيت كل عمل تقومونا به.
وصل الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم







التوقيع

ياصاحب الزمان
  رد مع اقتباس
قديم 04-09-2011, 04:25 PM   رقم المشاركة : 18
صراط السالك
مرشـــد روحــي
 
الصورة الرمزية صراط السالك








صراط السالك غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

77...79

قلنا أنّ البحوث المختلفة حول المبدأ والمعاد والنبوّة في سورة (يس) التي هي قلب القرآن وردت بشكل مقاطع

مختلفة، فهذه السورة ابتدأت بمسألة النبوّة، وإختتمت بسبعة آيات تمثّل أقوى البيانات حول المعاد.

في البدء تأخذ بيد الإنسان وتشير له إلى بدء حياته في ذلك اليوم حيث كان نطفة مهينة لا غير وتدعوه إلى

التأمّل والتفكّر، فتقول: (أو لم ير الإنسان أنّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين). يا له من تعبير حيوي؟

فالآية تؤكّد أوّلا على مخاطبة الإنسان، أيّاً كان وأيّ إعتقاد كان يعتقد، وعلى أيّ مستوى كان من العلم، فهو

يستطيع إدراك هذه الحقيقة.

ثمّ تتحدّث عن «النطفة» والتي هي لغوياً بمعنى «الماء المهين» لكي يعلم هذا الإنسان المغرور المتكبّر ـ بقليل

من التأمّل ـ ماذا كان في البدء؟ كما أنّ هذا الماء المهين لم يكن هو السبب في نشوئه وظهوره، بل خليّة حيّة

متناهية في الصغر، لا ترى بالعين المجرّدة، من ضمن آلاف بل ملايين الخلايا الاُخرى التي كانت تسبح في ذلك

الماء المهين، وباتّحادها مع خلية صغيرة اُخرى مستقرّة في رحم المرأة تكوّنت الخليّة البشرية الاُولى، ودخل

الإنسان إلى عالم الوجود!

وتتواصل مراحل التكامل الجنيني الواحدة بعد الاُخرى والتي هي ستّة مراحل كما نقلها القرآن الكريم في بداية

سورة «المؤمنون» (النطفة، العلقة، المضغة، العظام، إكتساء العظام باللحم، وتمثّل الخلق السوي). ثمّ إنّ

الإنسان بعد الولادة كائن ضعيف جدّاً، لا يملك القدرة على شيء، ثمّ يقطع مراحل نموّه بسرعة حتّى بلوغ الرشد

الجسماني والعقلي.

نعم، فهذا الموجود الضعيف العاجز، يصبح قويّاً إلى درجة أن يجيز لنفسه النهوض لمحاربة الدعوات الإلهيّة،

وينسى ماضيه ومستقبله، ليكون مصداقاً حيّاً لقوله تعالى: (فإذا هو خصيم مبين). واللطيف أنّ هذا التعبير

يتضمّن جنبتين، إحداهما تمثّل جانب القوّة، والاُخرى جانب الضعف، ويظهر أنّ القرآن الكريم أشار إليهما

جميعاً.

إنّ هذا العمل لا يكون إلاّ من إنسان يملك عقلا وفكراً وشعوراً وإستقلالا

وإرادة، ونعلم بأنّ أهمّ مسألة في حياة الإنسان هي التكلّم والحديث الذي يهيّأ محتواه مسبقاً في الذهن، ثمّ يصبّ

في قالب من العبارات ويطلق باتّجاه الهدف كالرصاص المنطلق من فوهة البندقية، وهذا العمل لا يمكن حدوثه

في أي كائن حي عدا الإنسان.

وبذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى يجسّد قدرته في إعطاء هذا الماء المهين هذه القوّة العظيمة .. هذا من جانب.

ومن جانب آخر فإنّ الإنسان مخلوق مغرور وكثير النسيان، فهو يستغلّ كلّ هذه النعم التي أولاها إيّاه ولي

نعمته ضدّه في المجادلة والمخاصمة.

ويكفي لمعرفة مدى غفلته أنّه جاء: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم).

نحن نستطيع بقطعة من «المغناطيس» جمع برادة الحديد المبثوثة في كميّة من التراب وفي لحظات، والله

العالم القادر يستطيع كذلك بأمر واحد أن يجمع ذرّات بدن الإنسان من كلّ موضع كانت فيه من الكرة الأرضية.

فهو العالم ليس بخلق الإنسان فقط، بل هو العالم بنواياه وأعماله أيضاً،

المحيط بكلّ شيء علماً وهو على كلّ شيء قدير وعليه فإنّ الحساب على الأعمال والنوايا والإعتقادات

المضمرة لا يشكل له.

وعليه فإنّ الحساب على الأعمال والنوايا والإعتقادات المضمرة لا يشكّل له تعالى أدنى مشكلة أيضاً، فكما ورد

في الآية (284) من سورة البقرة: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله).

وكذلك حينما أظهر فرعون شكّاً في قدرة الله على المعاد وإحياء القرون السابقة، أجابه موسى (عليه السلام):

(قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى).( طه، 55)


الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الاَْخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80)

التّفسير الأوّل الذي قال به الكثير من المفسّرين القدماء. وهو بسيط وواضح

يمكن فهمه وإستيعابه من قبل الغالبية وهو: أنّ المراد هو شجر «المرخ والعفار» الذي كان العرب قديماً

يأخذون منهما على خضرتهما، فيجعل العفار زنداً أسفل ويجعل المرخ زنداً أعلى، فيسحق الأعلى على الأسفل

فتنقدح النار بإذن الله. وفي الواقع فهو يمثّل الكبريت في عصرنا الحالي. والله سبحانه وتعالى يريد القول بأنّ

الذي يستطيع إشعال النار من هذا الشجر الأخضر له القدرة على إلباس الموتى لباس الحياة.

فالماء والنار شيئان متضادّان، فمن يستطيع جعلهما معاً في مكان واحد، قادر على جعل الحياة والموت معاً في

مكان واحد.

وإذا خطونا خطوة أبعد من هذا التّفسير فسوف نصل إلى تفسير أدقّ وهو: أنّ خاصيّة توليد النار بواسطة خشب

الأشجار، لا تنحصر بخشب شجرتي «المرخ والعفار» بل إنّ هذه الخاصية موجودة في جميع الأشجار وجميع

الأجسام الموجودة في هذا العالم وإن كان لشجرتي المرخ والعفار ـ لتوفّر خصائص فيها ـ إستعداد أكثر من

غيرهما على هذا الأمر.

خلاصة القول، إنّ جميع خشب الأشجار إذا حُكّ ببعضه بشكل متواصل فإنّه سيطلق شرر النار وحتّى (خشب

الشجر الأخضر).

لهذا السبب تقع في بعض الأحيان حرائق هائلة في بعض الغابات المليئة بالأشجار، لا يعرف لها سبب من قبل

الإنسان، إلاّ أنّ هبوب الريح الشديدة التي تضرب أغصان الأشجار ببعضها بشدّة ممّا يؤدّي إلى إنقداح شرر

منها يؤدّي إلى إشتعال النار فيها، وتساعد الريح الشديدة على سرعة إنتشارها، فالعامل الأصلي كان تلك

الشرارة الناتجة عن الإحتكاك.

هذا التّفسير الأوسع، هو الذي يوضّح عملية جمع الأضداد في الخلق. ويبسط

مفهوم وجود (البقاء) في (الفناء) وبالعكس.

لكن ثمّة تفسير ثالث يعتبر أعمق بكثير من التّفسيرين السابقين. والذي ظهر إلى الواقع نتيجة جهود العلماء

في عصرنا الحاضر وقد اخترنا أن نطلق عليه تسمية «إنبعاث الطاقة».

وتوضيح ذلك كما يلي: إنّ من أهمّ الوظائف التي تقوم بها النباتات هي عملية «التركيب الضوئي» والتي تعتمد

أساساً على أخذ غاز «ثاني اُوكسيد الكربون» من الهواء، والإفادة منه بواسطة «المادّة الخضراء» أو ما

يسمّى «بالكلورفيل» لصنع الغذاء بمساعدة الماء وضوء الشمس. ذلك الغذاء الذي يؤدّي إلى تكوّن حلقات

السليلوز في النباتات من ذوات الفلقتين، ويكون ناتج عملية التركيب الضوئي الأوكسجين الذي يطلق في

الهواء مرّة اُخرى.

ولو نظرنا إلى العملية بطريقة اُخرى فإنّ النباتات تأخذ الغاز (ثاني أوكسيد الكاربون) وتجزّئه أثناء عملها

لتحتفظ بالكاربون مركّباً مع غيره من الماء لتكوّن الخشب وتطلق الأوكسجين.

والمهمّ هنا أنّ العلماء يقولون: بأنّ أيّة عملية تركيب كيمياوي تحتاج إلى طاقة ما لكي يتمّ ذلك التفاعل

الكيمياوي، أو أنّ ذلك التفاعل يؤدّي إلى إطلاق طاقة كناتج عنه. وبناءً عليه فإنّ التفاعل الذي يتمّ نتيجة

التركيب الضوئي إنّما يستفيد من الشمس كمصدر للطاقة لإتمام التفاعل.

وعليه فالشجرة إنّما تقوم بإدّخار هذه الطاقة في الخشب الذي يتكوّن نتيجة لهذه العملية. وعندما نقوم نحن

بحرق هذا الخشب فإنّنا إنّما نقوم بإطلاق عقال هذه الطاقة المدّخرة. وبذا فإنّنا نقوم بإعادة تركيب (الكاربون)

مع (الأوكسجين) لينتج (ثاني أوكسيد الكاربون) الذي ينطلق في الهواء مرّة اُخرى، بالإضافة إلى بخار الماء.

ولو تحدّثنا بلغة اُخرى لقلنا: إنّ تلك الحرارة الناجمة عن إشتعال الحطب في

المواقد البيتية القروية أو مواقد الفحم التي نستعملها في بيوتنا أحياناً للتدفئة في فصل الشتاء، هي في الحقيقة

حرارة ونور الشمس التي ادّخرت في خشب هذه الأشجار لسنوات، وما جمعته الشجرة على مدى عمرها من

الشمس تعيده دفعةً واحدة بدون نقص.

ويقال إنّ كلّ الطاقات في الكرة الأرضية تعود إلى الشمس أساساً، وواحد من مظاهره ما ذكرنا.

وهنا وحيث بلغنا «إنبعاث الطاقات» نلاحظ أنّ النور والحرارة المبعثرة في الجو والتي تقوم الأشجار بجمعها

في أخشابها لتنمو فإنّها لا تفنى أبداً. بل إنّها تتبدّل شكلا. وتختفي بعيداً عن أعيننا في كلّ ذرّة من ذرّات الخشب،

وعندما نقوم بإيقاد النار بقطعة من الحطب، فإنّ إنبعاثها يبدأ، وجميع ما كان في ذرّات الخشب من النور

والحرارة وطاقة الشمس، في تلك اللحظة ـ لحظة الحشر والنشر ـ تظهر من جديد. بدون أن ينقص منه حتّى

بمقدار إضاءة شمعة واحدة (تأمّل بدقّة).

لا شكّ أنّ هذا المعنى كان خافياً على عوام الناس حين نزول الآية، ولكن ـ كما قلنا ـ فإنّ هذا الموضوع لا

يشكّل أدنى مشكلة، لأنّ آيات القرآن لها معان متعدّدة وعلى مستويات مختلفة، لإستعدادات متفاوتة، ففي يوم

يفهم من الآية معنى، واليوم يفهم منها معنى أوسع، ويمكن أنّ الأجيال القادمة تفهم منها معنى أوسع وأعمق،

وفي نفس الوقت فكلّ هذه المعاني صحيحة ومقبولة بشكل كامل ومجموعة كلّها في معنى الآية.

مسألتان

1 ـ شجر أخضر .. لماذا؟

يرد على الذهن أنّه لماذا عبّر القرآن هنا بالشجر الأخضر؟ في حين أنّ توليد

النار من الخشب الطري والرطب يتمّ بصعوبة بالغة، فكم كان جميلا لو عبّر عوضاً عن ذلك «بالشجر اليابس»،

لكي ينسجم مع المعنى تماماً!!؟

النكتة هنا هو أنّ الشجر الأخضر الحي فقط يستطيع القيام بعملية التركيب الضوئي، وإدّخار نور الشمس

وحرارتها، وأمّا الجذوع اليابسة للشجر لو بقيت مئات السنين متعرّضة للشمس فإنّها لن تستطيع زيادة الذخيرة

الموجودة فيها.

وبناءاً على هذا فإنّ التعبير أعلاه، يعتبر تجسيداً جميلا لعملية «إنبعاث الطاقات» ومعجزة علمية خالدة للقرآن

الكريم!..

فضلا عن أنّنا إذا رجعنا إلى التّفسيرات الاُخرى التي أشرنا إليها سابقاً ، يبقى أيضاً التعبير بـ «الشجر

الأخضر» جميلا ومناسباً، إذ أنّ الأشجار الخضراء عند إحتكاكها ببعضها البعض تولّد شرارة تستطيع أن تكون

مبعث نار كبيرة، وهنا نقف إزاء عظمة قدرة الله في حفظه النار في قلب الماء، والماء في قلب النار.

2 ـ الفرق بين الوَقُودْ والوُقُودْ:

«توقدون» من «وُقُود» ـ على زنة قبور ـ بمعنى إشتعال النار ـ و «الإيقاد» بمعنى إشعال النار، و «الوَقُود» ـ

على زنة ثمود ـ بمعنى الحطب المعدّ للإحراق.

وعليه فإنّ جملة (فإذا أنتم منه توقدون) إشارة إلى الحطب الذي تشتعل فيه النار، لا ما تبدأ به النار بالإشتعال

كالزناد أو عود الكبريت.

أَوَ لَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضَ بِقَدِر عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّقُ

الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَنَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْء وَإِلَيْهِ

تُرْجَعُونَ (83)


هو المالك والحاكم على كلّ شيء !!

بعد ذكر دلائل المعاد والفات الأنظار إلى الخلق الأوّل، ونشوء النار من الشجر الأخضر في الآيات السابقة،

تتابع الآية الاُولى هنا بحث ذلك الموضوع من طريق ثالث وهو قدرة الله اللامتناهية، فتقول الآية الاُولى: (أو

ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم).

الجملة الاُولى بشروعها (بالإستفهام الإنكاري) تطرح سؤالا على الوجدان اليقظ والعقل السليم كالآتي: ألم

تتطلّعوا إلى تلك السماء المترامية العظيمة بكلّ ثوابتها وسيّاراتها العجيبة، وبكلّ تلك المنظومات والمجرّات

التي تشكّل كلّ زاوية منها دنيا واسعة هائلة؟ فالذي هو قادر على خلق كلّ هذه العوالم الخارقة

في العظمة والمتناهية التنظيم والدقّة في قوانينها، كيف لا يكون قادراً على إحياء الموتى؟

ولكون الجواب على هذا السؤال واضحاً، وكامناً في كلّ قلب وروح، فإنّ الآية لا تنتظر الجواب، إنّما تردف

مضيّفة «بلى» وتتابع مؤكّدة على صفتين لله سبحانه وتعالى ـ الخالقية والعلم المطلق ـ وذلك في حقيقته دليل

على الكلام المتقدّم، فإذا كنتم تشكّون في قدرته على الخلق فهو «الخلاّق» (وهي صيغة مبالغة).

وإذا كان جمع هذه الذرّات يحتاج إلى علم أو معرفة فهو «العليم» المطلق.

أمّا على ماذا يعود الضمير في «مثلهم» فقد احتمل المفسّرون إحتمالات عديدة، ولكن أشهرها هو القول بعودة

الضمير على «البشر» والمعنى: إنّ خالق السماء والأرض قادر على خلق مثل البشر.

وهنا يأتي السؤال التالي وهو لماذا لم يقل: قادر على أن يخلقهم من جديد، بل قال: (قادر على أن يخلق مثلهم)؟

وللإجابة على هذا السؤال ذكرت أجوبة كثيرة، يبدو أقربها: أنّ بدن الإنسان عندما يتحوّل ـ أو بالأحرى يتحلّل ـ

إلى تراب، فإنّه يفقد الصورة النهائية التي كان عليها، وفي يوم القيامة عندما يعاد خلق هذا الإنسان من جديد،

فإنّه سيخلق من نفس المواد ولكن بصورة جديدة تشبه الصورة القديمة، بلحاظ أنّ عودة نفس الصورة القديمة ـ

بالأخصّ إذا أخذنا في الإعتبار قيد الزمن ـ غير ممكن، وخصوصاً إذا علمنا ـ مثلا ـ أنّ الإنسان لا يحشر بجميع

المواصفات والكيفية التي كان عليها سابقاً، فإنّ الشيبة والشيوخ ـ مثلا ـ يحشرون شبّاناً، والمعلولين يحشرون

سالمين، وهكذا.

وبتعبير آخر، فإنّ بدن الإنسان كالطابوق الطيني غير المفخور ـ اللبن ـ الذي يمرّ عليه الزمان فيتهدّم ويصبح

تراباً، ثمّ يجمع من جديد وتصنع منه خميرة الطين ويوضع في قالب مرّة اُخرى ويصنع لَبِناً جديداً مرّة اُخرى.

فهذا «اللَبِن» هو من

جانب نفس «اللَبِن» القديم ومن جانب آخر «مثله» «مادّته هي نفس المادّة والصورة مثل الصورة

السابقة» «دقّق النظر».

الآية اللاحقة تأكيد على ما ورد في الآيات السابقة، وتأكيد على حقيقة أنّ أي خلق وإيجاد بالنسبة لله سبحانه

وتعالى وقدرته سهل وبسيط، وخلق السموات العظيمة والكرة الأرضية يعادل في سهولته إيجاد حشرة صغيرة،

فكلاهما بالنسبة له تعالى أمر هيّن بسيط، يقول تعالى: (إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)، فكلّ

شيء مرتبط بأمره وإشارته فقط، وذات بهذه القدرة كيف يشكّ في تمكّنها في إحياء الموتى؟!

وبديهي أنّ الأمر الإلهي هنا ليس أمراً لفظياً، كما أنّ جملة «كن» ليست جملة يبيّنها الله سبحانه وتعالى

بصورة لفظ، لأنّه تعالى لا يحتاج إلى تلك الألفاظ، بل المقصود هو مجرّد إرادته لإيجاد وإبداع شيء، وإنّما

إستخدم التعبير بـ «كن» لأنّه ليس هناك تعبير أقصر وأصغر وأسرع يمكن تصوّره في التعبير عن تلك الحقيقة.

نعم فإرادته لإيجاد شيء ووجود هذا الشيء هي عملية واحدة.

وبتعبير آخر: فإنّ الله سبحانه وتعالى ما إن يرد شيئاً إلاّ تحقّق فوراً، وليس بين إرادته ووجود ذلك الشيء أيّة

فاصلة، وعليه فإنّ «أمره» و «قوله» وجملة «كن» كلّها توضيح لمسألة الخلق والإيجاد. وكما ذكرنا فإنّ

الأمر ليس لفظيّاً أو قولياً، بل كلّها توضيح للتحقّق السريع بوجود كلّ ما أراده سبحانه وتعالى.

وببيان أوضح، انّ أفعال الله سبحانه وتعالى تمرّ بمرحلتين لا ثالث لهما، مرحلة

الإرادة ومرحلة الإيجاد، وهي التي عبّرت عنه الآية بشكل أمر في جملة «كن».

بعض المفسّرين القدماء توهّموا أنّ المعنى يشير إلى وجود قول ولفظ في عملية الإيجاد والخلق، واعتبروا

ذلك من أسرار الخلق غير المعروفة، والظاهر أنّهم وقعوا في عقدة اللفظ، وبقوا بعيدين عن المعنى، وقاسوا

أعمال الله على مقاييسهم البشرية.

وما أجمل ما قاله أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام في واحدة من خطبه التي أوردت في نهج

البلاغة: «يقول لما أراد لما كونه كن فيكون لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه

أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قدمياً لكان ثانياً».

ناهيك عن أنّنا لو افترضنا وجود لفظ أو قول في عملية الخلق فسنواجه إشكالين أساسيين:

الأوّل: أنّ (اللفظ) بحدّ ذاته مخلوق من مخلوقات الله ولأجل إيجاده يحتاج سبحانه إلى «كن» اُخرى، ونفس

الكلام ينطبق على «كن» الثانية بحيث نصبح في عملية تسلسل غير منتهية.

الثاني: أنّ كلّ خطاب يحتاج إلى مخاطب، وفي الوقت الذي لم يوجد فيه شيء حينذاك فكيف يخاطبه الله سبحانه

وتعالى بالقول «كن»، فهل أنّ المعدوم يمكن مخاطبته؟!

وقد ورد في آيات اُخرى من القرآن الكريم نفس هذا المعنى بتعبيرات اُخرى، كما في الآية (117) من سورة

البقرة: (وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون)، وكذا في الآية (40) من سورة النحل: (إنّما قولنا لشيء إذا

أردناه أن نقول له كن فيكون).

الآية الأخيرة من هذه الآيات وهي في ذات الوقت آخر آية من سورة «يس» تنهي البحث في مسألة المبدأ

والمعاد بشكل جميل وبطريقة الإستنتاج الكلّي فتقول: (فسبحان الذي بيده ملكوت كلّ شيء وإليه ترجعون).

ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ «ملكوت» من أصل «ملك» ـ على وزن حكم ـ بمعنى الحكومة والمالكية، وإضافة

(الواو) و (التاء) إليها للتأكيد والمبالغة، يتّضح أنّ معنى الآية كما يلي: إنّ الحاكمية والمالكية المطلقة بدون

أدنى قيد أو شرط بيد قدرته المطلقة، وكذلك فإنّ الله سبحانه منزّه ومبرّأ عن أي عجز أو نقص في القدرة،

وبهذا الشكل فإنّ إحياء الموتى وإلباس العظام المتفسّخة لباس الحياة من جديد، كلّ ذلك لن يشكّل لديه أيّة

مشكلة، ولذلك فاعلموا يقيناً أنّكم إليه ترجعون وأنّ المعاد حقّ.

* * *
بحوث

لقد تقدّمت منّا الوعود بأن نتعرّض لبحث مركّز في مسألة المعاد في ختام سورة (يس) وها نحن نفي بهذه

الوعود ونشبع هذه المسألة بحثاً من خلال ستّة مباحث لنعرضها للقرّاء الأعزّاء كما يلي:

1 ـ الإعتقاد بالمعاد أمر فطري:

إذا كان الإنسان قد خلق للفناء فيجب أن يكون عاشقاً للفناء، وأن يلتذّ بنهاية عمره وبموته في حين أنّنا نرى

أنّ الموت بمعنى الفناء لم يكن سارّاً للإنسان في أي وقت، وهو يفرّ منه بكلّ وجوده.

إنّ السعي لإبقاء أجسام الموتى عن طريق التحنيط، وبناء المقابر الخالدة كأهرام *********، والجري وراء ما

يسمّى بماء الحياة ودواء الشباب وما يطيل العمر، كلّ ذلك دليل على عشق الإنسان لمفهوم البقاء.

فإذا كنّا قد خلقنا للفناء فما معنى حبّ البقاء سوى أنّها علاقة شاغلة بلا جدوى ولا فائدة.

لا تنسوا أنّنا نتابع البحث في مسألة المعاد بعد الإتّفاق على الإعتقاد بوجود الله الحكيم العالم، ونحن نعتقد بأنّ

كلّ ما خلقه الله سبحانه وتعالى في وجودنا إنّما هو وفقاً لحساب وغرض، وبناءاً عليه فإنّ عشق البقاء لابدّ أن

يكون له حساب خاصّ، منسجم مع الخلق والعالم بعد الدنيا.

وبتعبير آخر: فلو أنّ نظام الخلق أوجد فينا عطشاً. فإنّ ذلك دليل على أنّ للماء وجوداً في العالم الخارجي، ومن

جهة اُخرى فعندما نبحث في التأريخ البشري منذ أيّام نشأة ذلك التأريخ فإنّنا نجد دلائل كثيرة على الإعتقاد

الراسخ لدى الإنسان بالحياة بعد الموت. فالآثار التي وصلت إلينا من البشر الغابرين ـ وحتّى إنسان ما قبل

التأريخ ـ وبالأخصّ طريقة دفن الموتى، وكيفية بناء القبور، وحتّى دفن الأشياء المختلفة مع الموتى، كلّها دليل

على ما ترسّخ في وجدانهم من الإعتقاد بالحياة بعد الموت.

«صاموئيل كنيك» أحد علماء النفس المعروفين يقول: «إنّ التحقيقات الدقيقة تشير إلى أنّ المجموعات

البشرية الاُولى على سطح الأرض، كانت لهم إعتقادات معيّنة، لأنّهم كانوا يلحدون موتاهم بطريقة معيّنة في

الأرض، ويضعون معهم وسائل وآلات أعمالهم التي كانوا يمارسونها قبل الموت إلى جانبهم، وبهذه الطريقة

فإنّهم يثبتون إعتقادهم بوجود عالم ما بعد الموت».

فهؤلاء اعتقدوا بالحياة بعد الموت، وإن كانوا قد سلكوا طريقاً خاطئاً في إعتقادهم كتوهّمهم أنّ تلك الحياة

شبيهة بهذه الحياة تماماً.

على كلّ حال، فلا يمكن قبول أنّ ذلك الإعتقاد القديم مجرّد وهم أو نتيجة للتلقين والعادة.

ومن جهة ثالثة، فإنّ وجود محكمة «الوجدان»، دليل آخر على فطرية الإعتقاد بالمعاد. فكلّ إنسان عندما ينجز

عملا حسناً فإنّه يستشعر في أعماقه وفي وجدانه الطمأنينة التي لا يمكن أحياناً وصفها بأي بيان أو كلام.

وعلى العكس عندما يرتكب الذنوب وخصوصاً الجنايات الكبرى، فإنّه يستشعر عدم الراحة، إلى حد تصل الحالة

في البعض إلى الإنتحار، أو يسلّموا أنفسهم إلى المحاكم لنيل العقاب والتعلّق على أعواد المشانق.

كلّ ذلك دليل على عذاب الضمير والوجدان.

وللإنسان أن يسأل نفسه: كيف يمكن أن يكون عالم صغير كعالم النفس له تلك المحكمة، ولا يكون لهذا العالم

العظيم مثل هذا الوجدان وهذه المحكمة؟!

وبهذا الشكل يتّضح أنّ الإعتقاد بمسألة المعاد والحياة بعد الموت أمر فطري، ومن عدّة طرق:

من طريق العشق البشري العام للبقاء.

ومن طريق وجود ذلك الإعتقاد بالحياة بعد الموت على طول التأريخ البشري.

ومن طريق وجود النموذج المصغّر لها في داخل الإنسان.

2 ـ أثر الإعتقاد بالمعاد على حياة البشر:

إنّ الإعتقاد بعالم ما بعد الموت وبقاء آثار الأعمال البشرية، وخلود الأعمال ـ

سواء كانت خيراً أو شرّاً ـ يترك أثره العميق على فكر وأعصاب وجسد الإنسان، ويمكنه أن يكون عاملا مؤثّراً

في التشجيع على الأعمال الحسنة.

إنّ تأثير الإيمان بالحياة بعد الموت في إصلاح الأفراد الفاسدين والمنحرفين وتشجيع الأفراد المضحّين

والمجاهدين، أكثر بكثير من تأثير المحاكم والعقوبات المعمول بها عادةً في الدنيا، للمزايا التي يتمتّع بها ذلك

الإيمان عن المحاكم العادية، ففي محكمة المعاد لا وجود لإعادة النظر، ولا أثر للإضطهاد الفكري على

صاحبها، ولا فائدة من إعطاء وثائق كاذبة ومزوّرة، ولا تستغرق ـ عبر روتينها ـ مدّة من الزمن.

القرآن الكريم يقول: (واتّقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم

ينصرون).( البقرة، 48)

كذلك يقول تعالى: (ولو أنّ لكلّ نفس ظلمت ما في الأرض لأفتدت به وأسرّوا الندامة لمّا رأوا العذاب وقضي

بينهم بالقسط وهم لا يظلمون).( يونس، 54)

كذلك قوله تعالى: (ليجزي الله كلّ نفس ما كسبت إنّ الله سريع الحساب).( إبراهيم، 51)

وإنّ حسابه تعالى سريع وحاسم كما نقلت بعض الروايات: «إنّ الله تعالى يحاسب الخلائق كلّها في مقدار لمح

البصر»(مجمع البيان، المجلّد 1، صفحة 298، تفسير سورة البقرة الآية 202).

ولهذا السبب فقد اعتبر القرآن الكريم أنّ سبب الكثير من الذنوب هو نسيان يوم الجزاء، فقال تعالى: (فذوقوا

بما نسيتم لقاء يومكم هذا).( السجدة، 14)

حتّى أنّه يستفاد من بعض الآيات أنّ الإنسان إذا كان معتقداً بالقيامة فإنّه يمتنع عن القيام بالكثير من الأعمال

المخالفة، فقد ورد في وصفه تعالى لمن يُخسرون الميزان في البيع قوله تعالى: (ألا يظنّ اُولئك أنّهم مبعوثون

ليوم عظيم). (المطفّفين، 4)

والحماسة الخالدة لمجاهدي الإسلام سابقاً وحاضراً في ميادين الجهاد، والتضحية والفداء والإيثار الذي يظهره

الكثير من المسلمين في الدفاع عن بلدان الإسلام وعن المحرومين والمستضعفين، يدلّل على أنّه بجميعه

إنعكاس لحالة الإعتقاد بالحياة الخالدة في الدار الآخرة، وقد دلّت الدراسات من قبل المفكّرين، والتجارب

المختلفة على أنّ تلك المظاهر لا يمكن أن تكون ـ في المقياس الواسع الشامل ـ إلاّ عن طريق العقيدة بالحياة

بعد الموت.

فإنّ المجاهد الذي منطقه (قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين).( التوبة، 52) أي الوصول إلى إحدى

السعادتين إمّا النصر أو الشهادة، وهو قطعاً مجاهد لا يقبل الهزيمة.

إنّ الموت الذي يبعث على الوحشة لدى كثير من الناس، وحتّى أنّهم يحاذرون من ذكر إسمه أو كلّ ما يذكّر به،

ليس موحشاً ولا قبيحاً قطّ بالنسبة إلى المعتقدين بالحياة بعد الموت، بل إنّه بالنسبة إليهم نافذة على عالم

رحيب، وتحطّم القفص الدنيوي وكسر القيود المادّية التي تأسر الروح، وبلوغ الحريّة المطلقة.

إنّ مسألة المعاد تعتبر الخطّ الفاصل بين الإلهيين والماديّين، لوجود نظرتين مختلفتين هنا:

فالمادّي يرى الموت فناءً مطلقاً، ويفرّ منه بكلّ وجوده، لأنّ كلّ شيء سينتهي به.

والإلهي يرى الموت ولادة جديدة، وولوجاً في عالم واسع كبير مشرق، والإنطلاق في السماء اللامحدودة. ومن

الطبيعي فإنّ المعتقدين بهذا المذهب لا يفسحون المجال للخوف والوحشة للدخول إلى أنفسهم عند سلوكهم

طريق

الموت والشهادة. بل إنّهم يستلهمون من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة

والسلام) «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه»(نهج البلاغة، الخطبة 5 صفحة 52)

ويستقبلون الموت في سبيل الهدف برحابة صدر. ولهذا فإنّ أمير المؤمنين حينما تلقّى الضربة السامّة من

اللعين الخاسر «عبدالرحمن بن ملجم» لم يقل سوى «فزت وربّ الكعبة».

خلاصة القول: فإنّ الإيمان بالمعاد يجعل من الإنسان الخائف الضائع، إنساناً شجاعاً شهماً هادفاً، تمتلىء

حياته بالحماسة والتضحية والصدق والتقوى.

3 ـ الدلائل العقليّة على المعاد:

فضلا عن الدلائل النقلية الكثيرة على المعاد سواء الواردة في القرآن المجيد، والتي تشمل مئات الآيات بهذا

الخصوص، فإنّ هناك أدلّة عقليّة واضحة أيضاً على هذه المسألة، والتي نحاول ذكرها هنا بشكل مختصر:

أ ـ برهان الحكمة:

إذا نظرنا إلى هذا العالم بدون العالم الآخر، فسيكون فارغاً وبلا معنى تماماً، كما لو افترضنا بوجود الحياة في

الأطوار الجنينية بدون الحياة في هذه الدنيا.

فلو كان قانون الخلق يقضي بأنّ جميع المواليد الجدد يختنقون بمجرّد نزولهم من بطون اُمّهاتهم ويموتون، فإنّ

الدور الجنيني سيكون بلا معنى؟ كذلك لو كانت الحياة في هذا العالم مبتورة عن الحياة في العالم الآخر،

فسنواجه نفس الإضطراب والحيرة، فما ضرورة أن نعيش سبعين عاماً أو أكثر أو أقل في هذه الدنيا وسط كلّ

هذه المشاكل؟ فنبدأ الحياة ونحن لا نملك تجربة معيّنة، وحين بلوغ تلك المرتبة يهجم الموت وينتهي العمر ..

نسعى مدّة لتحصيل العلم والمعرفة،

وحينما نبلغ درجة منه بعد إشتعال الرأس شيباً يستقبلنا الموت.

ثمّ لأجل ماذا نعيش؟ الأكل واللبس والنوم والإستيقاظ المتكرّر يومياً، وإستمرار هذا البرنامج المتعب لعشرات

السنين، لماذا؟

فهل حقّاً إنّ هذه السماء المترامية الأطراف وهذه الأرض الواسعة، وكلّ هذه المقدّمات والمؤخّرات وكلّ هؤلاء

الأساتذة والمعلّمين والمربّين وكلّ هذه المكتبات الضخمة وكلّ هذه الاُمور الدقيقة والأعمال التي تداخلت في

خلقنا وخلق باقي الموجودات، كلّ ذلك لمجرّد الأكل والشرب واللبس والحياة المادية هذه؟

هنا يعترف الذين لا يعتقدون بالمعاد بتفاهة هذه الحياة، ويقدم بعضهم على الإنتحار للتخلّص من هذه الحياة

الخاوية، بل قد يفتخر به.

وكيف يمكن لمن يؤمن بالله وبحكمته المتعالية أن يعتبر هذه الحياة الدنيا وحدها بدون إرتباطها بحياة اُخرى

ذات قيمة وذات شأن؟

يقول تعالى: (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون).(1) أيّ أنّه لو لم يكن رجوع بعد هذه الدنيا إلى

الله، فإنّ الحياة في هذه الدنيا ليست سوى عبث في عبث.

نعم فإنّ الحياة في هذه الدنيا تجد معناها ويكون لها مفهوماً ينسجم مع حكمة الله سبحانه وتعالى عندما تعتبر

هذه: «الدنيا مزرعة للآخرة» و «الدنيا قنطرة» ومكان تعلّم، وجامعة للإستعداد للعالم الآخر ومتجر لذلك

العالم، تماماً كما يقول أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في كلماته العميقة المعنى «إنّ الدنيا دار

صدق لمن صدقها، ودار عاقبة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد

أحبّاء الله،ومصلّى ملائكة الله، ومهبط وحي الله،ومتجر أولياء الله»(نهج البلاغة، الكلمات القصار كلمة 131).

خلاصة القول، إنّ الفحص والمطالعة في وضع هذا العالم يؤدّي إلى الإعتقاد بعالم آخر وراء هذا العالم (ولقد

علمتم النشأة الاُولى فلولا تذكّرون).( الواقعة، 62)

ب ـ برهان العدالة:

التدقيق في نظام الوجود وقوانين الخلق، يستنتج منه أنّ كلّ شيء منها محسوب بدقّة متناهية. ففي مؤسسة

البدن البشري، يحكم نظام عادل دقيق، بحيث أنّه لو تعرّض لأدنى تغيير أو عارض ما لأدّى إلى إصابته بالمرض

أو حتّى الموت، حركات القلب، دوران الدم، أجفان العين، وكلّ جزء من خلايا الجسم البشري مشمول بهذا

النظام الدقيق، الذي يحكم العالم بأسره «وبالعدل قامت السموات والأرض»(تفسير الصافي، المجلّد الخامس،

صفحة 107) فهل يستطيع الإنسان أن يكون وحده النغمة النشاز في هذا العالم الواسع؟!

صحيح أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى للإنسان بعض الحرية في الإرادة والإختيار لكي يمتحنه ولكي يتكامل في

ظلّ تلك الحرية ويطوي مسير تكامله بنفسه، ولكن إذا أساء الإنسان الإستفادة من تلك الحرية فماذا سيكون؟!

ولو أنّ الظالمين الضالّين المضلّين بسوء إستفادتهم من هذه الموهبة الإلهية استمرّوا على مسيرهم الخاطىء

فماذا يقتضي العدل الإلهي؟!

وصحيح أنّ بعضاً من المسيئين يعاقبون في هذه الدنيا ويلقون مصير أعمالهم ـ على الأقل قسم منهم ـ ولكن

المسلّم أنّ جميعهم لا ينال جميع ما يستحقّ. كما أنّ جميع المحسنين الأطياب لا يتلقّون جزاء أعمالهم الطيّبة

في الدنيا، فهل منالممكن أن تكون كلا المجموعتين في كفّة عدالة الله سواء؟!

ويقول القرآن الكريم: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون).

وفي موضع آخر يقول تعالى: (أم نجعل المتّقين كالفجّار).

على كلّ حال، فلا شكّ في تفاوت الناس وإطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى، كما أنّ محاكم «القصاص والثواب

الدنيوية» و «محكمة الوجدان» و «الآثار الوضعية للذنوب» كلّ ذلك لا يكفي لإقرار العدالة على ما يبدو،

وعليه يجب القبول بأنّه لأجل إجراء العدالة الإلهية يلزم وجود محكمة عدل عامّة تراعي بدقّة الخير أو الشرّ

في حساباتها، وإلاّ فإنّ أصل العدالة لا يمكن تأمينه أبداً.

وبناءً على ما تقدّم يجب الإقرار بأنّ قبول العدل الإلهي مساو بالضرورة لوجود المعاد والقيامة، القرآن الكريم

يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة). ويقول: (وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون).

ج ـ برهان الهدف:

على خلاف ما يتوهّمه المادّيون، فإنّ الإلهيين يرون أنّ هناك هدفاً من خلق الإنسان، والذي يعبّر عنه

الفلاسفة بـ «التكامل» وفي لسان القرآن والحديث فهو «القرب إلى الله» أو «العبادة» (وما خلقت الجنّ

والإنس إلاّليعبدون).

فهل يمكن تحقيق هذا الهدف إذا كان الموت نهاية لكلّ شيء؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسیر الامثل «آیت الله مکارم الشیرازی»







التوقيع

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

(الكهف : 28 )
  رد مع اقتباس
قديم 06-05-2011, 12:37 AM   رقم المشاركة : 19
نور من أنوار حيدر (ع)
مــراقــبة عـامـة ( علاج روحي )
 
الصورة الرمزية نور من أنوار حيدر (ع)








نور من أنوار حيدر (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مراجعات قرآنیة حول سورة « یــس »

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرج قائمهم ناصر الحق زاهق الباطل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جهد مبارك وفقكم الله ببركة وسداد اهل البيت عليهم السلام







التوقيع

نَزيلُكَ حيث ما اتجهَتْ ركابي *** وضيفكَ حيث كنت ُمن البلادِ
عن الامام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) :
((فليعمل كل إمريء منكم بما يقرب به من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا , فإن أمرنا بغتةً فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيهِ من عقابنا ندم على حَوْبة ))
عن الامام موسى الكاظم (عليه السلام ):(( المؤمنُ مثل كفتي الميزان , كلما زيدَ في إيمانهِ زيدَ في بلائهِ , ليلقى الله عزَّ وجّل ولا خطيئة له ))
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرج قائمهم ناصر الحق زاهق الباطل

  رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 07:30 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.