بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد الطیبین الطاهرین الاشراف وعجل فرجهم یا کریم
السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
القرآن سبیل الحکمة
من صفات القرآن الكريم انه كتاب حكمة، ولذلك جاءت تسميته بـ (القرآن الحكيم)، لأن فيه حكمة الحياة.
فالإنسان الذي يريد أن يضمن السعادة في الدنيا والآخرة لابد ان يتمتع بالحكمة؛ أي أن يعرف كيف يعيش ومن أين
جاء وإلى أين يذهب وما هي سنن الحياة التي تعني القوانين والأنظمة التي وضعها الله تبارك وتعالى لهذه الحياة
والتي من خلالها يستطيع الإنسان أن يعيش الحياة الطيبة. ولذلك فقد أوضح القرآن الحكيم سنن الحياة، وهي
الحقائق الكبرى التي ليس من السهل على الإنسان أن يستوعبها، لأن عقله وفكره محدودان. ثم أن جميع الناس
ليسوا على مستوى واحد من الوعي والفهم، بل هم على درجات ومستويات مختلفة لذلك فإن من العجيب أن كل
الناس -على اختلاف مستوياتهم الفكرية- ينتفعون من القرآن كل حسب مستواه.
فتجد في القمة رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام يقرؤون القرآن، ويزدادون
بقراءته علماً، بينما أبسط الناس أيضاً ينتفع بتلاوته القرآن بحدوده.
والسّر في تلك الشمولية، الأمثال التي يكثر ذكرها في القرآن، والتي تقوم بدور الوسيط بين الحقائق الكبرى
والحقائق الجزئية، أي إنها تكون جسراً بين الإنسان وبين الحقائق ولذلك فلابد لمن يقرا القرآن ويتدبر في آياته أن
يتأمل تلك الأمثال ، ثم يطبقها على الحقائق المتعلقة بها.
ولا يغيب عنا أن الامثال تقوم بدور ايضاح الحقيقة، وتقريبها للفهم، وبالتالي عدم نسيانها.
ومن خلال فهم الأمثلة القرآنية، وفهم الحقائق المتصلة بها يستطيع الإنسان ان يكون حكيماً،
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
القرآن سبيل الهداية
(قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) (17)
يبدأ ابن آدم حياته عديم التجربة، ويعيش فيها ظلمات الجهل والغفلة، إذ العمر قصير وغيب الحياة أكثر من شهودها
فهي مزيج معقّد قائم على أُسس لا يعرف المرء الكثير منها.
ووفقاً لذلك، أصبح ابن آدم بحاجة إلى من يهديه إلى سنن الحياة وطبيعتها وأنظمتها التي تتحكم فيه وفي الخلائق
من حوله، وبحاجة أيضاً إلى من يعلمه كيفية التعامل مع النفس والمحيط والآخرين.
أن القرآن هو ذلك الهدى والمعلم والنور والبصيرة ومنهج التفكير السليم، وهو المعرفة والحقيقة. صحيح أن
الناس ومن دون استثارة عقولهم، ومن دون بلورة وجدانهم ، ومن دون أدائهم ميثاقهم، وبالتالي من دون تفعيل
اجهزة الرؤية والمعرفة في انفسهم، يعجزون عن الاستفادة من القرآن ولكن الصحيح أيضاً ان من دون القرآن
وهداه وبصائره وعلمه وتذكرته وتزكيته، عاجزون عن الاهتداء سبيلاً.
يقول الكتاب المجيد : (قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَبِّكُمْ ) أي ما يعرف ابن آدم كيفية الحياة السعيدة وكيفية العيش بسلام
وأمن، لتحقيق التطلعات والطموحات.
فالبصيرة هي ما يبصر به الإنسان، وما به يعبر إلى الحقيقة.
(فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِه ) إن هذه البصائر ليست مفروضة عليك، وإنما هي فرصة لك فإذا اردتها استطعت الاستفادة
منها، واعتمادها منهجاً لحياتك.
إذن ؛ فهي كلها فائدة للإنسان ذاته قبل غيره.
(وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا) إذ النتائج العكسية سوف تترتب على من اعرض عن البصر والبصيرة ثم إن الله أورسوله ليسا
مسؤولين عما يختاره الإنسان لنفسه، وإنما المسؤول الأول والأخير هو الإنسان نفسه، حيث يقول تعالى:
( وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بوكيل ).
هذا القرآن وهذه بصائره ومعارفه متاحة للناس في كل وقت وفي كل مكان لينتهجوا مناهجه، ويستفيدوا من رؤاه
وليكشفوا بها غيب الحياة، ويصلوا إلى السعادة في دنياهم وآخرتهم وليس عليهم من وكيل فيما يختارونه.
والله اعلم،،،
مقتطفات كتاب: في رحاب القرآن
المؤلف: آية الله السيد محمد تقي المدرسي