مركز نور السادة الروحي
         
 
     

:: مركز نور السادة الروحي ليس لديه أي مواقع آخرى على شبكة الأنترنت، ولا نجيز طباعة ونشر البرامج والعلاجات إلا بإذن رسمي ::

::: أستمع لدعاء السيفي الصغير  :::

Instagram

العودة   منتديات نور السادة > نـور السـادة أهل البيت (عليهم السلام) > نور أهل بيت النبوة وموضع الرسالة (عليهم السلام) > نور زيارات الأضرحة المقدسة
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-08-2012, 05:43 AM   رقم المشاركة : 1
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
اللهم صل على نبينا الرسول الأمين محمد و آله الطيبين الطاهرين و عجل فرجهم و العن أعدائهم يا كريم

إخوتي الكرام حفظكم الله من كل سوء ..
في هذا الطرح سنتناول بشكل مفصل الآداب الباطنية لزيارة المعصوم سلام الله عليهم أجمعين
و المشاهد المقدسة مع سماحة الشيخ حبيب الكاظمي ..
اللهم أرزقنا زيارتهم و بركاتهم و شفاعتهم

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 05:44 AM   رقم المشاركة : 2
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* علامة القبول:
استحضار معنى الإذن، وأنه يحتاج إلى توجه لمجيء الجواب بالقبول.. وقد قيل أن البكاء أو الرقة من علامات الإذن، وإلا فلا بد من المكوث خارج الحرم ليأتي الجواب بالعلامة المذكورة.. ومن هنا تعددت زيارات الإمام مرحلة فمرحلة وصولا إلى قبره الشريف.

لزوم الاستئذان:
إن الاستئذان والإذن، كلاهما مفهومان مترابطان متلازمان.. والذي يدخل هذه المشاهد المشرفة، لابد أن يستأذن، باعتبار أن لها أصحاب، إذ كما أن هناك متول ظاهري وهو الذي يتولى الأوقاف من البناء وغيره، أيضا هناك متول واقعي وهم أصحاب هذه المشاهد أي الأئمة (ع).
ولهذا نلاحظ في كتب الزيارة والدعاء، ذكر مرات متعددة من الاستئذان: أولا استئذان رب العالمين، باعتبار أنه خالق الوجود وصاحب الوجود.. ثم استئذان جدهم المصطفى (ص)، باعتبار أن استئذان الجد مقدمة لاستئذان الحفيد.. ثم استئذان الملائكة المحدقين بهذه المشاهد المشرفة.. ويستفاد من الروايات التي وردتنا من أئمة أهل البيت (ع)، أن هنالك حركة ملائكية متواصلة في مشاهدهم، أفواج تنزل وأفواج تصعد، وأن بعض الملائكة تنتظر دورها في زيارة المعصومين، خصوصا سيد الشهداء (ع).. فالملائكة المقربون ينتظرون دورهم في التشرف بزيارة هذه المراقد المشرفة، في حين أننا نزورها بكل سهولة ويسر!..

ثم بعد الإذن من الله ورسوله والملائكة، نستأذن من صاحب المشهد، فإذا كنا في زيارة لأبي عبد الله (ع)، نقول: أأدخل يا أبا عبد الله.. أو إذا كنا في زيارة الأمير (ع)، نقول: أأدخل يا أمير المؤمنين..

وإن الذي يقرأ الاستئذان لقلقة وبلا تهيئة نفسية ثم يدخل، فإن هذا الاستئذان الظاهري الشكلي لا يلازم الإذن الواقعي.. وقد يقول قائل: وكيف لنا بأن نعلم بالإذن واقعا، وليس هنالك ملكا، ولا وحيا، والطريق إلى عالم البرزخ مسدود؟!..
فنقول: إن العلماء قد ذكروا علامة ظاهرية، وهي: جريان الدمع ولو بمقدار جناح بعوضة.. ولكن هذه العلامة إنما هي كاشفة عن تحقق وجود حالة باطنية، وهي رقة القلب، فإذا وجدت حالة الرقة وإن لم تصاحبها حالة البكاء، فقد تم المقصود.
فعليه، لابد للزائر عندما يقف على باب المشهد، أن ينتظر تحقق هذه العلامة في نفسه أولا، ثم يدخل بعد ذلك.

العلاقة بين قصد الله وقصد المعصومين:
نحن نعتقد أنه ليس هنالك اثنينية في الالتجاء إلى الله تعالى وإلى المعصومين (ع)، فإننا نتوسل بالمعصوم (ع) على أنه طريق الوصول إلى الله تعالى، فقصد المعصوم (ع) هو قصد لله تعالى، أي أن هنالك علاقة طولية لا عرضية في القصد.. وللتوضيح: لو أن أنسانا يعرف تاجرين فذهابه للتاجر (أ) يغاير-أي في عرض- ذهابه للتاجر (ب)، فالعلاقة بين ذهابه لكليهما عرضية.. ولكنه لو ذهب لوكيل التاجر ليأخذه للتاجر، فهذا الوكيل لم يقصد لذاته وإنما قصد لغيره، وذهابه للوكيل في طول ذهابه للتاجر.
ونحن أيضا إنما أطعنا النبي والأئمة (ع)، لأنهم السبيل إلى الله تعالى، ولأنهم الباب الذي منه يؤتى، ولأنهم وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء.. فلا مانع أبدا من أن نعيش مشاعر مختلفة، فتارة نعيش الشوق إلى الله تعالى، وتارة نعيش الشوق لأوليائه المعصومين (ع)، وكلاهما يعود إلى شوق واحد.

علامات الإذن:
إن حالة البكاء والرقة الباطنية علامة لسائر الزوار، ولكن للخواص من الزائرين والمحبين هناك علامة أخرى، وهي: أن يعيش حالة السكينة والاطمئنان والارتياح النفسي.. حتى أن بعض الخواص عندما يدخل المشاهد قد لا تنتابه حالة من حالات البكاء الشديد، أو حالة الرقة المتعارفة عند الآخرين، بل تنتابه حالة من حالات الوجوم والتأمل، ويعيش بين يدي المعصوم، ويستحضر وجوده، وحتى لسانه يتوقف عن الذكر من شدة المواجهة مع صاحب ذلك المشهد..
فإذن، علامات الإذن: الرقة الباطنية، وحالة البكاء الظاهري، وحالة الاطمئنان والاستقرار النفسي، والعيش في محضر المعصوم.

لزوم التهيؤ قبل الزيارة:
ينبغي للمؤمن أن يترصد حالات الإقبال، ويهيئ نفسه قبل الزيارة، فلا يزور إلا في الوقت الذي يكون فيه مقبلا ومرتاحا نفسيا وبدنيا.. وهذا أمر متعارف في تعاملاتنا اليومية، فنحن عندما نريد أن نلاقي الغير-وخصوصا الشخصيات المهمة- فإننا نختار أفضل الأوقات التي نكون فيها في حالة من حالات الارتياح.
ثم إن دخول المشهد ومواجهة القبر الشريف يتم عبر مراحل تدريجية، فهنالك رواق خارجي وصحن وسطي وما حول الضريح، وفي زيارة الحسين (ع) هنالك منطقة الحائر.. فإن المؤمن لا يخرج من المنزل ومن دون مراحل استئذانية، ويتفاجأ بالقبر الشريف وهو لم يعد العدة لهذه اللحظات المهمة.

إن البعض يشتكي من حالة الإدبار في الزيارة، فيقول: نحن جئنا من أماكن بعيدة لزيارة سيد الشهداء (ع)، وكنا نتوقع حالة من حالات التفاعل الشديد، ولكن لما ذهبنا لم نستشعر هذه الحالات!..
وهذا بالتأكيد نتيجة تقصيرهم في التهيؤ للزيارة كما ينبغي، فالإنسان بإمكانه أن يعيش حالة التهيؤ التدريجي خارج المشهد، من لحظة خروجه من المنزل.. ومن هنا نحن نلاحظ أن الحاج أو المعتمر يلبس ثوبي الإحرام في ميقات مسجد الشجرة، وبينه وبين دخول الحرم مسافة أربع أو خمس ساعات، فهو في خلال هذه الفترة يهيئ نفسه للدخول إلى المسجد الحرام..
وكذلك بالنسبة إلى المشاهد المشرفة، فلابد من هذه التهيئة.. وقد يكون الذي يذهب للزيارة ماشيا، لديه فرصة كافية لعل أيام وليال، ليعيش حالة التهيؤ لتلك اللحظة من مواجهة قبر المعصوم..
ونلاحظ في مضامين زيارات الأئمة-كما في كتاب كامل الزيارات- أن المعصوم يعلمنا التدرج في الزيارة، فمثلا يقول: قف أمام الرأس الشريف، ثم انكب على القبر.. وإن كان هذا العمل لا يمكن هذه الأيام ولكن إن صحت النسبة للمعصوم، فإننا نستفيد أن الزيارات فيها نوع من أنواع التدرج، مما يؤيد هذه النظرية، بأنه لابد من التهيؤ التدريجي لمواجهة الإمام.

ما ينبغي فعله عند حالات الإدبار وعدم تحقق علامة الإذن:
إن المكوث عند الباب والاستئذان حتى تتحقق علامات الإذن، ليس إلزاما فقهيا.. بل هذا أدب من الآداب المعنوية، ومن المعلوم أنه بإزاء كل أمر عبادي ظاهري في الشريعة آداب معنوية باطنية، فهنالك أحكام فقهية للحج وهنالك آداب معنوية للحج ذكرها الإمام السجاد (ع) في حديث الشبلي المعروف، وهكذا الصلاة والصوم وسائر العبادات..
فإذا ذهب المؤمن إلى المشهد وكان يعيش حالة الإدبار، ومكث في الرواق ولم تأته الرقة، ووقف عند الباب ولم تأته الرقة.. فهنا ينبغي عليه أن يزور المعصوم، ولكن مع بث الشكوى، وبحالة المريض الذي يطلب الشفاء من الله تعالى، وبمثابة إنسان أراد أن يقوم بعمل ما، ولكنه رأى نفسه غير قادر، فإذا كان بطل من أبطال رفع الأثقال قد هيأ نفسه لرفع الثقل، ولكن عضلاته لم تعنه وفاجأته بعلة، فما الذي يعمله إلا أنه يشتكي أمره إلى من يعالجه..
فالذي يدخل الأماكن المقدسة ويعاني من حالة إدبار، ولا يرى حالة الرقة، فليدخل ولكن ليقل: يا مولاي، أنت ترى حالي، أنا أتيتك من شقة بعيدة، قطعت الفيافي والمنازل، وجئتك ماشيا، ولكني لما دخلت حرمك، وكأنني دخلت أي مكان من الأماكن التي لا خصوصية لها!..
فبث الشكوى وطرح الأمر على الموالي (ع)، قد يكون من موجبات مجيء الرقة القوية عند الضريح، بحيث يصبح هناك شيء من التعويض عن الحالة السابقة.. ولكن لا ننسى أيضا هذه الرواية عن الإمام علي (ع): (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).

*********************

* معنى الزيارة:
استحضار معنى الزيارة وأنها الوقوف بين يدي المزور كإحساس وجداني، والحال أنه يسمع الكلام ويرد السلام.. فالاعتقاد بحياة الإمام من لوازم الاعتقاد بقربهم ومنزلتهم من الله تعالى، كيف وهم أئمة الشهداء الأحياء عند ربهم بنص القرآن.

معنى الزيارة:
إن معنى الزيارة: أن يرى الإنسان نفسه بين يدي المزور.. فهناك فرق بين المواجهة الصورية للمزور، وبين المواجهة الباطنية، فالذي يزور المعصوم من غير مواجهة روحية، يمكن أن يشبه بالميت الذي تحمل جنازته إلى قبر المعصوم، إذ لا يقال بأن الميت قد زار المعصوم، إنما طيف به وهو من دون وعي.. ولهذا فالإنسان المغمى عليه أو الإنسان النائم، إذا وضع في محمل وطيف به حول قبر المعصوم، لا يقال أنه زار الإمام واستشعر معنى الزيارة.

ولكن لا يخفى بأن هذا المعنى لا يتأتى إلا من خلال البلوغ النفسي.. وإلا فالإنسان الذي يعيش حالة الالتهاء بالمادة، والانشغال بمتع الدنيا، فإنه من الطبيعي عندما يزور المعصوم، لا يستشعر معنى الزيارة الحقيقية.. نحن دائما نكرر بأن استشعار المعاني الباطنية، واستذواق العبادات، كالحج والعمرة وزيارة المشاهد، إنما يكون لأهل الحب والعشق الإلهي، ولأصحاب قيام الليل.. فالذي يداوم على قيام الليل، فإنه عندما يدخل الحرم المكي يتألق ويعيش النفحات الروحية.. وكذلك فالذي له أنس بالمعصومين (ع) خارج الزيارة، وفي منزله، ويداوم على زيارة الأئمة (ع) طوال الأسبوع، وهو في وطنه يستشعر حالة الضيافة للإمام المزور، حيث يقول كل يوم: يا مولاي، هذا يومك وهو باسمك، وأنا فيه يا مولاي ضيفك وجارك... فإن هذا بلا شك لما يأتي للمشهد الشريف ويزور، فإنه يعيش حالات متألقة، قياسا إلى باقي الزائرين.

تنمية الإحساس الوجداني بالأئمة (ع):
إن من الأمور المؤثرة في تنمية الإحساس الوجداني بالمعصومين (ع)، الإلمام بسيرتهم الطاهرة، والمعرفة لمقاماتهم.. ونلاحظ في الروايات الواردة في ثواب زيارات الأئمة، أن هناك قيدا تقريبا متكرر في كثير منها، حتى يكاد الإنسان يقطع أنه لو لم يذكر هذا القيد فهو مذكور معنى وتقديرا، وهو المعرفة بحق الإمام، فمثلا مما ورد: (من زار الحسين عارفا بحقه دخل الجنة)، (من زار الحسين (ع) عارفا بحقه، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر)..
ومن المعلوم أن معرفة حق المعصوم لا تأتي من فراغ، إنما تأتي من خلال المطالعة المستمرة والهادفة، والمتأملة في سيرتهم.. ومن هنا من المناسب للزائر-بالإضافة إلى أخذه أمتعة السفر والزاد والدواء الذي لابد منه- أن يكون معه كتابا حول ذلك المعصوم الذي يريد زيارته، فإنه عندما يدخل الحرم وهو قد قرأ دورة عن حياة الإمام، فلا شك أنه ستكون الحالة التفاعلية مضاعفة.
ويمكن أن نجعل من ضمن الأعمال التي نمارسها في مشاهد المعصومين-غير الصلاة والزيارة، والدعاء والتلاوة- أن نطلع على لطائف حياة المعصوم الذي نزوره، في محضره.. فالذي يقرأ كلمات الإمام الحسين (ع) وهو عند قبره الشريف، أو يقرأ آداب الزيارة، أو يتأمل في مضامين دعاء عرفة؛ فلا شك أن هذا التأمل يوجب له حالة من حالات الإقبال الباطني.

استشعار حياة المعصوم:
يلزم من الاعتقاد بمنزلة الإمام عند الله تعالى، الاعتقاد بحياته، إذ أن الشهيد حي مرزوق، كما قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}؛ فكيف بأئمة الشهداء؟.. وهم أيضا شهداء، لأنهم ما بين مقتول ومسموم في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، فهم أئمة، وشهداء أيضا.
أولا: التعبير بالفعل المضارع: {يُرْزَقُونَ}، يدل على أن المرزوقية مستمرة.
وثانيا: المرزوقية متناسبة مع طبيعة بيئة المرزوق.. فنقول إن هذا الإنسان الجامعي مرزوق، بمعنى أن له علم كثير وأبحاث قيمة.. وإن هذا التاجر مرزوق، أي أن له مال كثير.. وإن هذا الزارع مرزوق هذه السنة، أي أن له ثمرات كثيرة.. وعندما نقول إن هذا الشهيد مرزوق عند الله تعالى، فبماذا هو مرزوق؟..
بمعنى أن الشهيد وهو في عالم البرزخ، له حالة من حالات الإشراف على عالم الدنيا.. وكما يستفاد من بعض القصص، أن الميت له علاقة بأهله أكثر، مما لو كان حيا.. ولكن ليس كل ميت كذلك، إنما الميت الذي له وجاهة عند الله تعالى، لأن غير الميت الوجيه، أو الميت المعذب، يذهل عن أهله وأولاده، لما هو فيه من عذاب يذهله عن كل شيء، كما يقول تعالى عن عذاب يوم القيامة: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}.

فإذن، الشهيد حي مرزوق، ومن لوازم المرزوقية أن يلتفت إلى زائريه، فعندما تزور عم النبي حمزة سيد الشهداء في زمانه، فمن لوازم مرزوقيته وحياته أن يلتفت إليك.
ولكن قد يقول قائل: هل إن كل من يطلق عليه شهيد له هذه المزايا؟..
بحسب ما يفهم من الآية، أنها للشهيد الذي يقتل في سبيل الله بالشروط الفقهية، ولكن هناك روايات تلحق بعض الشخصيات بالشهداء، فالذي يقتل في سبيل الله يمكن أن نعبر عنه بالشهيد الفقهي، وهناك من نعبر عنه بالشهيد الحكمي: كالغريق، والمهدوم عليه داره، والمرأة التي تموت وهي في حالة ولادة أو نفاس.. ولا شك أن الذي يلحق في أصل الشهادة، أيضا يلحق في المزايا، أي أن له شيئا عند الله تعالى، وإن لم تكن له تلك المزايا بكل أبعادها.

*********************

* النيابة في الزيارة:
استحضار نية الزيارة نيابة عن الأولياء والأنبياء (ع) وكذلك ذوى الأرحام...

استحضار النية في النيابة:
لابد لمن يوطن نفسه للاستنابة عن الغير نيابة فقهية أو أخلاقية، أن يكون وفيا في نيابته، ولا يتساهل في أداء العمل، صلاة كان أو صياما أو زيارة، بأن يجعل نفسه في مكان الميت، أو من يؤدي العمل نيابة عنه، فإن إتقان العمل كما لو كان لنفسه، من لوازم الوفاء عند المؤمن.

ومن المتعارف عند الناس ساعة توديع الزوار، التوصية بالدعاء عند المشهد، وعادة ما يكون الرد عليهم بالتأكيد وإعطائهم وعدا بليغا.. فالذي يعد من يسأله الدعاء من إخوانه، ولا يعمل بوعده، فإنه قد يسقط من عين المعصوم ولو درجة..
ولهذا فمن المناسب للزائر أنه عندما يأتي لزيارة المعصومين (ع)، أن يعدد أسماء إخوانه فردا فردا.. وإن نسي فمن المناسب أن يعمهم بالدعاء، بأن يقول في نية الزيارة: (ومن أوصاني بالدعاء، ومن قلدني الدعاء والزيارة)؛ حتى يشملهم ثواب الزيارة.

والنيابة في الزيارة عن الغير لها طريقان:
الأول: أن يزور الإنسان نيابة عن الغير، مثلا عن أمه أو أبيه أو عن المعصومين (ع).. أي أن تكون النية من أداء العمل أساسا نيابة عن الغير.
والثاني: أن يزور عن نفسه، ثم يهدي ثواب الزيارة للغير.

والبعض يرجح الطريق الثاني في النيابة عن المعصومين (ع)، لأنه يتهيب من هذا الموقف، بأنه يكون نائبا عن المعصوم، كأن يزور سيد الشهداء (ع) نيابة عن صاحب الأمر (ع).. فالأفضل عنده أن يقوم بالعمل، ثم يقول: يا رب، إن كان في هذا أجر، فاهد هذا الأجر إلى المعصوم.

ومن المناسب أن نذكر هذه القصة: كنا في زيارة لبيت الله الحرام في إحدى السنوات، وكان معنا أحد المؤمنين من العلماء الذين لهم تاريخ في هذا المجال، ورأيت أنه يعمم دائرة النيابة إلى أوسع مدى ممكن، فكان يقول: أنا أهدي ثواب هذا العمل، لكل مؤمن من زمان أبينا آدم (ع).
وقد يقول البعض: هل يمكن تقسيم هذه الزيارة إلى كل الأنبياء والمرسلين والصالحين؟..
والجواب، نعم، فرب العالمين كريم، وقدير أن يجعل هذه الزيارة مجزأة إلى أقسام، تصل إلى كل من نويت الزيارة عنه نيابة.






التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 05:45 AM   رقم المشاركة : 3
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* النيابة في الزيارة:
استحضار نية الزيارة نيابة عن الأولياء والأنبياء (ع) وكذلك ذوى الأرحام، فإن هذا من صور الوفاء بحقهم.. ولا شك أنهم يردون الهدية أضعافا مضاعفة، من باب {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.

الزيارة نيابة عن الأرحام:
إننا لا نعني بالأرحام الأرحام المصطلح عليهم فقهيا، حيث هنالك بحث عند العلماء في عالم الفقه عن الأرحام الذين تجب صلتهم، وهم بين موسع ومضيق.. إنما نعني بالأرحام كل من له صلة قرابة بالإنسان ولو كان بعيدا.. فإن المؤمن إنسان وفي، ومن صفاته أنه عندما يدعو يوسع من دائرة الدعاء، بحيث يشمل أوسع مدى ممكن.. فبدل أن يدعو لنفسه فقط، بأن يقول: اللهم اغفر لي، مستعملا حرفي اللام والياء، فإنه يقول: اللهم اغفر لنا، مستعملا ثلاثة أحرف.. فليس الفارق بين الدعاءين إلا حرف واحد، ولكنه يقلبه من الثرى إلى الثريا، فينطبق دعاؤه على كل مؤمن ومؤمنة، بل حتى على غير المؤمنين إن نوى ذلك أيضا.
فإذن، إن المؤمن من طبيعته عندما يدعو أنه يوسع من دائرة الدعاء، ويدعو للأغيار والجيران والأباعد، فكيف لأرحامه.

أضف إلى أن هذا من موجبات التعويض في التقصير في حقهم وعدم صلتهم، فيخفف عليه من شدة المساءلة في يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}..ففي يوم القيامة كما أن هنالك موقف مساءلة عن العلاقة بالله تعالى، فإن من المواقف أيضا موقف المساءلة عن الأرحام.

وإن النيابة عن الأرحام بالزيارة ليست إلا صورة من صور الوفاء، التي لا تكلفه شيئا، إلا مجرد قراءة دعاء وزيارة نيابة عنهم.. وإلا فإن المؤمن له أنواع من الصلة بأرحامه: بالزيارة، وبالمساعدة بالمال، وبالعلم الذي عنده.. وإن من الأشياء التي توجب صلة الرحم بشكل مؤكد، الإنفاق مما يحبه الإنسان، ومما تتعلق به نفسه، كما قال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}..
نحن نريد أن نقول بأن المؤمن له حالة من حالات الوفاء لأرحامه، فإن كان في الوطن فإنه يزورهم ويساعدهم بما له من قدرة.. وإن كان غائبا عنهم في السفر، فهو يزور عنهم نيابة، فهذه أيضا في سياق أصل صلة الأرحام.

الزيارة نيابة عن الأولياء:
إن من اللازم للمؤمن الموالي الزيارة نيابة عن الأولياء والأنبياء (ع)، وإهداء ثواب بعض الأعمال العبادية لهم، ولا شك أنهم يردون الهدية أضعافا مضاعفة.
نحن عندما نراجع قصص الكرماء-مع إن قسما منها مبالغ فيها- نلاحظ وجود المتميزين في الكرم على مستوى تاريخ البشرية، ومنهم حاتم الطائي مثلا.. ولقد كان هؤلاء عندما يسدى لهم معروفا، لا يردونه بمثله، وإنما بأضعافه، فهذه سنة وعادة متعارفة في حياتهم، وإن رب العالمين أكد على تلك السنة، حيث قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.
وهكذا فإن المعصوم عندما تقدم له هدية، زيارة كانت أو ثواب لعمل صالح، فلا شك أنه يرد ذلك أضعافا، ولا يرده بمثله.
إن البعض قد يكتفي بمجرد أن يزور المعصوم بصفحة من كتاب الزيارة.. ولكن البعض يقدم للمعصوم عملا يلفت نظره، فمثلا هو في ذلك اليوم كان قد أدخل سرورا على قلب يتيم، فقال: يا ربي، أهدي ثواب هذا السرور، الذي أدخلته على قلب هذا اليتيم، إلى الإمام (ع).. وقد تكون هذه الهدية عند الإمام (ع)، أرقى من قراءة زيارة على ورقة، والتي قد تكون من دون تفاعل.

فإذن، إن رد الإحسان بما هو أحسن، ديدن أئمتنا (ع).. وقد نقلت عنهم بعض هذه الصور، ومنها ما ورد أن الإمام الحسين (ع) أهدت له جارية طاقة ريحان، فالإمام أعتقها.. فالذي كان مع الإمام استغرب من هذا الصنيع، وكيف أن الإمام قابل رد هدية بسيطة، بأمر كهذا؟!.. فإن إهداء طاقة ريحان ما وزنها، مقابل عتق رقبة؟!.. فأجابه الإمام بهذه الآية الشريفة: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، أي أن الله تعالى يحب الرد بالأحسن، وإن هذا لا يكون إلا بعتق رقبتها.

قال أنس: كنت عند الحسين (ع)، فدخلت عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى.. فقلت: تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟!.. قال: كذا أدبنا الله تعالى، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، وكان أحسن منها عتقها.
*********************

* الزيارات المأثورة:
الالتزام بالزيارات الواردة على تنوعها، والتأمل في مضامينها والاستغناء بذلك عن الزيارات المخترعة التي لا أساس لها.. أضف إلى لزوم حالة التأدب في خصوص المشهد، بالإضافة إلى الأدب في أصل البلد.. فلابد من مراقبة النظر والقول والاجتناب عن فضول القول، وخاصة حول القبور الطاهرة.

الالتزام بالزيارات الواردة عن المعصومين (ع):
من الملاحظ أن البعض يلتزم ببعض الإنشائيات من غير المعصومين (ع)، ويتعامل معها كأنها مأثورة، فإذا رأى وردا بعدد معين يلتزم به، وإذا رأى زيارة مجهولة بمضامين غريبة يلتزم بها.. والحال بأن هذا أمر غير مستحسن.. والشيخ المحدث عباس القمي (قده) في كتابه مفاتيح الجنان، هاجم بعض هذه الزيارات والأدعية الغير مأثورة، وذكر دعاء (الحبي) كمثال على الأدعية التي لم تأت من المعصومين (ع).
والمشكلة أنها مع الأيام تنسب للمعصوم، لأنها عندما تكون متداولة بين الناس بشكل ملفت، ويلتزمون بها، فإنه قد ينقدح تلقائيا في أنفسهم بأن هذه زيارة مأثورة.. فلا يحسن أبدا أن يخترع الإنسان زيارة، وينشرها بيد الناس، ويجعلها في عرض الزيارة المأثورة عن المعصومين (ع)، فالإمام الصادق (ع) ورد عنه أنه قال زر الحسين (ع) بهذه الكيفية، وهو يخترع زيارة من إنشائياته أو مأخوذة من المقاتل والزيارات، ويقول أيضا: زر الإمام بهذه الزيارة!.. فهذا فيه نوع من أنواع الدخول في مملكة الموالي (ع).

ولكن لا مانع أن يزور الإنسان المعصوم، ملتزما بهذه الآداب، ثم بعد أن ينتهي من الزيارة يتكلم معه بلغته، وبعفوية على طبيعته وسجيته، بل إن هذا أمر مستحسن.. وخاصة أن بعض الزائرين لا يجيدون العربية جيدا، فهو يزور ولا يعرف شيئا من هذه الزيارة، فلماذا يكتفي بزيارة لا يفهم من معانيها شيئا، فمن الممكن بعد الانتهاء منها، أن يتكلم بلغته، ويعبر عما يكتنز في باطنه من مشاعر ومعان، بطريقته وبلغته.. ومن المعلوم أن القنوت-الذي هو جزء من أجزاء الصلاة- يجوز فيه أن يدعو الإنسان بغير العربية.. وإن كان هناك كلام أنه هل يعتبر ذلك قنوتا شرعيا أو لا، ولكنه ليس مبطلا للصلاة، بأن يدعو الإنسان بلغته في وسط الصلاة، فكيف بأثناء الزيارة.

التأمل في مضامين الزيارة:
من المعلوم بأن استيعاب المقروء مؤثر للتفاعل القلبي.. لهذا فمن الراجح للمؤمن قبل أن يدعو-مثلا- بدعاء كميل، أو بدعاء عرفة، أو دعاء الصباح، أو يزور المعصومين (ع) بإحدى الزيارات المأثورة، أن يأخذ جولة تأملية في هذا المضامين.
لأن الأدعية والزيارات مليئة بالتعابير الغريبة والألفاظ المبهمة جدا، فعلى سبيل المثال: دعاء الصباح، والذي يلتزم به المؤمنين يوميا، مليء بالعبارات المبهمة، فما معنى الصم الصياخيد؟.. وكذلك في دعاء السمات، والذي يقرأ في عصر الجمعة، فما المراد بقبة الرمان، والبعض يقرأها قبة الزمان؟..

وعليه، ينبغي للإنسان أولا قبل أن يزور أو يدعو، أن يقرأ النص قراءة، وأن يفكر في المفردات ومعانيها، ويتأمل في مضامينها.. فالذي يقرأ الزيارة بهذا الشاكلة، فإنه متى أراد أن يزور بها، فإن زيارته ستكون أكثر تفاعلا، مما لو قرأها قراءة أثناء الزيارة، وهو لا يعلم مضامينها وأبعادها الفكرية المعنوية.

الحذر من الزيارات المخترعة:
ينبغي الحذر-كما قلنا- من غير المأثور.. والملفت أن هناك حركة شائعة في الناس، بما يسمى بالختوم والأذكار، حيث يخصص ختمة لخاصية معينة، حتى أن هناك أدعية تطابق تقريبا تشريح جسم الإنسان، بحيث يقال أن هذا الدعاء أو هذه الختمة لعلاج العضو المعين في الجسم!..
والحال بأنك عندما تراجع هذه الختومات والأذكار، لا تجد عليها دليلا أبدا، لا من معصوم، ولا حتى من غيرهم ممن هم أهل بأن يؤخذ بما يقولون.. فمثلا لو أن الشيخ الطوسي-شيخ الطائفة- نصح بذكر ذكر معين، ولم يذكر أنه وارد عن معصوم، فإن الإنسان قد يطمئن بأن هذا الشيخ الجليل لم يوص جزافا.. ولكن الكلام في المجاهيل، وفي الكتب التي لا يعلم أصحابها، أو قد يعلم أصحابها بأنهم ليسوا على منهج أهل البيت (ع)، ويؤخذ بها!..
فلابد من الحذر في هذا المجال، وعدم الالتزام بما لا أصل له.. لأن المشكلة أن البعض ممن يلتزم بالأذكار والأوراد غير الشرعية أو غير المأثورة، لا يحصل على نتائج، فيصاب بعد ذلك بحالة من حالات خيبة الأمل، فيزهد في ذكر الله تعالى.. فإن غايته من الذكر لم تكن حبا وشوقا إلى ذكر الله تعالى، وإنما طمعا في شفائه من الأمراض التي هو يعاني منها.. فعندما يذكر الله تعالى، ولا يحصل على مراده، فإنه يزهد في أصل ذكر الله تعالى.

وكذلك بالنسبة للقرآن الكريم، فالملاحظ أن البعض قد أخرج القرآن الكريم من كتاب هداية إلى كتاب رقية، وكأن القرآن الكريم إنما أنزل إلى الشفاء من الصرع والمس والجن وغيره!.. نحن لا ننكر أن القرآن الكريم فيه شفاء للناس، ولكن لا ينبغي أن نحصر، وأيضا لابد أن يكون الأمر مأثورا، لا أن نأخذ من أي إنسان يأتي بقوانين لسور القرآن الكريم، فيقول بأن سورة البقرة لكذا، وسورة النمل لكذا!.. ومن الطريف أنك عندما تسأله عن الدليل على ما يقول به، فإنه يسكت ولا يجد جوابا!.. والبعض يقول بأن هذه من العلوم التي تناقلها القوم صدرا عن صدر-أي إنها من أفواه الرجال- ومن قال بأن هذا الذي أعطاك من صدره، صدره صدرا إلهيا؟!.. فلابد من الحذر التام في هذا المجال.

الالتزام بالتأدب المتصل من البلد إلى المشهد:
إن من اللازم على الإنسان مراعاة حالة التأدب، من بداية طريقه إلى الزيارة وهو في البلد، وخصوصا إذا وصل إلى الأماكن المقدسة: كمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وكربلاء المقدسة، والمشهد الرضوي المقدس..
فلابد أن يعيش حالة من حالات التأدب المضاعف، فهناك فرق بين النظر بشهوة أو ريبة إلى من لا يجوز النظر إليها في الأسواق، وبين العملية نفسها في المشاهد المقدسة.. إذ من المعلوم أن الوزر أعظم، والجزاء مضاعف، فهذه ضريبة التشرف بالزيارة إلى هذه البقاع المقدسة.. وقد ورد عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (مَن أراد الله به الخير، قذف في قلبه حُبّ الحسين (ع)، وحُب زيارته).. فالتوفيق للزيارة فيه كاشفية عن دعوة رب العالمين للإنسان، وأنه أراد أن يكرمه بهذه الزيارة.. فلهذا إذا هو انتهك حرمة المولى، وفي محضر المعصوم، بارتكاب المحرمات: غيبة، أو كذبا، أو غيرها من المحرمات القولية والفعلية، فإن وزره وعقوبته مضاعفة.

تشديد حالة المراقبة في القول والنظر:
إننا نعني بالمراقبة، المراقبة المتصلة في كل التقلبات والحالات، سواء في داخل المشهد المقدس، أو في خارجه.
إن المؤمن يصل إلى درجة من درجات النضج والمراقبة الباطنية، أنه لا يرى حائلا بينه ويبن الله تعالى، ولا يختلف عنده الأمر بين مشهد وغيره.. لأنه يعتقد بأن رب العالمين بعينه الناظرة والمراقبة، مطلع على كل الوجود، وإن المراقبة الإلهية ليست محددة ببعض الأماكن، فهذه هي الحالة النموذجية الأرقى.
أما إذا تنزل الإنسان عن هذه الرتبة، فإن عليه أن يحاول أن يكون في الرتبة الثانية، بأن يكون مراقبا لنفسه في مواطن وأزمنة الطاعة.. وإلا فإن المخالفة في الأشهر الحرم، وشهر رمضان، وليالي الجمعة، لها جزاء مضاعف بالنسبة لباقي الأوقات.. وإن فضول النظر والنظرة المحرمة، في هذه الأماكن المقدسة، من موجبات سلب التوفيق، وسلب عناية ذلك المعصوم، والأسوأ حلول غضبه.. فالبعض قد يزور المعصوم ويرجع بلا هدايا.. والبعض يرجع والإمام غاضب وساخط عليه، لما بدر منه من سوء أدب.. أليست هذه خسارة كبرى، بأن يأتي الإنسان للمشاهد، ويرجع لا خائبا فقط، بل متحملا لبعض الأوزار في هذا المجال؟!.
*********************

* أنظف الثياب:
لبس أنظف الثياب واستعمال الطيب، فهذا من سنة النبي وأهل بيته (ع) ولا يحسن الذهاب بثياب الابتذال التي لا تناسب المشاهد المشرفة والتي يجل الإنسان نفسه أن يزور بها أغنياء الخلق وأمرائهم الظاهريين.. وكذلك الالتزام بأدعية السفر قبل الخروج من المنزل، والالتزام بدفع صدقة الطريق ، فإنها تدفع البلاء وقد أبرم إبراما .

ارتداء اللباس الحسن واستعمال الطيب:
لابد للزائر أن يتهيأ للزيارة، بأن يكون في صورة تليق بزيارة المعصومين (ع)، ويتجنب أن يأتي بثياب لا يتعارف الظهور بها خارج المنزل، وأمام من يقدر مقامه وموقفه.

وأما بالنسبة لاستعمال الطيب في أوقات العبادة والدعاء، فهو أمر راجح للجنسين، ولا شك في أن له من الآثار ما له.. وكما يفهم من بعض العبارات، أن الملائكة تتأذى من رائحة الفم الكريهة، وأن الإنسان عندما يدعو ورائحة فمه كريهة، فإن الملائكة تأخذ عمله من مسافة بعيدة.
ولكن بالنسبة للنساء، فلابد من مراعاة أن لا تعرض نفسها لاستشمام غير المحارم، لأنه قد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن ذلك، كما ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: (أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها، فهي زانية).
وإلا فإن استعمال الطيب بشكل عام، راجح ومطلوب في العبادة، ولقد ورد الحث عليه في الروايات كثيرا.. وعندما يتأمل الإنسان في هذه الرواية: (ركعتان يصليهما متعطر، أفضل من سبعين ركعة يصليها غير المتعطر)؛ تنتابه حالة الحسرة، وإنه لماذا يفقد هذا الأجر العظيم، مقابل قطرة من الطيب؟!.. وما وزن هذه القطرة، مقابل هذا الثواب العظيم؟!.. إن المؤمن له بعض الالتزامات التي هي في عالم الدنيا، التزامات سهلة وهينة، إلا أنه عندما يأتي يوم القيامة يرى الآثار الباهرة، لما كان ملتزما به.

الالتزام بأدعية السفر:
إن الالتزام بآداب السفر، من الأمور المهمة للحفظ والسلامة من الآفات.. إلا أن البعض باعتبار سهولة وسائل المواصلات هذه الأيام، لا يعتني كثيرا بآداب ومعوذات السفر، وكأن هذه الآداب واردة لمن كان يسافر في الأزمنة القديمة، حيث قطاع الطرق، والذهاب بالدواب الأرضية المتعارفة!.. مع أن وسائل النقل الحديثة هذه الأيام، لا تخلو أيضا من بعض المفاجآت والكوارث.. والحال بأن المؤمن ملتزم بالمستحبات، كما يلتزم يالواجبات، ويتقيد بآداب السفر المأثورة، والتي منها:
الالتزام بقراءة آية الكرسي خمس مرات.. وكما ورد بأن الذي يقرأ آية الكرسي مرة واحدة، فإن رب العالمين يوكل الملائكة لحفظه.. وكلما زاد في قراءتها، زاد عدد الملائكة.. فإذا قرأها خمس مرات، فإن رب العالمين هو الذي يتكفل بحفظه.. ومن مستحبات السفر أيضا: قراءة سورة التوحيد، والصلاة والدعاء للسلامة من آفات السفر، كما هو الوارد في كتب الأدعية.

وقد يقول البعض بأنه يسافر كثيرا، وسفراته آمنة وسليمة، ولا مشكلة فيها، فلماذا يلتزم بهذه الآداب؟..
فنقول: إن هذه الأدعية والمعوذات ليست بالضرورة لدفع الآفات البدنية، فقد يكون الإنسان في هذا السفر عرضة للوقوع في معصية، ولكنه عندما يستعيذ بالله تعالى بمعوذات السفر، فإن رب العالمين يجيره حتى من هذه الآفات المعنوية، أي يجنبه من الوقوع في الحرام.. أما كيف يجنبه الحرام، فرب العالمين له طرقه في صرفه عن الحرام، كما صرف السوء عن يوسف الصديق (ع) بطريقته.

وعليه، إن آداب السفر من الأمور المهمة، ومما يلتزم به المؤمن، سواء في سفراته التجارية، أو السياحية، أو زياراته الدينية إلى هذه المشاهد المشرفة.

دور الصدقة في دفع البلاء:
إن ما يصيب الإنسان من البلاء على قسمين:
بلاء لطف:
إن رب العالمين لطفا ببعض عباده يبتليه ببلاء، لعلمه تعالى بأن هذا البلاء الأصلح له، ولولاه لوقع في المحذور، فرب العالمين يحب أن يحميه من الوقوع فيما يضره.. ومن الواضح أن هذا البلاء حتى لو دعا الإنسان لرفعه، أو دفع صدقة، فإنه لا يرفع، لأنه خلاف اللطف الإلهي، ولكنه يعطى أجر الصدقة، وأجر الصابرين.

بلاء عقوبة:
وهو ما يقدر للإنسان نتيجة مخالفته للأوامر الإلهية، فهو الذي أوجب لنفسه الوقوع في هذا البلاء، بنفسه وبما كسبت يداه.. ولكنه لما يدفع الصدقة، يدفع عنه هذا البلاء المبرم فلا يصيبه، وإذا كان قد وقع فيه فإنه يرفع.
ولكن ينبغي أن نلتفت، أن رفع البلاء أو دفعه، مشروط بأن لا يكون في صالح العبد، وإلا فالبلاء إذا كان في صالح العبد، فرب العالمين شفقة بعبده لا يرده، وإن دعا العبد وقال: يا ربي، عافني من هذا المرض!.. لأنه جاهل بالمقاصد وبالحكمة، ورب العالمين يعلم بأن هذا المرض خير له.. روى عن النبي (ص): (من مرض يوما بمكة، كتب الله تعالى له من العمل الصالح الذي كان يعمله، عبادة ستين سنة).. فما وزن تحمل ساعة أو ساعتين من الألم، مقابل إعطاء الدرجات العلى في الجنة؟!..

فعليه، إن المؤمن لأنه لا يعلم بالمقاصد، فعليه أن يدفع الصدقة، ويدعو ربه: يا رب، إن كان ما أنا فيه من البلاء محمودا ولصالحي، فأفض علي صبرا، واجعلني راضيا بما قسمت لي-وهو يؤجر أيضا على الصدقة- وإن كان فيه ذهاب لديني، فاللهم، لا تجعل مصيبتنا في ديننا!.. فإن البعض يصلحهم البلاء وأنفع لهم، ولكن البعض البلاء مهلك لهم.. فترى إنسانا أنه لما كان سالما معافى يصلي، ولما ابتلي بالمرض يترك الصلاة، بعذر المرض والمستشفى وغيره.. فهذا بلاء يصده عن السبيل، ولما يدفع الصدقة، يرفع عنه هذا البلاء الذي ليس في صالحه.
*********************

* الانشغال بالذكر:
الزيارة ماشيا قدر الإمكان وبتوجه...

الذهاب إلى الزيارة ماشيا:
وذلك تأسيا بالأئمة (ع)، فكما نعلم من سيرتهم بأنهم كانوا يذهبون إلى حج بيت الله الحرام، وهم في حال المشي.. وأيضا لأن هذا خلاف هوى النفس، وإن خير الأعمال ما كان شاقا على النفس وأكرهتها عليه: (أفضل الأعمال أحمزها).. فالإنسان الذي كان بإمكانه أن يركب الدابة المريحة للذهاب إلى زيارة الإمام، ولكنه أحب الذهاب للزيارة ماشيا، فلا شك أن هذه الزيارة التي فيها نوع من أنواع المشقة والمكابدة، أقرب إلى التقوى والقبول من الزيارة المريحة.

ولكن لابد أيضا من الالتفات، أن لا يؤثر ذلك على التوجه في الزيارة، لأن هذا ينقض الغرض الأصلي.. فهذا موسى (ع) عندما سقى للبنتين، تولى إلى الظل، ثم دعا ربه: {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.. فلماذا لم يدع مباشرة، وتولى إلى الظل؟..
لأنه لو دعا تحت حرارة الشمس، ما كان ليعيش حالة التوجه والإقبال المطلوبة في الدعاء، فقد اختار أولا المكان المريح الذي يعينه على التوجه، ثم دعا بارتياح.

وإلا فما الفائدة أن يقطع المؤمن المسافات الطويلة ماشيا، ويكابد ما يكابد من المشقة والتعب، قاصدا لزيارة المعصوم، ولكنه لما يصل إلى الحرم، ويريد الزيارة والدعاء والصلاة الخاشعة، وإذا به يجد في نفسه إدبارا؟!.. ألا يكون ذلك خسارة عظمى، فإن الهدف المقصود لم يُحقق؟!..
ولهذا فقد لا يحسن أن يرهق الإنسان نفسه، بما يسلب منه الخشوع في صلاته وزيارته.. وإن كان ولابد من المشي، فليرح نفسه قبل الزيارة، ليأتي زائرا وهو على أعلى درجات الاستعداد، أو الراحة البدنية والنفسية.






التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 05:50 AM   رقم المشاركة : 4
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* الانشغال بالذكر:
الزيارة ماشيا قدر الإمكان وبتوجه، واختيار الطرق التي تقل فيها المشغلات الدنيوية، فإن كثرة الانشغال بعالم الكثرات مما يوجب فقدان التركيز في الحرم، والحال أن الزائر أحوج ما يكون إلى التركيز.. والذهاب إلى الحرم منشغلا بذكر الله تعالى والصلوات والأذكار اللسانية، مع مماشاة القلب لذلك أيضا.


حقيقة الذكر:
إن حقيقة الذكر هو ما يتحقق في القلب من المعاني، والألفاظ هي الطريق للتعبير عن هذه المعاني من خلال حركة عضلة اللسان.. ولكن هناك مفهوما خاطئا في نظر العرف، حيث يجعلون الذكر منحصرا بعالم اللسان، فعندما يقال بالالتزام بذكر معين، يتبادر إلى الذهن أنه مجرد تلك الحركة اللسانية اللفظية.. والحال بأن الذكر أمر قلبي، بينما اللسان ليس إلا كاشفا عما في القلب، كما يقول الشاعر:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما*** جعل اللسان على الفؤاد دليلا

والذي يؤيد هذا المعنى قوله تعالى في خطابه لموسى (ع): {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.. أي أن الهدف من إقامة الصلاة، هو تحقيق حالة الذكر الإلهي بالمعنى الحقيقي للذكر، وليس مجرد التلفظ الخالي من المعنى.. فإذا لم يتحقق الذكر، فإن شجرة العبادة شجرة عقيمة، لا فائدة ترجى منها.. فالزارع إنما يزرع الشجرة لثمرتها، أما إذا لم تثمر فإنه يقتلعها من جذورها.

وإن ما يقال في الصلاة والأذكار، يقال أيضا في الزيارات، فالذي يأتي لزيارة الحسين (ع)، ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما.. والحال بأنه في قلبه يتمنى خلاف ذلك، ولو عرض عليه الجهاد، لكان من أول الفارين أو المستنكفين، فهذا الإنسان أساسا لا معنى متحقق في قلبه لما يقوله، وإنما هي فقط مجرد ألفاظ تمرر على لسانه.
فإن الأصل في الذكر هو الذكر القلبي وإن لم يعبر بالألفاظ، كما في بعض الحالات من اشتداد الذكر في قلب المؤمن، بحيث أنه ينشغل عن الذكر اللفظي، لأنه يرى بأن التوغل في عالم الألفاظ، يذهله عما يعيشه من المعاني.
ولهذا فإن البعض عندما يأتي للزيارة، فمن شدة ما يعيشه من توارد المعاني في تلك اللحظات، فإنه يصعب عليه الزيارة اللفظية، ويفضل حالة التأمل والحديث القلبي مع الإمام.. لأن ذلك أوقع في قلبه، وأليق بمقامه، وأسرع في التفاعل الباطني، وخروج الدمعة من عينيه.

تفريغ القلب من المشغلات:
إن مما يحرص عليه المؤمن عندما يريد الزيارة، أن يكون قلبه فارغا من كل المشغلات، ولهذا فالأفضل عند الزيارة اختيار الطرق التي يقل فيها المشغلات إن أمكن.. وإن كان البعض هو ممن يعيش حالة الانشغال الدائم، حتى لو لم يمر على الأسواق وينظر لها، لأن قلبه منشغل بمتاع الدنيا، فهو كإنسان له بضاعة يخشى كسادها، فحتى وهو في الحرم-ولو لم ينظر إلى بضاعة الغير- فإن قلبه مشغول ببضاعته.
فلهذا من المناسب التهيؤ قبل الزيارة.. وكما قلنا بأن الدخول في مشاهد أهل البيت (ع) يكون تدريجيا على محطات ومراحل، وأنها ليست مفتوحة بحيث يدخلها الإنسان من دون مقدمات.. وحتى الكعبة المشرفة التي كانت سابقا في واد غير ذي زرع، والأروقة المحيطة بها محدودة، فهذه الأيام هنالك مراحل حتى نصل إليها.. فمن المناسب أن يهيئ الزائر نفسه للزيارة، قبل أن يصل إلى مقام المعصوم، ويحاول أن يفرغ ذهنه من المشغلات.

أما كيف يفرغ ذهنه من المشغلات، فهذه من المعضلات، فإن من أصعب الأمور أن يتحكم الإنسان في طائر خياله الذي يحط في كل آن على غصن.. فمن الممكن أن يتحكم الإنسان في الذرة، بل هو أمر سهل وميسور، لأن الذرة مادة، ويمكن التحكم في المادة، ولكن الخيال أمر غير مادي، خارج عن السيطرة.

إن الخيال بمثابة حوض مائي، وله روافد تصب فيه.. فكثرة الخيالات والهواجس والأفكار في النفس، مرتبطة بكثرة الروافد الخارجية.. فإن فضول النظر أي الذي ينظر إلى ما لا يعنيه، وفضول القول أي الذي يتكلم فيما لا يعنيه، وفضول الخيال أي الذي يتخيل ما لا يعنيه أو ما لا يهمه؛ كل هذه روافد قد تصب في خلخلة هذا الكيان الباطني.. وإن الذي يريد عالما خاليا من الخيالات الباطلة، فلابد أن يتحكم في المناشئ، ومناشؤها-كما ذكرنا- الجوارح: من النظر والسمع.

احتياج الزائر إلى التركيز:
إن المؤمن بشكل عام أحوج ما يكون إلى التركيز، لأن المنشغل بأمور الدنيا، لا يمكنه الإقبال بتوجه في سائر العبادات، كما قال تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}.. فإن الزائر يحتاج إلى أن يخاطب المعصوم بتوجه وتركيز، فإذا كان مشغول الذهن بأزمة عائلية، أو مالية، أو أمنية بأن كان مطاردا ويخاف مما حوله، فإن مثل هذا الإنسان لا يمكنه التركيز في عبادته وزيارته.

فلهذا فإن المؤمن بشكل عام، يحاول أن يقضي على مناشئ التوتر في حياته.. وإن من مناشئ التوتر التي قد يبتلى بها المؤمن، أن تكون له زوجة غير صالحة، فقد يتفق أنه يختار زوجة ثم يتبين أنها زوجة مشاكسة.. فهنا إن أمكنه التراجع في أول الطريق، فهذا هو الأفضل قبل أن تتعقد الأمور أكثر مع الأيام، فصحيح إن أبغض الحلال عند الله تعالى الطلاق، ولكنه في بعض الحالات يكون أمرا راجحا ولابد منه.. أما إذا لم يطلق حينها، أو أن الطلاق كان غير ممكن، أو أن الزوجة كانت مطيعة وصالحة ثم بعد فترة من الزواج انقلبت، فلابد أن يتجاوز هذه الحالة، وينزع الفتيل من هذا اللغم، بأن يحاول أن يجعل الأمور تحت سيطرته.. فحتى لو كانت الزوجة غير مؤاتية، يمكنه أن يتحكم في تصرفاتها، لئلا تكون له من المشغلات.

تأثير الذكر اللساني على الذكر القلبي:
إن انطلاقة الذكر-كما قلنا- تكون من القلب ولو لم يكن هناك تلفظ، ولكن بلا شك أن الجمع بين الذكر القلبي والذكر اللساني أكمل، لأن كل منهما يحرك ويدعم الآخر.
ونحن نلاحظ في الصلاة الواجبة قبل التكبير والدخول في بحر الصلاة، هناك أمور ومقدمات مهيئة: كالوضوء والأذكار، والأذان والإقامة، وحتى النية التي هي حركة قلبية ولحظات، ثم يكبر الإنسان، ولكن المؤمن قبل أن يكبر من الممكن أن يعيش في هذه اللحظات، حالة من تصفية النية، بأن هذه الصلاة خالصة لله تعالى وليست ريائية، وينفي عن ذهنه المشغلات.
نعم، إن الذكر القلبي مقدم، ولكن لا يخفى أن البعض أيضا يبالغ في هذا الأمر، إلى درجة أنه يترك الأذكار تماما.. فترى البعض يدخل الحرم الشريف ولا يزور بزيارة من زيارات المعصومين (ع)، بدعوى أنه متوجه قلبيا، فهذه دعوى غير مقبولة.. لو أن الإنسان صلى صلاة خاشعة بكل شرائطها، ولكنه لم يتلفظ بالألفاظ، فلم يقرأ الفاتحة والسورة وبقية أذكار الصلاة، فإن صلاته باطلة.. فإن الصلاة مع أنها معراج المؤمن إلا أن فيها حركات لفظية.. فالجمع بينهما أكمل.. ولكن في غير الصلوات الواجبة، لو تزاحم الذكر اللفظي مع الذكر القلبي-كما قلنا- بحيث صار ذكره اللفظي مشغلا لقلبه، ففي مثل هذه الحالة يكون من الأفضل أن يعيش حالة التأمل والتدبر، بدلا من الانشغال بالألفاظ.
*********************
* استغلال ساعات الفراغ:
استغلال ساعات الفراغ في المنزل، بما ينفع من المطالعة النافعة.. ويا حبذا لو التزم الزائر بختمة للمعصوم أيام إقامته فإن هذه خير هدية يقدمها، وخاصة إذا كان مع حضور القلب والفكر.. ولا ينبغي أن يجعل المؤمن لنفسه ساعة فراغ بمعنى الكلمة، فإنه حتى في إجازاته ورحلاته يعيش حالة من الجدية، والإحساس بأنه سيره التكاملي لا زال في حركة دائبة.
أثر المعرفة في التفاعل الباطني:
لا نعني بالمطالعة خصوص الكتاب المقروء، بل أي مصدر من مصادر المعرفة.. ولكن قد يفضل الكتاب، باعتبار أنه خير رفيق، وميسور التداول، بخلاف الإعلام المرئي والمسموع، فإنه يحتاج إلى مقدمات ومعاملات.
من المناسب للزائر أن يأخذ معه-بالإضافة إلى ما يأخذه من الأشياء- كتابا حول حياة المعصوم الذي يريد زيارته، حتى تتحقق في نفسه حالة من المعرفة، تعمق وتقوي الجانب الشعوري تجاهه.. وإلا فمن الواضح بأن الإنسان عندما يزور مجهولا لديه وإن كان معلوما بعظمته، ولكنه لا يعلم أي تفاصيل عنه: لا عن كلماته الحكمية، ولا عن كرائم أخلاقه، وما بدا من بركاته للأمة؛ فإن ما يحمله من هذه المعرفة الإجمالية، قد لا تكفي لإيجاد حالة من الشوق لدى الإنسان الزائر.

إهداء ثواب بعض الأعمال للمعصومين (ع):
إن البعض ممن لم يأنسوا بذكر أهل البيت (ع)، ولم يستوعبوا هذه الحقيقة، بأن كل عمل صالح يقوم به الإنسان: صلاة، أو تلاوة للقرآن الكريم، أو غيره من الأعمال الصالحة، فإن له نور، ورب العالمين وعد في كتابه المنزل أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا..فتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، والصدقة، هذه أعمال صالحة وأنوار ونفحات مباركة، ومن الممكن أن يقدمها المؤمن هدية للمعصوم.
وإن من أفضل أنواع الهدية للمعصوم، هي ركعتان خاشعتان.. فحتى وإن كان الزائر قد صلى صلاته الواجبة وهو في حال ذهول، لتقصيره أو لإهماله، ولكن من المناسب عندما يحب أن يقدم للمعصوم ركعتين هدية، أن يحاول أن يستجمع فكره فيهما.
وهنالك أمر وراد من المعصومين في خصوص زيارة الحسين (ع)، بالصلاة أربع ركعات، ولم يذكر فيها سور مخصوصة، فبالإمكان أن يختار المؤمن من سورة البقرة إلى سورة الناس.. والذي يصلي أربع ركعات بتوجه ثم يدعو بعدها، لا شك أن ذلك من موجبات الاستجابة إن شاء الله تعالى.

والملاحظ أن البعض يستهويه إهداء العبادات الجوارحية: كالختمات والصلوات.. ولكن نعتقد أن من أفضل الهدايا للمعصومين (ع) عند زيارتهم، معاهدة الله تعالى-ببركة المشهد الشريف- على ترك معصية من المعاصي.. لو أن شابا جاء لزيارة الحسين (ع)، وقال: يا مولاي أبا عبد الله، أعاهد الله تعالى في محضرك وفي مشهدك، أن لا أنظر إلى محرم أبدا.. فإن هذه الحركة من الزائر من أفضل القربات إلى الله تعالى، ولعل خير مما لو صلى ألف ركعة وأهداها للمعصوم، وهو عاكف على الحرام.
نحن نعلم أن البعض من المدخنين يأتي عند الإمام، ويعاهد الله تعالى على ترك التدخين.. إن حركته هذه لأن له ميل باطني إلى حفظ صحته، وهذا حسن، ولكن الأولى والأرقى من حفظ الصحة أن يترك الحرام الذي يؤثر على آخرته.

الجدية في حياة المؤمن:
إن الجدية هي السمة الغالبة في حياة المؤمن، لأنه يعتقد بالعبودية لله تعالى، ويستشعر هذا المعنى في وجوده، ومقتضى ذلك أن تكون أوقاته كلها تصب في مرضاة المعبود.
أما غير المؤمن فتجد عنده حالة من حالات الاسترخاء في حياته، وتعطيل القوى الفكرية والقلبية والجوارحية، حتى وإن كان له مستوى اجتماعي متميز، ومن ذوي التخصصات العلمية الراقية.. فقد ترى إنسانا متخصصا في الجراحة، وأعقد العمليات الجراحية تجرى على يديه، ولكنه في إجازة الأسبوع ينشغل بما ينشغل به الأطفال والجهال.. وترى بعض كبار المفكرين أو المهندسين أو الجراحين، يقضي فترات الإجازة في معاقرة الخمرة.. لأنه يرى بأنه مقيد فقط بعمله، فيبرمج نفسه على أدائه، أما ما عداه فيدخل في دائرة الحرية الشخصية، وله أن يعمل ما يحب.

ولكن المؤمن ليس عنده هذا المعنى أبدا، فهو دائما في حال عمل، والراحة آخر الأسبوع أو التقاعد لا وجود له في حياته، إنما له نظام حياتي ثابت يستمر إلى آخر الحياة، ففي كل يوم تراه يعيش هذا التقسيم الثلاثي: ساعة لراحة بدنه، وساعة لمناجاة ربه، وساعة لأهله وعياله.
ولو تعمل إحصائية لكبار علمائنا من المراجع في هذا القرن الأخير، تلاحظ أن مرجعيتهم تبرز وهم في سن السبعين والثمانين.. فيتحملون أعباء المرجعية وهم في هذه السن، والتي من المتعارف أنها سن التقاعد والراحة، لا التكليف بالأعباء الثقيلة.

فغير المؤمن داعويته ودوافعه تأتي من الخارج، فما دام هو موظف ويأتيه المال مقابل عمله، فإنه يكون متقنا لعمله.. أما بعد التقاعد، فلعدم وجود الإغراء المادي، فليس فقط أنه يترك العمل، بل إنه ينسى حتى علمه الأكاديمي.
بينما المؤمن الذي له علاقة مع ربه، فإن دوافعه ذاتية منطلقة من إيمانه وعبوديته لله تعالى، ولا فرق عنده إن جاءه مال أو ما جاءه، وإن تقاعد أو لم يتقاعد.. بعض علمائنا من المحققين كان أثناء التأليف يبتلى بنقص الأكسجين، فكانت الكمامة على أنفه والقلم بيده، فتراه حتى في آخر عمره وفي حالته تلك لا يترك عمله، إن هذا المعنى لا نجده في التخصصات الدنيوية.

وهنا قد يقول قائل كيف يمكن للمؤمن الجمع بين حالة الجدية في الحياة، وبين ممارسة بعض الأعمال التي ظاهرها خلاف الجدية كاللعب مع الأولاد؟..
فنقول: إنه يمكن الجمع بدون منافاة الجدية.. فهذا النبي (ص) أكثر الناس جدية في الحياة، وقد كان-كما يروى عنه- لما يلاعب الحسنين، يركبهما على ظهره، ويقول: (نعم الجمل جملكما، ونعم الراكبان أنتما).
والمؤمن كذلك تأسيا بالرسول (ص) وعملا بقوله: (من كان له صبي، فليتصابَ له).. فإن من مهام المؤمن الجلوس مع عياله، ومطلوب منه أن يتنزل إلى مستواهم، ويشبع احتياجاتهم النفسية والمادية.. ولكنه في نفس الوقت ينبغي أن يعيش حالة من حالات النية، بأنه يلاعب الصبي قربة إلى الله تعالى، لأن الصبي بحاجة إلى اللعب، لا أنه هو نفسه يحب أن يكون متلهيا.
وكذلك عندما يمارس أي نشاط تلذذي شهوي، ينبغي أن يجعل نيته بأن الله تعالى أمره بذلك.. فالمؤمن في كل تقلباته، يربط أعماله بالله تعالى، بحيث لا تبقى مساحة في الحياة للمباح، أي هو يعمل بالمستحبات، وحتى المباحات حولها إلى مستحبات، لأنه عندما يرتكب المباح ينوي به التقوي على طاعة الله تعالى.

التكامل ضرورة للجميع:
هناك اصطلاحات كثيرة ترد في المجال الأخلاقي: كالسير، والسلوك، والسفر.. ونحن لسنا من دعاة الاصطلحات، لأنها قد تكون منفرة للبعض عن خوض هذه المعالم، فالبعض قد يتحسس من بعض هذه الاصطلاحات، لوجود بعض المدارس المزيفة طوال التاريخ التي تحاول سحب الأتباع عن المدرسة الإسلامية الكبرى مدرسة أهل البيت (ع).. وإنما نحن نقول بما ورد في القرآن الكريم وعن أهل البيت (ع).
ونحن نلاحظ أن القرآن الكريم يؤكد في آيات كثيرة على ضرورة رفع الهمة، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يجعل سقف همته التقوى، بل التقوى المستطاعة، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.. والتقوى حق التقوى: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} فهذا معنى أرقى من التقوى المتعارفة.
وقد ورد عن إمامنا العسكري (ع): (إن الوصول إلى الله تعالى سفر، لا يدرك إلا بامتطاء الليل).. وكأن هناك عملية هجرة إلى الله تعالى، ولابد للهجرة من وسيلة ودابة، ودابة السائر إلى الله تعالى هي قيامه الليل.
وفي قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، أمر بالفرار إلى الله تعالى، والفرار عبارة عن عملية سير وحركة، والحركة فيها انتقال من منزل إلى منزل.
فعليه، إن تعبير السير أو السفر مما ورد في القرآن الكريم وعن أهل البيت (ع) بروحه وجوهره.

محدودية السير التكاملي بالحياة الدنيا:
ما دام الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فهو في حركة تكاملية، باعتبار ما يقوم به من الأعمال الصالحة التي تعمل على تكامله، وأن الدنيا دار عمل ولا جزاء، والآخرة دار جزاء ولا عمل.
ولكن هل يمكن للإنسان أن يتكامل بعد الموت؟..
هناك رأي لبعض العلماء-ولكن هذا الرأي قابل للتأمل ولا يقطع به- أن بعض المؤمنين من الممكن أن يتكامل في عالم البرزخ، لما يُعمل له في الدنيا، أو لما يتركه من أعمال يستفاد منها في الدنيا، كالكتب النافعة.. فكل من يقرأ هذه الكتب، ويهتدي بها-ككتاب المراجعات للسيد شرف الدين، فإنه إلى يومنا هذا وله دور في تقريب الناس إلى مدرسة أهل البيت-فبالإضافة إلى ما قد يعطاه من الأجر والثواب، فيمكن أن تعطى له بعض المراحل التكاملية، التي لم يمكنه أن يصل لها وهو في الحياة الدنيا.

وأعلى مرتبة تكاملية، أن يصل العبد إلى درجة أنه لا يرى في الوجود إلا الله تعالى.. وهناك كلمة حكمية عن قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}، أي يطهرهم من الأكوان ما سوى الله تعالى.
ولكن ما هو هذا الشيء الذي إذا سقي أهل الجنة يطهرهم؟.. ومن المعلوم أن الماء الطهور طاهر ومطهر.. فهذا الشراب الطهور من ماذا يطهر من يسقاه؟.. فالذي يدخل الجنة هو طاهر، ولولا ذلك ما دخل، فإذن من أي شيء يطهره؟..
إن هذا من أسرار الجنة، ولا يمكننا أن نحوم حولها، باعتبار أننا في دار الدنيا أفقنا ضيق، ولكن من الممكن أن نقول-والله العالم-: بأن الذي يصل إلى هذه المرحلة من إعطاء الشراب الطهور، أنه يذهل عما سوى الله تعالى، حتى أنه قد لا يلتفت إلى الحور والقصور التي بين يديه، لأنه انشغل بهذا الشراب.. ومن سقاه ليس الحور العين والغلمان، إنما رب العالمين سقاه شرابا طهورا. هناك أسرار في الجنة لا نعلمها إلا أن نصل إليها إن شاء الله تعالى.
فإذن، أعلى مراتب التكامل أن يذهل الإنسان عما سوى الله، حتى الجزاء في الجنة.
*********************
* الاطلاع على سيرتهم:
الاطلاع الإجمالي على سيرة المعصوم (ع)، واصطحاب كتاب مناسب في هذا المجال ليطلع عليه أثناء السفر...
قراءة المتون الأصلية قبل الكتب التحليلية:
إن من المناسب في الاطلاع على سيرة المعصومين (ع) قراءة المتون الأصلية أولا.. لأن بعض الكتب التحليلية قد لا تجد فيها إلا القليل من المصادر، وإلا فكل الكتاب عبارة عن تأملات من صاحبها، وقد تكون تأملات وتحليلات صائبة، وقد تكون خاطئة.. فلهذا من المناسب أن المؤمن يشبع ذهنه أولا بالمتون والروايات الأصلية، حتى إذا قرأ تحليلا خاطئا، يميز بأن هذا التحليل خلاف ما ورد عنهم.
في الحوزات العلمية هناك عبارة معروفة في أوساط طلاب العلم، وهي: (شم الفقاهة)، بمعنى أن الطالب بعد فترة من مزاولة الاستنباط يكون له شم ما، وعندما يرى فتوى غريبة يشعر كأنها مشكوكة، وعندما يبحث في المصادر يرى بالفعل أن هناك خللا في منبع هذه الفتوى.. والأمر كذلك بالنسبة إلى سيرة الأئمة (ع).

وأضخم موسوعة في أحاديث أهل البيت (ع) موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي.. ولكن لابد أن ننوه بأنها جامعة لكل شيء، فالمؤلف ما كان بناؤه على الاختيار، كما في كتب باقي المسلمين إذ بناؤهم على جمع الصحاح.. ولكن المجلسي والكليني والصدوق وغيرهم، كانوا في مقام الجمع، وتركوا الانتخاب بيد العلماء المتخصصين..
ولكن في باب الفقه، الأمر يحتاج إلى تدقيق فقهي وحوزوي.. أما في سيرة الأئمة وأخلاقياتهم العامة، لا مانع أن الإنسان يتلمس حياتهم وسيرتهم من خلال هذه المصادر المباركة.






التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 05:53 AM   رقم المشاركة : 5
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* الاطلاع على سيرتهم:
الاطلاع الإجمالي على سيرة المعصوم (ع) واصطحاب كتاب مناسب في هذا المجال ليطلع عليه أثناء السفر، ثم تذكر مواقفه الدالة على شدة رأفته بأعدائه كما في قصة الجلودي مع الإمام الرضا (ع).. فيتصور مدى إحسانهم للمحبين والزائرين ومن المناسب الاطلاع على فضل زيارتهم تحفيزا للهمم فإننا بطبيعتنا نحب المحفزات المادية فالقليل يتوجه إلى الله تعالى وأوليائه بما هم أهل لذلك.



أثر المعرفة التفصيلية في تأجيج الحالة الروحية:
قلنا بأن من يزور أئمة أهل البيت (ع)، وهو ملم بسيرتهم العطرة، فإن تفاعله الروحي سيكون أيسر بالنسبة إليه.. وقلنا بأن المعرفة الإجمالية تدعوه للزيارة، ولكن المعرفة التفصيلية تؤجج من حالاته الروحية.
فإن تفاعل العارف بمنزلتهم وبمقاماتهم-وبتعبير الروايات العارف بحقهم- من الطبيعي أنه يكون تفاعلا مضاعفا.. وهذا أمر واقع، فليس كل من يزور الأئمة (ع) على درجة واحدة من التفاعل، فنحن نرى حول الضريح أن حالات الزائرين متفاوتة: فهناك إنسان ذاهل، وهناك إنسان يزور بزيارة لفظية، وهناك إنسان يتكلم بكل وجوده والدموع على خديه.
وكشاهد على ذلك، قصة الإمام الرضا (ع) مع الجلودي، فالذي يقرأ تاريخ الإمام الرضا (ع)، ويطلع على قصته مع هذا الطاغية الذي آذى إمامنا (ع)، فإنه لما يتوجه لزيارته، فسوف يتوجه للإمام بثقة أكثر بالإجابة.. ومن المناسب أن نذكر هذه القصة:
في أيام إقامة الإمام الرضا (ع) في المدينة اقتحم الجلودي بأمر الرشيد دار الإمام، وأراد أن يسلب ما على النساء من حلي وحلل، والإمام غيور، فقال له: أنا سأسلبها لك.
-وهنا نكتة عملية: الإمام كان بإمكانه أن يستعمل ما أتاه الله تعالى من قوة الردع، ولكنه استعمل معه الأساليب الطبيعية، هذا أولا.. ثم نتعلم من موقف الإمام: إنه ينبغي للإنسان المؤمن بعض الأوقات أن يدفع البلاء الأعظم، ببلاء أقل.. فهذا ظالم أراد أن يقتحم دار الإمام، ويسلب ما فيه حتى ما على النساء، ولكن بإعطائه شيئا مما يريد، دفع شره-
ومرت الأيام وإذا بهذا الطاغية يدخل على المأمون، وكان الإمام حينها جالس بقرب المأمون، بصفته ولي عهده، فلما رأى الإمام الحالة التي كان عليها الجلودي من الخوف والهلع، أسر إلى المأمون بأن يعفو عنه.. فالجلودي تيقن بأن الإمام يوشي به لجرمه السابق، فأقسم على المأمون بالأقسام المغلظة أن لا يعمل بقول الإمام، والمأمون قتله.


وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة بعثه الرشيد، وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه، وأن يغير على دور آل أبي طالب، وأن يسلب نساءهم ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً، ففعل الجلودي ذلك، وقد كان مضى أبو الحسن موسى (ع) فصار الجلودي إلى باب أبي الحسن الرضا (ع)، فانهجم على داره مع خيله.
فلما نظر إليه الرضا (ع)، جعل النساء كلهن في بيت، ووقف على باب البيت، فقال الجلودي لأبي الحسن (ع): لا بدّ من أن أدخل البيت، فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين.. فقال الرضا (ع): أنا أسلبهن لك وأحلف أني لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته، فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن، فدخل أبو الحسن (ع) فلم يدع عليهن شيئاً، حتى أقراطهن وخلاخيلهن وإزارهن إلا أخذه منهن، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير.
فلما كان في هذا اليوم، وأُدخل الجلودي على المأمون قال الرضا (ع): يا أمير المؤمنين!.. هب لي هذا الشيخ.. فقال المأمون: يا سيدي!.. هذا الذي فعل ببنات رسول الله (ص) ما فعل من سلبهن!..
فنظر الجلودي إلى الرضا (ع) وهو يكلّم المأمون، ويسأله عن أن يعفو عنه ويهبه له، فظنّ أنه يعين عليه، لماَ كان الجلودي فعَله، فقال: يا أمير المؤمنين!.. أسألك بالله وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا فيّ، فقال المأمون: يا أبا الحسن!.. قد استعفى ونحن نبرّ قسمه، ثم قال: لا، والله لا أقبل فيك قوله، ألحقوه بصاحبيه، فقدِّم وضرب عنقه.

فالذي يقرأ هذه الرواية قبل الذهاب للحرم، فمن الطبيعي أن تأثره بالقصة يزيده تفاعلا، بأن الإمام إذا كان هذا تعامله مع الأعداء كالجلودي، ومع أن ما قام به ليس بالأمر الهين باقتحامه لدار الإمام، وسلبه ما على النساء.. فإذا كان تعامل الإمام هكذا مع الأعداء، فكيف مع الأصدقاء والزائرين وخاصة إذا كانوا جاؤوا من أماكن بعيدة.. فهذه قصة قصيرة، ولكن تذكرها يعطي للإنسان الزائر شحنة إضافية في الزيارة.

دور التحفيز في شحذ الهمم:
إن من طبيعة الإنسان الذي لم يصل إلى درجة من الوعي، أنه لا يقدم على أمر إلا إذا كان في مقابله مصلحة ذاتية مغرية.. ولهذا نقول إن من المناسب الاطلاع على ما ورد من الروايات في فضل زيارة الأئمة (ع)، وما يترتب عليها من الجزاء: كقضاء الحوائج في الدنيا، ونيل المغفرة والشفاعة في الآخرة.. فإن ذلك مما يحفز الإنسان الذي لم يصل إلى درجة من البلوغ النفسي.

وإلا فالبعض لا يجد في نفسه حاجة من زيارة الأئمة (ع) إلا شوقا وحبا، ولا يريد إلا أن يسلم على الإمام ويعظمه ويقدره، ويشكره على ما تحمل في هذه الدنيا من أجل إيصال الرسالة إلينا.. فترى البعض في أيام العزاء في أيام عاشوراء يقطع المسافات البعيدة ومن مطار إلى مطار، فقط ليأتي لزيارة الإمام الحسين (ع)، وليقدم له العزاء لما جرى عليه في ذلك اليوم.
وكم هي حركة جميلة وعاطفية، بأن يتحمل الإنسان المشاق، فقط ليقدم العزاء للإمام ويرجع!.. وهذه حركة متعارفة بين الدول، فعندما يموت أحد الرؤساء، تتوافد الملوك المعزين من أماكن بعيدة من شتى الدول.
أعرف شخصا كان ملتزما بزيارة الإمام الرضا (ع) أسبوعيا لقرابة عشر سنوات.. وفي إحدى السفرات كنا في طائرة واحدة، فسألته: أنت ماذا تريد من زيارة الإمام الرضا (ع)، فتزوره أسبوعيا طوال هذه السنوات؟..
فتفاجأت بجوابه-وهو من عامة الناس من كبار التجار- حيث قال: إنه لا يزور الإمام لحاجة أبدا، إنما حبا وشوقا.
إن هذا المعنى قلما يوجد عند عامة الزائرين، ولكن الإنسان الذي يشتغل على إكمال ملكاته الباطنية، فمن الممكن أن يصل إلى هذه الدرجة.

ولكن لا يخفى أيضا أن التحفيز أمر جيد للمبتدئين في عالم التكامل.. ونحن نلاحظ أن الطفل الصغير لا يمتثل للأوامر إلا في مقابل محفز مادي، ولكنه إذا وصل إلى سن الرشد، فبمجرد أن يأمره أبوه بشيء، فإنه يمتثل لأمره، حبا له، ويستحي من أن يقدم له خدمة في مقابل جائزة مادية، فالروابط العاطفية والماورائية، هي محفزه الرئيسي.

ومن المعلوم أن العبادة- كما في الروايات- على ثلاثة أقسام: عبادة العبيد، وعبادة التجار، وعبادة الأحرار.. وصحيح أن عبادة الأحرار خاصة بالأئمة والأنبياء، ولكن المؤمن يحاول أن يصل إلى درجة نازلة من هذه الدرجة..
ومن هنا ترى بعض المؤمنين عندما يريد القيام بما يرد من المستحبات العبادية في كتب الدعاء: صلاة أو دعاء أو زيارة، يتعمد عدم قراءة ما يذكر من الأجر، لأنه يخشى أن تكون انطلاقة عمله نابعة من ذلك، فتنتفي عنده حالة الإخلاص الكاملة.

الطريق لتحقيق الإخلاص:
إن المؤمن نيته-بحسب الظاهر- في كل عباداته أنه يريد التقرب بها لوجه الله تعالى.. والحال أن هذا المعنى لا يتحقق، إلا بمعرفة ذلك الوجه الكريم، بأن يكون متجليا في قلبه، وإلا فإنه يكون وجها مجهولا، وإن الإخلاص في التوجه، فرع معرفة المتوجه إليه.
فإن مجرد المعرفة النظرية، بأن لكل معلول علة، والتقرب إلى الله تعالى بما أنه علة الوجود، قد لا يحفز الإنسان ولا يغريه.. بخلاف ما لو توجه إلى الجميل في هذا الوجود، لا العلة، فالإنسان لا يقدس العلة كثيرا، إنما يقدس صاحب الحق، ومن هو جميل في قلبه.

ولهذا فالذي يريد أن يتوجه إلى وجه الله تعالى، لابد أن يكون على معرفة بالوجه الربوبي.. والقرآن الكريم أشار لهذا لمعنى في قصة موسى (ع): {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}.. إن رب العالمين متجل لكل الجبال في الوجود، ولولا التجلي الإلهي لما وجد جبل، بمعنى أن رب العالمين توجه له فأوجده.. ولكن الذي حدث لهذا الجبل في وادي طور سيناء، أن رب العالمين أعطاه شحنة إضافية زائدة، أو بمعنى آخر عناية وجودية زائدة، فكان ذلك الأثر.. وفي آية أخرى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.. فالقرآن ما أنزل على الجبال، إنما أنزل على النبي (ص)، ولكن هذه إشارة بأن المعنى القرآني له هذا الأثر، لو أنزل على الجبل.
هناك تجل أصلي بالحد الأدنى، وهو إيجاد الموجودات من العدم، وهناك التجلي الربوبي، وهو حالة من حالات التجلي المضاعف عن أصل التجلي.. فرب العالمين بعد أن أوجد الموجودات، تجلى لبعض الأشخاص كالأنبياء، وتجلى لبعض الأماكن كمكة وكربلاء، وتجلى لبعض الأزمنة كشهر رمضان.. فهذا تجل مضاعف بعد تحقق التجلي الأصلي.
*********************
* الحديث المسترسل:
الحديث المسترسل النابع من صفاء الفطرة أي الحديث الأبوي معهم، فإن مقام الأبوة الثابتة للنبي وعلى (ع) يشمل أولادهما الكرام أيضا بنفس الملاك، وهم يحبون هذا النمط من الحديث العفوي الذي ينبع من أعماق القلب بالإضافة إلى ما ورد من الزيارات.
المحافظة على صفاء الفطرة:
إن رب العالمين خلق بني آدم على الصفاء والاستقامة، فالملكات الباطنية مغروسة فيه غرسا منذ خلقه.. والدليل على ذلك ما نلاحظه على الطفل قبل أن يلوث بملوثات البيئة، إذ أنه يتجنب القبائح كالكذب مثلا.. بل يقال حتى الحيوان عنده هذه الخاصية من معرفة القبيح، ويتضح هذا المعنى من هروبه إذا سرق شيئا من الإنسان، فيهرب لأنه يحس أن هذا شيئا مسروق.
الإنسان بفطرته التي أوجدها الله تعالى فيه، يمكنه أن يميز الحسن من القبيح، كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.. ومن الواضح أن هذا الحكم-الذي تشير إليه الآية- عام لجميع بني آدم، وليس لخصوص المؤمنين فقط، بل حتى الكافر..ولهذا تلاحظ أن بعض كبار المجرمين والطواغيت في أواخر عمره، يبتلى بوخز الضمير، وقد ينتحر أو يصاب بالأمراض النفسية، كذاك الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما.

ولكن هذه الفطرة تتلوث مع الأيام، والمطلوب أن يحاول الإنسان أن يبقي على هذا الصفاء، وهو في زحمة الحياة، لأن حقيقة الإنسان تظهر مع ما يعايشه من الصراعات والإغراءات في الحياة.. فلو أن إنسانا لم ير مالا، فلا معنى أصلا بأن يقال إن هذا إنسانا أمين، أو غير أمين.. بخلاف الذي يتعرض لإغراء مالي، فيكف نفسه.
والإنسان كبير السن قد لا تغريه النساء أو النظرة الشهوية، ولا فخر في كفه، لانتفاء حالة المقاومة والصراع في داخله.. بخلاف الشاب الذي يكف نفسه عن النظر إلى الحرام، وهو يعلم بأن هذه العين هبة إلهية، والله تعالى أمره بالكف عن النظر إلى الحرام.
في الفقه هناك ما يمسى بالهبات المشروطة، مثلا يشترط إنسان على آخر بأنه يعطيه هذا القلم، على أن يؤلف هذا الكتاب، فإما هو لا يقبل الهبة أساسا، وإما أن يقبلها مع الوفاء بالشرط.
فالذي يعلم بأن كل ما يملكه من الجوارح: عينيه ولسانه وأذنيه ويديه ورجليه، عبارة عن هبات مشروطة، فهذا عندما يفي بالشرط، لا يمن على صاحب الهبات، لأنه من الأساس قبلها على هذا الشرط.

فمن الضروري أن نوصل صفاء الباطن بعد البلوغ بصفاء الباطن قبل البلوغ.. والأب الذي يرى في ولده حالة من الصفاء المتميز والسلامة القلبية، فليحاول أن يساعده على نقل هذه السلامة إلى ما بعد البلوغ.. لأنه ما قبل البلوغ ليس عليه تكليف، ومرفوع عنه القلم، سواء كانت عنده سيئة أو لم تكن.. ولكن ينبغي أن يوصل هذه السلامة إلى ما بعد البلوغ، والفخر أن يكتب القلم عليه التكليف، ولا توجد سيئة عنده في حياته.. كما نسمع عن بعض علمائنا الكبار أنه قبل البلوغ لم يرتكب الحرام، وبعد البلوغ أيضا لم يرتكب الحرام، ولكن بفارق أن عدم ارتكاب الحرام بعد البلوغ له مزية، وكأنه سباحة ضد التيار.

فالذي يعيش هذا الصفاء، عندما يأتي لمشاهد المعصومين (ع)، فإنه يعطى المنح المتميزة، لأن الأئمة (ع) بناؤهم على العطاء.. فالذي يريد عطاء متميزا، لابد أولا أن يكون وعاؤه واسعا، فالأوعية مختلفة وأحسنها أوعاها، وثانيا أن يكون طاهرا.. وإلا فليس من شأن الإنسان الحكيم أن يجعل عطاياه في إناء قذر، لأن ذلك فيه إهانة وانتهاك لها.. لو رأيت كريما يملك الكثير من الطعام المخزن في المستودعات، وسأله أحدهم وكان معه إناء ملوث، ألا يقول له: اذهب ونظف إناءك أولا، ثم تعال لأعطيك؟..
إن أئمتنا (ع) بناؤهم على العطاء، ولكنهم يبحثون عن نفوس نقية.. لماذا الحر أعطي هذه المزية في يوم عاشوراء؟!.. ومن المعلوم أن كل من كان مع الإمام الحسين (ع) قبل ليلة عاشوراء، كانوا على درجات متقاربة من الصفاء، ولهم ما لهم من التاريخ المتميز، ولكن الحر كان حديث العهد بطريق الولاية.. فالحر لأنه صفى نفسه في لحظات، فإذا بالمدد يأتيه، ليستنقذه من أي عالم إلى أي عالم.
فإذن، إن الذي له هذه الفطرة السليمة أقرب للعطاء، ممن ليست عنده هذه الفطرة السليمة.

الحديث الأبوي مع الإمام:
إن من المناسب جدا عند الحديث مع الإمام، أن نخاطبه بلفظ الأبوة، كما ورد عن الرسول الأكرم (ص): (أنا وعلي أبوا هذه الأمة).. فأبوتهم لنا، باعتبار الرعاية الشاملة في مختلف الأبعاد لجميع الخلق، ومن هنا قال الشاعر عن لسان النبي (ص):
وإني وإن كنت ابن آدم صورة *** فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
أي أن النبي (ص) وإن كان بحسب الشكل الظاهري على صورة آدم (ع)، وأبوه آدم (ع) من حيث عالم الطين، إلا أنه أبو آدم (ع) بهذا المعنى في عالم الدين.
وكما أن هذا الحكم-أي مقام الأبوة المعنوية- للنبي وعلي (ع)، أيضا فهو ثابث لبقية الأئمة (ع)، لأن نفس المعنى الموجود في النبي وعلي (ع)، موجود في الأئمة جميعا، فكلهم حجج الله على الخلق، والقادة الهداة، والدعاة إليه.
ولهذا في ليلة ويوم الجمعة المرتبط بإمام زماننا (ع)، من المناسب أن نستدر عطف الإمام ولطفه، بأن نخاطبه بلفظ الأبوة.. فما المانع أن نخاطب الإمام الحجة (ع) بخطاب أخوة يوسف لأبيهم يعقوب (ع) عندما قالوا: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}، أو بخطابهم ليوسف (ع): {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.. فمن الجميل جدا أن يستشعر المؤمن هذه الحالة، تجاه إمام زمانه، بأنه ابن يستجدي من أبيه!.

قلنا هناك الأبوة النسبية، وهناك الأبوة المعنوية، وبلا شك إن الذي يجمع بين الأبوتين فهذا إنسان مغبوط.. ولكن لو دار الأمر بين الأبوة النسبية والأبوة المعنوية، فقطعا الأبوة المعنوية مقدمة على ذلك، لما نعلم نحن من قصة عم النبي (ص)، وكيف أنه كان في خط معاكس لخط ابن أخيه.

الأنس والدلال بين يدي المعصوم:
إن من ثمار الحب واشتداد العلاقة العاطفية مع المعصوم، أن يعيش الإنسان حالة من الأنس والدلال عند الحديث معه، فيتكلم بأريحية وعفوية وبلا قيود رسمية، لأنه وصل إلى درجة من درجات المحرمية لأهل البيت (ع).
كما هو المعلوم أن البعض له محرمية الأبدان، وهم السادة من ذرية النبي (ص)، وهذه المحرمية مغلقة، حتى لو تمنى الإنسان أن يكون من أبناء النبي (ص)، فهذا أمر مستحيل وغير ممكن، لأنه ليس بيد الإنسان.
ولكن البنوة المعنوية أمر ممكن جدا، بأن يصل الإنسان إلى درجة من شدة العلاقة والارتباط بالأئمة (ع)، أنه عندما يزورهم، فإنه يلتجئ إليهم التجاء الولد إلى أبيه، وعندما يضع رأسه على الضريح، يتخيل نفسه كأنه وضع رأسه على صدر الإمام، فما يكون على اللسان من الحديث، يعكس ما في القلب.

وحتى الحديث مع رب العالمين بالطريقة العفوية أمر مطلوب، كما في قصة موسى (ع) مع برخ العابد.. ومن المناسب أن نذكر هذه القصة:
بنو إسرائيل أصابهم الجدب السنوات، ومن المعلوم أن استمرار الجدب في ذلك الزمان يعني الموت المحتم بالنسبة لهم، فخرجوا مع موسى (ع) للاستسقاء ودعوا ربهم، فأوحى الله تعالى لموسى (ع) أنه لن يستجيب لهم لأن فيهم أفرادا غير صالحين، وإن الذي تستجاب دعوته عبد اسمه برخ.. فبحث عنه موسى (ع)، فلما التقى به قال: فأنت طلبتنا منذ حين، اخرج فاستسق لنا، فخرج، فقال في كلامه: ما هذا من فعالك، ولا هذا من حلمك، وما الذي بدا لك؟.. أتعصت عليك غيومك؟.. أم عاندت الرياح عن طاعتك؟.. أم نفد ما عندك؟.. أم اشتد غضبك على المذنبين؟.. ألست كنت غفاراً قبل خلق الخاطئين؟.. خلقت الرحمة وأمرت بالعفو، أم تربنا أنك ممتنع؟.. أم تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة؟!..
فما برح حتى اخضل بنو إسرائيل بالمطر، وأنبت الله تعالى العشب في نصف يوم حتى بلغ الركب.. ثم رجع (برخ)، فاستقبله موسى (ع)، فقال: كيف رأيت حين خاصمت ربي، كيف أنصفني؟!.

إن البعض هكذا يتكلم مع رب العالمين بصيغة الدلال والأريحية والحب المعمق.. ولكن أيضا ينبغي أن لا ننسى أن هذا المقام ليس مقام الجميع، فالبعض ليس له الحق بأن يتكلم بهذه الصيغة، لأنه إنسان عاص، وينبغي أن يتأدب في الكلام.



















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 05:56 AM   رقم المشاركة : 6
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* المراقبة طوال الوقت:
إن الزيارة تبدأ من المنزل إلى المنزل ذهابا وإيابا، فلا بد من المراقبة المستمرة في هذه المدة على الأقل، لتزداد قدرة التلقي من الفيوضات.. ولا شك أن من نجح في هذه الفترة القصيرة، فإنه من المرجو أن يعمم ذلك لكل الفترات اللاحقة من عمره.. فما الحياة إلا مجموع هذه الفرص.



الزيارة من المنزل إلى المنزل:
إن البعض يرى بأن فترة الزيارة هي اللحظات التي يكون فيها حول المعصوم في مشهده.. والحال بأن الزيارة الحقيقية المثلى، هي التي تكون من المنزل إلى المنزل، بأن يعيش حالة الزيارة طوال هذه الفترة.. ومن المعلوم أن الزائر إلى أن يرجع إلى منزله، فهو في ضيافة المعصوم.. ولو أصابه في الطريق في الذهاب أو الإياب أذى، فالإمام يتحمل عنه التعويض، كما يستفاد من قوله تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.

إن الإنسان بطبيعته كسول وهلوع، وغير ميال للأمور الجدية، ولهذا تلاحظ أن الطفل لا يتحمل الدراسة في المدرسة- وخاصة في السنوات الأولى- وتراه يمل ويريد أن يخرج ليلعب ويلهو، لأن مزاجه غير منسجم مع الجدية، بخلاف المحقق والمخترع الذي قد يبقى في مكتبته أيام وليال.
وكذلك في عالم التكامل الأنفسي، فالبعض لا يتحمل الجد في الحياة والمراقبة المتصلة من الصباح إلى الليل وطوال السنة، بخلاف الذين هم في مراحل عليا من التكامل.. التقيت بابن مؤلف كتاب تفسير الميزان-من أكبر التفاسير للقرآن الكريم- وكان يقول بأن والده ألف كتاب الميزان في عشرين سنة، وكان يعمل في كل يوم أربعة عشرة ساعة، ولم يعطل التأليف إلا في يوم واحد وهو يوم عاشوراء.
نعم، إن هذه جدية المؤمن في الحياة، وبلا شك أنه حتى ما يتبقى من يومه أيضا كان في أجواء عبادية وأداء النوافل وقيام الليل، فهو يعيش حالة الجدية في طوال الليل والنهار.

ولهذا نقول بما أن البعض قد لا يتحمل المراقبة المستمرة طوال العام، فعليه أن يخادع نفسه ما دام في سفرة لأولياء الله تعالى، بأن يحاول الانضباط طوال هذه الفترة، من الذهاب إلى الإياب، وأن يعيش حالة المراقبة.. ولا نعني بالمراقبة المراقبة المستوعبة من الصباح إلى الليل، ولكن ينبغي أن تختلف حالاتنا في أيام الزيارة، بأن تكون أحسن مما نحن عليه في الوطن، فهذا الأمر قد يشق على المبتدئين في التكامل.. وإلا فأمثال صاحب تفسير الميزان وغيره، فهو في بيته مراقبا من الصباح إلى الليل، فكيف إذا ذهب إلى كربلاء المقدسة، أو ذهب إلى حج بيت الله الحرام، فلا شك بأن الأمر سيكون سلسا وطبيعيا جدا.
إن البعض في الحرم يعيش حالة شعورية راقية، من البكاء والحنين والمناجاة الخاشعة، ولكنه بمجرد أن يخرج من عند المعصوم من الباب الرئيسي، يقهقه ويضحك، والدموع لا زالت على خديه.. أليست هذه خسارة، بأن يمتلك الإنسان هذه الحالة، ولكنه بعمل غير منسجم مع المراقبة يفقدها؟.

المراد بالفيوضات الإلهية:
إن هذا المعنى معنى دقيق، ولا يمكن التجرؤ دائما بذكر كل شيء، فبعض الأمور يحتاج إلى مقدمات وتوضيحات احترازية، خشية من تلقي المعنى السلبي، لاختلاف الطبقات الثقافية عند عامة الناس، فنحن ينبغي أن نتكلم بما ينسجم مع كل الأفهام.. فنقول إجمالا:
إن وسائل المعرفة وانتقال المعلومات مختلفة، ومن المعلوم أنها كانت قديما منحصرة بالكتاب، أو بالمشافهة، فالطريق المتعارف للعلم سابقا، كان إما أن يقرأ، أو أن يسمع.. وأما الآن في زماننا هذا، فقد تطورت وسائل المعرفة، فصار بالإمكان أن تصب المفاهيم في قالب مرئي-كالأفلام المتداولة هذه الأيام- والإنسان عندما يرى منظرا معينا، فإنه بنفسه يستنبط فكرة ويلقنها قلبه.

وإن من وسائل المعرفة-غير تلك- المعرفة الإشراقية، أي المعرفة التي لا تأتي من خلال الوسائل المادية كالكتب وغيرها.. وقد يقول قائل: وما هذه المعرفة؟.. ومن أين نقطع بأن هنالك علما يأتي من غير باب التلقي المتعارف؟..
والجواب: إن القرآن الكريم قد أشار إلى هذا السنخ من المعرفة، في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}.. فلقمان الحكيم من أين تلقى الحكمة وهو لم يحضر جامعة كبرى، وهو ليس نبي إنما كان عبدا صالحا، حتى ننسب علمه إلى عالم الوحي؟..
نعم، إن باب الوحي خاص بالأنبياء، ولا طريق إليه، ولكن الحكمة اللقمانية باب مفتوح للجميع، ومن موارد تحقيق الحكمة، العمل بما يشير إليه هذا الحديث: (من أخلص لله تعالى أربعين يوما، جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)..
ونلاحظ أن طريق هذا العلم معاكس للعلم المتعارف: فالعلم المتعارف يحصل عن طريق إحدى أدوات الحس كالأذن والعين، ثم ينتقل إلى الجانب المدرك في الإنسان وهو الذهن، ثم ينتقل إلى القلب، ثم ينعكس على الجوارح كاللسان مثلا.. أما العلم الإشراقي فإنه يكون في القلب، ثم ينعكس على اللسان.. فتلاحظ أن الأول طريقه من اللسان إلى القلب، بينما الثاني من القلب إلى اللسان.

إن الزائر الذي يقصد هذه البقاع المقدسة، من مشاهد المعصومين (ع)، أو البيت الحرام، يمكنه أن يطلب هذا العلم من المعصوم، فإن هذا من طرق تفضل المعصوم على بعض الزائرين، فالزائرون على درجات، فهناك من يطلب الشفاء في بدنه، وهناك من يطلب المال، وهناك من يطلب الدرجات والمقامات المعنوية، والإمام يمكن أن يمدهم بهذا المعنى.. ولكن نحن لا نعلم بأي طريقة وكيف يكون ذلك، ولكن نقول بأن الله تعالى الذي أعطى لقمان الحكمة مستجيب لأوليائه المعصومين (ع)، ومن الممكن أن يتحقق ذلك للزائر إذا طلب المعصوم له شيئا من هذه الحكمة.

إلا أن البعض يحاول أن يعقد الأمور، ويجعلها كأنها طقوسا وأسرارا حزبية، لا تعطى إلا للمنتسبين لتلك الجهة.. والحال بأن هذه معان مبذولة للجميع.. وحتى بالنسبة لمسألة الإجازة في الأوراد والأذكار، فلا يوجد دليل مقنع على أن الذكر يؤثر أثره، إذا أجازه عارف معين.. فما دام الذكر واردا في روايات المعصومين (ع)، بأنه إذا قلت كذا يصبح كذا، فلا داعي لتعليق أثره على إجازة من العالم أو العارف.

ومن المناسب العمل بهذا الاقتراح وهو: أن نجعل أربعينية الإخلاص-كما ورد في الحديث- في ضمن فترة الزيارة للأئمة (ع) أو لبيت الله الحرام.. فعادة الذي يذهب للحج يقيم عشرين يوما أو شهرا، والذي يأتي إلى كربلاء المقدسة قد يقيم عشرين يوما.. فمن المناسب أن تجعل هذه الفترة ضمن أربعينية الإخلاص، فإن النتيجة تكون أقرب للتحقق في الأرض المقدسة، وفي جوار المعصوم، مما لو كان الإنسان في وطنه.

التصعيد بالتدريب:
ولا شك أن الذي ينجح في ضبط نفسه في فترة الزيارة، على ما يرضي الله تعالى، فإنه قادر على ذلك أيضا في وطنه.. بناء على القاعدة الفلسفية التي تقول: إن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.. فإذا كان هذا الماء يغلي في هذه الدرجة، فالحكم يعمم على باقي المياه، فنقول بأن كل المياه تغلي في هذه الدرجة.
إن الذي يتوجه إلى الله تعالى في مشهد المعصوم، ويرى بعض النتائج الإيجابية، أيضا لو أنه قام في بلده بنفس ما قام به هناك، تتحقق له تلك النتائج، فإن رب العالمين بابه مفتوح للسائلين.. فما دام الزائر أعطي النفحات في المشهد، فهذا دليل على أن جهازه سليم، وله قابلية لاستقبال النفحات.. ولهذا فإن هو حرم منها عند العودة إلى وطنه، فإنما لتقصير منه في التقرب والتوجه إلى الله تعالى، وإلا فهو إنسان قابل لتلقي الفيض.

انتهاز الفرص:
لا خلاف في أن ساعات الطاعة في حياتنا محدودة جدا، قياسا لساعات الغفلة عن الله تعالى، فحياتنا عبارة عن واحات في صحراء قاحلة، وليست واحة متصلة، كحياة المعصوم.. فإن طبيعة حياة المؤمن الملتزم، عبارة عن واحات متقاربة، فهو في الصباح أوجد واحة خضراء بصلاة الفجر، ثم عند الزوال أوجد واحة أخرى بصلاة الظهرين وهكذا..
وقد ورد هذا المعنى في الروايات، بأنه في يوم القيامة تعرض على الإنسان صناديق بعدد ساعات اليوم، وتكون معظمها للبعض صناديق فارغة، وهي ساعات الغفلة، فلا هي طاعة ولا هي معصية، وبعضها فيها سيئات وبعضها، فيها حسنات..
والمطلوب من المؤمن أن يحاول أن يجعل الصناديق المملوءة بالحسنات بأكبر ما يمكن، وأن يحاول أن يجعل الصناديق الفارغة بأقل ما يمكن، وليس أن يملأها جميعا، لأن هذا مقام المعصوم الذي يقول: (ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه).
*********************
* توسعة القابلية:
الإمام كالشمس الساطعة تشرق نورها على الجميع، فلا بد من توسعة القابلية من اجل أن تكون الاستفادة في أوجها.. فان القلوب أوعية أحسنها أوعاها، والذي يرجع خائبا فان التقصير سيكون من جهة القابل لا الفاعل الذي لا بخل في جانب الفياض وهو الله تعالى، ومن تلقى الفيض منه في الدرجة العليا!.
الشمس الساطعة:
إن الإمام بناؤه على إعطاء الفيض، لكل من يقبل الفيض، فإنه كالشمس الساطعة، تشرق على جميع ما يتعرض لأشعتها.. لو أن الشمس كانت تميل إلى أرض، وأرادت أن تشرق بأشعتها عليها، ولكن هذه الأرض عليها غطاء يمنع من وصول أشعتها إليها، فماذا تعمل الشمس إذا كانت هي التي تريد أن تفيض على هذه الأرض لميزة تراها فيها؟.. أولا عليها أن تزيل المانع، بأن تذيب الغطاء بأشعتها اللاهبة، ثم تشرق على الأرض.
لا مانع أن يتحقق هذا المعنى، لبعض الزائرين في مشاهد المعصومين (ع).. إن الإمام قد يرى بأن بعض الزائرين له خصوصية، ولكنه لا يقبل الفيض، بسبب حجب المعاصي التي بينه وبين الإمام، فالإمام بلطفه وإشراقته وبنظرته الولائية، يذيب المانع أولا، ثم يعطي العطاء، أي أنه يعطي القابلية، ثم تتحقق الفاعلية.

ولهذا فالبعض عندما يأتي للإمام يناجيه بهذه المناجاة، يقول: يا مولاي، أنا لست قابلا للفيض، بسبب ذنوبي وبعدي عن الله تعالى، أنا إنائي ملوث، فأنت أوجد فيّ القابلية، ونظف إنائي، ثم أعطني الفيض.. أنا أعلم أن عدم الاستجابة لا لنقص في فياضية الفياض، وإنما في قابلية المتقبل.. ولكن كما أن لك المقتضي، فلك أيضا رفع المانع.
كم جميل أن يطلب الإنسان من الإمام أن يهيئه لتلقي الفيض!.. ولكن هذا المعنى الجميل لا يأتي في بال كل أحد، فالبعض يأتي ولا يعرف أصلا ماذا يقول، ويتحقق للبعض، وإلا فالسنة الطبيعية أن يأتي الزائر بالقلب الذي يتقبل هذا الفيض.

طلب تلقي الدرجات العليا:
إن أهل البيت (ع) هم مظهر من مظاهر الكرم الإلهي الغير محدود، وإن رب العالمين عطاؤه غير منقطع ولا حد له، والإنسان من الممكن أن يأخذ من الله تعالى من العطاءات، بما يعادل الفارق بين الثرى والثريا.. ولكن البعض قد يقنع ببعض الجزاء المادي، من الحور والقصور وما شابه.. أما البعض فله طموح عال بأن يصل إلى مقام الرضوان الأكبر.. وأين الرضوان وأين الحور؟!.. ولهذا لا نستبعد أن بعض أهل الجنة في عرصات القيامة، يذهل عن الحور بالرضوان الأكبر، فهو يعيش حالة النظر إلى وجه الله تعالى، بحيث يزهده حتى عن النظر إلى ما سواه.

إن درجات تلقي الفيض كثيرة، وإن من الممكن أن يطوي الإنسان الزائر مراحل التكامل البعيدة، في ليلة واحدة، في حضرة المعصومين (ع).. إن البعض قد لا يستوعب أو يستغرب الحديث الذي يقول: (من زار الحسين كمن زار الله في عرشه).. والمعنى أن ما يترتب من الآثار من زيارة الله تعالى في عرشه-وهي الالتفاتة الإلهية- أيضا يترتب من زيارة الحسين (ع)، فإن رب العالمين كما يلتفت إلى زائره في عرشه، أيضا يلتفت إلى زائر الحسين (ع)، لأنه قتل في سبيله وفي طاعته، وقد ورد أن (موضع قبر الحسين ترعة من ترع الجنة).

إن في هذا الزمن-لغلبة الشهوات والماديات- أصبحت النفوس ضعيفة، ولا تتحمل التكاليف الشاقة أو الرياضات، أو حتى الرياضات الشرعية المتعارفة.. فما دمنا في زمن تصعب علينا فيه المجاهدات الكبيرة، فلنغتنم زيارة المعصومين (ع).. فإن الإنسان الكسول، أو المريض الذي لا مال له ماذا يعمل؟.. من الواضح أنه يطرق أبواب الكرام مستجديا، رجاء أن يعطى شيئا.. وقد يعطيه الكريم، ما يكسبه عامل بجهده وتعبه، في سنة كاملة.. ومن المعلوم أن البعض يتعب في وطنه بالمجاهدات والرياضات والمطالعات، ولا يحقق ما يريده، ولكنه قد يأتي إلى خدمة المعصوم وإذا بنظرة ولائية يعطيه ما يعطيه، كما لاحظنا ما حدث للحر.
وأنا سمعت من مصادر موثقة بأن البعض رجع من زيارة الحسين وأمير المؤمنين (ع)، وقد أعطي ما أعطي، وما أخذه الغير في سنوات أخذه هذا الزائر النموذجي في ليلة واحدة.

أما عن كيفية العطاءات وتفاصيلها، فهذا من أسرار أهل البيت (ع)، فنحن لا نعلم كيف وماذا يعطون.. ولكن من المعلوم أن ليلة المعراج كانت ليلة واحدة من ليالي هذه الدنيا، ولكن ما أعطي للنبي (ص) فيها، لا يمكن أن تستوعبه العقول، ولهذا فالقرآن أبهم هذا الأمر، حيث يقول تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.. فلا يمكن أن يفهم ماذا يعطى للإنسان، في لحظات تلقي الفيض الخاص.



















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 05:59 AM   رقم المشاركة : 7
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* الالتفات لمقام الإمامة:
الالتفات التفصيلي إلى مقام الإمامة الكبرى لهم (ع)، فإن هذا مما يحقق معنى العرفان بالحق الذي يترتب عليه الثواب الأكبر، والذي علق عليه دخول الجنة في روايات متعددة.


الالتفات التفصيلي لمقام الإمامة:
إن معرفة الصفات الشخصية للإمام المتمثلة: باسم أبيه وأمه، وتاريخ ومكان ولادته، نوع من أنواع المعرفة النافعة والمفيدة بلا شك.. ولكن الأهم من معرفة تلك الجزئيات النافعة، معرفة موقع الإمام في الأمة، وهو أن الإمام الحبل المتصل بين الأرض والسماء، كالنبي (ص) تماما، غير أن حبل النبوة تغير لونه في زمان الوصي.. فكما أن رب العالمين الأعلم حيث يجعل رسالته، فهو أيضا الأعلم حيث يجعل وصاية نبيه في هذا المعصوم.

وهذه الأيام المعرفة متيسرة، وبحمد الله تعالى هناك الكثير من الدورات والكتب العقائدية، والفضائيات الهادفة، التي طرحت موضوع الإمامة من جوانب عديدة.. ويمكن أن نقول إن في زماننا هذا-حيث كثرة موارد المعرفة وانتشار وسائل الثقافة- قد لا تصدق كلمة المستضعف على الكثيرين، ويوم القيامة لا معنى لأن يتذرع العبد بأنه لم يكن يعلم، لأن المعرفة تأتيه رغما عنه وهو في بيته.
فمن اللازم لكل مؤمن معرفة الإمام وموقع الإمامة، وخاصة أن هذا الزمن زمن تحديات، فالإنسان الموالي الإمامي المتبع لمنهج أهل البيت (ع)، عادة ما يستثار في عقيدته أينما ذهب، فعندما يعرف بأنه تابع لخط جعفر بن محمد (ع) يُسأل، فلابد من إلمامة شبه تفصيلية أو تفصيلية بمعنى الإمامة.

واقتراحنا أن الموالي عندما يسأل عن خط الإمامة، أن لا يتطرق للأحكام الفقهية الجزئية، فالخلاف الفقهي في كل المذاهب مع بعضها البعض، وإنما عليه بأن يطرح الكليات، فإذا كان إنسان لا يؤمن بمصدر التشريع الذي تؤمن به، أي لا يعتقد بخط الإمامة، فكيف تقنعه بالجزئيات: كالسجود على الأرض، والجمع بين الصلاتين، والإفطار بعد مغيب الشفق.. لا تناقش في الجزئيات، وإنما في الكليات، وهي مدرسة النص، فنحن نعتقد بأن الله تعالى ما ترك أمر الأمة سدى بعد وفاة نبيه (ص).. وهذه سنة فطرية، فالذي يغيب عن قومه أو أسرته لا يتركها هكذا، بل لابد أن يستخلف عليهم أحدا.. وهذا موسى (ع) عندما غاب في ميقات ربه، استخلف عليهم أخاه هارون (ع).. ومن المعلوم أن النبي (ص) كان من أول أيام بعثته يشير إشارة صريحة إلى ابن عمه أمير المؤمنين (ع)، كما في واقعة الغدير، وحديث المنزلة، وحديث الطائر المشوي، وحديث الكساء، وغيرها من الروايات المختلفة في هذا الباب.

فإذن، إن الاطلاعة التفصيلية في موضوع الإمامة أمر راجح.. ولخصوص المتعمقين والمحققين، من المناسب الاطلاع على كتاب العقبات، فإنه من أثرى كتب الإمامية في هذا المجال، ومؤلفه أفرد لكل دليل-كحديث المنزلة، أو حديث الطائر المشوي، أو حديث الكساء- كتابا مستقلا.
فعليه، إن الذي يزور المعصوم وهو يعلم منزلته عند الله تعالى، فبلا شك أنه سيتأدب في محضره.

مقام الإمامة الكبرى:
إن الإمامة مقام إلهي جعله الله تعالى للمعصوم، سواء تحققت فعلية الإمام، أم لم تتحقق.. فالإمام أمير المؤمنين (ع) نفذ فعلية إمامته في الأمة، وتصدى للأمور في هذه السنوات القليلة التي تسلم فيها الخلافة، وانشغل بما انشغل من الحروب مع القاسطين والمارقين، ولم يتح له أن يثبت دعائم الحكومة الإسلامية كما هو يريد.
ولكن مقام الإمامة الكبرى-بمعنى رتبة المعصوم- لا ربط له بالتحقق الفعلي، فحتى لو لم يكن في الدنيا مأموم واحد، فالإمام إمام.. فاتباع الناس للإمام، لا يقوم مفهوم الإمامة، فإن الإمامة معنى إلهي جعله الله تعالى لأوليائه، سواء علم البشر بذلك أو لم يعلموا.

العرفان بحق الإمام:
من المعلوم-كما في الروايات- أن قبول الزيارة والثواب الأكبر، مترتب على العرفان بحق الإمام، أي المعرفة بمنزلة الإمام عند الله تعالى ومقامه المنيع.. فالمقامات والعطاءات المتميزة، إنما تكون لمن يزور المعصوم احتراما وتقديرا لمقامه، لا فقط أنه يزوره لقضاء حوائجه.. فلا شك أن الذي يزور الإمام وروحه تفيض من معاني التعظيم والاحترام والتقدير، تجاه المعصوم، غير ذلك الذي يزوره بروح خالية من المعاني، وما زيارته إلا عملية ميكانيكية مادية، بأن بدنه دخل المشهد الشريف، وإن هذا لا يوجب القرب من المعصوم..
فقد يكون إنسان يدخل المشهد متفرجا أو مستمزجا أو لقضاء حوائجه، ومثله مثل إنسان يزور تاجرا مستجديا، وهو قد يكون في قلبه يبغضه، أو لا يعترف بمقامه ومكانته.. لأن ما يهم المستجدي، هو أن يأخذ من المزور ما يريده.. إن البعض عندما يزور المعصوم عينه على نفسه، أي على ضعفه أو حاجته أو مرضه أو فقره، لا على المعصوم.. وإن هذا لا يسمى عارفا بحق المعصوم، فإن العرفان بحق المعصوم-كما قلنا- هو معرفة موقعهم في هذا الوجود.

*********************
* لعلها الزيارة الأخيرة:
استحضار حقيقة أنه من الممكن أن تكون هذه الزيارة آخر زيارة للإنسان، بل لا بد أن يلقن حاله ذلك، لئلا يصاب بالكسل في زيارته كما ورد الأمر بصلاة المودع عند صلاة العشاء.
زيارة مودع:
نحن أمرنا-كما ورد في روايات أهل البيت (ع)- بأن نصلي صلاة العشاء صلاة مودع، إذ لعلها تكون آخر صلاة، فالإنسان لا يعلم متى يأتي أجله، ومن الممكن أنه ينام ولا يستيقظ.. فإن استحضار هذا المعنى، يحفز الإنسان ويدفعه للتوجه أكثر في الصلاة.
وأيضا إن هذا المعنى مطلوب في زيارات المعصومين (ع)، أي ينبغي أن نلقن أنفسنا هذا التلقين، بأن نزور المعصوم ولعل هذه الزيارة هي آخر الزيارات.. وهذه الأيام-نسأل الله تعالى أن ينشر الأمن والأمان في ربوع هذا البلد- كم من الذين ذهبوا للزيارات، ولم يرجعوا بفعل الإرهاب الموجود..
فإن الذي يذهب للزيارة، وهو يحتمل احتمالا بليغا بحادث سير، أو بغيره من العوارض المختلفة، وإنه من الممكن أن لا يوفق ثانية للزيارة، فإن هذا يحفزه للتركيز في زيارته.. ولكن ينبغي أن يكون هذا التلقين تلقينا مغيرا للباطن، ويتغلغل في أعماق نفسه، وليس تلقينا سطحيا.

ومن المناسب أن يلقن الإنسان نفسه هذا المعنى في كل عباداته، حتى يؤديها بشكل نموذجي.. فعندما نقول: صل صلاة مودع، قياسا على ذلك نقول: حج حجّ مودع، زر زيارة مودع... فإن الإنسان دائما عندما لا يعطي نفسه فرصة أخرى للتكرار، يتحفز للعمل أكثر فأكثر.
*********************
* التعبد الشرعي:
إن المعصوم (ع) حجة لله تعالى على العباد، ولازم ذلك الانقياد من جهة الموالين.. ولا شك أن من أفضل الأوقات لإثبات ذلك هي أيام الزيارة، فهل من مانع للعدالة المؤقتة أيام الزيارة ليكون تمرينا عمليا لقوة الإرادة ولو في فترة قصيرة؟!.
الموالي الحقيقي:
إن كلمة المشايعة وردت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}، إشارة لمشايعة الأنبياء بعضهم لبعض، فكل نبي يشايع من قبله من الأنبياء، بمعنى أنه يضع قدمه موضع قدم النبي السابق، لأن الأنبياء كلهم على دين واحد وهو الحنيفية.
فالموالي والمتبع الحقيقي، هو ذلك الذي يضع رجله موضع رجل المعصومين (ع)، أي بقدر الإمكان، فأنى لنا أن نكون كالمعصومين؟!..
وفي رواية طريقة أن عليا كان يمشي مع النبي (ص)، ولكن لم يكن تُر آثار أقدامه، ثم تبين أنه كان يضع رجله موضع رجل النبي (ص).. فعلي (ع) إلى هذه الدرجة كان يشايع النبي (ص)، فحتى في مشيته الظاهرية كان يتبعه.

أيام الزيارة:
إن باب الكريم مفتوح دائما، ولكن هنالك ساعات يفتح الباب على *********اعيه.. هنالك أيام يتأكد فيها استحباب الزيارة، وكأن هنالك دعوة رسمية من المعصوم.
وبلا شك بأن الذي يريد أن يأخذ العطاء الأكمل، فعليه أن يتحين هذه الفرص من أيام الزيارات المخصوصة: كزيارة الحسين (ع) في النصف من شعبان، وفي يوم الأربعين، وفي يوم عرفة؛ ليحصل على أعلى درجات التزود من المعصومين (ع).

العدالة المؤقتة وتقوية الإرادة:
من المناسب جدا أن يستغل الزائر فترة الزيارة، بأن يحاول أن يعيش حالة من حالات العدالة المؤقتة.. فإن الإنسان باعتبار أنه في وطنه محاط بالشهوات وزحمة الحياة اليومية، وانشغالات العمل والأسرة، فإنه قد لا يتفرغ إلى نفسه وإلى الدخول إلى باطنه.. وهذه حقيقة مؤسفة حقا، بأن البعض يفكر في كل شيء إلا في نفسه، التي على أساسها تتحدد أبديته، هو يفكر في كل شيء ما عدا هذه الروح، والحال أن كل شيء حوله مما هو منشغل به سيفنى، ولن تبقى معه إلا هذه الروح المنسية..
ففترة الزيارة فرصة مناسبة للخلوة مع النفس.. وحتى أكبر التجار وأكبر المتخصصين في مجال علمه وعمله، في أيام الزيارة يكون تقريبا شبه فارغ، وليس هنالك ما يلتزم به، فهو من الزيارة إلى المنزل، وله ساعات فراغ كثيرة.. فمن المناسب أن يلقن نفسه هذه الأيام بأن يكون عادلا، ولو في هذه الفترة القصيرة.

ولكن العدالة المؤقتة تحتاج إلى الإرادة.. ونعني بالإرادة ذلك الجهاز الذي يتحكم في مجمل الجوارح والجوانح، وليس فقط الجوارح.. لأن بعض الناس له قدرة على التحكم في جوارحه: بأن يغمض عينيه أو يغض بصره عند رؤية حرام، وأن يطبق شفتيه عندما يحب أن يتكلم كلاما باطلا..
ولكن الأرقى من التحكم في الجوارح، أن يصل الإنسان-ولو بعد فترة من المجاهدة- إلى درجة التحكم حتى في الجوانح، أي الخلجانات الباطنية.. فمثلا: بعض الناس لا يعمل حسده، ولكن الحسد موجود في باطنه.. كالقدر المغطى الذي يغلي، ولكن ما فيه لا يخرج إلى الخارج.. من المناسب في هذه الزيارات، أن يفتح الإنسان الغطاء، ليخرج ما في باطنه.. فباطنه بمثابة قدر فيه لحم فاسد، ويغلي وينطبخ، ولكنه لا يعلم به.. فالزيارة فرصة مناسبة لإخراج ما في الجوف تماما، والاعتراف به بين يدي الله تعالى، وطلب المدد منه للعلاج.

إن من أفضل بركات الزيارة، بل إن من أفضل علائم قبول الزيارة، أن يرجع الإنسان إلى وطنه وهو بهذه الهمة والإرادة، بأن تكون له القدرة على أن يقول (لا)، ليس فقط لجوارحه بل حتى لخلجاناته الباطنية: كسوء الظن، والحسد، والاحتقار.. فهذه معان باطنية، وعلاجها لا بد أن يكون باطنيا أيضا.. فالبعض غاية جهده أن يصل إلى مرحلة التحكم في جوارحه، ولكن الأرقى أن يكون مالكا لنفسه.
*********************
* احترام رفقة الطريق:
لا بد من النظر إلى الرفقة في السفر أو العائلة على أنهم من الملتجئين إلى ساحة المعصوم (ع).. فلا بد من توقيرهم وقضاء حوائجهم برغبة وشوق من دون منة، وذلك لأنهم من شؤون المولى ، والعكس هو الصحيح أيضا، حيث أن هتكهم سيثير إعراض من قصدناه من بلاد بعيدة.. وهكذا كان دأب أئمة الهدى (ع) في طريق الحج في إكرام زائري البيت العتيق.
الملتجئون إلى ساحة المعصوم:
ينبغي مراعاة حسن التعامل مع الزائرين، وعدم إيذائهم، تقديرا وتعظيما للمعصوم، لأنهم من شؤونه، وفي حكم الملتجئين إلى حماه.. ومن المعلوم-في العرف الدبلوماسي للدول- أن الذي يلتجئ إلى سفارة إحدى الدول-وإن كانت غير مسلمة- فإنه يعامل معاملة من دخل تلك الدولة، ولا يمكن القبض عليه، لأنه في حماها.. فإذا كان هذا تعامل السفارات الظاهرية الفانية-والتي قد يكون أصحابها من طواغيت الأرض- مع الملتجئين إلى ساحتهم، فكيف برب العالمين وأوليائه من الأنبياء والأوصياء؟!.. فإن الزائر لهم داخل في مملكتهم، وفي حماهم، فلابد من المراقبة المضاعفة في التعامل معهم.. فسوء التعامل مع الزوجة والأولاد في الوطن، لا شك أنه أمر سلبي وسيء، ولكن الأمر يزداد سوءا إذا كان ذلك في محضر المعصوم، فالبعض حتى وهو أمام الضريح، ولا يرتدع عن ظلمه.. وهو غافل عن أن هذا الأمر مما يوجب له التبعات، وقد يعرضه لغضب ذلك المعصوم الذي يزوره، ويحرم من هباته.

عقد جلسة إصلاحية مع العائلة:
من المناسب استغلال فترة الزيارة، لعقد جلسة مع العائلة، لإصلاح ما يوجد من السلبيات.. فرب الأسرة كما يفكر في الجانب المادي لعائلته، في طعامهم، وفي أخذهم لأرقى الفنادق والمطاعم، أيضا يفكر في صلاحهم واستقامتهم على الجادة، وخاصة أنه قد يكون في أرض الوطن لا يجد الآذان الصاغية، والتقبل اللازم للنصيحة، لانشغالهم بأمور الدنيا والدراسة والعمل، ومما يساعده أيضا حالة الصفاء والرقة التي يكتسبونها في الزيارة.. فمن المناسب اغتنام هذه الحالة، في تغيير مسيرة العائلة، بمصارحة الزوجة والأولاد بما يراه من السلبيات والأمور المنكرة.. فإذا كان الأب يرى منكرا لا يتحمل في حياة ولده، فما المانع أن ينصحه في حضرة المعصوم، ويأخذ منه العهود والمواثيق، بأن لا يعود إلى هذا المنكر ببركة المعصوم.

التقرب إلى الله تعالى بخدمة الزائرين:
من خلال الاطلاع على سيرة أهل البيت (ع)، نلاحظ أن هناك اهتماما متميزا وحرصا على خدمة الزوار، حيث كان المعصوم عند ذهابه إلى بيت الله الحرام للحج يخفي شخصيته؛ لئلا يعرف ويراعى مراعاة ما، في السفر، فيحرم من خدمة الحجاج.
-فالإمام لم يكن معروفا في الأزمنة السابقة، نظرا للتعتيم الموجود، قياسا إلى زماننا هذا، فمشاهدهم عامرة بالبناء، وسيرتهم العطرة منتشرة في مختلف مجالات المعرفة-
فيستفاد من هذه الحركة أن المعصومين (ع) كانوا يرون أن خدمة الزائر مزية، ومما يتقرب به حتى المعصوم إلى الله تعالى.
*********************
* التنويع في موجبات الفيض:
التنويع في الحرم بين مختلف روافد الفيض من: الدعاء، والقرآن، والصلاة.. ولا بد من تقديم ما يناسب المزاج، فكما تراعى الشهية المادية عند الأكل فكذلك في الشهية المعنوية فإن الإقبال على المائدة بشهية يوجب التملي من بركات تلك المائدة.
مراعاة الشهية المعنوية:
من عجائب الأمور أن الناس لهم أمزجة باطنية، لا يمكن أن تدرك، فترى إنسانا يميل إلى شيء بخلاف ما يميل إليه إنسان آخر.. ونلاحظ أن الإنسان عندما يجلس على المائدة الدنيوية، أنه لا أحد يوصيه بأن يأكل من طعام معين، بل هو من يحدد ويمد يده على ما هو يشتهيه.. فكما أن الإنسان يراعي شهيته في الأمور المادية، فكذلك في الأمور المعنوية، فينبغي عند دخوله الحرم، أن يراعي ما يشتهيه: فمثلا: إنسان جاء إلى الحرم، وكان في طريقه قد مر على السوق ونظر إلى حرام بشهوة أو بريبة، فالذي يناسب حالته هو: الاستغفار، والدعاء بمناجاة التائبين وبدعاء أبي حمزة.. أو إنسان يشتهي أن يتكلم مع الله تعالى، فالذي يناسبه الصلاة.. أو إنسان يحب أن يسمع كلام الله تعالى، فالمناسب له أن يتلو القرآن الكريم..
فعليه، إنه ينبغي للعبد في مشاهدهم، أن ينظر إلى الطاعة التي تناسب ذلك الوقت، حتى لا يتكلف العبادة، وإن من أفضل العبادات في مشاهدهم الشريفة، هو التأمل.. والأمر لا يحتاج إلى لقلقة لسان، وإتعاب البدن، ومدافعة الزوار والتصاق بالضريح.. بل بأن يجلس في زاوية من زوايا الحرم الشريف، ويتفكر لتقييم مجمل المسيرة السابقة في الحياة، وقد ورد أن: (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة).. لأن هذا التفكر، من الممكن أن يغير مجرى حياة الإنسان.

وإن الالتزام بآداب الزيارة-من الاستئذان، والسلام على الإمام، وصلاة الزيارة-لا يتنافى-مع ما ذكرنا- من لزوم مراعاة الشهية المعنوية، لأن هذه الآداب ليست بكثيرة، وقد تستغرق عادة ربع ساعة.. فالزيارة المأثورة تنتهي في دقائق، والمتعارف أن الزائر أعد نفسه للمكوث في الحرم ساعة أو ساعتين، فلابد أن يملأ هذا الفراغ بألوان مختلفة من العبادة، من الدعاء والصلاة والقرآن.
وهناك عمل من الراجح أن يلتزم به الإنسان في كل مشاهد المعصومين (ع)، ألا وهي صلاة جعفر الطيار، التي يقال عنها بالإكسير الأحمر.. لأن النبي (ص) هو الذي أتحف جعفر الطيار بهذه التحفة، لما قدم من الحبشة، وقال مقولته المعروفة: (ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر).






التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:04 AM   رقم المشاركة : 8
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* التنويع في موجبات الفيض:
التنويع في الحرم بين مختلف روافد الفيض من : الدعاء، والقرآن، والصلاة.. ولا بد من تقديم ما يناسب المزاج، فكما تراعى الشهية المادية عند الأكل فكذلك في الشهية المعنوية فإن الإقبال على المائدة بشهية يوجب التملي من بركات تلك المائدة.


دور التفكير في تغيير مسيرة الحياة:
إن من أفضل العبادات التي يؤديها الزائر في الحرم-كما قلنا- التفكر المغير لمسيرة الحياة، فإذا كان إنسانا غافلا، فيتحول إلى ذاكر؛ وإذا كان إنسانا عاصيا، فيتحول إلى مطيع؛ وإذا كان إنسانا مهملا لحركته في الحياة، ولا يعلم هو في أين، ومن أين، وإلى أين، فيتحول إلى إنسان ملتفت..
ولكن الملاحظ أن البعض يركز في الزيارة على الجانب الروحي فقط، وكأن الزيارة الكاملة متمثلة في الحالات الروحية المتألقة ومجرد البكاء، والتفاعل الشعوري.. والحال بأن هذه الحالات من بركات الزيارة، ومن الممكن أن يفقدها الزائر، ولا يرى لها أثرا بعد رجوعه إلى وطنه.

ومن المناسب أن نذكر هذه القصة، كشاهد على أنه من الممكن وجود تحول جوهري في المشاهد الشريفة:
أحد الأشخاص الصالحين يقول: إنه كان في حرم الإمام الرضا (ع)، ونظر نظرة مريبة إلى إحدى الزائرات المحجبات.. فشعر بالمقت والكره الشديد لنفسه، بأنه كيف يرتكب هذه الحرام، وهو في محضر المعصوم، والمرأة كانت محجبة وليست سافرة، حتى أنها تغريه بالنظر إليها.. فهرول إلى الإمام مستغيثا، وشاكيا له من هذه النفس الطائشة التي تطمح للحرام، كما قال علي (ع) تعليقا على أولئك الذين كانوا ينظرون إلى الحرام: (إن أبصار هذه الفحول طوامح).. أي أن من طبيعة الرجل أن عيونه تطمح للحرام، فلابد من التحكم فيها..
وبعد الالتجاء إلى الله تعالى والدعاء والتوسل، أحس أن نفسه الطائشة-التي كان لا يمكنه التحكم فيها- كالطير الذي في اليد.. واستمر على هذه الحالة إلى آخر عمره؛ لأن هذه هبة من الكريم، ومن المعلوم أن هبة الكريم لا تسترجع، فالإنسان إذا أعطي هبة من رب العالمين أو ومن أوليائه، فإنه لا ينزعها منه، إلا أن يتلفها هو بنفسه.

ولا نعني بالتفكير الذي يغير مجرى حياة الإنسان مطلق التفكير، وإنما ذلك التفكير المقترن بحالة من حالات الذكر، في جو عبادي، فمثلا: الإنسان بعد أن زار الأئمة المعصومين (ع) وصلى صلاة الزيارة، ما المانع أن يسجد سجود التجاء إلى الله تعالى، ويكرر الذكر اليونسي عددا من المرات، وبعد ذلك يطلب من الله تعالى أن يبصره بعيوب نفسه، فقد ورد: (إذا أراد الله بعبد خيرا: فقهه في الدين، وزهده في الدنيا، وبصره بعيوب نفسه) و( من عرف نفسه عرف ربه).. ومعرفة النفس أي أن يعرف التركيبة العامة للنفس البشرية، وأن يعرف نفسه بالخصوص، أي ما هي عيوبه، وما هي الثغرات التي يمكن من خلالها أن يتسلل له الشيطان..
فإن التفكير إذا كان في جو عبادي، من الممكن أنه يفتح الأبواب للإنسان.. وإلا فإن الشيطان قد يدخل على الخط، بمعنى أنه يلقن الإنسان بنقص ليس فيه، ليشغله عن نقص واقعي، فمثلا هو مبتلى بالحسد، فيوهمه بأنه مبتلى بسوء الظن، ليشغله عن ذلك المرض المتيقن.

الفرق بين المتع المادية والمتع المعنوية:
إن متاع الدنيا علاوة على أنه متاع محدود، ولا يمكن أن يتيسر لكل أحد، ويحتاج إلى مقدمات قد تكون مكلفة وشاقة، أنه متاع مملول، فبعد فترة يفقد بريقه، وكما يقال: (لكل جديد بهجة) و(الليل والنهار يبليان كل جديد).. فترى إنسانا تتوق نفسه إلى اقتناء لوحة زيتية من أجمل لوحات العالم، فيشتريها بأغلى الأثمان، ولكنه بعد فترة من تكرار النظر إليها صباحا ومساء يألف ذلك المنظر إلى درجة الملل، ولا يرى فيه ذلك الجمال الأخاذ، بل إنه يرى اللوحة والجدار على حد سواء!.

بينما المتع المعنوية، فإنها ميسورة ومتجددة، فإن التجلي الإلهي لا تكرار فيه، فالمصلون الخاشعون لا يرون الملل في صلاتهم أبدا، فصلاة الليل هذه الليلة، هي غير صلاة البارحة، وغير صلاة الغد، ومن هنا فهم ليس فقط لا يجدون الملل، بل إنهم في حالة تشوق وترقب دائم لمتع الغد، فهنيئا لأرباب النعيم نعيمهم!..
ومن المعلوم أن النبي (ص) كان عندما يقترب وقت الصلاة تتغير حاله، وكما ورد عن إحدى زوجاته: (كان النبي (ص) في بيته هاشا، باشا وكان ضحاكا في بيته، وكان يجلس معنا يحدثنا ونحدثه.. فإذا أذّن للصلاة، كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه).

وعليه، إن الإنسان إذا وضع قدمه في طريق التكامل المعنوي، فإنه لا يشبع من البركات المعنوية.. وحتى بالنسبة للحياة الزوجية، فالذي تكون نظرته للزوجة نظرة إلهية، فإنه مع الأيام يزداد تعلقه بها-حتى مع كبر سنها- لازدياد إحسانها وخدمتها إليها، فيرى بأن حقها عليه يزداد، وهذا مما يوجب دوام الحياة الزوجية السعيدة.
*********************
* العبرة بالكيف:
العبرة هي في الكيف لا في الكم فركعتان مقتصدتان بتوجه خير من قيام الليل كله والقلب ساه كما هو مستفاد من مضامين الزيارات، ومن المناسب أن يكثر الزائر من سجدات الشكر وخاصة إذا رأى إقبالا شديدا في المشهد المبارك.


الكيف مقدم على الكم:
لا خلاف أن الزيارة النموذجية التي تكون بحالة إقبال قلبي، حتى لو كانت لدقائق معدودة، خير من زيارة مع حالة من الإدبار لساعات طويلة، وقد ورد في الروايات: (زر وانصرف).. وهناك تفسيران:
فالبعض يقول: إنه نهي عن إطالة المكث في المشهد، لئلا يوجب ذلك حالة الملل والقسوة.
والبعض يقول: إنه نهي عن إطالة الإقامة في البلد.
وورد في مضمون رواية أنه يكره اتخاذ مكة وطنا، خشية عدم إعطاء البيت الحرام حقه، وهذا المعنى يمكن أن ينطبق على باقي المشاهد المقدسة.. ونحن رأينا كيف أن بعض الذين جاوروا المشاهد-ممن ليس له الحب الكافي لذلك المعصوم- لا يزور المشهد لسنوات.. وكيف أن بعض أهل مكة تمر عليه سنوات طويلة، وهو لم يدخل المسجد الحرام أصلا.

وعليه، إذا رأى الإنسان في نفسه أن الزيارة الطويلة، توجب له حالة الملل والإدبار، فمن الأفضل أن يجعلها زيارة قصيرة ويكررها في السنة، بمعنى أن يجعلها زيارات قصيرة في السنة، بنفس تلك المدة الزمنية للزيارة الطويلة.
وقد ورد: (ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب ساه).. أي أن الاقتصار في الصلاة على ركعتين، تؤدى بتوجه وإقبال وخشوع، أفضل من أن يقضي الليل كله وهو يصلي راكعا ساجدا، ولكنه بقلب ساه.
فمن هذه الرواية نستفيد، أن الكيف مقدم على الكم، لأن به تحقق الأثر المطلوب من العبادة.. فالبعض يأتي لزيارة المعصوم من أماكن بعيدة، ويزوره لدقائق، ويحصل على ما يحصل، لأن زيارته كان فيها إقبال قلبي.
يقال إن بعض أساتذة الأخلاق، في الأزمنة القديمة، كان يأمر من يربيه من تلامذته، أن يذهب إلى أحد المشاهد، ويمكث فيه فترة قصيرة، ثم يرجع.. فلا شك أن هذا الإنسان-الذي كان يقطع الطريق ماشيا لأشهر-عندما يصل ويزور المعصوم، أنه يركز في هذه الزيارة، وقد يحصل في هذه اللحظات من الزيارة ما لا يحصل عليه بعض المقيمين بجوار المعصوم؛ فعلينا الاهتمام بالكيف لا بالكم.

الشكر عند نعمة الإقبال:
إن المؤمن شكور عند كل نعمة.. ومن المناسب للزائر أن يكثر في المشاهد الشريفة من سجدات الشكر، وخاصة إذا أنعم الله تعالى عليه بنعمة الإقبال في تلك الزيارة، من باب العمل بقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
والشكر إما أن يكون بتكرار كلمة الشكر، بحسب ما يريده من المرات، ويعفر خده وجبهته وجبينه.. وإما أن يكون بمناجاة الشاكرين، لمولانا زين العابدين الإمام السجاد (ع).. ومن المناسب أن نذكّر بأن المناجيات الخمسة عشرة بمثابة صيدلية متكاملة، فكل مناجاة عبارة عن علاج لجانب من جوانب النفس.
وفي رواية عن هشام بن أحمر قال: كنت أسير مع أبي الحسن (ع) في بعض أطراف المدينة، إذ ثنى رجله عن دابته، فخر ساجدا، فأطال وأطال، ثم رفع رأسه وركب دابته، فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود؟.. فقال: إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ، فأحببت أن أشكر ربي.
*********************
* انتخاب أيام الزيارة:
من المناسب الالتزام أيام الزيارة ببعض المستحبات التي لا يوفق لها الإنسان خارج أيام الزيارة كصلاة الليل مثلا، ليعمل بالحديث الداعي إلى أن على الإنسان أن يعمل بالمستحبات ولو مرة واحدة في عمره، بحيث لا يترك سنة من سنن رسول الله تعالى إلا وقد عمل بها.


الالتزام بالمستحبات أيام الزيارة:
ينبغي للزائر أن يتميز في سلوكياته أيام الزيارة، لأن نفسه تكون في معرض مواجهة الإمام-الذي هو عين الله الناظرة، ويده الباسطة، وأذنه السامعة- فكلما التزم بالآداب والسنن، ازدادت قابليته لتلقي الفيض من ذلك المعصوم المزار؛ فإن القلوب أوعية أحسنها أوعاها.. فقد يأتي الإنسان للزيارة وإناؤه ضيق، أو مثقوب، أو لا إناء له أساسا، ولكن ما المانع أن يحصل على الإناء في أيام إقامته في ذلك المشهد.
فمن المناسب للزائر الالتزام بالمستحبات-خصوصا صلاة الليل- والتعرض لشمس المعصوم الإلهية في أوقات مختلفة من اليوم، فإن لكل وقت تميزه ولونه.. فكما أن ألوان السماء تختلف بحسب الأوقات، فلون السماء في أول الصباح، غير لونها في وقت الزوال، وغير لونها في وقت الغروب.. كذلك حالات الزائرين، فإنها تختلف بحسب الأوقات، فحالة الزائر وسط النهار في ذلك المشهد، تختلف عن حالته قبيل أذان الفجر..
ووقت السحر له تميز خاص في كل مشاهد أئمة أهل البيت (ع) وحتى في روضة المصطفى (ص) وبيت الله الحرام، ولا يفوت هذا الوقت، حيث تفتح أبواب السماء، وعادة ما تخلو المشاهد من الزوار، ويمكن الوصول للضريح بسهولة، وتكون الفرصة مؤاتية جدا لأداء صلاة الليل بشكل متقن.. وإن الذي يستذوق صلاة الليل في مشاهد المعصومين (ع)، فإنه من الممكن أن يلتزم بها عند العودة إلى وطنه.
والذي يحصل على بركات السحر وصلاة لليل في المشهد، لا يحرم نفسه أيضا من بركات صلاة أول الوقت في المشهد، فصلاة الفريضة في المشهد لا تقاس بالصلاة خارجه، كما ورد أن: (صلاة الفريضة عند الحسين (ع) تعدل حجة، والنافلة تعدل عمرة).. ولكن-مع الأسف- بعض الزوار يفوت على نفسه هذه البركات، فتراه في أول الوقت مشغولا بالتسوق، ثم يصلي في منزله!.

وبشكل عام، إن الالتزام بالمستحبات أمر راجح للمؤمنين، وإن المؤمن حريص على أن يعمل بها كلها ولو في العمر مرة واحدة، كما ورد في توصيات أهل البيت (ع).
ومن المستحبات المؤكدة التي يلتزم بها المؤمن، صلاة الليل.. ويكفي في عظيم فضلها وأهميتها، أن الله تعالى أبهم الأجر لمن يؤديها، فلم يذكر الدرجات ولا الحور والقصور، إنما قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}.. وكان في وصية النبي (ص) لعلي (ع) أن قال: (يا علي، أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها.. ثم قال: اللهم أعنه!.. إلى أن قال: وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل!).
*********************
* التصدق على الفقراء:
تصدق على فقراء البلد أي المستحقين منهم، لتظهر رأفتك العملية للآخرين على أمل نظرة الإمام لك.. فإن الراحمين لمن في الأرض سيرحمهم من في السماء.


الصدقة والاستجداء من الإمام:
إن الصدقة من الأمور المستحبة، والتي تكشف عن حالة من الكرم والتعاطف والتراحم الإنسانية، ولهذا فهي من السجايا التي لا تنفك عن المؤمن.. ومن المناسب للزائر أن يكثر من الصدقات على من يراهم من فقراء حول المشاهد، وأن يتفقد فقراء وأيتام ذلك البلد.. فإن هذا من موجبات فتح الأبواب المعنوية له، وليقل: يا مولاي، أنا تصدقت على هؤلاء الفقراء والأيتام، فانظر إلي نظرة كريمة وتصدق علي!.. {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.
إن الاستجداء من الأئمة في مشاهدهم بهذه الصيغة، مناسب جدا.. البعض يرى أن طلب المزايا من البشر شرك، والحال بأن القرآن الكريم يصرح بهذا المعنى بالنسبة لنبي الله يوسف (ع).. ولا يقول قائل إن هذا خطاب للنبي في حال حياته، فإن أئمة أهل البيت (ع) كلهم أحياء عند ربهم يرزقون، بمقتضى كونهم شهداء بين يدي الله تعالى.

صفة الرحمة عند المؤمن:
إن صفة الرحمة من الصفات الكمالية العظيمة، التي يحبها الله تعالى، ويحب المتصفين بها.. ونرى هذه الصفة، متجلية في سورة الحمد أربع مرات.. ومن المعلوم أن سورة الحمد تسمى بالسبع المثاني، لأنها سبع آيات، وتذكر في الصلاة مرتين.. وتسمى بأم الكتاب، فلا تساويها سورة في القرآن الكريم، من حيث العظمة، ومن هنا لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب.
فنلاحظ بأن أعظم سورة في القرآن الكريم، فيها ذكر لصفة الرحمة أربع مرات، وهذا مما يدل على عظمة هذه الصفة، ومن يتصف بها.. وإن الذي لا تنقدح فيه صفة الرحمة، فإنه لا يصبح محلا ووعاء لتلقي الرحمة الإلهية.. فرب العالمين يتجلى بصفاته لمن له القابلية لهذا التجلي، فالفاقد للقابلية فاقد للتجلي الإلهي.. ومن هنا يمكن أن نفهم هذه القاعدة: الراحمون يرحمهم الرحمن!.
*********************
* الاستغفار المركز:
التركيز على الاستغفار بين يدي المعصوم، فانه وارث النبي (ص) الذي يؤثر الاستغفار بين يديه في مغفرة الله تعالى للذنوب كما نفهم في آية {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}.. ولا مانع من مناشدة المعصوم بأعز المحبوبين لديه وخاصة أمه الزهراء (ع) فإنهم يكنون لها محبة خاصة وخاصة بما جرى عليها من الظلم الفادح!.


الاستغفار بين يدي المعصوم:
إن أئمة أهل البيت (ع) مظاهر فيض الله تعالى، والسبيل إلى الله تعالى، فما يأتي من قبلهم هو من التجليات الإلهية.. فمن المناسب للزائر الاستغفار بين يدي المعصوم، وطلب شفاعته عند الله تعالى، فإن هذا من موجبات سرعة تنجز المغفرة الإلهية.. فليقل: يا رب، اغفر لي بحق الإمام وبمنزلته عندك!.. وليقل: يا مولانا، استغفر لنا عند الله تعالى!..
كما يقول تعالى بالنسبة للنبي الأكرم (ص): {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}.. وكما قلنا بأن المعصومين (ع) كلهم نور واحد، وما أعطي للنبي (ص)-عدا مقام النبوة والوحي- فهو لباقي الأئمة جميعا من الإمامة ورعاية شؤون الخلق.. ولكن نعني بالاستغفار المركز، الاستغفار مع حالة الندامة الباطنية، لأن قوام الاستغفار استشعار حالة الندامة، فلا استغفار لمن لا ندامة له.

مناشدة المعصوم بأعز محبيه:
إن للزهراء (ع) موقع متميز في نفوس جميع أئمة أهل البيت (ع)، كما يستفاد من مواقف عديدة في الروايات، والتي منها:
تألم الإمام الجواد (ع) وهو طفل صغير على ما جرى لأمه الزهراء (ع): عن زكريا بن آدم، قال: إني لعند الرضا إذ جئ بأبي جعفر (ع)، وسنه أقل من أربع سنين، فضرب بيده إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر; فقال له الرضا (ع): بنفسي أنت، فلم طال فكرك؟!.. فقال: فيما صنع بأمي فاطمة.
وجعل الزهراء (ع) هي المحور في حديث الكساء: (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها).
وما ورد عن النبي (ص) في حقها: (فداها أبوها)، (فاطمة بضعة مني).
فلا شك أن القسم بهذه الذات المقدسة، من موجبات النظرة المباركة من المعصوم للزائر.

ومن سبل لفت نظر المعصوم أيضا، أن يتعود الإنسان على أن يقيم عزاءهم بنفسه، من دون إثارة خارجية، بأن يحفظ أبياتا في رثائهم، وعند الزيارة يذكرها للإمام، فيذكر مثلا تائية دعبل أمام الرضا (ع)، ويذكر القصائد المعروفة في رثاء الحسين (ع) في مشهده.. فإن إقامة عزاء أهل البيت (ع) بشكل فردي، وبلا رياء وبلا إعلان وبلا إسماع للغير، من موجبات تنزل البركات على الزائر.



















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:08 AM   رقم المشاركة : 9
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

خصوصية عدد الأربعين:
إن عدد الأربعين عدد مبارك، ومما يدل على ذلك:
أنه ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.. فرب العالمين مدد الفترة إلى الأربعين، ومن المعلوم أن هذا التمديد قد كلف موسى (ع) كثيرا، حيث انقلب القوم عندما لم يرجع موسى (ع) بعد انقضاء المدة المحددة، وأعرضوا عنه واتخذوا العجل إلها يعبد من دون الله تعالى..
وأيضا هذا العدد ورد كثيرا في الروايات، ومنها حديث: (من أخلص لله أربعين يوما).. وقد أشرنا كثيرا إلى هذا الحديث، وإنه من الضروري للمؤمن مخادعة نفسه، واتخاذ أربعينيات التكامل والتهذيب الأنفسي، ومراقبة الجوارح والجوانح.. وقد ورد عن الصادق (ع): (مَن حفظ عني أربعين حديثا من أحاديثنا في الحلال والحرام، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ولم يعذّبه)،ومن المعلوم فضل زيارة يوم الأربعين للحسين (ع)..
وغيره من الشواهد التي تدل على تميز وخصوصية هذا العدد.. ومن هنا نحن تعمدنا أن يكون ما طرحناه من الوصايا، بهذا العدد المبارك، والتي هي: الأربعون وصية في التكامل النفسي، والأربعون وصية لكل زوج وزوجة، والأربعون وصية للزيارة الباطنية.
ولكن ينبغي التوقف عند الأعداد، بمقدار ما تذكر الشريعة، فهناك قسم من الناس يدعو إلى ذكر معين بعدد معين، من دون وجود دليل.. والحال أنه العدد إذا لم يأت عليه نص شرعي، فلا يصح أن نقيد أنفسنا والآخرين بذلك العدد.
*********************
* عدم سلب العطاء:
من المناسب جدا أن يؤكد الإنسان على المعصوم في أن لا يسلب منه العطاءات، فان حفظ النعمة أولى من أصل العطاء.. فالكثير يعطى النور أثناء الزيارة وخاصة الشاقة منها، ولكن سرعان ما يسلب ذلك النور بعد انتهاء الزيارات مباشرة، كما هو مجرب بالوجدان.. فان الشياطين بالمرصاد في سلب البركات بعد الرجوع من السفر، فلا بد من الحذر الشديد في هذا المجال.


بركات الزيارة:
لا يخفى أن ما يراه الزائر من التوفيقات في أيام إقامته للزيارة، إنما هو من بركات المزور، فإن المزور كريم، ومن الطبيعي أنه يعطي الزائر-وخاصة الذي يتوقع شيئا من العطاءات المعنوية- بعض المنح: كالخشوع في الصلاة، أو إقامة صلاة الليل، أو الإحساس بالمعية الإلهية والقرب المتميز، وخاصة عند الكعبة في الطواف.. فما الذي يجلب الناس من أقاصي بلاد العالم، إلا ما يرونه من المشاعر المتميزة حول الكعبة.

ومن هنا فمن الممكن أن الزائر يُغش بهذه الحالات من الإقبال والتوفيقات، فيظن أنه صار على شيء.. والحال أن الأمر ليس كذلك، كما يقول تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}.. أي أنكم ليس عندكم ما يعتمد عليه، ما لم تعملوا بما جاء في الكتب السماوية.
فما يعطاه الزائر في المشاهد، إنما هي هبات موسمية، ولا يعول عليها.. وإن المهم أنه لا يحرم من هذا العطاء لما يرجع إلى وطنه، بأن يحاول أن يبقي شيئا منه ولو قليلا.. فالذي تبقى عنده من بركات الحج بنسبة عشرة بالمئة، فهذا إنسان موفق.. والذي تبقى عنده من بركات زيارة كربلاء ولو بأدنى الدرجات، فهذا هو المطلوب.. فالبعض يتوقع أنه يعطى هذه البركات كلها وهو في أرض الوطن، فما كان يعيشه في المشاهد، يتوقع أيضا أن يعيشه في مساجد وطنه.. وهذا توقع في غير محله، فلابد أن يكون التوقع توقعا منطقيا.

مصادرة المكتسبات:
إن رب العالمين على يد وليه المعصوم يعطي الزائر أصل العطاء، ولكن المشكلة في الأعداء المتربصة من الشياطين والأبالسة، فإنه كم يغيظها ما تراه في العبد من الحالات الإيمانية!.. فتكثف جهودها لمصادرة ما اكتسبه في الزيارة..
ولهذا ترى بعض الناس عندما يرجع من الزيارة إلى أرض الوطن، يسقط في أول امتحان، مع أنه كان قبل الزيارة أو الحج يقاوم المنكر بشكل أفضل، وليس فقط أنه فقد المكاسب بل وقع في بعض المطبات.. وقد ورد في الحديث: (لولا أن الشياطين يحومون على القلوب بني آدم، لنظروا وإلى ملكوت السماوات والأرض).. فالشياطين أساسا تحوم حول قلوب بني آدم، لغيرتها وحسدها، ولكنه عندما يرجع من الزيارة، تزداد حركتها الدائرية حول القلب، حتى توقعه في المعصية.

التفاوت في درجات النور المكتسب:
إن درجات النور التي تعطى في المشاهد متناسبة مع مستوى المشقة والمعاناة في الزيارة، فكما ورد: (إن أفضل الأعمال أحمزها) أي أشقها على النفس.. فكلما كانت المشقة أكثر، كان النور المعطى أكثر، فالذي يأتي للزيارة وهو يعاني من ضغوط مالية، أو من بدن سقيم، فإنه يعطى أكثر مما يعطاه المترف، أو المستريح في زيارته.
ومن هنا نقول: إن الذي يعطى هذا النور في هذه الزيارة المتعبة المكلفة، لابد أن يحتفظ به، لأنه ما جاءه جزافا ومجانا، بل بشق الأنفس، وإن هذا النور يسلب بالمخالفة والمعصية، كما ورد في الحديث: (إن الحاج عليه نور الحج ما لم يلم بذنب).

وكما أن النور المعطى يختلف باختلاف درجة المشقة، فإنه أيضا بلا شك يختلف بحسب درجات القرب من الله تعالى وأوليائه المعصومين (ع).. ومن هنا قيل إن الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، فكل إنسان تعطى له هبة بحسب درجته.. ومن هنا تتفاوت درجات الناس في الجنة، فأعلى درجة في الجنة درجة الرسول الأكرم (ص)، وأدناها درجة المستأجر أو الضيف على أهل الجنة، وبين هاتين الدرجتين كم هناك من الدرجات التي تعطى للمؤمنين، بحسب نشاطهم في هذه المشاهد!..
فبعض الزائرين قد يبقى في المشاهد فترة من الزمن، ولا يعطى شيئا من النور، بموجب ما هو فيه من حالة الإدبار والملل.. ولكنه من الممكن أن يعطى في اليوم الأخير، أو حتى في الساعة الأخيرة من الزيارة، ما لم يعط في مجموع الزيارات في الأيام السابقة؛ لأن ساعة الوداع عادة ما تكون مقترنة بشيء من الحسرة والحنين والرقة.. فينبغي للزائر-على الأقل- أن يغتنم هذا النور، الذي يعطى في ساعة وداع المعصومين (ع).

مسرفي النور:
إن السبب في سلب ذلك النور المعطى في الزيارة، هو كفران النعمة، وعدم تقديرها كما ينبغي.
ومن المعلوم أن الإنسان المبذر-بحسب العرف العام- هو الذي لا يحسن التصرف، فيما أوتي من النعم.. ونحن نعيش في عصر كثر فيه التبذير، في المأكل والمشرب، وفي كل شيء.. فلماذا القرآن الكريم شدد العقوبة والتهديد للمبذرين، فعبر بتعبير في غاية الإرهاب والتخويف، حيث قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}؟..
السبب في ذلك أن المبذر أعطي النعمة-مالا أو طعاما هنيئا- ولكنه برميه للطعام في مكان لا يليق به، قد هتك قدر هذه النعمة.
فإذا كان إلقاء طعام في سلة المهملات، يوجب أن يكون الإنسان في عداد إخوان الشياطين، فكيف بإلقاء الطعام المعنوي في سلة المعاصي؟!.. فترى إنسانا قد أعطي النفحات في الزيارة، وعند رجوعه للوطن وهو في الطريق يعصي الله تعالى.. أو وهو في أول يوم من استقراره في الوطن يعصي الله تعالى بنظرة أو بقول.. إن هذا من مسرفي النور، ولا شك أنه في معرض العقوبة الإلهية المشددة.

الطريق للخلاص من الشياطين:
ينبغي للإنسان حتى يتخلص من تسلل الشياطين المتربصة، أن يحيط نفسه بسياج آمن، بأن يستمر في حركته إلى الله تعالى، ولا يكسل ويسترخي، معولا على ما وفق له فيما مضى في موسم الزيارة.. والبعض يفسر ما ورد في دعاء كميل: (وسكنت إلى قديم ذكرك لي) أي سكنت إلى ما وفقتني إليه من ذكرك في الماضي.. بمعنى أن الإنسان يعيش حالة السكون والاطمئنان النفسي للعطاء من التوفيق والإقبال في العبادة، مما أوجب إلى الكسل والتراخي، وعدم الحذر من الشياطين، فانتقمت منه.
ولهذا فلابد من الاستعاذة المستمرة، بعد الرجوع من الحج أو زيارة المشاهد المشرفة، من باب التدريب العملي، وإيجاد نوع من أنواع الحماية ضد هذه الآفات.
لأنه كما قلنا بأن الشياطين تحاول مصادرة المكتسبات، وكل إنسان هو في معرض هذه الهجمة الشيطانية، إلا عباد الله المخلَصين.. فالذي هو في أمان تقريبا من شر الشيطان، هو الإنسان المخلَص؛ أما الإنسان المخلِص، فهو لا زال في دائرة الشيطان.

فمن هو المخلِص (بالكسر)؟.. ومن هو المخلَص (بالفتح)؟.. فبحسب الظاهر هناك اختلاف في حركة، ولكن حقيقة بين الاثنين بعد المشرقين!..
المخلِص: هو الذي يسعى لأن يكون مخلِصا، بمعنى أنه يحاول أن يكون مخلِصا بنيته وبمراقبته وبمجاهدته لنفسه، وهذا الجهاد الأكبر، كما عبر عنه الرسول الأكرم (ص).
أما المخلَص: فهو الإنسان المنتقى والمصطفى والذي اختير من قبل الغير، كما قال تعالى عن موسى (ص): {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.. فمعنى اصطناع النفس، أي تخليصها لتكون في زمرة المخلَصين.
فبعض الناس قد قبل رب العالمين إخلاصهم، فأمضاه، فصار من المخلَصين، أو ما يعبر عنه بالدخول في دائرة الجاذبية الإلهية.. البعض من هواة المغامرة والمخاطرة يحب أن يقترب من الدوامة في البحر، ولا يقع فيها، ولكنه إذا وصل إلى نقطة قريبة منها، فإنها تبتلعه.. وهكذا فالبعض يسعى ويجاهد في طريق الإخلاص، وإذا اقترب من هذه الدائرة، فإنه ينجذب قهرا.
ومن أبرز المصاديق لهذا المعنى، هي السيدة الجليلة مريم العذراء (ع)، فهي اقتربت من دائرة الجاذبية الإلهية، فرب العالمين اصطفاها واختارها وطهرها، وجعلها أما لعيسى (ع) من دون الزواج الطبيعي.

فإذن، إن الذي هو في أمان من الشيطان، هو المخلَص.. ولكن حتى المخلَص لا ضمان لأن يبقى على ما هو عليه.. ولهذا نحن دائما نكرر بأن هاجس الخوف من سوء العاقبة، ينبغي أن لا يفارق الإنسان أبدا إلى ساعة الموت.. فعند الموت تخرج الروح من البدن، وتنتهي هذه الحرب، ولكن ما دامت الروح في البدن فهذه الحرب قائمة.

الجذب الإلهي:
إن الداخلين في دائرة الجذب الإلهي فريقان:
الأول: السالك المجذوب: وهو الذي يجاهد في طريق العبودية؛ فيجذبه الله تعالى.. كالحر بن يزيد، فهو بذل جهدا في التوبة والعودة إلى طريق الهدى؛ فرب العالمين جذبه وجعله من أصحاب الحسين (ع).
والثاني: المجذوب السالك: وهو الذي يُجذب بلا جهد جهيد، إذ رب العالمين يرتضيه لنفسه، وبعد ذلك هو يجاهد.. كمريم بنت عمران، فهي لم تبذل جهدا، وما تعبت في أول حياتها، بل بالعكس، فإنها كانت مدللة: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا}، وكان الصالحون ممن في المسجد الأقصى يتسابقون على كفالتها: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}.. وعندما جذبت سلكت، ووقع عليها ما وقع من الابتلاء، الذي جعلها: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}.
*********************
* اختيار مناسبات الزيارة:
اختيار الفصول الخاصة للزيارة كشهر رجب وشعبان وكذلك الليالي الخاصة كليالي الجمعة والقدر وخاصة في ساعة السحر ووجود بعض موجبات الإجابة كنزول المطر وغيرها.. ومن المناسب التوجه للزيارة في أيام الولادة والشهادة ، من باب تقديم العزاء أو التبريك.



الفصول الخاصة للزيارة:
ينبغي أن نأخذ فصول الزيارة من روايات أهل البيت (ع)، وليس لأحدنا الحق أن يجتهد في اختيار الفصل المناسب.. ومن المناسب مراجعة كتب الدعاء قبل كل شهر، لاكتشاف الأعمال الواردة، والمحطات العبادية والمناسبات، في ذلك الشهر.. فالبعض يمر عليه موسم عرفة مثلا، وهو في مناطق قريبة ومجاورة من كربلاء المقدسة، وهو لا يعلم بهذه المناسبة، فيفوته من الأجر العظيم.. ومن المعلوم أن يوم عرفة تتجلى فيه الرحمة الإلهية في موضعين: في أرض مكة، وفي أرض كربلاء.

وقد تحسن الزيارة للبعض، وإن لم يكن في موسم الزيارة.. فالبعض قد يمر في أزمة شديدة ويعيش حالة الضيق والحزن الشديد، فمن المناسب له في هذه الفترة-وهو يعيش هذه الحالة- الزيارة، فهذا موسم زيارة له بالخصوص!..
مثلا: هو أصيب ببلاء شديد في شهر شوال- ومن المعلوم أن هذا الشهر من بين أشهر السنة، تقل فيه الأجواء الروحية، وليس فيه محطات عبادية إلا مناسبة ذكرى استشهاد الإمام الصادق (ع).. ومع أنه يأتي بعد شهر رمضان، إلا أنه من حيث الأجواء الروحية والعبادية، لا يقارن بشهر شعبان بما فيه من المناسبات- فما دام الإنسان يعيش أزمة نفسية لبلاء نزل به، فعليه باغتنام هذه الفرصة للزيارة: بالذهاب إلى العمرة، أو كربلاء، أو للرضا (ع)؛ إذ لعله لو لم يزر في تلك الفترة، وزار في المواسم: في نصف شهر شعبان، أو شهر رجب مثلا-وكان قد فرج الله تعالى عنه، وذهبت تلك الحالة من الضيق-لا يرى إقبالا في هذه الزيارة.. فإن زيارة المشاهد عند الأزمات، تعطي الإنسان بعدا عاطفيا مضاعفا.
ولكن لا يخفى أن زيارة المحبين، أرقى من زيارة المبتلين.. ولكن نقول إن هذه فرصة مناسبة جدا، فما دام هو مبتلى، فليذهب للزيارة، وإذا جرت الدمعة لما هو فيه من بلاء، فليحول الدمعة إلى دمعة حب ومناجاة مع رب العالمين، فهذا أيضا مما يعوض هذا الجانب.

الزيارة في ساعة السحر:
إن ساعة السحر من الساعات التي فيها لطف إلهي مضاعف لأمرين:
أولا: لما في القيام في تلك الساعة من المعاناة والمشقة على النفس، ولهذا يقول تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}.. وكأن هنالك حالة من الجفاء بينهم وبين الفراش، ومن المعلوم أن أعذب ساعات النوم، هي هذه الساعات الأخيرة من الليل.

وثانيا: إنها من ساعات التجليات الإلهية الخاصة.. فرب العالمين كما له تجليات في ليلة الجمعة، وفي ليالي القدر، فإن له أيضا تجل في كل ليلة، في ساعة السحر، أي له نظرة مضاعفة للقائمين في هذه الفترة من الليل..
ولهذا نلاحظ أن القرآن الكريم يقول في مقام المدح: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}.. فلم يقل: والمستغفرين في وقت الزوال، أو والمستغفرين في وقت العصر.. فإن الاستغفار في وقت السحر، له مزية خاصة، حيث يعطى العبد من الآثار ما يعطى.
وكذلك إن قراءة القرآن الكريم في هذه الفترة، من موجبات الفتوحات المعرفية، بمعنى استيعاب المعاني القرآنية.. فالبعض-من أولياء الله الصالحين من العامة- ممن يلتزم بقراءة القرآن الكريم في الأسحار، يُعطى من المعاني التي لا يعرفها غيره، ممن اطلع على التفاسير المطولة.

الزيارة ساعة المطر:
نحن نعلم بأن رب العالمين له حكمة في إنزال المطر، حيث أنه ينزله في وقت معين، ولفترة معينة.. وليس بناؤه على إنزال المطر في كل حين، وبشكل مستمر، وإلا لغرقت الناس، كما في طوفان نوح (ع).
فنقول: كما أن رب العالمين يسوق السحب إلى الأرض الميتة، فكذلك النفحات المعنوية، فهو يسوقها ويرسلها إلى القلوب المتعطشة.. وهي كذلك لا تأتي إلا لحكمة إلهية، فليست متكررة دوما، ولا يعلم متى تأتي، فقد تأتي والإنسان غافل عنها، ولذا ورد: (إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها).

الزيارة في أيام الولادة والشهادة:
إن هناك مواسم خاصة-كما ذكرنا- واردة عن أهل البيت (ع)، ويكون ثواب الزيارة فيها مضاعفا.. ولكن أيضا هناك مناسبات عامة، وهي الزيارة في أيام ولادة أو استشهاد ذلك المعصوم.. فمن الجميل أن تزور المعصوم، لتهنئه في أيام ولادته، أو تعزيه في أيام استشهاده.. وخاصة إذا كان يمكنك أن تقوم بهذه الحركة العاطفية الجميلة، لوجود إمامين، كما في أرض بغداد، وأرض سامراء، والبقيع: بأن تهنئ الإمام الأب بمناسبة ذكرى ولادة ولده، أو تعزي الإمام الابن بمناسبة ذكرى استشهاد والده.. فمثلا: تزور الإمام الكاظم (ع) بمناسبة ذكرى ولادته، وتهنئ الجواد (ع)، وتطلب منه العطايا.. أو العكس، أي تهني الإمام الكاظم (ع) بذكرى ولادة ولده الإمام الجواد (ع).




















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:11 AM   رقم المشاركة : 10
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* أفضل الزيارات:
أفضل الزيارات من حيث تأجج نار العاطفة هي الزيارة الأولى حيث فيها ( الشوق الأكيد ) والأخيرة حيث فيها ( ألم الفراق ) فلا بد من اغتنام هاتين الساعتين، فإن ما بينهما من الساعات قد لا ترقى لهذه الساعة عادة..


دور العاطفة والعقل في مسيرة الحياة:
إن الحركة الواقعية والاستجابة الفعلية للإنسان، ناشئة عن العلاقة الوطيدة بين العقل-أي الحقائق والمعلومات المكتسبة- والقلب-أي العواطف والمشاعر كالحب والكره- فباتفاق القلب مع العقل، يظهر الأثر الصحيح على الجوارح.
ويمكن أن نشبه العاطفة بمحرك الدابة، والعقل بالإضاءة الأمامية للدابة.. فالدابة حتى لو كان لها محرك قوي، فمن دون هذه الإضاءة فإن مصيرها إلى السقوط في الوادي السحيق.. وبالعكس أي حتى لو كان للدابة إضاءة قوية، فلا فائدة منها ما دام المحرك عطلان.. فالمحرك القوي والإضاءة القوية، ينتجان حركة سريعة، وفي طريق آمن من المطبات المهلكة.

فالعاطفة هي التي تدفع للعمل، فحتى لو كان الإنسان يمتلك ما يمتلك من الأحكام العقلية، فإنه مع عدم وجود العاطفة، لا أثر لتحقق تلك الأحكام، بل إنها تبقى منحصرة في عالم الإدراك.. فترى البعض مع أنه متيقن بأضرار التدخين، إلا أنه يبقى *********ا عليه.. ولكن لو أنه رأى شخصا عزيزا عليه، أصيب بسرطان الرئة نتيجة إدمانه للتدخين ومات بسببه، فإنه تتأجج في قلبه حالة عاطفية من الكراهة، فيتركه.
ومع الأسف، فإن الإنسان الذي يعيش حالة الجمود العاطفي، لانشغاله بالحياة الدنيا وزخارفها، تتوقف أو تقل عنده الدافعية نحو العمل التقربي في طريق العبودية.

إن الزائر وإن لم يكن يسير على الجادة إلا أنه بتقديمه واختياره لزيارة المعصوم، بدلا من السياحة الممتعة، حيث يضع قدمه على شهواته ومتعته، يكشف عن وجود حالة عاطفية من الحب للمعصوم.. ثم إن ما يعانيه من الأذى والجهد والنكبات والمزاحمات في طريقه للزيارة، يؤجج تلك الحالة العاطفية، فتتجلى على شكل شوق في زيارة المعصوم.. ولما يناجي رب العالمين، وهو بهذه الحالة من الشوق للمعصوم وفي محضره، تنزل عليه البركات التي تصلّح مسيرة حياته.. فمع أنه كان إنسان منحرفا، والعودة إلى الجادة تحتاج إلى العقل، ولكن العاطفة عندما تأججت في محضر المعصوم بعد هذه المجاهدة والمعاناة، أوجبت له هذه التوفيقات التي تدفعه لقطع المسافات بشكل سريع.
وأقرب مثال على غلبة التأثير العاطفي المركز، على الأحكام العقلية التي قد لا تحرك الإنسان، هو بشر الحافي.. فبشر يعلم أنه عبد-فعقله يقول إنه مخلوق، وكل مخلوق له خالق- وما كان ملحدا ولا دهريا بل مسلما، ولعله كان محبا لأهل البيت (ع)، ولكن هل إن ذلك كان دافعا له للسير الصحيح؟.. بينما نلاحظ أن الإمام الكاظم (ع) بحركة عاطفية، أجج فيه هذا الجانب الوجداني، عندما قال للجارية: لو كان عبدا لخاف من مولاه.

فإذن، إن زيارة مشاهد أهل البيت (ع)، بنية تغيير مسيرة الحياة، أمر راجح، وكم رأينا في التاريخ من أمثال بشر، وهذه التوبة والانقلاب من طريق الهاوية إلى طريق الجادة والفوز والفلاح.
إن الإمام الكاظم (ع) كان سببا لهداية بشر، ودلالته على الطريق الصحيح، وهو حي مرزوق، وموته لا يعني الفناء إنما انتقال من عالم إلى عالم، ومن المعلوم أن الإمام بعد الاستشهاد تكون عطاءاته أكثر من أيام الحياة.. أي أن الطريق مفتوح أمامك أنت أيضا أيها الإنسان العاصي، زر الإمام الكاظم (ع)، وقل له: يا مولاي، أنت بكلامك جعلت بشر على الطريق، وهو لم يرك، بل كان مشغولا بلهوه وطربه، والجارية نقلت له كلامك.. وأنا تشرفت بزيارتك، والوقوف بمحضرك، أرجو نظرة منك يا مولاي تخلصني مما أنا فيه!.

الزيارة الأولى:
إن الزيارة الأولى تتميز بأن فيها حالة الشوق الأكيد، وخاصة لمن يزور المشهد لأول مرة.. فإنه لعدم تعوده على الزيارات السابقة، يصاب بحالة من حالات الدهشة والانفعال غير المترقب.. كمن يرى الكعبة لأول مرة، حيث أنه يتفاجأ بالكعبة، ويعيش بعض المشاعر المتميزة، وكأنها صديق قديم له، فهذه التي كان يتوجه إليها لسنوات في صلاته، في كل يوم خمس مرات، منذ بلوغه إلى أن زار البيت وهو في سن الأربعين أو الخمسين مثلا، ولكنه الآن يراها أمامه رأي العين.
فالزيارة الأولى تحمل مشاعر متميزة، لا تتكرر بعد الزيارات والحجج المتوالية.. ولهذا فمن المناسب للإنسان إذا كانت هذه أول مرة له يدخل المسجد الحرام ويرى الكعبة المشرفة، أن لا يذهب للمطاف بسرعة، بل يتريث قليلا في باحة المسجد الحرام، ويحاول أن يتكلم مع الكعبة.. وقد كان الأئمة (ع) لهم حديث مع الهلال والكعبة، فكانوا يتعاملون مع هذه الموجودات وكأنها ذات شعور.
فالزيارة الأولى ينبغي أن لا تفوت، لأن فيها كم كبير من حالة الشوق للمعصومين (ع).. ومن هنا فمن المناسب للزائر لما يأتي من المطار، ويجعل ما معه من الحقائب في السكن، أن يهرول للزيارة، لأن هذا أليق بالأدب، وأقرب إلى إظهار مشاعر الود إلى ذلك المعصوم.. إلا أن البعض لا يبادر بالزيارة مباشرة عند وصوله، بل يبقى يأكل ويشرب وينام، وقد يشاهد بعض البرامج في التلفاز مثلا، وفي اليوم الثاني يذهب للزيارة.. فهذا من الطبيعي أن يخف تأجج نار العاطفة لديه إن لم تنطفئ.

الزيارة الأخيرة:
إن الزيارة الأخيرة تختلف تماما عن الزيارة الأولى، فالزيارة الأولى فيها حالة الاشتياق والنشاط والاستبشار، فتراه لما يرجع من هذه الزيارة يكون فرحا ومستمتعا، ومترقبا ومتشوقا للزيارات اللاحقة.
ولكنه في الزيارة الأخيرة-حتى وإن كانت زيارة نموذجية فيها عِبرة وعَبرة- فإنه يرجع كئيبا حزينا، لأن هذا اليوم الأخير له، وسيرجع إلى وطنه.. والغريب أن هذه الحالة تغلب حتى على حالة الاشتياق للأهل والأولاد، إذا كان زائرا بمفرده، فمع أن في هذا اليوم سيكون الأهل والأولاد في استقباله في المطار، بعد فترة من غيابه عنهم، ولكنه يراه يوما ثقيلا وكئيبا.

أضف إلى أن الزيارة الأخيرة فيها بركات كثيرة، وخاصة إذا أحسن الزائر استغلالها كما ينبغي، ومن المناسب وهو يودع الإمام أن يطلب منه هذه الطلبات الأربع الموجودة في دعاء وداع الأئمة (دعاء المضامين): (بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي!.. اجعلوني في همكم، وصيروني في حزبكم، وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم).. وهي طلبات مهمة جدا، ولو استجيبت للزائر، فهو ذو حظ عظيم:
1. أن يكون من هم الإمام.. فيقول: يا مولاي، اجعلني من همك، كالولد الذي يكون من هم والده.. فهو إن كان في بيته يعطيه، ويهتم بتدبير أموره، وحتى لو أنه ذهب إلى أقاصي العالم، أيضا هو يعطيه، ويرسل له ما يحتاجه من المال.
2. أن يكون من حزبهم.. فإن حزب الله هم الغالبون.
3. أن يدخله الإمام في شفاعته.
4. أن يذكره الإمام عند الرب.. نحن نقصد الإمام في حوائجنا، لما له من وجاهة عند الله تعالى، ودعوته لا ترد.. فليس هذا من الشرك أبدا، ومعنى التوحيد جلي في هذه العبارة، وليس هنالك أي صورة من صور الشرك حتى المتوهم منه.

وكلما اشتد الحزن في ساعة الوداع لفراق الإمام، فإنه يكشف عن قوة العلاقة والارتباط به.. وكما أن الزائر يتألم لفراق الإمام ويبكي، فالإمام أيضا من الممكن أنه يشتاق له، ويراه ضيفا عزيزا، ويستحق أن يدعى مرة أخرى.. لا شك أن هناك مشاعرا في قلب الإمام في عالم البرزخ، نحن لا نعلمها.. ولكن أئمتنا (ع) أوفياء، وقد كان الإمام علي (ع) يبدي شوقه إلى سلمان وأصحابه الذين ماتوا، فلماذا لا يشتاق إلى هذا الزائر المحب، الذي غادر النجف باكيا ومتألما لفراقه؟.. فمن الممكن وجود هذا الشوق عند المعصوم أيضا.

ما بين زيارة الشوق وزيارة الفراق:
الملاحظ أن الزائر-كما ذكرنا- في أول زيارة يكون في حالة شوق، وفي آخر زيارة-لما يعود إلى وطنه- يكون في حالة حزن وحسرة، وتقريبا قد يسترخي بينهما.
إلا أن من الأفضل أن يبقي الزائر هذه الجذوة متقدة ومشتعلة، كما كانت في أول يوم.. ولكن هذا لا يأتي من فراغ، فالزائر الذي يشتاق لزيارة المعصوم في كل يوم من أيام إقامته، فهذا له تاريخ، وله عمل سابق.
رأيت أحد الأخوة المنتسبين للعتبة الحسينية المشرفة، وكان يقول: إنه في أول يوم من انتسابه للعتبة، قال للإمام: يا مولاي، أريد أن لا أشبع من زيارتك، أريد أن يبقى هذا الشوق متأججا!..
ويبدو أن الإمام استجاب له، فهو في كل يوم يزور الإمام، ويبقى في الحرم للعمل قرابة عشر ساعات، ولما يرجع ينتظر الغد بتلهف، وهو على هذه الحالة لسنوات، فيزور الإمام في كل يوم، وكأنه زائر لأول مرة بحالة من الشوق المتأجج.
ولكن هذه الحالة الجميلة، لا تأتي من فراغ، فالإنسان الذي له مجاهدات سابقة علمية أو عملية، أي كان قد قدم شيئا في سبيل الله تعالى، أو سلب منه شيئا في سبيل الله تعالى، أو أصابه أذى وإهانة قبل عشرين سنة وهو في طريقه للزيارة، من قبل طواغيت الحكم البائد.. فما عاناه قبل عشرين سنة، يبقى أثره إلى عشرين سنة أخرى، فكلما أتى للزيارة، فإن الإمام يحسن استقباله، لأنه من الذين عانوا في هذا الطريق.
فإذن، لابد للزائر من تكثيف الجهود، في هذه الأيام التي بين اليوم الأول واليوم الأخير، لئلا يعيش حالة من الرتابة في الزيارة.
*********************
* حلية مال الزيارة:
حاول أن يكون المال الذي تزور به الإمام من أكثر الأموال حلية، فإن الزيارة المقبولة تحتاج إلى أموال طاهرة، وإلا فكيف يرجى القبول بمال مغصوب؟!.. فشانه شان الوضوء بماء نجس أو مسروق.. ولا مانع من أن يكون للزائر منزلا في المشاهد الشريفة ليكون دافعا من دوافع التواصل مع المعصوم وكذلك لسكنى إخوانه الزائرين، كما يحسن المقام عندهم دائما ولكن بشرط إعطاء البلد حقه وإلا فقد ينعكس الأمر إلى جفاء!!.


أثر المال الحرام في الزيارة:
إن من الأمور المهمة التي ينبغي للزائر أن يحرص عليها، هي حلية المال الذي ينفقه في الزيارة.. ففي الزيارة باعتبار أن ليس هناك إلزاما فقهيا، فالزائر لا يقوم بعمل واجب، فليس هناك طواف ولا سعي ولا صلاة واجبة، فإنه قد لا يراعي هذا الجانب، ويتساهل في طبيعة المال المأخوذ.. بخلاف الحج، إذ لابد فيه من مراعاة الحلية، فلو كان ثوب الإحرام مغصوبا، فلا يصح الحج.
ولهذا نحن نلاحظ أن بعض الحجاج الذي لا يخمس، أنه يخمس مال الحج فقط.. وكأن رب العالمين-أعوذ بالله- يخدع بهذا العمل!.. أنت إنسان ملزم أن تدفع خمس مجمل الأموال، ودفعك لخمس مال الحج، لا يغني عن الباقي!..

والبعض يغفل عن هذه الحقيقة، ولا تأتي في باله في الزيارة وهي: إن الذي يزور وهو مطلوب خمس المال، فهو حقيقة إنسان غاصب، وفي ذمته حق الإمام والسادة الأيتام والفقراء.. فكيف الإنسان يزور الإمام العسكري (ع) في سامراء، وهو غاصب وآكل لأموال ولده والأيتام والفقراء من ذرية رسول الله (ص)؟!..
فعليه، لابد للزائر قبل أن يأتي للزيارة، أن يعمل جردا في كل الجهات، ومنها الجانب المالي.

والبعض ملتزم بدفع الخمس والكفارات، باعتبار أنها مبالغ محددة، فلو أنه مثلا أفطر في شهر رمضان عمدا أو سهوا، فالكفارة معينة، وله سنة خمسية معروفة، والزكاة معروفة.. ولكن هناك حقا ماليا قد يغفل عنه البعض، ألا وهو رد المظالم، ومجهول المالك.. فمثلا: إنسان هو موظف حكومي، وهو لسنوات مقصر في عمله، من حيث الالتزام بساعات العمل، فيجيء متأخرا، ويذهب مبكرا، ويهدر ساعات العمل في غير العمل، مما يؤثر على أموال بيت المال.. والمفروض أنه يأخذ مالا، مقابل ساعات محددة، فما يضيعه من الساعات من دون عمل، لا يستحق عليه الأجرة أصلا!.. أو إنسان أكلت من ماله، أو أتلفت ممتلكاته، وقد مات ولا تعرف ورثته.. أو سرقت مال زائر، ولا تعرف شيئا عنه، ولا من أي بلد هو.
فمن الضروري قبل الذهاب للمشاهد، أن يتخلص الإنسان من تبعات العباد، ويصفي حساباته من كل هذه الأموال: الخمس، ورد المظالم، ومجهول المالك.
فالذي في ذمته حق مالي للغير، فهو ظالم ظلما ماليا، وإن الله تعالى لا يهدي الظالمين، فعندما يأتي لزيارة المعصوم، فهذه الظلامة المالية، من موجبات حرمانه من الفيض بلا شك.

إن الوضوء عبادة، والماء أداة لتنفيذها، ولكنها لا تصح إذا كان الماء نجسا أو مغصوبا.. فكما أن الله تعالى لا يرتضي هذا الوضوء فقهيا، فكذلك لا يرتضي أخلاقيا زيارة الزائر الذي يأتي بمال حرام.
لأنه-كما قلنا- إن تحقق معنى الزيارة لا يكون بالزيارة الشكلية، وبمجرد الدخول الميكانيكي للحرم، فالآثار والبركات المترتبة من الزيارة، لا تتحقق بهذه الكيفية.. ففي عالم التكوين النتائج تكون قهرية، فلو جمعت الأوكسجين مع الهيدروجين، يتركب الماء.. لأنه لا يتوقف على النية التي هي أساس قبول الأعمال، في عالم المعنويات والكمالات الأخلاقية.. فالقضية ليست ترتبية مادية، بأن يدخل الإنسان الحرم فيغفر له، أو يطوف حول الكعبة فيغفر له.. وإلا كيف نفسر هذه الروايات:
ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج!.. كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ!.. كم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء!.. كم من تال للقرآن والقرآن يلعنه!..
فإذن، القضية فيها لطف إلهي، وهذا اللطف قد يمنع، ومما يمنعه هذا المال الحرام.

امتلاك منزل في المشاهد المقدسة:
إن هذا ليس أمرا أساسيا، ولكنه مناسب جدا.. فمن رزقه الله تعالى مالا، فبدلا من شراء المنازل في المنتجعات السياحية في بلاد الغرب مثلا، من المناسب أن يشتري له منزلا عند المعصوم، ليكون محفزا ودافعا له للزيارة.. فالبعض لا يأتي للزيارة في المواسم المزدحمة، خوفا من عدم حصول مكان يبيت فيه، فمن له منزل يمكنه متى ما شاء أن يأتي إلى منزله.

أضف إلى أن هذا المنزل، يمكن أن يكون له صدقة جارية، إذا سكن فيه كل من يأتي للزيارة: من أرحامه، أو أصدقائه، أو جيرانه، فيكسب بذلك الأجر، ودعواتهم تحت تلك القباب السامية.
ولكن بشرط أن لا يكون ذلك، موجبا للتقصير في حق المعصوم.. فبعض الزائرين كان يأتي للزيارة مع الحملات، وبعد أن اشترى منزلا، فقد ما كان يعيشه من المشاعر، والتهى بتهيئة المنزل وتزيينه ومتطلباته، وعندما يسافر يكون فكره في ذلك المنزل.. فلا شك أن الانشغال الزائد بالدنيا، يصد عن البركات المعنوية.
*********************
* الاستحلال من الخلق:
حاول قبل السفر طلب براءة الذمة من ذوى الحقوق، فإن وجود مظلوم في البين، مما يمكن أن يمنع العطاء وخاصة من جهة الأقربين، وهذا لا يعد من صور تحمل الذل لأن طبيعة الناس على تفهم هذا النحو من الاستحلال...



إرضاء القلوب المنكسرة:
ذكرنا ضرورة أن يدفع الإنسان ما عليه من حقوق مالية، كرد المظالم وغيره، فهذه صورة من صور الاستحلال، وهناك صورة أخرى، وهي إرضاء القلوب المنكسرة.. فالذي يذهب للزيارة، وهناك من يتبرم من زيارته، أو يدعو عليه، مثلا: له والدان غير راضيين عنه ويدعوان عليه، أو له زوجة في الأشهر الأخيرة من الحمل، وهي بحاجته في ذلك الوقت بأن يكون بجوارها، فهذا يمثل حجابا يمنع من قبول الزيارة، ومن وصول الأنوار له.. وقد يتفق أن المتبرم من زيارته يدعو عليه، فيقول: لا تقبل الله زيارتك!.. فإن كان ذاك له الحق في أن يشتكي عليه، فأي زيارة هذه!..

إلا أن البعض يظن أن الاستحلال من العباد، من موجبات الذل والوهن.. ولكن هذا أمرا متعارف للزائر، وليس فيه ما ينافي عزة المؤمن، فلا بأس أن يقول للشخص الذي ظلمه: أنا ذاهب للزيارة، وأطلب منك براءة الذمة، وأن تسامحني على ذلك الأمر.. فإنه بهذا العمل يريح نفسه من تبعات الآخرين، ويضمن تيسير أمور زيارته.




















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:13 AM   رقم المشاركة : 11
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* الاستحلال من الخلق:
حاول قبل السفر طلب براءة الذمة من ذوى الحقوق، فإن وجود مظلوم في البين، مما يمكن أن يمنع العطاء وخاصة من جهة الأقربين، وهذا لا يعد من صور تحمل الذل، لأن طبيعة الناس على تفهم هذا النحو من الاستحلال.. فكما لا ينال العهد الإلهي للظالمين، فكذلك بالنسبة للبركات الخاصة، فإنها نفحات لا تعطى للظالم لنفسه أو غيره.


انعدام تأثير المقتضي لوجود المانع:
من المعلوم في عالم التأثير أن هنالك ثلاثة عوامل:
أولا: وجود المقتضي، وهو ما منه الأثر.
ثانيا: وجود الشرط، مثلا: المجاورة والاقتراب من المقتضي.
ثالثا: انتفاء المانع.
فعلى سبيل المثال: لاحتراق الورقة: لابد من وجود النار المقتضي للإحراق، وتحقق الشرط بمجاورة واقتراب الورقة من النار، وانتفاء المانع بعدم وجود الرطوبة على الورقة.

ومن المعلوم أن المقتضيات عند المؤمن كثيرة، ولكن لا يتحقق الأثر لوجود الموانع.. ففي المشاهد نحن ندعو عند المعصومين (ع)، ولكن لابد من رفع الموانع أيضا أثناء الدعاء.. لأن موانع استجابة الدعاء عند المعصوم، هي نفسها التي عند رب العالمين، فلا اثنينية أبدا بين طريق الله تعالى وطريق أهل البيت (ع)، أي أن الزائر إذا كان عنده مانع من موانع الاستجابة عند الله تعالى، فإن هذا المانع بنفسه أيضا موجود عند المعصوم.. لأنهم هم الصراط الأقوم، وعلي (ع) ميزان الأعمال كما نقرأ في الزيارة، وهؤلاء يرضيهم ما يرضي رب العالمين.
فالزائر لابد أن يعلم قبل الزيارة أن هناك موانعا من القبول، ومنها ظلم العباد، وخصوصا الأقربين؛ وأنه إذا كان يدعو على الظالمين وهو ظالم لغيره، فكيف يتوقع الإجابة؟!.. فالإنسان الظالم لغيره، إذا ابتلي بعدو ظلمه، ودعا عليه في المشهد عند المعصوم، فمن الممكن أن يقول له رب العالمين: أنا كيف أهلك ذلك الظالم لك، وأنت ظالم لغيرك؟!.. فإذا كان البناء على تعجيل العقوبة للظالمين، فأنت من الظالمين أيضا!..

فعليه، لابد من إرضاء الخلق بما أمكن.. ولا يخفى أنه قلما يوجد إنسان ليس في ذمته تبعة العباد، من جهة الغيبة والانتقاص القولي.. فالبعض يظن بأن الاستحلال يقتصر على المسائل المالية فقط، مثلا: إذا سرقت من إنسان مالا، أو أتلفت له مالا، فيجب عليك أن تبرئ ذمتك.. والحال أن هتك المؤمن وإسقاطه اجتماعيا من الأعين-أو كما يعبر عنه بقتل شخصيته لا شخصه- لعله عند الله تعالى ليس بأقل من الإتلاف المالي.. حتى أن بعض الناس قد يسامح في المسائل المالية، ولكنه لا يسامح في هتكك لعرضه مثلا، وكما قال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام***ولا يلتام ما جرح اللسان

الاستحلال الإجمالي:
ولهذا فإن من الأمور المحبذة قبل الزيارة، الاستحلال الإجمالي من مظالم العباد.. لأن الاستحلال الصريح قد يوجب مفسدة، فمن الممكن أنك إذا اعترفت أمامه بأنك اغتبته بكذا وكذا، أن يزداد الأمر سوءا، لأنه قد يعتقد أنك هتكته هتكا بليغا تخاف منه.. أما عندما تقول له: أنا مقدم على الزيارة، وسأدعو لك في المشهد الشريف، وأطلب منك براءة الذمة.. فهذا لا يوجب لفت النظر، وليس فيه ما يوجب الذل، لأنه أمر متعارف للزائر.

دور الظلم في منع الفيض الخاص:
لما أعطي إبراهيم (ع) مقام الإمامة، سأل أن يعطى هذا المقام أيضا لذريته، فجاءه الجواب بأنه لا يعطى للظالمين، كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}..
فيستفاد من المنطوق الظاهري للآية، أن الإمامة فيض خاص لا يعطى للظالم.. ولكن يمكن أن يفهم أيضا معنى خارج المنطوق، وهو إن الإنسان الظالم لا يتلقى العناية والهداية الخاصة، كما قال تعالى في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}..
ففي المشاهد المشرفة هناك هدايا لكل الزائرين، فالمعصوم يعطي هدية لكل زائر ولو كان من أفسق الفاسقين، ولكن هناك عطايا خاصة.. ومن هنا من المستحب في جوف الليل أن ندعو بهذا الدعاء: إلهي!.. تعرّض لك في هذا الليل المتعرّضون، وقصدك القاصدون، وأمل فضلك ومعروفك الطالبون، ولك في هذا الليل نفحاتٌ وجوائزٌ وعطايا ومواهب، تمنّ بها على من تشاء من عبادك، وتمنعها من لم تسبق له العناية منك.. فرب العالمين-وهو أكرم الأكرمين- له عطايا خاصة للبعض في جوف الليل، وكذلك المعصوم، فإن له عطايا خاصة لبعض الخواص من الزائرين.
فإذن، إن الظلم كما أنه مانع من تلقي فيض الإمامة كما في الآية، كذلك فإنه مانع من تلقي الهداية الخاصة من المعصوم.

المراد بالنفحات:
إن النفحات هي لطف إلهي زيادة عن المتعارف.. وللتقريب نذكر هذه المقدمة: من المعلوم أن التيار الكهربائي له شدة معينة تستخدم للقيام ببعض الأعمال المتعارفة، ولكن هذه الشدة إذا زيدت يكون لها آثار غير متعارفة، كالصعق الكهربائي مثلا.. ومن المعلوم ما ينتج من طاقة غير متعارفة، بسبب بعض التفجيرات الداخلية في الذرة.. ففي عالم الطبيعة نحن نلاحظ هذا التفاوت في الدرجات، فهناك طاقة متعارفة وغير متعارفة، وهناك إشعاع متعارف وغير متعارف كالليزر الذي يقص الحديد.

وكذلك في عالم التجليات الإلهية، فهناك تجل أصلي وهو نعمة الوجود، وهناك تجل مضاعف.. ففي يوم عاشوراء حتى شمر قاتل الإمام الحسين (ع) أعطي نعمة الوجود، فنعمة الوجود-بمعنى إعطاء مستلزمات إدامة الحياة والبقاء في هذه الدنيا- موزعة على الجميع.. وحتى نلاحظ أن النعم المادية الدنيوية متفاوتة، فالكرة الأرضية فيها أراض يابسة، وفيها أراض جميلة معشوشبة، وأن هذه النعم أعطيت للنصف الشمالي من الكرة الأرضية، أكثر من النصف الجنوبي، فرب العالمين أغدق على أمريكا وأوروبا النعم العامة، أكثر مما أغدقه على الفقراء في أفريقيا مثلا.

فالتجلي في عالم الوجود المادي على درجات، وكذلك التجلي في عالم المعنى،فرب العالمين في عالم العطاء المعنوي له هبات زائدة عن الهبات المتعارفة، ولكن هذه الهبات لا تعطى جزافا، إنما لها حكمة، وإلا فالحكيم لا يضع الشيء المميز في موضع غير مميز.
وقد ذكر القرآن الكريم إشارة لهذا التجلي، في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}.. إن رب العالمين لما تجلى للجبل-أي رفع من مستوى طاقة النظرة الإلهية لهذا الوجود- جعله دكا، ولم يتحمل موسى (ع) رؤية ذلك التجلي الإلهي العظيم فخر صعقا. فالنفحات عبارة عن هذه اللفتات الزائدة عن اللفتة العامة لكل البشر.

أظلم الظلم ظلم النفس:
إن الظلم على قسمين: ظلم النفس، وظلم الغير.. ومن مصاديق ظلم النفس، ارتكاب الحرام في الخلوة بين الإنسان وربه، فالذي ينظر في جوف الليل إلى منظر محرم، فهو لم يعتد على أحد، ولم يمارس الحرام مع أحد، ولكنه ظالم لنفسه..
ولا شك أن ظلم النفس من أقبح صور الظلم، فالإنسان قد يعذب عدوا له، أما أن يعذب ابنه فهذا يعد في دائرة الشذوذ.. فإن النفس من أحب الأشياء إلى الإنسان، والذي يعمل ما يوجب لنفسه العذاب في نار جهنم، فهذا من أظلم الناس، ومن أظلم ممن ظلم نفسه!.. ومن الواضح أن الإنسان الذي يظلم نفسه، إنسان في منتهى درجات عدم الفهم؛ لأنه يرتكب ما يوجب العذاب لنفسه التي بين جنبيه.
*********************
* اجتناب الغافلين:
لا تسافر مع الغافلين أو الفاسقين، فإن طبيعة الرفقة توثر في قسوة القلب، لأن المرء على دين خليله كما ورد، إلا إذا كان من أجل الإرشاد.. ولكن لا بد من الحذر من جهة هذه النية، فإن القدرة على تغيير مسيرة العباد، يحتاج إلى توفيق خاص، وهو لا يكون إلا للعاملين لا العالمين، والفاعلين لا القائلين.


تجنب اصطحاب الغافلين والفاسقين:
الغافل هو: الإنسان العاصي المرتكب للحرام والتارك للواجب.. ويتفق أن بعض العصاة حتى في أثناء السفر للمشاهد المشرفة، لا يلتزم ببعض الواجبات ويرتكب بعض المحرمات.. ومن الواضح أن مصاحبة إنسان في السفر للزيارة بهذه الصفات: بذيء اللسان، ويفحش في القول، ولا يتورع عن اغتياب الآخرين، حيث يريد الإنسان التقرب إلى الله تعالى، خلاف للمنطق ونقض للغرض.
وأما الغافل فهو إنسان مؤمن، ولكن يغلب على حياته جو الهزل والنوم والكلام الكثير.

ولا يخفى أن الرفقة الصالحة في السفر، مما يحفز الإنسان للأعمال التي تقربه إلى الله تعالى.. ونحن لاحظنا في حملات الحج كيف أن الحجاج في الغرفة الواحدة يحفز بعضهم بعضا، فترى أحدهم يحب أن ينام زيادة عن حاجته، فصاحبه يوقظه للذهاب إلى بيت الله الحرام؛ أو يحب أن يأكل كثيرا، فصاحبه يحذره من آفات الطعام الكثير.. فمن صفات المؤمنين أنهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، كما في سورة العصر.. وقد ورد إن: (أقل ما يكون في آخر الزمان: أخ يوثق به، أو درهم من حلال).

فإن لم يجد الإنسان رفقة صالحة، وكان لابد من السفر، فليذهب لوحده، ومن المعلوم بأن الذهاب بمفرده له مزية: فإنها فرصة للخلوة مع النفس، وإن ما ينتاب الإنسان من حالة الغربة والاستيحاش، لمن دواعي الالتجاء والتوجه إلى الله تعالى وإلى المعصوم أكثر وأكثر.

أسباب قسوة القلب:
من المعلوم أن هناك أسبابا متعددة في قسوة القلب، وفي هذه الرواية عن الرسول الأكرم (ص) إشارة إلى بعض منها: (أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساء، ومماراة الأحمق، ومجالسة الموتى.. فقيل: وما الموتى يا رسول الله؟.. فقال: كل غني مترف هذا ميت الأحياء).
فنفهم من هذه الرواية التحذير من مجالسة المترفين، والملفت التعبير عنهم بالموتى!.. ففي نظر أهل الدنيا أن هؤلاء من أسعد السعداء، ولكنهم في حكم الموتى في نظر الرسول الأكرم (ص)!.. ولو أن إنسانا جعل في غرفة مغلقة مع ميت، فإنه يكاد يفقد عقله!..

والرواية تذكر أيضا إن من الأسباب في قسوة القلب، محادثة النساء.. ولكن هذا الأمر ليس مطلقا، ليتجنب الرجل عن الحديث حتى مع زوجته وبناته.. بل إنه لخصوص النساء الأجنبيات، لأنه لا يؤمن من انقداح بعض المشاعر السلبية من كلا الطرفين، ولهذا نلاحظ أن القرآن الكريم يأمر النساء بعدم الخضوع في القول، لئلا يطمع الذي في قلبه مرض.

فعليه، إن من اللازم للمؤمن تجنب الجلوس مع الغافلين، والسفر معهم.. فإن الجلوس مع الغني المترف ساعة من الزمان، يوجب قسوة القلب، فكيف إذا سافرت معه سفرة سياحية إلى بلاد الاستمتاع؟!.. فلو أن إنسانا في قمة درجات التقوى والإقبال القلبي، وذهب أسبوعا مع إنسان غافل إلى بلاد يغلب عليها الاستمتاع المادي المجرد، فإن هذا قطعا يرجع بقساوة القلب.

اصطحاب الغافلين بقصد الإرشاد:
أما إذا كانت صحبة الغافلين والسفر معهم بنية إرشادهم، فهنا أمر آخر، بل إنه قد يرجح، ولكن لمن له القدرة على التأثير في الناس وتغيير مسيرة حياتهم، ولا يتأثر بسلوكياتهم.. فالبعض هو كالشمس مشعة بذاتها ولا تأخذ إشعاعا من غيرها، وكالماء الكر لا يتنجس بل يطهر ما يقع فيه.. فإذا كان الإنسان كذلك، فأكرم به وأنعم، فلا بأس أن يصاحب الفاسق على أمل أن يرشده.. ولكن لابد أن يكون له أمل بإرشاده، وإلا فإذا كان ممن ختم الله تعالى على قلبه، فلا داعي حتى لصرف الوقت معه.

مقومات التأثير:
لا يوجد تلازم بين المعلومة وبين العمل بها، فكم من عالم غير عامل!. فليس الأمر إلا مجرد عملية نقل للمعلومات من ذهن إلى ذهن، فالمتكلم لما يتكلم ينتقل كلامه من خلال الهواء على شكل أمواج صوتية، فتطرق طبلة الأذن، ثم تنتقل عبر السلسلة العصبية إلى الجهاز المدرك.. فإذا كان صاحب الفكرة لا يعمل بها، فبطريق أولى أن من تنتقل إليه لا يلازم علمه العمل بها.

وهذا بخلاف أصحاب النفوس المستنيرة بنور الله تعالى، فأحدهم عندما ينظر إلى الطرف الآخر، فبنظرته يوجد فيه تغييرا، وكأن روحه الشفافة تطل من نافذتي عينيه، فكما يقال أن نافذتي الروح على الدنيا هما العينان، فمن خلال العين يؤثر الإنسان في الغير.. فالمؤمن بنظرته وبابتسامته، بل حتى بملامح وجهه، من الممكن أن يوجد تأثيرا في الطرف المقابل.. أو ما يعبر عنه هذه الأيام بلغة الجسد، أو لغة الإيحاء، أو الحاسة السادسة.. ومهما اختلفت التعابير فإن المقصود أن هناك تأثيرا أنفسيا على الغير، لا عبر الوسائط المادية.

ومن السيئ أن يكون الإنسان عالما وغير عامل، ولكن الأسوأ أنه يبرز علمه للغير، فيكون هذا العلم حجة عليه، ولا يزيده إلا مقتا من رب العالمين، بموجب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.. فالمؤمن عليه أن يكون عالما عاملا، ليؤثر في الناس من خلال الإشارة، لا من خلال الكلام الطويل العريض.
*********************
* الواسطة في جلب الزائرين:
حاول أن تكون مؤثرا في جلب الزوار إلى الحرم الشريف، وخاصة ممن لم يوفق للزيارة أصلا.. فإن الإمام سينظر إليك قطعا عندما تكون وسيطا في جلب الزوار إليه، وخاصة إذا كانوا على مستوى عال من المعرفة والالتزام.. وحاول أن تطلب منهم الشفاعة بينك وبين مولاك!.



اصطحاب الآبقين في الزيارة:
إن الملاحظ وجود هذه السنة الطيبة عند بعض المؤمنين-الذي زار المعصومين (ع) مرات عديدة، وعلم بالمداخل والمخارج وطريقة السفر- وهي أنه عندما يذهب للزيارة، يصطحب معه من لم يزر أصلا.. لأن البعض يتهيب من الزيارة، فهو يحفزه، بأخذه معه، وبتبرعه له بمال السفر.
وكم هي حركة جميلة، بأن نأخذ عبد من عباد الله إلى المعصوم، وخاصة إذا كان من الآبقين، ممن يسير على طريق غير مستقيم، ولا شك أنها من موجبات القرب عند ذلك المعصوم.
إن البعض يشتكي من سوء في زوجته أو ذريته، وحاول معهم السنوات الطوال في تغيير مسيرتهم، ولكنه لم يوفق.. فمن المناسب لو يأخذهم إلى المعصوم، وليقل: يا مولاي، هؤلاء ضيوفك، جئت بهم إليك، لقد تعبت في إرشادهم ولكن بلا جدوى!.. أشكوهم إليك، وأرجوك أن تتولاهم بنظرتك الكريمة!..
وإن رب العالمين له طرقه في إصلاح عباده، ومن المعلوم أن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، ومن أسمائه الحسنى الهادي، ولا شك إن هذه الحركة لها دور في إرجاع الآبقين إلى الطريق الصحيح.

نظرة المعصوم للزائر:
نحن لا نقطع بنظرة الإمام بلا دليل، بل من باب اليقين بكرمهم.. ونحن نلاحظ أن البعض يقطع المسافة الطويلة لزيارة أحد كرماء الدنيا، ويتفق أن الكريم لا يقتنع بقضاء ما يريده من الحاجة، أو يرى أن الشخص لا يستحق، ولكنه يقول إنه ما دام قطع هذه المسافة ليقصدنا، فلابد أن نعطيه ما سأله.. إن المعصوم من كرام الدنيا والآخرة، وعندما تأتيه من مسافة بعيدة، وتطلب منه أي طلب، فما الذي يمنعه من العطاء؟..
إن البعض يتعجب من العطاءات الإلهية الكبرى مقابل أعمال بسيطة، فمثلا: عندما يقال إن قراءة سورة التوحيد ثلاث مرات تعدل ختمة القرآن الكريم، فإنه لا يصدق، ويقول: كيف يعقل ذلك مع الاختلاف الكبير في الجهد المبذول!..
وكذلك العتق من النار مقابل الحج، كما ورد في الحديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)..ومن المعلوم هذه الأيام أن الحج أمر سهل وميسور، ويمكن للإنسان أن يحج في خمسة أيام لو ذهب لمكة من اليوم السابع إلى اليوم الثاني عشر.. فالحج في هذه الفترة القصيرة، ماذا يكلف الإنسان بدنيا أو ماليا، ولكنه مقابل ذلك يرجع كيوم ولدته أمه.
إن الذي يتعجب ويشك في هذه الأجور الكبرى، إما أنه يشك في قدرة الله تعالى، أو في كرمه!.. فهو كريم، وهو قادر، فما المانع أن يعطي هذا العطاء العظيم، ما دام بناؤه على التكرم والتفضل؟..
فإذن، إن الإنسان عندما يلتجئ إلى المعصوم في حاجة من الحوائج، يكاد يقطع بنظرة المعصوم والتفاتته إليه.

اصطحاب ذوي العلم والمعرفة والصلاح:
إن المؤمن-كما قلنا- من الجميل أن يأخذ معه للزيارة عبد آبق، إذ لعله يهتدي إلى الطريق بنظرة الإمام إليه.. ولكن أيضا كم من الحسن والجميل جدا أن يأخذ الزائر معه عالما أو عارفا أو وليا من أولياء الله الصالحين، فيتبرع له بالزيارة، ويكون في خدمته، ويصطحبه إلى المشاهد المشرفة.. فأنت عندما تأخذ بيد إنسان يحمل في قلبه حب الله ورسوله، فإن هذا بلا شك من موجبات التفاتة المعصوم، ومن موجبات العطاء المضاعف.

طلب شفاعة المعصوم:
إن بحث الشفاعة بحث مفصل، وإجمالا نقول: إن من مقاصد الشفاعة أمرين:
أولا: بيان فضل المعصومين (ع):
إن رب العالمين أراد أن يبين فضل أوليائه من خلال الشفاعة، وإلا فهو الذي يعتق الرقبة من النار، ولكنه جعل هذا الأمر منوطا بتفضل ذلك المعصوم، بيانا لفضله.. كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}.. فرب العالمين هو الغفار، فلماذا جعل استغفار الرسول (ص) في جنب استغفار الله تعالى؟.. إنه أراد بذلك أن يبين فضل نبيه (ص).. وكذلك الشفاعة، فإن من مقاصدها أن رب العالمين أراد أن يبين فضل بعض أوليائه، من خلال إجراء العفو وقضاء الحوائج على أيديهم.

ثانيا: خجل العاصي من ربه:
لا شك أن العاصي لكثرة معاصيه، لا وجه له عند رب العالمين، ولهذا فهو يلتجئ إلى من لهم وجاهة عند الله تعالى، ليكونوا واسطة بينه وبينهم.. وهذا أمر متعارف في حياتنا اليومية، فمن الطبيعي أن الإنسان عندما يرى بأن الصلة منقطعة بينه وبين الطرف الآخر، أن يأخذ واسطة في البين، فمثلا: الولد عندما يذنب في حق أبيه، ويعيش حالة الخجل من مواجهته، وطلب العفو منه، فإنه يذهب إلى أمه، لما يرى أن لها وجاهة عند الأب.
فالإنسان لفرط معاصيه يعيش حالة الخجل والمسكنة، ومن هنا فإنه يلجأ إلى الوسيلة، فيقول: اللهم!.. إن كانت الذنوب والخطايا قد أخلقت وجهي عندك، فلم ترفع لي إليك صوتا، ولم تستجب لي دعوة، فإني أسألك بك يا الله، فإنه ليس مثلك أحد، وأتوسل إليك بمحمد وآل محمد (ص)، ولا تحرمني حين أرجوك يا أرحم الراحمين.

وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: (ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي).
وورد عن الصادق (ع) أنه قال: دخل رسول الله (ص) على فاطمة (ع)، وعليها كساء من جلة الإبل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها.. فدمعت عينا رسول الله (ص) لما أبصرها، فقال: يا بنتاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل الله تعالى علي: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
وقال الصادق (ع): رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد.
وروى حريث بن شريح، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال: يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}، وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، وهي والله الشفاعة، ليعطاها في أهل لا إله إلا الله، حتى يقول: رب رضيت.
وفي رواية أخرى تشير إلى أن الزهراء (ع) هي أيضا كأبيها صاحبة شفاعة كبرى، حيث أنها تشفع إلى من أحسن إلى ذريتها من السادة الكرام، ولو لم يكن من شيعتها.. فما أوسع دائرة شفاعة النبي وآله (ص)!.




















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:16 AM   رقم المشاركة : 12
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

* صلاة أول الوقت:
احرص على صلاة أول الوقت-وخاصة في الحرم- فإن الانشغال بالزيارة وقت الفريضة قد لا يرضى الرب المتعال، حيث جعل الصلاة على المؤمنين كتابا موقوتا.. وحالة إمامنا الشهيد في يوم عاشوراء خير برهان على ذلك.



الالتزام بصلاة أول الوقت:
إن المؤمن ملتزم بصلاة أول الوقت في كل تقلباته وأحواله، وليس هذا أمرا خاصا بمشاهد المعصومين (ع).. ولكن لأن المؤمن-كما قلنا- لابد أن يشدد المراقبة على نفسه عند زيارة المعصومين (ع)، ليرفع عنها موانع تلقي الفيض، وقطعا إن من هذه الموانع: التهاون في الصلاة.. وخاصة إن الإنسان عادة ما يكون فارغا في أيام الزيارة، ومتحررا من أي ارتباط، فهو في وطنه قد يتعذر بانشغالاته عملا أو دراسة، ولكن في زيارة المعصومين (ع) الذي يؤخر صلاته عن أول الوقت بغير علة، فهذا حقيقة من موجبات صدق التهاون بالصلاة.

وينبغي للمؤمن أن يحرص على أن يجعل صلاته أفضل صلاة ممكنة.. لأن الإنسان لو لم يحسن الصلاة في منزله، فقد يعذر بأنه ليس هنالك موجبا من موجبات تلقي الفيض وإعطاء قوة للعبد في هذا المجال.. ولكنه إذا كان أمام البيت الحرام، أو تحت الميزاب، أو في حجر إسماعيل، أو تحت الحائر الحسيني؛ وهو غير مقبل في صلاته، فهذا حقيقة يعد نوع من أنواع الوهن، أو من تكاسل العبد في إلزام نفسه باستحضار المعاني الربوبية في صلاته.

التأسي بالحسين (ع) في المحافظة على الصلاة:
كثيرا ما يتفق أن البعض في يوم عاشوراء لا يصلي صلاة الظهر في أول الوقت، بعذر الانشغال بالعزاء في الموكب، أو ببعض الأمور.. والحال بأن المعزى في هذا اليوم، قد صلى في أول الوقت صلاة الحرب جماعة بشق الأنفس، حتى أن بعض أصحاب الإمام (ع) أصيبوا في أثناء الصلاة، لأنهم كانوا مصطفين لمنع سهام القوم.
فعليه، إنه ينبغي للمؤمن-خصوصا في كربلاء وحرم الإمام (ع)- أن يعيش حالة الخجل من نفسه، بأن الإمام (ع) قد صلى في أول الوقت مع أنه في حرب، بينما هو آمن في منزله وفي مكان مريح، ويؤخر الصلاة عمدا بلا وجه!.
*********************
* الشكوى من قسوة القلب:
إذا وجدت قساوة في القلب طوال فترة الزيارة، فارفع أمرك إلى المعصوم ، فلعل هناك ما أوجب جفاء بينك وبين المعصوم، وهو خير الأطباء لشر المرضى.. ومرض القلب الباطني لا يقاس بمرض القلب الصنوبري!.. وليعلم أنه في مثل هذا المورد وغيره فإنه لا استقلالية للمعصوم في قبال الله تعالى، فهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول.. ولطالما دعوناهم من خلال وجاهتهم عند الله تعالى في الشفاعة لديه.



الشكوى للمعصوم من قسوة القلب:
أولا نحب أن نؤكد على هذه الحقيقة: نحن عندما نقول رفع الشكوى إلى المعصوم، فنعني بذلك رفع الشكوى إلى الله تعالى.. لأن الله تعالى جعلهم الآذان السامعة في هذه الأمة، ولطالما ذكرنا آية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ..} الدالة على أن استغفار النبي (ص) للعبد، طريق لمرضاة الله تعالى.

إن الذي يأتي لزيارة المشاهد ويرى في نفسه حالة من حالات الإدبار، وحاول أن يقبل بقلبه ولم يجد ذلك الإقبال المنشود، فمن المناسب أن يبث شكواه للمعصوم، فليقل: يا مولاي، أنا جئتك زائرا، وكنت أتوقع أن تكون زيارتي هذه بإقبال متميز، وإذا قد منيت بهذه الحالة من الإدبار القلبي!..
حتى إن بعض الصالحين من أشق الأمور على نفسه أنه يصاب بحالة الإدبار في مواطن الطاعة، فلا يتحمل أنه يكون بهذه الحالة وهو في ليلة القدر، أو في مشاهد أهل البيت (ع)؛ حيث يتوقع من نفسه الإقبال؛ فيعيش حالة التألم، وقد ينفجر بالبكاء بين يدي الله تعالى في ذلك المشهد، ويدعو ربه أن يصلح أمره.. ولا شك إن تقديم الشكوى، من موجبات إصلاح الأمر إن شاء الله تعالى.

موجبات حالة الجفاء بين الزائر والمعصوم:
لا يخفى أن هذا الجفاء يأتي من خلال ممارسة بعض الأمور السلبية، فإذا كان الإنسان وهو في طريقه للزيارة يرتكب بعض المعاصي، فكيف يتوقع أنه يمنح حالة الإقبال المتميز؟!.. وعندما نقول بأن المعاصي هي السبب، فلا يتبادر إلى الذهن المعاصي الأخلاقية الكبيرة، حتى يقول إنه إنسان كبير السن، أو إنسان يعيش في أجواء إيمانية، وآمن من هذه الذنوب والانحرافات.. وقد لا يتوقع البعض أن يكون هذا الذنب-الذي لا يكاد يسلم منه أحد- بهذه الدرجة من الخطورة، وكما ورد في حديث عن الرسول الأكرم (ص): يا أبا ذر!.. إياك والغيبة؛ فإن الغيبة أشد من الزنا.. قلت: يا رسول الله!.. ولمَ ذاك بأبي أنت وأمي؟.. قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تُغفر حتى يغفرها صاحبها.
إن البعض حتى وهو في حرم المعصومين (ع) يرتكب ذلك الحرام الذي هو أشد من الزنا!.. وكم هذه المخالفة ثقيلة ومن العظائم على المعصوم!.. ولقد رأينا في الحرم المكي بالخصوص-باعتبار أن هناك مساحة كبيرة للجلوس في حلقات هنا وهناك- أن البعض لا يتورعون عن هذا الحرام حتى وهم يجلسون حول البيت، فتراهم يغتابون زميلا لهم في السفر، أو عالما من علماء الأمة!..
فلا شك إن هذه الأخطاء والهفوات في مشاهد أهل البيت (ع)، من موجبات نقص الفيض.. والشاهد على ذلك أن الإنسان عندما يزور المشاهد وهو خال من المعاصي والذنوب في ذلك السفر، حيث كان مراقبا لقوله وفعله ونظرته، يلاحظ بأن هنالك مجال للتفاعل مع ذلك المعصوم في مشهده.

اللجوء لأطباء الروح:
والملاحظ أن أحدنا حينما يبتلى بمرض من الأمراض البدنية، فإنه يسارع في مراجعة الطبيب، وقد يكشف له عما لا يجوز كشفه للضرورة، وقد يقصده في البلاد البعيدة، ويبذل الأموال المكلفة.. ولكن لماذا لا نعيش هذه الحالة بالنسبة لأمراض القلوب؟!.. فالمؤمن لما يأتي إلى المشاهد وهو مشوب بالشوائب والأمراض الكثيرة، لماذا لا ينظر إلى هذه الأمراض، ويطلب من صاحب المقام أن يكون له دور في شفائه منها؟..
روي عن النبي ‏ ‏(ص) أنه كان يدعو:‏ (‏اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد)..
ومن المعلوم أن الأمراض الباطنية، لا تقاس بالأمراض الظاهرية.. إذ مهما كان لأمراض البدن من أثر، ومهما عاش الإنسان من أذى، فإنما هي لفترة محددة في هذه الدنيا، وعلى أسوأ التقادير يستمر أثرها إلى الممات.. ولكن أمراض القلوب آثارها في إهلاك العبد تتعدى إلى عالم البرزخ وعالم القيامة، وتمنعه من الأبدية في جنات الخلد.. فحقيقة إن الأمر يحتاج إلى اهتمام ومتابعة أكثر.
*********************
* زيارة أهل القبور:
حاول أن تزور الذين دفنوا بجوار المعصوم، فإن زيارتهم إكراما لجوارهم للإمام المعصوم من موجبات التفاتة الإمام قطعا، وخاصة من ذوى المعرفة الخاصة.. ولا شك أن زيارة أهل القبور دائما من موجبات نزول البركات الإلهية، وخاصة عند القيام بالمأثور عند زيارة أهل القبور.



زيارة قبور المجاورين للمعصوم:
إن زيارة القبور في حد نفسها من موجبات ترقيق القلب، فالإنسان إذا غلب عليه حب الدنيا وانشغل بأباطيلها، فمن المعلوم أن من موجبات رقة القلوب، زيارة القبور والاعتبار والالتفات إلى نهايات هذه الحياة الدنيا.. ومن المعلوم أن الإنسان لا يرى عالم البرزخ في الحياة الدنيا، ولكنه عندما يرى قبور ذويه من الموتى، فمن الممكن أن توجد عنده حالة من الهزة الباطنية.
وفي النجف الأشرف مثلا هناك مقبرة السلام، أكبر مقبرة على وجه الأرض.. ومن المناسب للمؤمن عندما يزور هذه المقابر المجاورة للمعصوم-بالإضافة إلى هدف الاعتبار والإيقاظ وإهداء بعض الصالحات- أن ينوي أنه يزورهم لقربهم من الإمام وإكراما له، ولا شك أنها حركة رمزية مشكورة من قبل ذلك الإمام.

المراد بالقبور المندرسة:
كما ورد في الحديث القدسي: (أنا عند القلوب المنكسرة، والقبور المندرسة).. القبور المندرسة كناية عن بعض المؤمنين الذين كانوا في أعلى درجات الالتزام والمراقبة الشديدة، وما عرف قدرهم في هذه الدنيا، ولا يزور قبورهم أحد، لمجهوليتهم عند العباد.. بخلاف بعض الكبار من العلماء والمراجع الذين اشتهروا في الدنيا، وكان لهم الإكرام والتقدير بعد موتهم.. ولكن رب العالمين يباهي بهذه الوجودات الطاهرة -التي لم يعرف قدرها في الدنيا- يوم القيامة.

ذوي المعرفة الخاصة:
ذوي المعرفة الخاصة الذين لهم سر ووقفة مع رب العالمين في خلوات الليل.. فهناك قسم من الناس-وهؤلاء الأقلون عددا-يستيقظون من فرشهم-حيث الكل يغط في نومه- لمناجاة رب العالمين، ولسان الحال والمقال: (نامت العيون، وعلت النجوم، وأنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حراسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إلي برحمتك يا أرحم الراحمين)..
إن هؤلاء حقيقة خواص الخلق، وإن رب العالمين ينظر إليهم نظرة كريمة.. وإن الزائر إذا كان من المتميزين في جوف الليل، وله علاقة خاصة ومتميزة مع رب العالمين، فإنه عندما يزور المعصوم، قطعا سيحظى بشيء من الترحيب والاستقبال، غير ما يحظى به الغافلون في الليل مثلا، ويزداد تألقا واستبشارا بما يعطى من الفيوضات والهبات في تلك الزيارة.

القيام بالمأثور عند زيارة القبور:
هناك بعض الأوامر المأثورة في زيارة أهل القبور، ومنها هذا الدعاء الذي كثيرا ما ينتقش في مقابر المؤمنين: (بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله إلا الله، من أهل لا إله إلا الله..).
ومن المناسب قبل أن نزور هذه القبور، أن نقرأ ما ورد من أهل البيت (ع) من الآداب والسنن.. وينبغي الحذر من الالتزامات التي لم يرد فيها أمر من الشارع المقدس.. فالملاحظ أن البعض يجتهد في اختراعات ويكتب مؤلفات، ومع الأسف هذه الأيام كثرت في الأسواق كتب الختوم والأذكار التي لا يذكر لها مصدر حتى من صاحب التأليف!.. فإذا كان الأمر أمرا شرعيا مأثورا، فلماذا تهمل المصدر؟!.. وإذا لم يكن له مصدرا، فلماذا تذكره في هذا الكتاب؟!.. فلابد أن ننقي ممارساتنا عموما، من كل ما ليس شرعي في هذا المجال.

وإن من أفضل الأعمال في زيارة القبور، أن يراجع الإنسان سيرته في أيامه الماضية.. فبعض الناس عندما يجلس على قبر حبيب عليه، مثلا: زوجة تجلس على قبر زوجها، أو زوج يجلس على قبر زوجته؛ فهذه الهزة تجعله يعيد الكثير من حساباته ومن تعلقه بالدنيا.. وقد اتفق أن بعض من زار القبور زيارة بليغة، أنه رجع من هذه الزيارة بنظرة أخرى لحياته.
*********************
* الاحتراز من الأسواق:
اقلل من الذهاب إلى الأسواق، فإنها من مظان قسوة القلب، وتشتت البال، وفي مظان الوقوع في النظر المحرم.. وحتى مع الذهاب لا بد من قصد القربة لشراء الهدية المأمورة بها شرعا، فإن أبغض البلاد إلى الله تعالى هي الأسواق، كما إن أحب البلاد إلى الله تعالى هي المساجد.



آفات الأسواق:
لا يخفى ما للأسواق من سلبيات، وقد ورد في الحديث: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).. ومن سلبيات الأسواق أمران:
أولا: التشتت الفكري:
لا خلاف بأن الأسواق من الأماكن المذكرة بالدنيا، والمليئة بالمغريات المادية، والذي يذهب إلى الأسواق المكتظة بالبضائع وبالسلع المغرية، فمن الطبيعي أنه لا يقصر نظره إلى ما يلزمه شراءه، بل إنه يحاول أن ينظر إلى كل ما هو معروض.. وإن هذه الحالة من فضول النظر، لمن موجبات التشتت الفكري.. ولهذا يقال إن من أسباب ضبط طائر الخيال، عدم إدخال الصور المتكثرة في البال، أو ما يسمى بتجنب عالم الكثرات.

ثانيا: التورط بالنظر المحرم:
أضف إلى أن هذه الأماكن لا يؤمن فيها من الوقوع في الحرام، فترى البعض وهو في طريقه للزيارة، يذهب إلى الأسواق، ولا يتحرز عن النظر المحرم.. فلا يذهب لزيارة المعصوم إلا وهو قد ابتلي بمرضين: بحالة التشتت الفكري، وبالنظر إلى الحرام.. فيزور ويصلي وهو يفكر فيما رآه وفي السلعة التي أعجبته، ومن الطبيعي أن يكون ذلك، من موجبات تضيق الفيض الإلهي في مشاهد المعصومين (ع).

آداب العامل في الأسواق:
أما الذي يعمل في الأسواق، فعليه أن يحاول أن لا يطيل المدة قدر الإمكان، بأن يكون آخر القوم فتحا لحانوته وأولهم خروجا منه، كما يقول الشارع المقدس: (لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها؛ فبها باض الشيطان وفرخ).. إلا أن البعض وكأنه يجعل حياته في الأسواق، وقد يلتهي عن أهله وعياله.

أضف أنه بإمكانه أن يعيش حالة الذكر ولو في هذه الأماكن، وقد رد في الحديث الشريف: (ذاكر الله في الغافلين، كالمقاتل بين الفارين).. أنت عندما تعمل في السوق وتعيش حالة الذكر الإلهي المعمق، فرب العالمين يعطيك من الهبات، ما لا يعطيك وأنت تذكره في المسجد.. لأن جو المسجد جو مؤات، وكما يقال سباحة مع التيار، بخلاف الذكر في الأسواق، فهذا سباحة ضد التيار.. وكلما زادت المعاناة في القرب الكمالي، فإن رب العالمين يعطيك من المزايا ما يعطيك.

الإهداء سنة محمودة:
من الأوامر الشرعية أن يتحف المؤمن أهله ولو بحجر، أي ولو بأرخص الأشياء.. لأن الهدية ليس بثمنها بل بما تحمله من معنى، ونفس أخذ الهدية فيه معنى الالتفاتة للمهدى إليه.. فالزوج عندما يأخذ هدية لزوجته في هذه السفرة، كم تفرح بذلك لأنه ذكرها.

وإن من أفضل أنواع الهدايا لذوي الفكر والمطالعة، ما ينفع الإنسان لأخرته ودنياه، فهناك بعض الأمور التي تؤكل وتنتهي، بخلاف الكتاب النافع أو الدورة النافعة، فهذه الهدايا التي فيها بعد معنوي، قطعا أرجح من الهدايا التي تفنى وتزول.

ومن المعلوم أن الإهداء سنة محمودة سواء بمناسبة أو بغير مناسبة.. فبعض الأزواج لا يهدون هدايا للزوجة إلا في مناسبة عيد ميلادها مثلا، والحال بأن إتحاف المؤمن والمؤمنة أمر مطلوب على كل حال، وقد ورد عن الرسول الأكرم (ص): (من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج).. فإدخال السرور على العائلة بشيء من الطرف، مما يستحسن ويعد في حكم الصدقة.. إلا أن الاعتقاد عندنا أن الصدقة تعطى للفقير الأجنبي، ولا يأتي في بال الكثيرين هذا المعنى، بأن من يقدم شيئا للزوجة يكون له ثواب الصدقة.. فالإهداء سنة محمودة، وخاصة في هذه الأسفار المباركة.
*********************
* الهم الأوحد:
لا يكن الهم الأوحد هو قضاء الحاجة، بحيث إذا رجعت من عند المعصوم من دون قضاء الحاجة تعيش حالة من الإحباط والحرمان، فإن هذا جهل بما ادخره الله تعالى من الأجر الجزيل، والذي لا يقاس ببعض صور المتاع العاجل.. ولو كشف الغطاء، لتمنى العبد أن لو لم تستجب له دعوة واحدة، لما يرى من التعويض الذي لا يقاس بقضاء الحاجة الفانية.



الزيارة الخالصة:
إن بعض الناس عندما يقصد زيارة المعصوم، يجعل هدفه الأساسي من الزيارة قضاء الحوائج، فيأتي للزيارة وهو يحمل في قلبه قائمة بما يهمه من المشاكل والأمراض وغيرها، ولما يرجع وهو لم يعط ما طلبه، فإنه يرجع خائبا، وكأن هذه الزيارة فقدت مصداقيتها وأهدافها!..
والحال بأن الهدف الأصلي من زيارة الأئمة (ع)، ذكر الله تعالى في مشاهدهم، فذكر الله تعالى في الحائر الحسيني، أو تحت القبة الشريفة، ذكر متألق، ولهذا فإن من مغريات الخواص في الزيارات، هو ما يجدونه من هذا التميز في الذكر الإلهي.

أضف إلى أنه ينبغي أن يكون المحرك والدافع للزيارة، هو الحب للمعصوم.. وهذا أمر وجداني، فإن كل محب يحركه شوقه للحبيب لزيارته، وهو لا يريد إلا أن يروي غليل قلبه برؤيته فقط، لا أنه يقصده لحاجة.. أنت عندما ينقدح في قلبك حب الأم، فإنك تزورها بلا أن تطلب منها شيئا.. ومن الغريب أن هذا أمرا متعارف في زيارة الأرحام، فنحن لا نزورهم لطلب حاجة.. ولو أن أحدنا زار أمه، وكلما زارها طلب منها أمرا، لقيل له: إنك ولد غير بار بأمك!..
فكما أننا نزور الأبوين بلا توقع مالي أو قضاء لحوائج، فلماذا لا نجعل زيارتنا للأئمة المعصومين (ع)، كزيارتنا لآبائنا وأمهاتنا، وإنهم بمثابة الآباء للأمة، كما ورد عن الرسول الأكرم (ص): (أنا وعلي أبوا هذه الأمة).

الحوائج المادية والمعنوية:
ينبغي للمؤمن أن تكون عينه على الفتوحات المعنوية والحوائج الباطنية، أكثر من حرصه على الحوائج المادية.. فإن الإنسان عندما يرجع من الزيارة وهو بمعرفة جديدة، وبفهم جديد للدين والحياة، وتتجلى له بعض الآفاق الإلهية، ويرجع بصلاة خاشعة؛ أليس هذا خير له من شفاء بعض الأمراض الظاهرية؟.. لو أن إنسانا مبتلى بمرض باطني-كالعجب أو الحسد أو الحقد- وهو يعاني أيضا من طفح جلدي على بدنه، فإن أذى هذا المرض الظاهري وسلبيته، لا يقاس بمرض الباطن.

ونعتقد أن أئمتنا (ع) يستقبلون بصدر رحب، أصحاب الحوائج المعنوية، ويقدرون الضيف الذي يحمل هم نفسه، ويطلب منهم أن يعينوه على إصلاحها، وأن يصلي صلاة خاشعة.. إن أئمتنا (ع) يقدرون هذا الضيف، أكثر من ضيف جاء لشفاء مرضه مثلا، لأن هؤلاء أصحاب المعنى، ولهم سنخية مضاعفة مع من له حاجات معنوية في هذا المجال.

نحن محكومون بعالم المادة، ولهذا نظرتنا دائما مادية، والحال بأن في دنيانا عوالم غيبية، فمثلا في ليلة القدر كم من الملائكة تتنزل على الأرض من كل أمر، ولكن نحن لا نرى شيئا في ليلة القدر.. فمن المناسب أن يطلب المؤمن من هذه الذوات الطاهرة-لأنهم كشف لهم الغطاء- شيئا من العوالم الغيبية، وليس كل الكشف فهذا خاص بهم، وإنما أن يفهم ما وراء الطبيعة، وأن يعلم شيئا من أسرار عالم البرزخ.. فالذي تفتح له فتحة بسيطة لعالم البرزخ، ولما يجري في هذا العالم، فإنه من الطبيعي سيكون حذرا جدا في حياته الدنيا، فمن يعلم انعكاس الأعمال، أو بعبارة أخرى فمن يطلع على ملكوت الأعمال، فهذا الاطلاع يجنبه من الوقوع في السلبيات.

المراد بالملكوت:
الملكوت هو الصورة المعادية أو البرزخية للمخالفات الدنيوية.. وقد ذكر القرآن الكريم أمثلة على ملكوت بعض الأمور، فقال تعالى في ملكوت الغيبة: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}.. وفي ملكوت الذين يأكلون أموال اليتامى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}.. وفي ملكوت الإنسان المرابي: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.

المنهجية والبرمجة الدقيقة في السير:
إن الذي يريد أن ينمي روحه، ويرتقي بها في مدارج الكمال، لا شك أنه يحتاج إلى منهجية، وبرمجة دقيقة، ومعرفة بقواعد الطريق.. فإذا كان الذي يريد أن ينمي عضلاته، لابد له من دورات ونواد ومدربين، فإذا كان هذا حال البدن المادي، فكيف بالروح الغائبة عن الحواس!.. فلابد للسالك أن يكون مطلعا على قواعد السير، وإلا كان متخبطا، وقد يفسد أكثر مما يصلح، وكما ورد في هذا الحديث: (إن السائر على غير هدى لا تزيده كثرة السير إلا بعدا).
فمن اللازم الاطلاع على بعض الكتب النافعة، وخاصة كتب القدماء، أمثال الشيخ النراقي، والسيد بحر العلوم.. أضف إلى أنه إذا وجد إنسان اكتوى بنار هذا الطريق، وتحسس بعض ما أذاقه الله تعالى لأوليائه الصالحين، وكان صادقا في طيه لمراحل سيره إلى الله تعالى، إذا وجد هكذا إنسان متق وورع، فإنه من موجبات التحفيز وسرعة السير.




















التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:19 AM   رقم المشاركة : 13
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

السبب في التركيز على الآداب الباطنية للعبادات:
من المستفاد من القرآن الكريم والسنة الشريفة أن الغاية من العبادات، هو تحقيق حالة القرب من الله تعالى، كما قال تعالى بالنسبة لموسى (ع): {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.. فإن حقيقة الذكر أمر باطني، وما اللسان إلا يعبر عما في الباطن.. فمثلا الحب هو حقيقة في الباطن، فحينما أنا أحبك، فحبي لك أمر باطني، ولكني أظهر لك هذا الحب المكنون في قلبي، عندما أقول لك أنا أحبك.. ولهذا فلو أنك اطلعت على هذا الحب بطريق ما-مثلا من حركاتي أو أفعالي- فهذا يغنيك، ولا تحتاج إلى لفظ، ما دامت الحقيقة الباطنية متحققة.. ولكن لو كنت أدعي بأني أحبك، وترى مني من الأفعال ما يناقض دعواي، فمهما أظهرت لك من كلام، فإنك ستستهزئ بي، لأنك تعلم أنه لا حقيقة لما أدعيه.

وعليه، إن العبادات لها ظاهر وباطن، وإن ظاهر العبادات هو العمل بالرسالة العملية بقسميها: العبادات، والمعاملات.. فالعبادات بها تنظيم علاقة العبد مع ربه، أما المعاملات فبها كيفية تعامله مع الآخرين في الأمور الحياتية، كالتجارة والزراعة.. فالفقه موضوعه تحديد الحركات الجوارحية، أي ماذا ينبغي أن تعمل عندما تكون مفطرا أو مجنبا أو متنجسا؛ فهو مرتبط بتقويم السلوك الجوارحي.. أما الآداب الباطنية فموضوعه عوارض القلب في العبادات، أي ما ينبغي أن يكون عليه القلب في حال العبادة؛ فهي مرتبطة بتقويم السلوك الجوانحي.
وخير مثال على ذلك، حديث الشبلي مع الإمام السجاد (ع)، حيث ذكر له الإمام بموازاة كل عمل جوارحي، أدبا باطنيا.. ثم قال إذا لم تراع هذه الآداب الباطنية، فكأنك ما حججت.. أي أن هذه الحجة وان كانت حجة مجزية وصحيحة من الناحية الفقهية، إلا أنها ليست مقبولة.

إن البعض يظن أن الآداب الباطنية مختصة بالصلاة، حيث أن بعض علمائنا كتبوا في الآداب الباطنية للصلاة.. ولكن نحن نحب أن نعمم هذه الثقافة، بأن كل عمل عبادي متعلق بالله تعالى، له أدب باطني..
فعلى سبيل المثال: الإنفاق المالي، هذا عمل عبادي، وله أدب ظاهري، وهو إعطاء المال للفقير، وله أدب باطني، وهو ما يقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}.. أي أن المؤمن وهو يعطي المال، يعيش في قلبه حالة الوجل، لأنه سيرجع إلى الله تعالى وسيحاسبه، وسيسأله عن هذا المال من أين اكتسبه.

فعليه، من المناسب للمؤمن في كل عمل عبادي أن يراعي الآداب الباطنية له، وخصوصا في الصلاة، والحج، والصيام.. ولأن زيارة الأئمة (ع) ملحقة بالحج بمعنى من المعاني، فهناك وجه شبه بين الحج والزيارات، إذ أن الحج أيضا فيه زيارة لبيت الله الحرام؛ فمن هنا ركزنا على الآداب الباطنية لزيارات المعصومين (ع).

*********************
* الصلوات المأثورة:
القيام بالركعتين-برجاء المطلوبية- من قراءة سورة يس والرحمن في ركعتين، والدعاء بعدها بما شاء العبد.. وكذلك الإتيان ببعض الصلوات المعروفة: كصلاة الاستغاثة بالزهراء (ع)، وصلاة الحجة (ع)، وصلاة جعفر الطيار يوم الجمعة.. ومن المناسب جدا الإتيان بالصلاة الخاصة للمعصوم وذلك في مشهده وإهدائها إليه.



الإتيان بالصلوات المأثورة:
إن المؤمن أثناء زيارته لمشاهد أهل البيت (ع)، يحب الإكثار من العبادة، تقربا إلى الله تعالى.. وكما قلنا بأن الأدعية والعبادات توقيفية، وليس لأحدنا أن يخترع صلاة مستحبة، فلابد من الالتزام بالمأثور، ومن المناسب الإتيان بهذه الصلوات:
الصلاة ركعتين بسورة يس وسورة الرحمن: فهذه الصلاة مركبة من سور لها خصوصية في علم الله تعالى، فمن المعلوم أن سورة يس هي قلب القرآن الكريم، وأن سورة الرحمن هي عروس القرآن الكريم.

صلاة الاستغاثة بالبتول: لأن الزهراء (ع) هي الخيمة الجامعة لكل أئمة أهل البيت (ع)، فهي أمهم، ولها ما لها من المزايا، كما ورد عنهم (ع): (هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى)، (نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة الله علينا).

صلاة الحجة (ع): فهي من حيث الأداء غير متعبة، فهي ركعتان، وفي كل ركعة تكرر آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}مئة مرة.. وهذا التكرار جميل، لأن فيه تلقين للنفس بأن المعبود والمستعان الأوحد هو الله تعالى.. فأصل الآية: (نعبدك ونستعينك)، حيث قدم المفعول، وفي اللغة تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي أن المعنى: إنما عبادتي لك وحدك، وإنما استعانتي بك وحدك.
ولكن لا ينافي ذلك الاستعانة بالغير، طبيبا كان أم مهندسا أم مستشارا، ما دامت النظرة طولية، بمعنى أنه لا استقلالية للبشر بمعزل عن القدرة الإلهية، فمثلا: المريض عندما يستعين بالطبيب طلبا للشفاء، فهو يعتقد بأن الشافي هو الله تعالى، وأنه الذي جعل خاصية الشفاء في الدواء الذي يشخصه له الطبيب.

صلاة جعفر الطيار: وهذه الصلاة معروفة في أوساط الخواص، بأنها تفتح الآفاق المعنوية للإنسان.. والمتكرر فيها التسبيحات الأربع، ومن المعلوم أن هذه التسبيحات هي أركان الكعبة العرشية الموازية للكعبة الأرضية، التي يطوف حولها الملائكة الكروبيون.

فإذن، إن الذي يلتزم بهذه الصلوات، فإنه قد يكتشف معان سامية.

الإتيان بالصلاة الخاصة للمعصوم في مشهده:
إن من المناسب الإتيان بالصلاة المخصوصة للإمام في حرمه، بأن تصلي صلاة الرسول الأكرم (ص) في حرمه، وصلاة الحسين (ع) في حرمه وهكذا.. وصلوات الأئمة (ع) مذكورة في كتب الأدعية، ككتاب مفاتيح الجنان للمحدث القمي (قده).. وليس من اللازم القيام بهذا الأمر في كل زيارة، فعلى الأقل مرة واحدة في العمر.. فخير ما يقام به من عمل في مشاهدهم، الإتيان بالصلوات المختصة بهم.. وهذه الصلوات ليس فيها دعوى الشرك، والتوسل بغير الله تعالى؛ لأنها صلاة إلى جهة القبلة، وبين يدي الله تعالى.
*********************
* استصحاب الإقبال:
محاولة استصحاب حالة الإقبال في الحرم، وعدم تضييع الهبات فيها بمجرد الخروج من الحرم، فإن هذا نوع كفران لنعمة الإقبال، مما قد يوجب عدم عود الحالة ثانية.. فإن البعض بمجرد خروجه من الحرم فكأنه استدبر الإمام وغاب عنه حقيقة، والحال أن روح الإمام المعصوم حقيقة ثابتة مشرفة على محبيه أينما كانوا، فكيف بزائريه؟!.



الاحتفاظ بحالة الإقبال:
من المناسب لمن تأتيه حالة الرقة في المشاهد المشرفة، أن يحاول أن يبقي هذه الحالة إلى أقصى مدى ممكن، ولا يفرط فيها ببعض السلوكيات، فهذه الهبة الإلهية-كما يقول أحد العلماء- بمثابة الضيف، وإذا ما أكرمته ارتحل.. فإذا أعطيت هذه الحالة من الإقبال، حاول أن تبقيها إلى أن تنطفئ تلقائيا، فإن انطفاءها بنفسها غير أن تطفئها أنت، فهذا فيه عدم تقدير للنعمة، وقد تسلبها بلا رجعة.. فإذا كنت في الحرم في حالة من الإقبال، وإذا عند خروجك منه تبادر بالقهقهة أو الأكل أو غيره، فأنت تقضي على هذه الحالة التي ما حصلت لك إلا بعد جهد جهيد.. فمن المناسب أن تحاول أن تستصحب هذه الحالة إلى أقصى حد ممكن.

الحقيقة الثابتة:
الملاحظ أن الزائر عندما يخرج من باب الحرم، وكأنه ودع الإمام وانتهت علاقته معه.. والحال بأن روح الإمام حقيقة ثابتة، وموته لا يعني الفناء، وإنما انتقال من نشأة إلى أخرى.. إن الفرق بين الإمام الحي والإمام الشهيد، كالفرق بين الراجل والراكب، فما الفارق بين الإنسان إن كان راكبا دابته أو مترجلا عنها؟.. إن الجسم هو دابة الروح في هذه الحياة الدنيا، وعند الموت ترجلت الروح عن هذه الدابة، فالدابة ذهبت للمقابر، وهذه الروح الملكوتية ذهبت إلى العرش في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
فعليه، إن روح المعصوم روح مشرفة ومهيمنة ومطلعة على سير الأمور، بتوفيق من الله تعالى.. وإن ابتعادك عن القبر الشريف، أو الحرم المقدس، أو كونك في المنزل؛ فهذا لا يعني أنك غبت عن المعصوم.
*********************
* العزم على ترك المعاصي:
العزم العملي على الإقلاع عن المعاصي بحيث يرجع إلى وطنه ويحس الناس بأنه قد رجع بنور جديد، فهذا خير ترويج لزيارة المعصوم (ع)، حيث يتحقق في حقه كونوا لنا دعاة بغير ألسنتنا.


معاهدة المعصوم بترك المعاصي:
إن من أهم آثار زيارة المعصومين (ع)، أن يعاهد الإنسان ربه في هذه المشاهد الشريفة-وخاصة عندما يعطى شيئا من الإقبال- أن لا يعود للمعاصي أبدا.. لأن ترك المعاصي والكون في طريق التقوى والورع، هو غاية آمال أئمة أهل البيت (ع)، وكما قال النبي (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وإن البعض عندما يأتي لزيارة المعصوم يعزم على تغيير مسيرة حياته، وقد يكون قد مشى في طريق أعوج أربعين سنة من حياته، ويستمد من الإمام المدد لعدم العود إلى ما كان عليه، ولكنه في مقام العمل يخالف، فبعد أن يرجع إلى وطنه ففي أول يوم يرتكب المحرمات.. فالذي يأتي للزيارة ويعاهد المعصوم بأنه سيترك المعاصي، ثم يرجع إلى ما كان عليه، فهذا حقيقة في مظان الانتقام والغضب الإلهي، وكم من الذين يخالفون هذه العهود ويصابون بانتكاسة ذريعة!.

اكتساب النور الإلهي:
إن الأعمال الصالحة والعبادات والزيارات التي فيها تفاعل بليغ مع صاحب المشهد، لمن موجبات اكتساب النور الإلهي، ولقد أشار القرآن الكريم لهذا النور في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}.. فهذا النور المكتسب يتجلى للمؤمن في عرصات القيامة، وفي ليلة الوحشة، حيث يوارى في ذلك القبر المظلم، فلا يبدد تلك الظلمة المطبقة والوحشة إلا ذلك النور.

وإن من آثار ذلك النور أيضا في الحياة الدنيا، أن تكون للمؤمن بصيرة قوية في أمور الحياة، فيرى حقائق الأشياء، ويتوقع ما لا يتوقعه الغير، وبذلك يجنب نفسه من عواقب كثيرة قد يقع فيها، وقد ورد في الحديث: (اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله).
ولكن هناك فرقا بين إخبار الأنبياء بالمستقبل وفراسة المؤمن، فالأنبياء قولهم مقطوع به، بينما المؤمن يتفرس في الأمور، أي له حالة من الحدس، وقد يصيب وقد يخطئ.. فالمؤمن له ارتباط بعالم الغيب، فتراه يصيب غالبا في توقعاته، وقد يرى في منامه ما سيقع، فرب العالمين من خلال المنام يحذره من بعض الحوادث المستقبلية.. وهذا كله من آثار امتلاك ذلك النور.

الترويج لزيارة الأئمة (ع):
من المعلوم أن مما يقوي اعتقاد الناس وتعلقهم بمشاهد أهل البيت (ع)، هو ما يرونه من كرامات وبركات.. والإمام الرضا (ع) معروف من بين الأئمة (ع)، بأن بركات مشهده كثيرة، ولهذا ألفت الكتب في البركات التي ظهرت في أرض طوس.
وإن من ضمن الأمور التي تبين كرامة المعصوم-غير هذه الحوادث التي فيها خرق للعادة- أن يرجع الزائر بنمط سلوكي جديد في الحياة.. وإن هذا نعم الإغراء للغير لأن يقوم بهذه الزيارة؛ فالناس لما يرون شخصا سيئ المزاج وسريع الغضب، أنه بعد الزيارة أصبح في حالة أخرى، يزيد يقينهم بأن هناك شيئا في هذه المشاهد، وهذا نعم ما يجسد الرواية: (كونوا لنا دعاة بغير ألسنتنا).
********************
* عدم التعويل على الحالات القلبية:
عدم التعويل على حالات الإقبال القلبي فقط مجردا عن العمل، فإن هذه الحالات من لوازم الضيافة الإلهية عند المعصوم، ومن الطبيعي أن تزول بعد مغادرة تلك المشاهد.. ومن المعلوم أن تغيير الملكات الباطنية أهم من الإقبال القلبي المتقطع، وهذا مما يوجب البعد عن العجب المهلك.



البكاء الواعي:
إن البعض مع أن له سلوك مجانب لما ينبغي أن يكون عليه، ولكن لأن له حالات روحية متألقة، فهو يغش بهذه الحالات، ويحسب أنه على شيء.. فما الذي جرى له غير بكاء في ساعة من ساعات ليل أو نهار، وهذا البكاء لم يغير من واقعه شيئا.. فلابد من قصر النظر على السلوك الخارجي، لا على هذه الحالات العاطفية.
*********************
* الإكثار من دعاء الفرج:
الإكثار من الدعاء للفرج وخاصة عند حالة الإقبال الشديد، إذ لعل في تلك الساعة يكون الإمام المنتظر (ع) أيضا حاضرا في المشهد المبارك، فيدعو لداعيه بالتأييد.. وفرق بين دعاء الإمام وغيره، إذ أن دعاء الإمام لا يرد، كيف وهو الحبل المتصل بين الأرض والسماء، وهو الذي بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء.



الإكثار من الدعاء لصاحب العصر والزمان (عج):
إن مشاهد أهل البيت (ع) من أكثر الأماكن عرضة لتواجد الإمام (ع)، فالإمام لا شأن له بالمنتجعات السياحية أو المناظر الجميلة، فعينه على مشاهد أجداده وآبائه الكرام، وقطعا إنه يتواجد في هذه الأماكن في ساعات لا نعلمها، وإن كانت ليلة الجمعة من مظان تشرفه بزيارة الحسين (ع)، فعامة الناس يلتزمون بهذه الزيارة، فكيف به (ع).
فمن المناسب الإكثار من الدعاء للإمام (ع) في هذه المشاهد المشرفة.. وإن الذي يدعو لفرجه بحرقة، وبدمعة ساكبة، وبقلب مضطرب-وليس دعاء شكليا، بأن يقرأ دعاء الفرج مقدمة لقضاء حوائجه، أو يقرأه بشكل رتيب لا معنى فيه أبد-ويراه الإمام بهذه الحالة-وهو عين الله الناظرة- نعتقد أن أقل ما يعمل الإمام (ع) في حقه، أنه سيرد له الجميل، فإذا كان هو يدعو للإمام (ع): اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن-صلواتك عليه وعلى آبائه- وليا وحافظا، وقائدا وناصرا؛ فما المانع أن يدعو الإمام (ع) له أيضا: اللهم كن له وليا وحافظا، وقائدا وناصرا؛ فهذه المضامين مضامين تنطبق حتى على محبي أهل البيت (ع).

وكذلك الالتزام ببعض زيارات الإمام (ع) في المشاهد المشرفة، وقد يتفق وأنت تزوره مثلا بزيارة آل يس وتقول: (سلام على آل يس) أن يكون الإمام (ع) في هذا المكان، فيرد السلام وإن لم تسمع الجواب.. فكما أن المعصومين الشهداء يردون السلام ونحن لا نسمعهم، كذلك الإمام (ع)-بمقتضى زمان الغيبة- فقد يرد عليك السلام وأنت لا تشعر بذلك.
*********************






التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 06:20 AM   رقم المشاركة : 14
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

كلمة أخيرة:
إن من موجبات الترقيات الروحية للمؤمن، أنه يرتب لنفسه في السنة أو السنتين زيارات لكل أئمة أهل البيت (ع)، أي أن يسعى لأن يعرض روحه لهذه الأنوار الإلهية، فإن ما يعطاه في أرض خراسان مثلا، قد لا يعطاه في باقي المشاهد.. وفي الروايات إشارة إلى أن بعض الخواص مترتبة على زيارة معصوم معين، فمثلا روي في زيارة الرضا (ع):
قال الرضا ( ع): من زارني على بعد داري وشطون مزاري، أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان.
قال الجواد (ع): من زار قبر أبي (ع) بطوس، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (ص) حتى يفرغ الله من حساب عباده.
قلت للجواد (ع): جعلت فداك!.. زيارة الرضا (ع) أفضل أم زيارة أبي عبد الله (ع)؟.. فقال: زيارة أبي (ع ) أفضل، وذلك أن أبا عبد الله (ع) يزوره كل الناس، وأبي (ع) لا يزوره إلا الخواص من الشيعة.

إن لكل مشهد من مشاهد الأئمة (ع) طعمه، فكما أن لكل إمام لقبه، فالإمام موسى بن جعفر (ع) لقب بالكاظم، لما تجلت فيه صفة كظم الغيظ، والإمام علي بن موسى (ع) لقب بالرضا، لأنه تجلت فيه صفة الرضا بقضاء الله وقدره.. أيضا نقول إن لكل مشهد من هذه المشاهد أثر في النفس.. فيا حبذا لو أن المؤمن جمع ماله وادخره، وقلل من أكله وشربه، ومنع نفسه من السفرات السياحية اللا هادفة التي ليس فيها كثير فائدة، واستغنى عن اقتناء بعض المقتنيات الزائدة، كبعض النساء بإمكانها أن تبيع ما عندها من الذهب وتذهب لزيارات المعصومين (ع)، وشتان بين سوار في معصمها أو قلادة على صدرها، وبين نور يدخل في قلبها.

وإن زيارتهم بهذه النية، قطعا لمن موجبات الأنس بهم.. وإن الذين أدمنوا على زيارة الأئمة (ع)، فهؤلاء يرون أن من أفضل السياحات في الوجود هو شد الرحال إلى بقاعهم الطاهرة.

وإن الإكثار من الصلاة على النبي وآله في المشاهد المشرفة، لمن موجبات التفاتة المعصوم.. وإنه بمقدار ما تبعث من الصلوات عليهم في مشاهدهم، تأتيك الهبات من طرفهم.. لأن الصلوات طلب لرفع مقاماتهم، فالمعصوم من باب رد الجميل يطلب من الله تعالى أن يرفع من درجاتك أيضا.







التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 10:00 AM   رقم المشاركة : 15
قريرةٌ بنور الزهراء
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بنور الزهراء








قريرةٌ بنور الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليك سيدي ومولاي الحجة ابن الحسن وعلى ابائك الطاهرين ورحمة الله وبركاته

وعليكم السلام والرحمة والبركه
جزاكم الله الف خير على الطرح المبارك .. موضوع رائع بحق
لنا عوده بين الحين والأخر للاستزاده منه.

رزقنا الله واياكم القرب من أهل البيت صلوات ربي عليهم ولاحرمنا الله زيارتهم فنحن في شوق الى ذلك.

وفقكم الله لكل خير ببركه و سداد من اهل البيت عليهم السلام







التوقيع

ياصاحب الزمان
  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2012, 03:55 PM   رقم المشاركة : 16
أميري علي أمير المؤمنين
متخرجو المدرسة الروحية
 
الصورة الرمزية أميري علي أمير المؤمنين







أميري علي أمير المؤمنين غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنت..جزااااااك الله خيرا..
ياااارب العالمين ارزقنا زيارتهم..قربنا اليك..وإلى أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام..
السلام على أهل بيت النبوه عليهم أفضل الصلاة والسلام..







التوقيع

الحمد لله...الحمد لله...الحمد لله...قال إمامنا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة و السلام ( ما عبدتك طمعا في جنتك ، ولا خوفا من نارك ، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ).
أنا خادمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وإن شاء الله أستطيع أن أخدم المؤمنين والمؤمنات أعني يالله ياكريم ياكبير ياعظيم.

  رد مع اقتباس
قديم 04-15-2012, 10:56 AM   رقم المشاركة : 17
عقيلة أبا الفضل
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية عقيلة أبا الفضل








عقيلة أبا الفضل غير متواجد حالياً

افتراضي رد: زيارة الأرواح في المشاهد المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
اللهم صل على نبينا الرسول الأمين محمد و آله الطيبين الطاهرين و عجل فرجهم و العن أعدائهم يا كريم

حفظكم الله من كل سوء
رزقنا الله و إياكم مع جميع المؤمنين و المؤمنات زيارتهم وبركاتهم وشفاعتهم
و التشرف بخدمة قائم آل بيت محمد صلى الله عليه و آله وسلم و نصرته و الإستشهاد تحت رايته الشريفة إن شاء الله تعالى

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع

قال رسول الله صلّى الله عليه و آله ..
مَن كانَ يُحِبُّ أن يَعلَمَ مَنزِلَتَهُ عِندَ اللهِ فَليَنظُر كَيفَ مَنزِلَةُ اللهِ عِندَهُ ؛
فَإِنَّ اللهَ يُنزِلُ العَبدَ مِنهُ حَيثُ أنزَلَهُ مِن نَفسِهِ
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 02:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.