بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..
قال لي معلمي :
كنت مستغرقا في قراءة الزيارة في حرم السيدة فاطمة المعصومة ، فجاءني رجل من الذين يعتبرون انفسهم من اولياء الله ، وكان في يده كتاب المفاتيح ، ولاني كنت احسن الظن به نهضت له وسلمت عليه وهو ايضا اجاب سلامي ، لكني عندما نظرت اليه احسست بان اعماقي تظلم وودت الفرار منه . وفي الاثناء خامرني شعور ان يكون موقفي هذا وسوسة من الشيطان ، فقلت في نفسي على المرء الا يسيء الظن . فجلس الى جانبي وما زلت غير مرتاح من جانبه ، ولم اكن اريد النظر اليه لحظة واحدة . قلت في نفسي : ما دمت في صدد معالجة امراضي الروحية فلتكن هذه تجربة لي ، فهل انا مريض روحيا ام هو ينطوي على احدى الصفات الروحية القبيحة لكي انفر منه ؟
وعلى كل حال اجبرت نفسي في الحديث معه ، فتحدثنا قليلا عن درجات الكمال ومراتبه ، وكان يعتقد في نفسه بانه طوى جميع مراتب الكمال !
وقال لي في معرض كلامه : لا يعني ان يكون المرء من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم لكي يحوز جميع هذه الفضائل التي ذكرتها .
قال لي ايضا : ان الانسان ما لم يعبد الله فانه لا يعرف العبودية ، وانه لا قيمة له عند الله ما لم يؤد النوافل ما امكنه .
وقال لي : ان الكمالات الروحية تعني اداء الواجبات وترك المحرمات ، كما وضح لي ذلك بالامثلة المفصلة ..
لكنه كان في كل حديثه متكبرا متعاليا ، وكنت مجبرا على استماع حديثه
ولا انبس بكلمة واحدة .. ثم وجدت نفسي مضطرا لان اسأله : لو ان شخصا لديه صفات حيوانية ولكنه كان يؤدي واجباته ويترك المحرمات فهل انه يكون قد بلغ الكمالات الروحية ؟
قال : انتم المعمّمين لا يمكن الحديث معكم ، كلما قلنا شيئا اشكلتم علينا .. ان الانسان الذي لا يؤدي واجباته ولا يجتنب المحرمات فهو حيوان .
قلت : اوافقك على هذا ولكن اذا كان هناك من يؤدي الواجبات ويبتعد عن المحرمات ولكن في سيرته صفات الحيوانية ، فهل يكون قد وصل الكمال الروحي ؟
قال : آه كم انتم جهلة .
ثم اشاح بوجهه عني وقال : كان عليك الا تدرس فلا تظهر عندك هذه الحجب فلا تدرك موضوعا واضحا كهذا ، وهنا التفتُّ الى ان هذا المسكين مصاب بمرض الكبر والاعجاب بالنفس والانانية ، فهو في جهل مركب وعلي ان ابتعد عنه ، لان افرادا مثل هؤلاء لا يمكن اصلاحهم بل انهم يشكلون خطرا على الاسوياء .
قال لي معلمي :
ذات يوم ومن اجل الاطلاع على حياة من اتصل بالامام المهدي في غيبته الكبرى رحت اطالع في كتاب «النجم الثاقب» ، فقال لي شخص كان مغرورا بما تعلمه من الفلسفة : انت بهذه المنزلة من العلم والدرأسة من العيب عليك ان تطالع مثل هذه المسائل وتصدقها .
قلت : يعني انت تحتمل وضعها من قِبل المرحوم الحاج نوري ، وهو من تعرف منزلته ومقامه العلمي والروحي ؟!
قال : انني لا اؤمن بهذه المواضيع كيف لنا ونحن بهذه المنزلة من العلم ولا نرى الامام ، بينما يراه البقالون والحمالون والاميون مثل «الحاج علي البغدادي» و«اسماعيل الهرقلي» و«علي بن مهزيار الاهوازي» .
وكان جواب سؤاله هذا واضحا ، ولذا اعرضت عن الجواب ، لكني انتبهت الى ان اكثر الحجب خطورة هو الاعجاب بالذات والتكبر ، فمهما وصل الانسان من درجة فهو يبقى بالنسبة الى الله فقيرا ومحتاجا ، ولا يمكن ان يعد نفسه غنيا مهما كان ؛ ذلك ان الله سبحانه يقول : «انتم الفقراء» .
ان من يدرك حقيقة العبادة والاعمال والقوانين الالهية ، سيكتشف ان نتيجة كل ذلك شيئان : اولهما ان الله هو العظيم والغني ، وان الانسان محتاج وفقير ، وهو لا شيء بالنسبة الى الله .
ولذا فان ذرة واحدة من مشاعر التكبر والاعجاب بالذات يعني ان هذا الانسان لم يصل بعد الى حقيقة العبودية ، وانه يعاني من اسوأ الحجب التي تبعده من الله .
وان علاج مثل هذا المرض يكمن في التأمل في فلسفة العبادة وادراك حقيقة العبودية وتزكية النفس من الانانية .
يروي الامام الرضا ، عن آبائه ، عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام قوله : «وحسبك من الجهل ان تعجب بعلمك» .
ويقول الامام الصادق عليه السلام : «لا جهل اضر من العجب» .
ويقول الامام علي عليه السلام : «اعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله» .
قال لي معلمي :
في يوم الاحد الذي هو يوم امير المؤمنين ، كما جاء في الروايات ، وفي الساعة الاولى منه ، وطبقا لبعض الاحاديث كنت مشغولا بزيارته ، فجأة وكما لو اني استغرقت في النوم ، او الافضل ان اقول انني لا ادري نفسي في اية حال الا رأيت حجبا تنزاح عن عيني ، واني ارى جمعا من الناس مثل النمل يسحقون تحت اقدام الآخرين ، خاصة ذلك الرجل الذي اعرفه وكان مصاب بمرض التكبر والغطرسة ، كان يمشي بطريقة عجيبة !
رجله فوق عاتقه ، ويتقلّع في المشي سألته : ماذا جرى عليك حتى تكون بهذه الصورة ، وما الذي دعاك لمغادرة مكانك لكي يدوسون عليك ؟ رفع رأسه بكبرياء وغرور ونظر الي بغطرسة ، وقال لي : لم اخرج لكي ارى التافهين من امثالك ، انتم تسيئون الى سمعة البلد .. نحن وحدنا يحق لنا التجوال في شوارع البلاد وازقتها .. نحن الرجال المحترمون يحق لنا ذلك !
افقت وعدت الى حالتي الاولى ، وصادف انني ذهبت الى مرقد الامام الرضا فرأيت ذلك الرجل في احد الازقة ، فنظر الي بكبرياء وقال لرفيقه الذي كان يساعده على المشي : مادام هؤلاء في البلاد فليس لنا نصيب في الحضارة والتقدم .
في اليوم التالي سألت رفيقه الذي كان معه : لماذا كنت تساعده على المشي ، هل كان مريضا لا سمح الله ؟
قال : كلا لكنه شرب كثيرا في الليلة الماضية ، وعندما عاد الى منزله لم تكن زوجته وابناؤه في البيت ، ولم يكن معه مفتاح البيت ، فاضطر للجلوس في الزقاق .. فجاءه بعض شباب المحلة وكانوا يكرهونه بسبب اذاه لهم ، وانهالوا عليه ضربا مبرحا حتى ازرق جلده ، وربما كسرت عضده ، فاخذته الى الطبيب لاجراء الفحوصات ، وترى ما حصل له .
وهنا تذكرت حديثا مرويا عن الامام الصادق عليه السلام يقول فيه : «ان المتكبرين يجعلون في صور الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب»
بين يدي الاستاذ ..
موفقين لكل خير ببركة وسداد اهل البيت عليهم السلام