بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجّل فرجهم يا كريم...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله من كل شر وسوء ...
قال تعالى : ( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) النحل:29
الــكِـبـر
=========
تـعـريـف الـكِـبر
==============
الكِبرمن الصفات الرذيلة وينتج من إعجاب الإنسان بنفسه، فيرى لنفسه العلو والتفوق وصفات ومقام لا يمتلكها الأخرين
جـذور وأصـول الكِـبـر
====================
ان لكل صفة ذميمة جذور واصول كما هو الحال في الرذائل الأخرى أي الأمور التي ينشئ او يتكون منه الشيء , وللكِبر خمسة جذور أساسية ( العجب – الرياء – الحسد – الحقد - الأنانية )
العجب : وهو أساس الكِبر وقد اشرنا إليه سابقاً في تعريف الكِبر
الرياء : وهو ان يتظاهر بافعاله أمام الأخرين فينشئ لديه حالة من التكبر
الحسد : وهو ان يتمنى زوال كل نعمة عند من هو أرفع شأن منه لكي يكون هو الأعلى فيما بينهم
الحقد : وهو أظهار العداوة والكراهية إلى كل شخص من الممكن ان يأخذ مكانته او ينافسه في مستواه
الأنانية : وهو حب الذات وعدم الأكتراث إلى الأخرين وذلك بتجنب التعاون معهم ومساعدتهم
الـكِـبـر في الـقرآن الكريم
=======================
لقد ذم الله جل جلاله المتكبرين وقد كان اول من تكبر أبليس لعنه الله عندما امتنع ان يسجد لسيدنا أدم على نبينا واله وعليه السلام فقال: {قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} (33) سورة الحجر فتوهم إبليس أفضلية النار على الطين أدى إلى إعجابه بنفسه ولما اعجب بنفسه، تعالى عن غيره فرأى نفسه فوق نبي الله آدم على نبينا وآله وعليه السلام فتعظم عليه وتكبر, كما ان التكبر من أخطر انواع الذنوب ومدعاة للخلود في نار جهنم كما قال الله تعالى في كتابه الكريم ( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) النحل:29
الـكِـبـر فـي روايـات أهـل الـبـيـت عـلـيـهـم الـسـلام
============================================
لقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام تبين خطورة التكبر ووصفوه بأنه من أعظم الذنوب نذكر لكم بعض منها
روي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال : لن يدخل الجنة عبد في قلبه حبة من خردل من كبر ( معاني الأخبار: ص246 )
و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : إياك والكبر فإنه أعظم الذنوب وألأم العيوب وهو حيلة إبليس (الغرر 148)
و روي عن سيدنا زين العابدين عليه السلام انه قال : لا عجباً للتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غداً جيفة (الكافي: ج1 ص316 ح1)
و روي عن سيدنا محمد الباقر عليه السلام انه قال: العزّ رداء الله والكبر ازاره فمن تناول شيئاً أكبه الله في جهنم (الكافي: ج2 ص398 ح3)
و روي ايضاً عنه (إياك والكبر، فإنه داعية المقت، ومن بابه تدخل النقم على صاحبه وما أقل مقامه عنده وأسرع زواله عنه)مستدرك الوسائل ج2 ص329 باب58 ح13
و روي عن سيدنا جعفر الصادق عليه السلام انه قال:إن المتكبرين يجعلون في صّوَر الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب (الكافي: ج2 ص398 ح21 )
و روي ايضاً عنه : (إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه)(الوافي ج3 ص87 عن الكافي).
وعن المسعودي إنه روى: (أوحى إلى داود (على نبينا واله وعليه أفضل الصلاة السلام) كما أن أقرب الناس إلى الله يوم القيامة المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون) مستدرك الوسائل ج2 ص329 باب 58 ح15
الأثـار النـاتـجـة مـن الكِـبـر
=======================
كما هو معلوم لكل صفة ذميمة أثار سيئة سواء كانت على الفرد او المجتمعات والأثار التي تنتج من الكِبر أثار مخربة جداً وعواقب وخيمة تسبب تشويه روح وعقيدة وفكر الأنسان
ومن الأثار الناتجة من الكِبر على حياة الفرد :
النفر منه وتجنب الحديث والأنخراط معه وهذه الأمور بالعادة تصدر من المؤمنين للمتكبرين , اما من قبل الأشخاص الذين من صنفه فيكون مستهدف لديهم وهدفاً لسهام النقد وموضع للمقت ,وايضاً من الأثار الشائعة الخطيرة هي روح التنافس الذي ينتج من التكبر في شتى مجالات الأعمال حيث كل فرد يريد ان يكون هو الأعلى وأشبه بالعملية كسلم يوقع من هو أعلى منه بأستنقاصه وأيقاعه في الأخطاء فيأخذ مكانه وهكذا يستمر بالصعود إلى ان يصل هو إلى أعلى السلم
الأثار الناتجة من الكِبر على المجتمعات :
تعكر التواصل بين المجتمعات حيث ينتشر بينهم الحقد والكراهية وذلك ينتج من تصغير بعضهم لبعض فكل مجتمع يرى انه أفضل من غيره سواء كان ذلك التميز ناتج من علمهم او مالهم او مكانتهم عالمياً
درجـات الكِـبـر
=============
1- التكبر بالقلب :وهو التكبر الباطني حيث يرى انه افضل من الأخرين ولكن يظهر الوجه الأخر وهو التواضع
2- التكبر باللسان: وهو أعلى من السابق حيث يظهر التكبر بالأقوال كالتفاخر والتعالي وتعظيم الذات على الأخرين
3- التكبر بالأفعال: وهو ظهور التكبر في افعاله كتجنب مجالسة الفقراء والمساكين ومن هم أقل مستوى منه , والترفع على الأخرين في المجالس والمحافل
( وفي رواية أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (أكثر من يدخل النار المتكبرون، فقال رجل: وهل ينجو من الكبر أحد؟ قال: نعم، من لبس الصوف وركب الحمار، وحلب العنز وجالس المساكين، يا أبا ذر من حمل بضاعته فقد برئ من الكذب يا أبا ذر من رقع ذيله وخصف نعله، وعفر وجهه فقد برئ من الكبر ( أمال الطوسي ص549ـ550
يبدوا من هذه الرواية أراد سيدنا رسول صلى الله عليه واله وسلم التمثيل للأشياء التي توجب عدم الكبر وذهابه، لا أن الأمر خاص بالأُمور المذكورة في هذه الرواية.
انواع الـكِـبـر
===========
النوع الأول الكِبر في العبادة
وهذا النوع يتفرع إلى فرعين
الفرع الأول التكبر على الله جل جلاله وهذا النوع في ثلاث فئات
الفئة الأولى : وهي التي تقر بوحدانية الله عز وجل وبما بعث من أنبياء ورسل ولكن يروا انهم لا يحتاجون إلى عبادته أو انه لا يوجد داعي من عبادته
الفئة الثانية : هي التي تشعر بالذلة في الصلاة في ركوعها و سجودها وهذا النوع من الذلة يسبب لهم الأزعاج لذا لا يقوموا بالصلاة وبقية العبادات
الفئة الثالثة : وهي الأكثر انتشاراً وهم الذين يؤدون العبادات لكن ليس من باب الخضوع والذلة لله عز وجل بل من باب التكليف او واجهة للأخرين لا ترى فيهم الخشية من الله جل جلاله لذا ترى بعضهم عند سفره لبلاد الغرب يترك الأمور العبادية
الفرع الثاني التكبر بكثرة أداء العبادات
هو ان يرى الشخص انه متميز على الأخرين بكثرة عبادته وقربه إلى الله عز وجل فيدخل إلى قلبه الكِبر فيرى انه الأفضل والأقرب إلى الله عز وجل وايضا منهم من ينظر إلى الأشخاص الغير ملتزمين نظرة بغض واحتقار يرى انه ارفع شأن منهم وهذا خلاف أخلاق أهل البيت عليهم السلام فأهل البيت عليهم بما لديهم من مكانه رفيعة الشأن عند الله لم يكونوا متكبرين على الفاسقين والكفار بل كانوا في قمة التواضع والحكمة فكان نتيجة هذا التعامل الحكيم هداية الفاسقين وأعتناق الكافرين الأسلام تأثراً من أخلاقهم العالية ولا تخفى عليكم قصة الشهيد الحر الرياحي رضي الله عنه حينما اقدم على مولانا سيد الشهداء عليه افضل الصلاة والسلام لمحاربته كيف كان تعامل سيد الشهداء معه ؟ هل استغل الفرصه له حيث كان الحر الرياحي ومنه معه هلكة عطاشى بل قام بسقي الحر الرياحي ومن معه ويقال ان هناك شخص لم يستطيع شرب الماء فقام بيده الطاهرتين وسقاه الماء , نتيجة الأمر ادت إلى هداية الحر الرياحي والفوز بالجنة والرضوان , لذا علينا التأسي بسادتنا أهل البيت عليهم السلام وان لا نكون سبباً في نفور الأخرين من الدين
النوع الثاني التكبر على العباد
==========================
وهو ان يرى انه الأعلى وان الأخرين لا شخصية لهم امامه أي يرى لنفسه مقام وللأخرين مقام ومن الأمثلة على ذلك يريد من الأخرين السلام عليه والوقوف أحترام له بينما هو لا يفعل ذلك ويريد ان يكون في صدر المجلس دائما وايضاً يريد منهم الخضوع إلى اوامره فيكون هو كالسلطان والناس كالعبيد لديه ويريد منهم تعظيمه ومدحه دائماً كما انه لا يقبل ان ينتقد ويناقش في ما قال ولا يقبل رأيهم عند أتخاذ القرار بينما هذه الصفة نراها عند أعظم خلق الله سيدنا أبا القاسم صلى الله عليه واله وسلم كان يتناقش مع المسلمين ويأخذ بكلامهم ومثال على ذلك عندما وافق على فكرة صنع الخندق وكان تلك فكرة الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه , نختم هذه النقطة بهذا الحديث روي عن سيدنا أميرالمؤمنين(عليه السلام) انه قال: «مَنْ اَرَادَ اَنْ يَنْظُرَ اِلَى رَجُل مِنْ اَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ اِلَى رَجُل قَاعِد وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَوْمٌ قِيَامٌ» بحار الأنوار، ج 70، ص 206 طبعة الآخوندي.
النوع الثالث التكبر والتعالي على العلماء
وذلك باستصغار العلماء والتعالي عليهم بالأقوال والأفعال ونعتهم بالجهل والسخرية منهم وتكذيبهم والترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وإرشاداتهم، وينشى هذا الأمر من جهله فقد يرى انه الأعلم في الوجود وانه هو الناجي والباقي هالكين روي عن سيدنا ومولانا أبا القاسم صلى الله عليه وآله :إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم» المصدر: المحجّة البيضاء للعلامة الكبير الفيض الكاشاني قدس سره الشريف
النوع الرابع التكبر بالنسب والمال والجمال
وهذه من الأمور الشائعة حيث توجد بعض العوائل التي لا تقبل ان تناسب عائلة اقل منها مستوى في المال او في المكانة الأجتماعية بينما إذا رجعنا إلى سيدنا أبا القاسم صلى الله عليه واله وسلم من الأمور الهامة والأساسية التي قام بها المساواة حيث ألغى الفوارق بين الغني والفقير، والأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، حتى أصبحت الأخوة الإسلامية هي المقياس في فهم العلاقات الاجتماعية، ومن ثم ساروا في الاتجاه المنطقي للحياة، وعلينا إذا أردنا أن نستعيد مجدنا الغابر الرجوع إلى الأخوة الإسلامية بمعانيها الصادقة روي عن سيدنا أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) قال: (أقبل رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله أنا فلان ابن فلان حتى عد تسعة آباء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أما أنك عاشرهم في النار) البحار ج73 ص226 ح19 . اما التكبر بالجمال يحدث عند النساء عادة حيث تتكبر على اقرانها لأنها اجمل منهن ويدعو ذلك إلى الغيبة والتنقص فيما بينهم وذكر العيوب روي عن عائشة أنّها قالت : دخلت امرأة على النبي(صلى الله عليه وآله) فلما خرجت فقلت بيدي ـ هكذا ـ أي أنّها قصيرة، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : «قد اغتبتها» وهذا منشؤه خفي الكبر لأنها لو كانت أيضاً قصيرة لما ذكرتها بالقصر فكأنها أعجبت بقامتها واستقصرت المرأة في جنب نفسها فقالت ما قالت المصدر: المحجّة البيضاء للعلامة الكبير الفيض الكاشاني قدس سره الشريف مصدر أخر من اخواننا المسلمين : إحياء علوم الدين
النوع الخامس التكبر والتعالي والأصرار على ارتكاب الأخطاء
وهذا النوع يتفرع إلى نوعان
النوع الأول
وهو الذي يرى انه وصل إلى مرحلة من الكمال لذا لايرى نفسه انه يفعل الأخطاء وفعله دائما فعل الصواب
النوع الثاني
وهو الذي يرتكب الأخطاء ويعلم ان ما يقوم به خطأ ولكن لا يعترف بخطئه فهو يرى انه أعلى من الأخرين واعترافه بخطئه سوف ينزل من مكانته لديهم
عـلاج الكِـبـر
============
علاج الكِبر يكمن في التواضع ونذكر ذلك في نقطتين
العلاج العلمي :
على الأنسان ان يراجع نفسه وينظر إلى حال المتكبرين ماذا حدث لهم عند تكبرهم كأبليس وفرعون وقارون وغيرهم من الطغاة , وايضاَ عليه التفكر هل قوته هذه ستدوم ؟ هل ثروته هذه ستدوم ؟ كمن من متكبراً اصيب بحادث او ابتلي بمرض خطير فأنتهى به الأجل على سريراً من أسرة المستشفى وكمن من ثري افلس فنزل مقامه إلى أسفل السافلين فأنتهى به الأجل إلى رصيفاً من أرصفة الشارع , واقرب مثال الرؤساء الذين سقطوا قبل مدة قليلة منهم من تم أعدامه ومنهم من يحاكم ومنهم الهارب ومنهم من قتل على أيدي شعبه,
الخلاصة :
ان على الأنسان أخذ الموعظة بالتفكر والتأمل في العقوبات التي حدثت للمتكبرين وأنهم مقبلين على عذاب أشد منه في الأخرة
قال تعالى ( فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) 26 : سورة الزمر
العلاج العملي :
وهو التأسي بأصحاب الخلق الرفيع والعمل بعملهم ومن الأمثلة على ذلك التقدم على الأخرين بالسلام ومجالسة الخدم و الفقراء والضعفاء والنظر في أحوالهم والجلوس معهم على مائدة الطعام وزيارة المرضى وان يتجنب الجلوس في صدر المجلس وان لا يجالس المتكبرين والمغرورين وان يأكل الأطعمة البسيطة ويلبس الملابس البسيطة روي عن سيدنا عيسى على نبينا واله وعليه افضل الصلاة والسلام انه قال : ( جودة الثياب خيلاء القلب ) (1), وان لا يتقدم على الأخرين في مشيه ( قال أبو الدرداء : لا يزال العبد يزداد من الله بعدا مامشى خلفه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدم، ويمشي في غمارهم ) (2)
وقيل في وصف نبينا الأكرم صلى الله عليه واله كان يعلف الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري الشئ من السوق ولا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه، فينقلب إلى أهله، يصافح الغني والفقير، والصغير والكبير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حر أو عبد، من أهل الصلاة.ليس له حلة لمدخله، وحلة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعي إليه، وإن لم يجد إلا حشف الدقل (3) لا يرفع غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء، هين المقولة، لين الخلقة، كريم الطبيعة جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما من غير ضحك، محزونا من غير عبوس شديدا من غير عنف، متواضعا من غير مذلة، جوادا من غير سرف، رحيما بكل ذي قربى، قريبا من كل ذمي ومسلم، رقيق القلب، دائم الاطراق، لم يبشم قط من شبع، ولا يمد يده إلى طمع.قال أبو سلمة: فدخلت على عائشة فحدثتها كل هذا من أبي سعيد، فقالت:ما أخطأ فيه حرفا، ولقد قصر، إذ ما أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يمتلئ قط شبعا، ولم يبث إلى أحد شكوى، وإن كانت الفاقة أحب إليه من اليسار والغنى وإن كان ليظل جائعا يتلوى ليلته حتى يصبح، فما يمنعه ذلك عن صيام يومه ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى كنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها من مشارقها ومغاربها، لفعل.وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع فأمسح بطنه بيدي، فأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك، ويمنعك من الجوع، فيقول يا عايشه إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم، فقدموا على ربهم، فأكرم مآبهم، وأجزل ثوابهم، فأجدني استحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم، فاصبر أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة، وما من شئ أحب إلي من اللحوق باخواني وأخلائي فقالت عايشة: فوالله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله تعالى. فما نقل من أخلاقه صلى الله عليه وآله يجمع جملة أخلاق المتواضعين فمن طلب التواضع فليقتد به، ومن رأى نفسه فوق محله صلى الله عليه وآله ولم يرض لنفسه بما رضي هو به، فما أشد جهله، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم خلق الله تعالى منصبا في الدين والدنيا، فلا عزة ولا رفعة إلا في الاقتداء به، ولذلك لما عوتب بعض الصحابة في بذاذة هيئته، قال: إنا قوم أعزنا الله تعالى بالاسلام، فلا نطلب العز في غيره ,(4)
الخلاصة :
على الأنسان الأعتدال في أموره في أكله وشربه ولبسه وغيرها من الأمور الأخرى وليس التواضع يكون بالأكل الرديء والملابس الممزقة القذرة روي عن نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ولا بخل، إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. (5 ) ,وايضا روي عن سيدنا عيسى على نبينا واله وعليه السلام : مالكم تأتوني وعليكم ثياب الرهبان؟ وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري؟ البسوا ثياب الملوك وألينوا قلوبكم بالخشية.( 6) , ان التزين ولبس الملابسة الحسنة هو امراً مستحسن ولكن بشرط ان لا تكون من باب التفاخر والغرور روي عن نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله: من ترك زينة لله ووضع ثيابا حسنة تواضعا لله وابتغاء وجهه، كان حقا على الله أن يدخله عبقري الجنة.(7) ولا التواضع ذلك الذي يجعل من الأنسان أحمقاً فالأحمق هو الذي يرضي الجميع فهناك مواضع يتطلب فيها ان يكون شديداً ونختم الموضوع بهذه الأية الكريمة قال تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح 29
(1) العلامة المجلسي - ج 70 - الصفحة 207
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 - الصفحة 206
(3) في نسخة الكمباني وشرح الكافي " خشف الزقل " وهو تصحيف، والحشف:اليابس الفاسد البالي، والدقل: أردء التمر.
(4) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 - الصفحة 208-209
(5) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 - الصفحة 207
(6) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 - الصفحة 208
(7) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 - الصفحة 207
والله أعلم
وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام
(يا علي يا علي يا علي (27))
07-09-2012, 01:02 AM
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ
