مركز نور السادة الروحي
         
 
     

:: مركز نور السادة الروحي ليس لديه أي مواقع آخرى على شبكة الأنترنت، ولا نجيز طباعة ونشر البرامج والعلاجات إلا بإذن رسمي ::

::: أستمع لدعاء السيفي الصغير  :::

Instagram

العودة   منتديات نور السادة > نـــور الـســـادة الإســلامــيـة > نور القرآن الكريم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 08-10-2010, 08:33 PM   رقم المشاركة : 1
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




معرفة المكي والمدني

لمعرفة المكيّ من المدنيّ، سواء أكانت سورة أم آية، فائدة كبيرة تمسّ جوانب أسباب النزول، وتمدّ المفسّر والفقيه في تعيين اتجاه الآية، وفي مجال معرفة الناسخ من المنسوخ، والخاصّ من العامّ، والقيد من الإطلاق، وما أشبه. ومن ثم حاول العلماء جهدهم في تعيين المكيّات من المدنيّات، ووقع إجماعهم على قسم كبير، واختلفوا في البقيّة. كما استثنوا آيات مدنيّة في سور مكيّة أو بالعكس، ولذلك تفصيل طريف يأتي.

والملاك في تعيين المكّي والمدنيّ مختلف حسب اختلاف الآراء والأنظار في ذلك، وفيما يلي ثلاث نظريّات جاءت مشهورة:

الأُولى: اعتبار ذلك بهجرة النبي (صلى الله عليه وآله) ووصوله الى المدينة المنّورة. فما نزل قبل الهجرة أو في اثناء الطريق قبل وصوله الى المدينة، فهو مكيّ، وما نزل بعد ذلك فهو مدنيّ.

والملاك على هذا الاعتبار ملاك زمني، فما نزل قبل وقت الهجرة، ولو في غير مكّة فهو مكّي. وما نزل بعد الهجرة ولو في غير المدينة حتى ولو نزل في مكّة عام الفتح او في حجة الوداع، فهو مدنيّ باعتبار نزوله بعد الهجرة. وعلى هذا الاصطلاح فجيمع الآيات النازلة في الحروب وفي أسفاره (صلى الله عليه وآله) بما أنذها نزلت بعد الهجرة، كلّها مدنيّات.

قال يحيى بن سلام: ما نزل بمكّة أو في طريق المدينة قبل أن يبلغها (صلى الله عليه وآله) فهو مكّي. وما نزل بعدما قدم (صلى الله عليه وآله) المدينة أو في بعض أسفاره وحروبه فهو مدنيّ. قال جلال الدين: وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أنّ ما نزل في سفر الهجرة مكيّ اصطلاحاً(1).

وذلك كقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قيل: نزلت بالجحفة والنبيّ (صلى الله عليه وآله) في طريق هجرته الى المدينة.

الثانية: ما نزل بمكّة وحواليها- ولو بعد الهجرة- فهو مكيّ، وما نزل بالمدينة وحواليها فهو مدنيّ. وما نزل خارج البلدين، بعيداً عنهما فهو لا مكيّ ولا مدنيّ، كقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ. قيل: نزلت بالحديبيّة حينما صالح النبيّ (صلى الله عليه وآله) مشركي قريش فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم... فقال سهيل بن عمرو وسائر المشركين ما نعرف الرحمان إلاّ صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب، فنزلت الآية وهكذا آية الأنفال نزلت في بدر عندما اختصم المسلمون في تقسيم الغنائم لا مكيّة ولا مدنيّة، على هذا الاصطلاح.
الثالثة: ما كان خطاباً لأهل مكة فهو مكيّ، وما كان خطاباً لأهل المدينة فهو مدنيّ، وهذا الاصطلاح مأخوذ من كلام ابن مسعود: (كلّ شيئ نزل فيه يا أيها الناس فهو بمكة. وكل شيئ نزل فيه يا أيها الذين آمنوا فهو بالمدينة). قال الزركشي: لأنّ الغالب على أهل مكة الكفر، والغالب على أهل المدينة الإيمان.

وهذا الاختلاف في تحديد المكيّ والمدنيّ أوجب اختلافاً في كثير من آيات وسور: أنّها مكيّة أم مدنيّة(2). غير أنّ المعتمد من هذه المصطلحات هو الأوّل، وهو المشهور الذي جرى عليه أكثريّة أهل العلم(3) وكان تحديدنا الآتي في نظم السور حسب ترتيب نزولها معتمداً على هذا الاصطلاح.

نعم، الطرق الى معرفة مواقع النزول: أنّها كانت بمكة أو بالمدينة أو بغيرهما، قليل جداً، لأنّ الأوائل لم يعيروا هذه الناحية المهمّة اهتماماً معتدّاً به، سوى ما ذكروه في عرض الكلام استطراداً، وهي استفادة ضئيلة للغاية، ومن ثم يجب لمعرفة ذلك ملاحظة شواهد وقرائن من لفظ الآية أو استفادة من لهجة الكلام، خطاباً مع نوعية موقف الموجّه اليهم، أكان في حرب أم في سلم، وعد أم وعيد، إرشاد أو تكليف...؟ فيما إذا أوجب ذلك علماً أو حلاّ قطعيّاً لمشلكة في لفظ الآية، كما في قوله: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا(4)، فإنّ مشكلة دلالتها على مطلق الترخيص دون الإلزام والإيجاب، تنحلّ بما أثّر في سبب نزولها(5). الأمر الذي يوجب الثقة بصحة الأثر، مع غضّ النظر عن ملاحظة السند، ومن ثم فهي مدنيّة.

قال الجعبري: لمعرفة المكيّ والمدنيّ طريقان: سماعيّ قياسيّ. فالسماعيّ ما وصل إلينا نزوله بأحدهما. والقياسيّ، قال علقمة عن ابن مسعود: كلّ سورة فيها (يا أيها الناس) فقط، أو (كلا) أو أوّلها حروف تهجّ سوى الزهراوين (البقرة وآل عمران) والرعد - في وجه- أو فيها قصة آدم وإبليس سوى الطولى (البقرة) أو فيها قصص الأنبياء والأُمم الخالية، فهي مكيّة. وكلّ سورة فيها حدّ أو فريضة، فهي مدنيّة. وفي رواية: كل سورة فيها: (يا أيها الذين آمنوا) فهي مدنيّة.

قال الزركشي: وهذا القول - الأخير- إن أخذ على اطلاقه ففيه نظر، فإنّ سورة البقرة مدنيّة وفيها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ(6)، وفيها: ﴿أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً(7). وسورة النساء مدنية وفيها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ(8). وفيها ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ(9). فإن أراد المفسّرون أنّ الغالب ذلك فهو صحيح، ولذا قال مكي بن حموش: هذا إنّما هو في الأكثر وليس بعامّ. وفي كثير من سور مكيّة ﴿يَا أيُّها الذين آمنوا(10).

وقال القاضي أبو بكر: كانت العادة تقضي بحفظ الصحابة ذلك، غير أنّه لم يكن من النبيّ (صلى الله عليه وآله) في ذلك قول، ولا ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: ما نزل بمكة كذا وبالمدينة كذا وإنّما لم يفعله لأنّه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأُمة، وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم، لمّا لم يعتبروا ذلك من فرائض الدين، لم تتوفّر الدواعي على إخبارهم به، ومواصلة ذلك على أسماعهم. وإذا كان الأمر على ذك ساغ أن يختلف من جاء بعدهم في بعض القرآن: هل هو مكيّ أو مدنيّ؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضرباً من الرأي والاجتهاد...(11).

المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة

1- الإتقان: ج1 ص9.

2- القصص: 85.

3- البرهان: ج1 ص197.

4- الرعد: 30.

5- مجمع البيان: ج6 ص293

6- الأنفال: 1.

7- راجع السيرة لابن هشام: ج2 ص322

8- مستدرك الحاكم: ج3 ص18.

9- البرهان: ج1 ص187

10- كما في آية الأمانات من سورة النساء: 58 زعمها النحاس مكيّة لرواية ابن جريح راجع مجمع البيان: ج3 ص63.

11- راجع البرهان: ج1 ص187. والاتقان ج1 ص9.
كان المسلمون يتحرّجون العي بين الصفا والمروة، زعما أنّها عادة جاهليّة تكريماً بمقام أساف وفائلة، فنزلت الآية دفعاً لهذا الوهم. راجع مجمع البيان: ج1 ص240.

لم نجد في سورة مكيّة (يا ايها الذين آمنوا) نعم فيها كثير ذكر (الذي آمنوا) بلاخطاب. كما في سورة ص والزمر و غافر وفصلت وغيرها.

راجع البرهان: ج1 ص190-192.

البقرة: 158

البقرة: 21.

البقرة: 168.

النساء: 1.

النساء: 13.


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام

وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 08-30-2010, 09:06 PM   رقم المشاركة : 2
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته



معنى المكي والمدني

يقسم القرآن في عرف علماء التفسير إلى مكي ومدني فبعض آياته مكية وبعض آياته مدنية وتوجد في التفسير اتجاهات عديدة لتفسير هذا المصطلح احدهما الاتجاه السائد وهو تفسيره على أساس الترتيب الزماني للآيات واعتبار الهجرة حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين فكل آية نزلت قبل الهجرة تعتبر مكية وكل آية نزلت بعد الهجرة فهي مدنية وان كان مكان نزولها مكية كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكة وقت الفتح فالمقياس هو الناحية الزمنية لا المكانية.

والاتجاه الآخر هو الأخذ بالناحية المكانية مقياساً للتميز بين المكي والمدني فكل آية يلاحظ مكان نزولها فان كان النبي (ص) حين نزولها في مكة سميت مكية وان كان حينذاك في المدينة سميت مدنية.

والاتجاه الثالث يقوم على أساس مراعاة أشخاص المخاطبين فهو يعتبر أن المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة والمدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة.

ويمتاز الاتجاه الأول عن الاتجاهين الأخيرين بشمول المكي والمدني على أساس الاتجاه الأول لجميع آيات القرآن لأننا إذا أخذنا بالناحية الزمنية كانت كل آية في القرآن إما مكية وإما مدنية لأنها إذا كانت نازلة قبل هجرة النبي إلى المدينة ودخوله إليها فهي مكية وان نزلت على النبي في طريقه من مكة إلى المدينة وإذا كانت نازلة بعد دخول النبي مهاجراً إلى المدينة فهي مدنية مهما كان مكان نزولها وإما على الاتجاهين الأخيرين في تفسير المصطلح فقد نجد آية ليست مكية ولا مدنية كما إذا كان موضع نزولها مكاناً ثالثاً لا مكة ولا المدينة ولم يكن خطابها لأهل مكة أو أهل المدينة نظير الآيات التي نزلت على النبي (ص) في معراجه أو إسرائه.

الترجيح بين الاتجاهات الثلاثة:
وإذا أردنا أن نقارن بين هذه الاتجاهات الثلاثة لنختار واحداً منها فيجب أن نطرح منذ البدء الاتجاه الثالث لأنه يقوم على أساس خاطئ وهو الاعتقاد بان من الآيات ما يكون خطاباً لأهل مكة خاصة ومنها ما يكون خطاباً لأهل المدينة وليس هذا بصحيح فان الخطابات القرآنية عامة وانطباقها حين نزولها على أهل مكة أو على أهل المدينة لا يعني كونها خطاباً لهم خاصة أو اختصاص ما تشتمل عليه من توجيه أو نصح أو حكم شرعي بهم بل هي عامة ما دام اللفظ فيها عاماً.

والواقع إن لفظ المكي والمدني ليس لفظاً شرعياً حدد النبي مفهومه لكي نحاول اكتشاف ذلك المفهوم وإنما هو مجرد اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير وما من ريب في إن كل احد له الحق في إن يصطلح كما يشاء ولا نريد هنا إن نخطئ الاتجاه الأول أو الاتجاه الثاني مادام لا يعبر كل منهما إلا عن اصطلاح من حق أصحاب ذلك الاتجاه أن يضعوه ولكنا نرى أن وضع مصطلح المكي والمدني على أساس الترتيب الزمني كما يقرره الاتجاه الأول انفع وأفيد للدراسات القرآنية لان التمييز من ناحية زمنية بين ما انزل من القرآن قبل الهجرة وما انزل بعدها أكثر أهمية للبحوث القرآنية من التمييز على أساس المكان بين ما انزل على النبي في مكة وما انزل عليه في المدينة فكان جعل الزمن أساساً للتمييز بين المكي والمدني واستخدام هذا المصطلح لتحديد الناحية الزمنية أوفق بالهدف.

وتتجلى أهمية التمييز الزمني من التمييز المكاني في نقطتين إحداهما فقهية أي أنها ترتبط بعلم الفقه ومعرفة الأحكام الشرعية وهي أن تقسيم الآيات على أساس الزمن إلى مكية ومدنية وتحديد ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعد الهجرة يساعدنا على معرفة الناسخ والمنسوخ لان الناسخ متأخر بطبيعيته على المنسوخ زماناً فإذا وجدنا حكمين ينسخ احدهما الآخر استطعنا أن نعرف الناسخ عن طريق التوقيت الزمني فيكون المدني منهما ناسخاً للمكي لأجل تأخره عنه زماناً.

والأخرى هي إن التقسيم الزمني للآيات إلى مكية ومدنية يجعلنا نتعرف على مراحل الدعوة التي مر بها الإسلام على يد النبي فان الهجرة المباركة ليست مجرد حادث عابر في حياة الدعوة وإنما هي حد فاصل بين مرحلتين من عمر الدعوة وهما مرحلة العمل الفردي ومرحلة العمل ضمن دولة ولئن كان بالإمكان تقسيم كل من هاتين المرحلتين بدورها أيضا فمن الواضح على أي حال إن التقسيم الرئيسي هو التقسيم على أساس الهجرة فإذا ميزنا بين الآيات النازلة قبل الهجرة وما نزل منها بعد الهجرة استطعنا أن نواكب تطورات الدعوة والخصائص العامة التي تجلت فيها خلال كل من المرحلتين.

وإما مجرد اخذ مكان النزول بعين الاعتبار وإهمال عامل الزمن فهو لا يمدنا بفكرة مفصلة عن هاتين المرحلتين ويجعلنا نخلط بينهما كما يحرمنا من تمييز الناسخ عن المنسوخ من الناحية الفقهية.

فلهذا كله نؤثر الاتجاه الأول في تفسير المكي والمدني وعلى هذا الأساس سوف نستعمل هذين المصطلحين.

المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم.


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام

وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 08-31-2010, 12:55 AM   رقم المشاركة : 3
نورانية بروح علي (ع)
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية نورانية بروح علي (ع)








نورانية بروح علي (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,

دروس مفيده و مهمه و قد استفدتُ منها كثيراً .,

أحسنتم و بارك الله فيكم غاليتي .,

بإنتظار البقيه ....

وفقكم الله .. حفظكم من كل سوء .,







التوقيع

رُوي عن جدي النبي (صل الله عليه و آله):

(إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خُلقاً، وأشدكم تواضعاً)


رُوي عن الإمام الجواد سلام الله عليه :

( تَوسَّدِ الصَّبر ، واعتَنِقِ الفَقر ، وارفضِ الشَّهَوَات ، وخَالف الهوى ، واعلَم أَنَّكَ لَن تَخلُو مِن عَينِ الله ، فانظُر كَيفَ تَكُون )


قال جدي الإمام الصادق سلام الله عليه : ( إنا أهل بيتٍ لا نزداد مع الإساءةِ إلا إحسانا)


اللهمّ قنّعْني بما رزقتَني، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني. اللهمّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي، وما قدّرتَه عليّ فاجعلْه ميسّراً سهلا. اللهمّ كافِ عنّي والدَيَّ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيّ خيرَ مكافأة. اللهمّ فرّغْني لِما خلقتَني له، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به، ولا تعذّبْني وأنا أستغفرك، ولا تحرْمني وأنا أسألك .

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
  رد مع اقتباس
قديم 09-02-2010, 02:04 AM   رقم المشاركة : 4
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اختنا الفاضله :

الحمد والشكر لله رب العالمين .

حفظكم الرحمن من كل شر وبلاء .

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام

وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم







التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-02-2010, 03:18 AM   رقم المشاركة : 5
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته




طريقة معرفة المكي والمدني


بدأ المفسرون عند محاولة التمييز بين المكي والمدني بالاعتماد على الروايات والنصوص التاريخية التي تؤرخ السورة أو الآية وتشير إلى نزولها قبل الهجرة أو بعدها وعن طريق تلك الروايات والنصوص التي تتبعها المفسرون واستوعبوها استطاعوا أن يعرفوا عدداً كبيراً من السور والآيات المكية والمدنية ويميزوا بينها.

وبعد أن توفرت لهم المعرفة بذلك اتجه كثير من المفسرين الذين عنوا بمعرفة المكي والمدني إلى دراسة مقارنة لتلك الآيات والسور المكية والمدنية التي اكتشفوا تأريخها عن طريق النصوص وخرجوا من دراستهم المقارنة باكتشاف خصائص عامة في السور والآيات المكية وخصائص عامة أخرى في المدني من الآيات والسور فجعلوا من تلك الخصائص العامة مقاييس يقيسون بها سائر الآيات والسور التي لم يؤثر توقيتها الزمني في الروايات والنصوص فما كان منها يتفق مع الخصائص العامة للآيات والسور المكية حكموا بأنه مكي وما كان اقرب إلى الخصائص العامة للمدني وأكثر انسجاماً معها أدرجوه ضمن المدني من الآيات بالسور.

وهذه الخصائص العامة التي حددت المكي والمدني بعضها يرتبط بأسلوب الآية والسورة كقولهم إن قصر الآيات والسور وتجانسها الصوتي من خصائص القسم المكي وبعضها يرتبط بموضوع النص القرآني كقولهم مثلاً أن مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم من خصائص السور المكية.

ويمكن تلخيص ما ذكروه من الخصائص الأسلوبية والموضوعية للقسم المكي فيما يأتي: -
1 - قصر الآيات والسور وإيجازها وتجانسها الصوتي.
2 - الدعوة إلى أصول الإيمان بالله واليوم الآخر وتصوير الجنة والنار.
3 - الدعوة للتمسك بالأخلاق الكريمة والاستقامة على الخير.
4 - مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم.
5 - استعمال السورة لكلمة يا أيها الناس وعدم استعمالها لكلمة يا أيها الذين آمنوا.

وقد لوحظ ان سورة الحج تستثنى من ذلك لانها استعملت الكلمة الثانية بالرغم من انها مكية فهذه الخصائص الخمس يغلب وجودها في السور المكيّة.

وأما ما يشيع في القسم المدني من خصائص عامة فهي: -
1 - طول السورة والآية وإطنابها.
2 - تفصيل البراهين والأدلة على الحقائق الدينية.
3 - مجادلة أهل الكتاب ودعوتهم إلى عدم الغلو في دينهم.
4 - التحدث عن المنافقين ومشاكلهم.
5 - التفصيل لإحكام الحدود والفرائض والحقوق والقوانين السياسية والاجتماعية والدولية.

موقفنا من هذه الخصائص
وما من ريب في أن هذه المقاييس المستمدة من تلك الخصائص العامة تلقي ضوءاً على الموضوع وقد تؤدي إلى ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر في السور التي لم يرد نص بأنها مكية أو مدنية فإذا كانت إحدى هذه السور تنفق مثلاً مع السور في أسلوبها وإيجازها وتجانسها الصوتي وتنديدها بالمشركين وتسفيه أحلامهم فالأرجح أن تكون سورة مكية لاشتمالها على هذه الخصائص العامة للسورة المكية.

ولكن الاعتماد على تلك المقاييس إنما يجوز إذا أدت إلى العلم ولا يجوز الأخذ بها لمجرد الظن ففي المثال المتقدم حين نجد سورة تتفق مع السور المكية في أسلوبها وإيجازها لا نستطيع أن نقول بأنها مكية لأجل ذلك إذ من الممكن أن تنزل سورة مدنية وهي تحمل بعض خصائص الأسلوب الشائع في القسم المكي، صحيح انه يغلب على الظن ان السورة مكية لقصرها وإيجازها ولكن الأخذ بالظن لا يجوز لأنه قول من دون علم.

وأما إذا أدت تلك المقاييس إلى الاطمئنان والتأكد من تاريخ السورة وإنها مكية أو مدنية فلا بأس بالاعتماد عليها عند ذاك ومثاله النصوص القرآنية التي تشتمل على تشريعات للحرب والدولة مثلاً فان هذه الخصيصة الموضوعية تدل على أن النص مدني لان طبيعة الدعوة في المرحلة الأولى التي عاشتها قبل الهجرة لا تنسجم إطلاقا مع التشريعات الدولية فنعرف من اجل هذا إن النص مدني نزل في المرحلة الثانية من الدعوة أي في عصر الدولة.

المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم.

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-03-2010, 09:12 PM   رقم المشاركة : 6
نورانية بروح علي (ع)
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية نورانية بروح علي (ع)








نورانية بروح علي (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,

سلمت روحكم الطاهرة .,

لا حرمنا من فيض عطائكم المميز و المفيد .,

نسألكم الدعاء ... وفقكم الله .,







التوقيع

رُوي عن جدي النبي (صل الله عليه و آله):

(إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خُلقاً، وأشدكم تواضعاً)


رُوي عن الإمام الجواد سلام الله عليه :

( تَوسَّدِ الصَّبر ، واعتَنِقِ الفَقر ، وارفضِ الشَّهَوَات ، وخَالف الهوى ، واعلَم أَنَّكَ لَن تَخلُو مِن عَينِ الله ، فانظُر كَيفَ تَكُون )


قال جدي الإمام الصادق سلام الله عليه : ( إنا أهل بيتٍ لا نزداد مع الإساءةِ إلا إحسانا)


اللهمّ قنّعْني بما رزقتَني، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني. اللهمّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي، وما قدّرتَه عليّ فاجعلْه ميسّراً سهلا. اللهمّ كافِ عنّي والدَيَّ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيّ خيرَ مكافأة. اللهمّ فرّغْني لِما خلقتَني له، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به، ولا تعذّبْني وأنا أستغفرك، ولا تحرْمني وأنا أسألك .

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
  رد مع اقتباس
قديم 09-09-2010, 05:39 AM   رقم المشاركة : 7
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي الفروق الحقيقية بين المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الفروق الحقيقية بين المكي والمدني

ولم نجد في الشبهات التي تناولناها ولا نجد في غيرها ما يمكنه أن يصمد أمام النقد العلمي أو الدرس الموضوعي ومن كل ذلك يجدر بنا أن نقدم تفسيراً منطقياً لظاهرة الفرق بين القسم المكي والقسم المدني وان كنا قد المحنا إلى جانب من هذا التفسير عندما تناولنا الشبهات بالنقد والمناقشة.

ويحسن بنا أن نذكر الفروق الحقيقية التي امتاز بها المكي عن المدني سواء ما يتعلق بالأسلوب أو بالموضوع الذي تناوله القرآن. ثم نفسر هذه الفروق على أساس الفكرة التي اشرنا إليها في صدر البحث والتي تقول أن هذه الفروق كانت نتيجة لمراعاة ظروف الدعوة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. لان الهدف والغاية يلقيان - في كثير من الأحيان - بظلهما على طريق العرض والمادة المعروضة.

وتلخص هذه الفروق والخصائص التي يمتاز بها المكي عن المدني غالباً بالأمور التالية: (1)

1 - إن المكي عالج بشكل أساسي مبادئ الشرك والوثنية وأسسها النفسية والفكرية ومؤداها الأخلاقي والاجتماعي.

2 - وقد أكد على ما في الكون من بدائع الخلقة وعجائب التكوين الأمر الذي يشهد بوجود الخالق المدبر لها. كما أكد على عالم الغيب والبعث والجزاء والوحي والنبوات وشرح ما يرتبط بذلك من أدلة وبراهين كما خاطب الوجدان الإنساني وما أودعه اللّه فيه من عقل وحكمة وشعور.

3 - والى جانب ذلك تحدث عن الأخلاق بمفاهيمها العامة مع ملاحظة الجانب التطبيقي منها وحذر من الانحراف فيها كالكفر والعصيان والجهل والعدوان وسفك الدماء ووأد البنات واستباحة الأعراض واكل أموال اليتامى.. إلى غير ذلك وعرض إلى جانب ذلك الوجه الصحيح للأخلاق كالإيمان باللّه والطاعة له والعلم والمحبة والرحمة والعفو والصبر والإخلاص واحترام الآخرين وبر الوالدين وإكرام الجار ونظافة اللسان والصدق في المعاملة والتوكل على اللّه وغير ذلك.

4 - وقد تحدث عن قصص الأنبياء والرسل والمواقف المختلفة التي كانوا يواجهونها من قبل أقوامهم وأممهم وما يستنبط من ذلك من العبر والمواعظ.

5 - انه سلك طريق الإيقاع الصوتي والإيجاز في الخطاب سواء في الآيات أو السور ويكاد أن يكون المدني بخلاف ذلك على الغالب وان كان قد امتاز بالأمرين التاليين:

أ - دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام مع مناقشتهم وبيان انحرافهم عن العقيدة والمناهج الحقة التي أنزلت على أنبيائهم.

ب - بيان التفصيلات في التشريع والنظام ومعالجة مشاكل العلاقات المختلفة في المجتمع الإنساني.


التفسير الصحيح للفرق بين المكي والمدني

وحين نريد ان ندرس ظاهرة الفرق بين المكي والمدني من خلال هذه الخصائص والميزات نجد:

أولا:إن الدعوة الإسلامية بدأت في مكة وعاشت فيها ثلاث عشرة سنة وهذه الفترة منسوبة إلى زمن نزول القرآن تعتبر في الحقيقة فترة إرساء أسس العقيدة الإسلامية بجوانبها المختلفة سواء ما يتعلق بالجانب الإلهي أو الغيبي أو الأخلاقي أو الاجتماعي وسواء ما يتعلق بالجانب الايجابي كعرض مفاهيمها عن الكون والحياة والأخلاق والمجتمع أو ما يتعلق بالجانب السلبي كمناقشة الأفكار الكافرة التي كانت تسود المجتمع آنذاك.

وهذه الحقيقة تفرض - بطبيعة الحال - أن يكون القسم المكي أكثر شمولاً واتساعاً من جانب وان يكون مرتبطاً بمادته وموضوعاته بالأسس والركائز للرسالة الجديدة من جانب آخر. وهذا هو الذي يفسر لنا غلبة المكي على المدني من الناحية الكمية مع إن الفترة المدنية تبدو - تاريخياً - وكأنها زاخرة بالأحداث الجسام والمجتمع المدني أكثر تعقيداً ومشاكل. كما أن هذا بنفسه بالإضافة إلى الفكرة التي اشرنا إليها وهي مراعاة الظروف التي تسير بها الدعوة يفسر لنا هذه الخصائص والميزات التي غلبت على المكي من جانب والمدني من جانب آخر.

فأما بالنسبة إلى الخصيصة الأولى: نلاحظ أن المجتمع المكي كان مجتمعاً يتسم بطابع الوثنية في الجانب العقيدي بالإضافة إلى أن إيضاح الموقف تجاهها يشكل نقطة أساسية في القاعدة للرسالة الجديدة لأنها تتنبى التوحيد الخالص كأساس لكل جوانبها وتفصيلاتها الأخرى. فكان من الطبيعي التأكيد على فكرة رفض الشرك والوثنية والدخول في مناقشة طويلة معها بشتى الأساليب والطرق.

وبالنسبة إلى الخصيصة الثانية: نلاحظ أن المجتمع المكي لم يكن يؤمن بفكرة الإله الواحد كما لا يؤمن بعوالم الغيب والبعث والجزاء والوحي وغير ذلك وهذه الأفكار من القواعد الأساسية للرسالة والعقيدة الإسلامية بالإضافة إلى إن مجتمع أهل الكتاب كان يؤمن بهذه الأصول جميعها. فكان من الضروري أن يؤكد القسم المكي على ذلك انسجاماً مع طبيعة المرحلة المكية التي تعتبر مرحلة متقدمة كما إن بيانها في هذه المرحلة يجعل المرحلة الثانية في غنى عن بيانها مرة أخرى.

وبالنسبة إلى الخصيصة الثالثة: فلعل التأكيد على الأخلاق في القسم المكي دون المدني كان بسبب العوامل الثلاثة التالية:

أ - إن الأخلاق تعتبر قاعدة النظام الاجتماعي فالتأكيد عليها يعني في الحقيقة إرساء لقاعدة النظام الاجتماعي الذي يستهدفه القرآن.

ب - كما أن الدعوة كانت بحاجة - من اجل نجاحها - إلى استثارة العواطف الإنسانية الخيرة ليكون نفوذها في المجتمع وتأثيرها في الأفراد عن طريق مخاطبة هذه العواطف والأخلاق هي الأساس الحقيقي لكل هذه العواطف وهي الرصيد الذي يمدها بالحياة والنمو.

ج - إن المجتمع المدني كان يمارس الأخلاق من خلال التطبيق الذي كان يباشره الرسول محمد (ص) بنفسه فلم يكن بحاجة كبيرة إلى التأكيد على المفاهيم الأخلاقية على العكس من المجتمع المكي الذي كان يعيش فيه المسلمون حياة الاضطهاد وكان يمارس التطبيق فيه الأخلاق الجاهلية.

وبالنسبة إلى الخصيصة الرابعة: نجد القصص تتناول من حيث الموضوع أكثر النواحي التي عالجها القرآن الكريم من العقيدة بالإله الواحد وعالم الغيب والوحي والأخلاق والبعث والجزاء بالإضافة إلى أنها تصور المراحل المتعددة للدعوة والمواقف المختلفة منها والقوانين الاجتماعية التي تتحكم فيها وفي نتائجها والمصير الذي يواجهه أعداؤها والى جانب ذلك تعتبر القصة في القرآن أحد أسباب الإعجاز فيه وأحد الأدلة على ارتباطه بالسماء.

وكل هذه الأمور لها صلة وثيقة بالظروف التي كانت تمر بها الدعوة في مكة ولها تأثير كبير في تطويرها لصالح الدعوة وأهدافها الرئيسية.

ومع كل هذا لم يهمل القسم المدني القصة مطلقة بل تناولها بالشكل الذي ينسجم مع طبيعة المرحلةالتي تمر بها كما سوف نتعرف على ذلك عند دراستنا للقصة.

وبالنسبة إلى الخصيصة الخامسة: فقد كان لها ارتباط وثيق بجوانب مرحلية وإعجازية لأن المرحلة كانت تفرض كسر طوق الأفكار الجاهلية الذي كان مضروباً على المجتمع فكان لهذا الأسلوب الصاعق الحاد تأثير فعال في تذليل الصعوبات وتحطيم معنويات المقاومة العنيفة.

وحين يتحدى القرآن الكريم العرب في أن يأتوا بسورة منه يكون الإيجاز في السورة ابلغ في إيضاح الإعجاز القرآني وأعمق تأثيراً وأبعد مدى.

وقد كانت المعركة إلى ذلك كله في أولها معركة شعارات وتوطيد مفاهيم عامة عن الكون والحياة والإيجاز والقصر ينسجم مع واقع المعركة وإطارها أكثر من الدخول في تفصيلات واسعة ولهذا نشاهد السور القصيرة تمثل المرحلة الأولى تقريباً من مراحل القسم المكي.

وهذه الملاحظات لم تكن تتوفر في مجتمع المدينة بعد أن أصبح الإسلام هو الحاكم المسيطر على المجتمع وبعد أن أصبحت مسألة الوحي والاتصال بالسماء مسألة واضحة وبعد ان جاء دور آخر للمعركة يفرض أسلوبا آخر في العرض والبيان.

ومن هذا الدرس لخصائص ومميزات القسم المكي تتضح مبررات خصائص القسم المدني من الدخول في تفصيلات الأحكام الشرعية والأنظمة الاجتماعية أو مناقشة أهل الكتاب في عقائدهم وانحرافاتهم. حيث فرضت ظروف الحكم في المدينة. والحاجة إلى تنظيم العلاقات بين الناس إلى بيان هذه التفصيلات في الأنظمة. كما أن المعركة في المدينة انتقلت من الأصول والأسس العامة للعقيدة إلى جوانب تفصيلية منها ترتبط بحدودها وأشكالها وبالعمل على تقويم الانحراف الذي وضعه أهل الكتاب فيها.

وبهذا نفسر الفرق بين المكي والمدني بالشكل الذي ينسجم مع فكرتنا عن القرآن وفكرتنا عن مراعاته للظروف من اجل تحقيق اهدافه وغاياته.

المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم


--------------------------------------------------------------------------------

1- سبق أن اشرنا إلى هذه الميزات وغيرها عند البحث عن المكي والمدني.



وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-09-2010, 05:43 AM   رقم المشاركة : 8
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت البتول الطاهرة مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,

سلمت روحكم الطاهرة .,

لا حرمنا من فيض عطائكم المميز و المفيد .,

نسألكم الدعاء ... وفقكم الله .,

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اختنا الفاضله :

بارك الله فيكم على حسن المتابعه ونسأل الله بحق شهر رمضان أن تُقضى فيه حوائجكم بحق القرآن والعتره الطاهره يارب العالمين ..


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-09-2010, 05:58 AM   رقم المشاركة : 9
نورانية بروح علي (ع)
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية نورانية بروح علي (ع)








نورانية بروح علي (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,

أحسنتم عزيزتي و بارك الله فيكم .,

بإنتظار فيضكم النوراني دائماً .,

حفظكم الله من كل سوء .. بالتوفيق يا رب بحق محمد و آله الأطهار .,

لا حول و لا قوة الإ بالله العلي العظيم







التوقيع

رُوي عن جدي النبي (صل الله عليه و آله):

(إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خُلقاً، وأشدكم تواضعاً)


رُوي عن الإمام الجواد سلام الله عليه :

( تَوسَّدِ الصَّبر ، واعتَنِقِ الفَقر ، وارفضِ الشَّهَوَات ، وخَالف الهوى ، واعلَم أَنَّكَ لَن تَخلُو مِن عَينِ الله ، فانظُر كَيفَ تَكُون )


قال جدي الإمام الصادق سلام الله عليه : ( إنا أهل بيتٍ لا نزداد مع الإساءةِ إلا إحسانا)


اللهمّ قنّعْني بما رزقتَني، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني. اللهمّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي، وما قدّرتَه عليّ فاجعلْه ميسّراً سهلا. اللهمّ كافِ عنّي والدَيَّ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيّ خيرَ مكافأة. اللهمّ فرّغْني لِما خلقتَني له، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به، ولا تعذّبْني وأنا أستغفرك، ولا تحرْمني وأنا أسألك .

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
  رد مع اقتباس
قديم 09-10-2010, 05:46 AM   رقم المشاركة : 10
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي ترتيب نزول سور القرآن المباركة

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




ترتيب نزول سور القرآن المباركة


اعتمدنا في هذا العرض على عدة روايات متفق عليها. وثق بها العلماء أكثريا، وعمدتها رواية ابن عباس بطرق وأسانيد اعترف بها أئمّة الفنّ(1).

قال الإمام بدر الدين الزركشي: وعلى هذا الترتيب استقرت الرواية من الثقات(2). وقد أخذناها الأصل الأول في هذا العرض، واكملنا ما سقط منها على رواية جابر بن زيد وغيره، وكذا نصوص تاريخيّة معتمدة(3)، نعم كان بينها بعض الاختلاف إمّا للاختلاف في تحديد المكيّ والمدنيّ، أو في عدد المكيّات من الدنيّات، ومن ثم جاء اختلافهم في نيف وثلاثين سورة: أنّها مكيات أم مدنيّات.

والنظر في هذا العرض كان الى مفتتح السور، فالسورة إذا نزلت من أوّلها بضع آيات، ثم نزلت أُخرى،وبعدها اكتملت الأُولى،كانت الأُولى متقدّمة على الثانية في ترتيب النزول حسب هذا المصطلح.

وإليك قائمة السور المكيّة، وعددها: ست وثمانون سورة. متقدّمة على السور المدنيّة، وعددها: ثمان وعشرون سورة. مع غضّ النظر عن سور مختلف فيها، وسنتكلّم عن ذلك في فصل قادم.




قائمة السور المكية:

ترتيب النزول
السورة
ترتيب المصحف
1
العلق
96
2
القلم
68
3
المزمّّل
73
4
المدّثر
74
5
الفاتحة(4)
1
6
المسد
111
7
التكوير
81
8
الأعلى
87
9
الليل
92
10
الفجر
89
11
الضحى
93
12
الشرح
94
13
العصر
103
14
العاديات
100
15
الكوثر
108
16
التكاثر
102
17
الماعون
107
18
الكافرون
109
19
الفيل
105
20
الفلق
113
21
الناس
114
22
التوحيد
112
23
النجم
53
24
عبس
80
25
القدر
97
26
الشمس
91
27
البروج
85
28
التين
95
29
قريش
106
30
القارعة
101
31
القيامة
75
32
الهمزة
104
33
المرسلات
77
34
ق
50
35
البلد
90
36
الطارق
86
37
القمر
54
38
ص
38
39
الأعراف
7
40
الجن
72
41
يس
36
42
الفرقان
25
43
فاطر
35
44
مريم
19
45
طه
20
46
الواقعة
56
47
الشعراء
26
48
النمل
27
49
القصص
28
50
الإسراء
10
51
يونس
10
52
هود
11
53
يوسف
12
54
الحجر
15
55
الأنعام
6
56
الصافّات
37
57
لقمان
31
58
سبأ
34
59
الزمر
39
60
غافر
40
61
فصّلت
41
62
الشورى
42
63
الزخرف
43
64
الدخان
44
65
الجاثية
45
66
الأحقاف
46
67
الذاريات
51
68
الغاشية
88
69
الكهف
18
70
النحل
16
71
نوح
71
72
إبراهيم
14
73
الأنبياء
21
74
المؤمنون
23
75
السجدة
32
76
الطور
52
77
الملك
67
78
الحاقّة
69
79
المعارج
70
80
النبأ
78
81
النازعات
79
82
الانفطار
82
83
الانشقاق
84
84
الروم
30
85
العنكبوت
29
86
المطففين
83


قائمة السور المدنيّة:

ترتيب النزول
السورة
ترتيب المصحف
87
البقرة
2
88
الأنفال
8
89
آل عمران
3
90
الأحزاب
33
91
الممتحنة
60
92
النساء
4
93
الزلزال
99
94
الحديد
57
95
محمد
47
96
الرعد
13
97
الرحمان
55
98
الإنسان
76
99
الطلاق
65
100
البيّنة
98
101
الحشر
59
102
النصر
110
103
النور
24
104
الحج
22
105
المنافقون
63
106
المجادلة
58
107
الحجرات
49
108
التحريم
66
109
الجمعة
62
110
التغابن
64
111
الصف(5)
61
112
الفتح
48
113
المائدة(6)
5
114
براءة
9

المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة


1- راجع مجمع البيان: ج10 ص405-406. والإتقان: ج1 ص10-11 و25.

2- البرهان: ج1 ص193-194.

3- راجع الفهرست: ص28، وتاريخ اليعقوبي: ج2 ص28.

4- سقطت الفاتحة من رواية ابن عباس، فأثبتناها على رواية جابر بن زيد: الإتقان: ج1 ص25 وعلى نصّ تاريخ اليعقوبي: ج2 ص26.

5 - جعل الزركشي في البرهان سورة الصف بعد التحريم وقبل الجمعة.

6 - قدّم الزركشي في البرهان البراءة على المائدة، وجعل هذه الأخيرة آخر السور.



وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-10-2010, 06:07 AM   رقم المشاركة : 11
نورانية بروح علي (ع)
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية نورانية بروح علي (ع)








نورانية بروح علي (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,

أحسنتم عزيزتي و بارك الله فيكم .,

لا حرمنا منكم و لا من فيضكم .,

وفقكم الله .,

لا حول و لا قوة الإ بالله العلي العظيم







التوقيع

رُوي عن جدي النبي (صل الله عليه و آله):

(إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خُلقاً، وأشدكم تواضعاً)


رُوي عن الإمام الجواد سلام الله عليه :

( تَوسَّدِ الصَّبر ، واعتَنِقِ الفَقر ، وارفضِ الشَّهَوَات ، وخَالف الهوى ، واعلَم أَنَّكَ لَن تَخلُو مِن عَينِ الله ، فانظُر كَيفَ تَكُون )


قال جدي الإمام الصادق سلام الله عليه : ( إنا أهل بيتٍ لا نزداد مع الإساءةِ إلا إحسانا)


اللهمّ قنّعْني بما رزقتَني، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني. اللهمّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي، وما قدّرتَه عليّ فاجعلْه ميسّراً سهلا. اللهمّ كافِ عنّي والدَيَّ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيّ خيرَ مكافأة. اللهمّ فرّغْني لِما خلقتَني له، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به، ولا تعذّبْني وأنا أستغفرك، ولا تحرْمني وأنا أسألك .

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
  رد مع اقتباس
قديم 09-10-2010, 09:22 AM   رقم المشاركة : 12
نور القائم (عج)
مـراقـبة عامة ( شؤون إدارية )
 
الصورة الرمزية نور القائم (عج)








نور القائم (عج) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله فالق النور.,
اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.,
أحسنت ِ أختي الكريمة ., بارك الله بك.
من المتابعين لكم إن شاءالله
وفقكم الله







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم

الَلهّمّ صَلّ عَلَىَ محمد وآل مُحَّمدْ الَطَيبيِن الطَاهرين الأشْرَافْ وَعجَّل فَرَجَهُم ياَكَرِيمَ..
السلام عليكَ سَيدي ومَوْلاي يا بَقـِيةَ اللهِ في أَرْضِهِ وَرَحْمَةُ الله وبركاته.

فأُطالبكَ يا الهي أن ترزقني شهادةً مُطَهِّرَةً أنا اخترتُها لنفسي كفارةً عن ذنبي، شهادةً قلّ نظيرُها يتفتتُ فيها جسدي و تنال كل جارِحة من جوارحي ما تستحقُّه من القصاصِ و العقوبةِ و بعدها يا ربِّ يصبحُ حتماً أن تسكنني بجِوارِكَ و جِوارِ أولِيائكَ

كن مع الله يكن الله معك

  رد مع اقتباس
قديم 09-13-2010, 02:10 AM   رقم المشاركة : 13
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



قائمة السور مرتبة على حروف التهجي


وإليك قائمة أُخرى مرتّبة على حروف التهجّي، والرقم يشير إلى ترتيب السورة في المصحف:


حرف الألف


3- آل عمران

مدنيّة


نزلت بعد الأنفال
14- إبراهيم

مكيّة


نزلت بعد نوح
33- الأحزاب

مدنيّة


نزلت بعد آل عمران
46- الأحقاف

مكيّة


نزلت بعد الجاثية
17- الإسراء

مكيّة


نزلت بعد القصص
7- الأعراف

مكيّة


نزلت بعد ص
87- الأعلى

مكيّة


نزلت بعد التكوير
21- الأنبياء

مكيّة


نزلت بعد إبراهيم
76- الإنسان

مدنيّة


نزلت بعد الرحمان
84- الانشقاق

مكيّة


نزلت بعد الانفطار
6- الأنعام

مكيّة


نزلت بعد الحجر
8- الأنفال

مدنيّة


نزلت بعد البقرة
82- الانفطار

مكيّة


نزلت بعد النازعات



حرف الباء


9- براءة
مدنيّة
نزلت بعد المائدة
85- البروج
مكيّة
نزلت بعد الشمس
2- البقرة
مدنيّة
نزلت بعد المطففين
90- البلد
مكيّة
نزلت بعد ق
98- البيّنة
مدنيّة
نزلت بعد الطلاق



حرف التاء


66- التحريم


مدنيّة


نزلت بعد الحجرات


64- التغابن


مدنيّة


نزلت بعد الجمعة


102- التكاثر


مكيّة


نزلت بعد الكوثر


81- التكوير


مكيّة


نزلت بعد المسد


112- التوحيد


مكيّة


نزلت بعد الناس


95- التين


مكيّة


نزلت بعد البروج



حرف الجيم


45- الجاثية
مكيّة
نزلت بعد الدخان
62- الجمعة
مدنيّة
نزلت بعد التحريم
72- الجن
مكيّة
نزلت بعد الأعراف



حرف الحاء


69- الحاقّة
مكيّة
نزلت بعد الملك
22- الحجّ
مدنيّة
نزلت بعد النور
15- الحجر
مكيّة
نزلت بعد يوسف
49- لحجرات
مدنيّة
نزلت بعد المجادلة
57- الحديد
مدنيّة
نزلت بعد الزلزال
59- الحشر
مدنيّة
نزلت بعد البيّنة



حرف الدال


44- الدخان
مكيّة
نزلت بعد الزخرف



حرف الحاء


51- الذاريات
مكيّة
نزلت بعد الأحقاف



حرف الراء


55- الرحمان
مدنيّة
نزلت بعد الرعد
13- الرعد
مدنيّة
نزلت بعد محمد
30- الروم
مكيّة
نزلت بعد الانشقاق



حرف الزاي


43- الزخرف
مكيّة
نزلت بعد الشورى
99- الزلزال
مدنيّة
نزلت بعد النساء
39- الزمر
مكيّة
نزلت بعد سبأ



حرف السين


34- سبأ
مكيّة
نزلت بعد لقمان
32- السجدة
مكيّة
نزلت بعد المؤمنون



حرف الشين


94- الشرح
مكيّة
نزلت بعد الضحى
26- الشعراء
مكيّة
نزلت بعد الواقعة
91- الشمس
مكيّة
نزلت بعد القدر
42- الشورى
مكيّة
نزلت بعد فصّلت



حرف الصاد


38- ص
مكيّة
نزلت بعد القمر
37- الصافّات
مكيّة
نزلت بعد الأنعام
61- الصفّ
مدنيّة
نزلت بعد التغابن



حرف الضاد


93- الضحى
مكيّة
نزلت بعد الفجر



حرف الطاء


86- الطارق
مكيّة
نزلت بعد البلد
20- طه
مكيّة
نزلت بعد مريم
65- الطلاق
مدنيّة
نزلت بعد الإنسان
52- الطور
مكيّة
نزلت بعد السجدة



حرف العين


100-العاديات
مكيّة
نزلت بعد العصر
80- عبس
مكيّة
نزلت بعد النجم
103- العصر
مكيّة
نزلت بعد الشرح
96- العلق
مكيّة
هي أوّل ما نزلت
29- العنكبوت
مكيّة
نزلت بعد الروم



حرف الغين


88- الغاشية
مكيّة
نزلت بعد الذاريات
40- غافر
مكيّة
نزلت بعد الزمر



حرف الفاء


1- الفاتحة
مكيّة
نزلت بعد المدّثر
35- فاطر
مكيّة
نزلت بعد الفرقان
48- الفتح
مدنيّة
نزلت بعد الصف
89- الفجر
مكيّة
نزلت بعد الليل
25- الفرقان
مكيّة
نزلت بعد يس
41- فصّلت
مكيّة
نزلت بعد غافر
113- الفلق
مكيّة
نزلت بعد الفيل
105- الفيل
مكيّة
نزلت بعد الكافرون



حرف القاف


50- ق
مكيّة
نزلت بعد المرسلات
101- القارعة
مكيّة
نزلت بعد قريش
97- القدر
مكيّة
نزلت بعد عبس
106- قريش
مكيّة
نزلت بعد التين
28- القصص
مكيّة
نزلت بعد النمل
68- القلم
مكيّة
نزلت بعد العلق
54- القمر
مكيّة
نزلت بعد الطارق
75- القيامة
مكيّة
نزلت بعد القارعة



حرف الكاف


109- الكافرون
مكيّة
نزلت بعد الماعون
18- الكهف
مكيّة
نزلت بعد الغاشية
108- الكوثر
مكيّة
نزلت بعد العاديات



حرف اللام


31- لقمان
مكيّة
نزلت بعد الصافات
92- الليل
مكيّة
نزلت بعد الأعلى



حرف الميم


5- المائدة
مدنيّة
نزلت بعد الفتح
107- الماعون
مكيّة
نزلت بعد التكاثر
58- المجادلة
مدنيّة
نزلت بعد المنافقون
47- محمد
مدنيّة
نزلت بعد الحديد
74- المدّثر
مكيّة
نزلت بعد المزملّ
77- المرسلات
مكيّة
نزلت بعد الهمزة
19- مريم
مكيّة
نزلت بعد فاطر
73- المزمل
مكيّة
نزلت بعد القلم
111- المسد
مكيّة
نزلت بعد الفاتحة
83- المطففين
مكيّة
نزلت بعد العنكبوت
70- المعارج
مكيّة
نزلت بعد الحاقّة
67- الملك
مكيّة
نزلت بعد الطور
60- الممتحنة
مدنيّة
نزلت بعد الأحزاب
63- المنافقون
مدنيّة
نزلت بعد الحج
23- المؤمنون
مكيّة
نزلت بعد الأنبياء



حرف النون


114- الناس
مكيّة
نزلت بعد الفلق
79- النازعات
مكيّة
نزلت بعد النبأ
78- النبأ
مكيّة
نزلت بعد المعارج
53- النجم
مكيّة
نزلت بعد التوحيد
16- النحل
مكيّة
نزلت بعد الكهف
4- النساء
مدنيّة
نزلت بعد الممتحنة
110- النصر
مدنيّة
نزلت بعد الحشر
27- النمل
مكيّة
نزلت بعد الشعراء
71- نوح
مكيّة
نزلت بعد النمل
24- النور
مدنيّة
نزلت بعد النصر



حرف الواو


56- الواقعة
مكيّة
نزلت بعد طه



حرف الهاء


104- الهمزة
مكيّة
نزلت بعد القيامة
11- هود
مكيّة
نزلت بعد يونس



حرف ياء


36- يس
مكيّة
نزلت بعد الجن
12- يوسف
مكيّة
نزلت بعد هود
10- يونس
مكيّة
نزلت بعد الإسراء




المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-13-2010, 02:18 AM   رقم المشاركة : 14
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته








سور مختلف في كونها مكية أم مدنية


نتيجة على ما سبق كانت السور المكيّة ستاً وثمانين سورة، أولهنّ سورة العلق وآخرهنّ سورة المطفّفين، والسور المدنيّة ثماني وعشرين سورة، أوّلهنّ سورة البقرة، وآخرهنّ سورة براءة.

ولكن هذا التحديد لم يكن متّفقاً عليه عند الجميع، فهناك في أكثر من ثلاثين سورة خالف بعضهم ما أثبتناه في القائمتين. وفيما يلي عرض موجز عن هذا الاختلاف، مع إلمامة قصيرة إلى وجه اختيارنا في الموضوع، ونؤجّل التفصيل إلى تفسيرنا الوسيط:

1- سورة الفاتحة
قال مجاهد: إنّها مدنيّة (1).

قال الحسين بن الفضل: هذه هفوة من مجاهد، لأنّ العلماء على خلاف قوله (2) ولقول عليّ (عليه السلام): نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش (3).

ولقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (4)، وسورة الحجر مكيّة باتّفاق، وهذا إخبار عن ماض سبق.

ولأنّها أوّل سورة كاملة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) علّمه ايّاها جبرئيل (5) ومن ثم سميّت بفاتحة الكتاب (6) فكان (صلى الله عليه وآله) يصلّي بها في أُولى جماعة انعقدت بهم نطفة الإسلام، ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب (7) قال جلال الدين: ولم يحفظ صلاة بغير فاتحة الكتاب (8).

2- سورة النساء
زعم النحّاس أنّها مكيّة، نظراً الى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (9) فقد قال ابن جريح: إنّها نزلت بمكة عام الفتح بشأن مفتاح البيت الحرام، أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يدفعه الى العباس بن عبدالمطلب فأمره الله أن يدفعه الى عثمان بن طلحة، حيث كان (صلى الله عليه وآله) قد أخذه منه (10).

لكن المفسّرين اتفقوا على أنّها مدنيّة، نظراً لضعف إسناد هذا الحديث. على أنّ نزول آية أو سورة بمكة عام الفتح لا يجعلها مكيّة، على الاصطلاح المشهور: ما نزل بعد الهجرة فهو مدنيّ ولو كان نزوله بمكة.

وأخيراً فإنّ السورة بكاملها لا تتّسم بسمة آية واحدة فيها: كان نزولها على غير نزول السورة.

3- سورة يونس
في رواية شاذة عن ابن عباس: أنّها مدنية (11). ولم تثبت هذه الرواية، فضلا عن مخالفتها للنصّ المتقدّم عن ابن عباس نفسه في ترتيب نزول السور، وكان متفقاً عليه تقريباً.


4- سورة الرعد
قال محمد بن السائب الكلبي ومقاتل وعطاء إنّها مكية (12). وكذا في رواية رواها مجاهد عن ابن عباس (13).

ورجّح سيّد قطب هذا القول، قال: ومكيّة هذه السورة شديدة الوضوح، سواء في طبيعة موضوعها أو طريقة أدائها أو في جوّها العام الذي لا يخطئ تنسّمه من يعيش في ظلال هذا القرآن (14).

لكن روايات الترتيب اتفقت على أنّها مدنيّة نزلت بعد سورة القتال، كما جاء في رواية عكرمة والحسين بن ابي الحسن. ورواية خصيف عن مجاهد عن ابن عباس نفسه (15). وكذا قال الحسن وقتادة (16).

وأمّا سياق السورة فإنّه توجيه عام للبشريّة الى آيات التوحيد، الأمر الذي تشترك فيها السور المكيّة والمدنيّة، ككثير من آيات سورة البقرة وغيرها من سور مدنيّات.

والعمدة: اتفاق روايات الترتيب. ويتّضح ذلك أكثر عند الكلام عن سورة الرحمان.

5- سورة الحج
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب: إنّها مكية (17). وروى ذلك عن مجاهد بسند فيه ضعف (18) قال: سألت ابن عباس عن نزول السور، حتى انتهى الى سورة الحج، فقال: أُنزلت بمكة سوى الآيات الثلاث (19و20و21) نزلن بالمدينة (19) ولما رواه الطبري من حديث الغرانيق (20) وأيضاً فإنّ لهجتها الشديدة تناسب نزولها بمكة!

قلت: كلّ ذلك لا يقاوم اتفاق كلمة روايات الترتيب ونصوص المؤرّخين. ورواية مجاهد- مع ضعف سندها- معارضة بروايات الترتيب المتفق عليها (21). أمّا حديث الغرانيق فحديث خرافة لا أصل لها (22). وأمّا اللهجة فهي غالبيّة وليست دائميّة، ومن ثم لا تصلح مستنداً للحكم عليها.

6- سورة الفرقان
زعم الضحّاك أنّها مدنية، نظراً لآيات في آخرها قيل فيها: انّها مدنية (23). وهذا لوحده لا يصلح دليلاً على مدنيّتها بعد اتفاق روايات الترتيب.

7- سورة يس
قيل: إنّها مدنيّة (24). ولم يعرف هذا القائل ولا دليله الذي استند إليه. والإجماع منعقد على أنّها مكيّة.

8- سورة ص
أيضاً قيل: مدنيّة (25) وهو شاذّ مخالف للإجماع.

9- سورة محمد (صلى الله عليه وآله)
فيها قول ضعيف: أنّها مكيّة (26) وهو غريب بعد انّ كانت سورة القتال!

10- سورة الحجرات
قيل: إنّها مكية. وهي مدنيّة بالاجماع قولا واحداً (27).

11- سورة الرحمان
جاء في نصّ الفهرست واليعقوبي: أنّها مكيّة. وذهب المشهور أيضاً الى ذلك.

قال جلال الدين: وهو الصواب، لما رواه الترمذي والحاكم عن جابر قال: لما قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة الرحمان على أصحابه حتى فرغ. قال: مالي أراكم سكوتا؟ للجنّ كانوا أحسن منكم ردّاً! ما قرأت من مرّة ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلاّ قالوا: ولا بشيئ من عمك ربّنا نكذّب، فلك الحمد. قال جلال الدين: وقصة الجنّ كانت بمكة (28).

قال: وأصرح من ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصلّي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون: ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (29) قال: وهذا دليل على أنّها نزلت قبل سورة الحجر.

وقال سيّد قطب: نسق السورة تتضح فيه سمات القرآن المكي (30).

أقول لا شكّ أنّ رنّتها الأخّاذة تشبه رنّة غالبيّة السور المكيّة، بل من أوقعها على مسامع النفس. لكن ليس هذا وحده دليلاً على مكيّتها بعد أن لم يكن ميزة اختصاصيّة، وكانت توجد في سور مدنيّة أيضاً، كما في سورة الزلزلة، وسورة البيّنة، وسورة الإنسان، وغيرهنّ. وكثير من سور مكيّة جاءت في لهجة هادئة كسورة يوسف ويونس وهود والأنعام والأعراف وغيرهنّ كثير.

وأمّا حديث الجنّ فلا دليل على أنّه كان بمكة، إذ لا ملازمة بين هذا الحديث وحديث نزول سورة الجن بمكة. فلعلّها قصة أُخرى كانت بالمدينة.

وأمّا حديث أسماء –إن صحّ- فهو يدلّ على نزولها في باكورة البعثة، ولا قائل بذلك لأنّها قالت: قبل أن يصدع بالأمر.

هذا فضلا عن ضعف إسناد هذا الحديث- كما جاء في المسند- بسبب وجود ابن لهيعة قاضي *********، في طريقه، وهو مطعون فيه، فقد ضعّفه ابن معين وقال: لا يحتجّ بحديثه. وكان يحيى بن سعيد لا يراه شيئاً (31).

وأخيرا فإنّ هكذا تعليلات ضعيفة لا تقاوم روايات الترتيب المتفق عليها (32).

12- سورة الحديد
قال قوم: إنّها مكيّة (33) استناداً الى حديث إسلام عمر بن الخطاب، دخل على أخته فوجد عندها صحيفة فيه سورة الحديد، فقرأها حتى بلغ: ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (34) فحبّب إليه الإسلام فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسلم على يديه (35).

وهذا الحديث معارض بحديث ابن إسحاق: كانت في صحيفة سورة طه، فقرأها حتى انتهى الى قوله تعالى: ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾(36). وقيل إنَّ الصحيفة كان فيها مع سورة طه: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾. وإنَّ عمر انتهى في قراءتها الى قوله: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ﴾. فلان قلبه ورغب في الاسلام (37).

ومعارض أيضاً بحديث شريح بن عبيد، قال: قال عمر: خرجت اتعرّض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن أسلم فوجدته سبقني الى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقّة فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فلمّا أتمّها وقع الإسلام في قلبي كلّ موقع (38).

هذا وذاك الحديث مرسل، أرسله من لا يوثق به. قال ان حجر: والحديث بسند فيه إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة (39). وأشار بذلك الى غمز في السند، لأنّ ابن أبي فروة هذا مطعون فيه متروك الحديث (40).

وتمسّك بعضهم بحديث ابن مسعود: قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ... الى قوله: فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(41) إلاّ أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضاً (42).

قلت: وهذا الحديث أيضاً معارض بأحاديث تنصّ على أنّها نزلت بعد الهجرة بسنة، بشأن المنافقين (43) او بعد ما أترف المؤمنون فكادت تقسي قلوبهم (44).

13- سورة الصف
قال ابن حزم: مكيّة (45) لكن الجمهور وروايات الترتيب على خلاف قوله، فالصحيح أنّها مدنيّة، ونسب ابن الغرس ذلك الى الجمهور (46).

14- سورة الجمعة
مدنيّة بالإجماع، والمخالف غير معروف. قال جلال الدين: ثبت في نصوص صحيحة أنّها مدنية كلّها (47).

15- سورة التغابن
قيل: مكيّة الى قوله تعالى: ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (48) نسب ذلك الى ابن عباس (49) غير أنّ روايات الترتيب مطبقة على أنّها مدنيذة كلّها.

16- سورة الملك
فيها قول غريب: أنّها مدنيّة (50) والصحيح أنّها مكيّة قولا واحداً.

17- سورة الإنسان
قال عبدالله بن الزبير:نزلت بمكة (51) وتبعه على ذلك جماعة ممّن يروقهم إنكار أي فضيلة لأهل البيت (عليهم السلام) وهي النقطة المركزيّة التي تدور عليها رحى هذا التبجّج الغريب (52)! وعداء ابن الزبير لأهل البيت مشهور!

وهكذا أصرّ سيّد قطب على أنّها مكيّة، مستشهداً بالسياق وقال: واحتمال أنّ هذه السورة مدنيّة – في نظرنا- هو احتمال ضعيف جداً، يمكن عدم اعتباره (53).

قال الحافظ الحسكاني: اعترض بعض النواصب بأنّ هذه السورة مكيّة باتفاق المفسّرين، وهذه القصة – إن كانت- فهي مدنيّة، فكيف كانت سبب نزول السورة؟!

فقال – ردّاً على هذا القائل-: كيف يسوغ له دعوى الإجماع، مع قول الأكثر: أنّها مدنيّة!... ثم ذكر نصوص الأئمة على ترتيب السور *********ّحة بأنّها نزلت في المدينة بعد سورة الرحمان وقبل سورة الطلاق، وفق ما قدّمنا (54).

وهكذا حقّق العلاّمة الطبرسي في تفسيره وغيره من محقّقي المفسّرين.

والعمدة: إطباق روايات الترتيب، لا تشذّ منها في ذلك ولا رواية واحدة (55) وعليه فقضيّة السياق واهية، بعد أن لم تكن كليّة دائميّة.

قال السيّد شبّر: القول بأنذها مكيّة يكذّبه النقل الصحيح (56).

هذا ونؤجّل التفصيل في ذلك الى تفسيرنا الوسيط.

18- سورة المطففين
قال اليعقوبي: أوّل سورة نزلت بالمدينة (57) وقيل: نزلت عليه (صلى الله عليه وآله) وهو مهاجر في طريقه الى المدينة (58). قال جلال الدين: اخرج النسائي وغيره بسند صحيح عن ابن عباس، قال: لمّا قدم النبيّ (صلى الله عليه وآله) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله هذه السورة، فأحسنوا الكيل (59).

قلت: هذا تناقض روايات الترتيب المتّفقة على أنّها آخر السور المكيّة. كما أنّ لهجة السورة العنيفة لا تتناسب وبدء قدوم نبيّ الرحمة الى المدينة في اوّل عهده بأهلها المستسلمين له، ولا سيّما مع هذا التكرار في لفظة (كلا) التي تشى بعناد المخاطب وإنكاره الخبيث ممّا لا يلتئم مع جوّ الإيمان السليم الذي أبداه أهل المدينة آنذاك!! وقد سبق كلام الجعبري: كلّ سورة فيها (كلاّ) فهي مكيّة (60).

19- سورة الأعلى
قيل: إنّها مدنيّة، استناداً الى قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ (61) إشارة الى صلاة العيد وزكاة الفطرة (62).

قلت: الآية عامّة. والرواية - إن صحت- جاءت لتطبّق هذا العموم على مصداق من مصاديقه، لا أنّه هو المقصود الذاتي لا غير. ثم لو سلّمنا أنّ هاتين الآيتين نزلتا بالمدينة، فلا يدلّ ذلك على أنّ جميع السورة بكاملها مدنيّة.
فالصحيح أنّ السورة مكيّة حتى ولو كانت بعض آيها مدنيّة. هذا فضلاً عن شهادة اللهجة بمكيّتها!

20- سورة الفجر
مكيّة بالاتفاق. والقائل بالخلاف غير معروف (63).

21- سورة البلد
مكيّة بالإجماع، لأنّ البلد هي مكة المكرّمة بالاتفاق، فكيف يقول القائل: إنَّها مدنيّة؟! (64).

22- سورة الليل
قيل: انّها مدنيّة، نظراً لما روي في سبب نزولها: كانت نخلة متدلّية في دار رجل فقير، وكان صبيانه يتناولون تمرها، امّا صاحب النخلة- وهو رجل ثريّ- فكان يجفوهم. فساومه النبيّ (صلى الله عليه وآله) على نخلة في الجنة فأبى، حتى ساومه أنصاريّ على أربعين نخلة، فاشتراها منه ووهبها للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فوهبها النبيّ (صلى الله عليه وآله) الى الرجل الفقير. قيل: فنزلت: ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ (65) غير أنّ السند مقطوع غير موصول. على أنّ الآية لا تنطبق تماماً على فحوى القصّة.

فالصحيح: أنّ الآية عامّة في كلّ بخيل بحقّ الله سبحانه فلا يخشى عقابه، كما جاء في رواياتنا، وفي كثير من روايات غيرنا (66).

23- سورة القدر
قال ابن حزم وأبومحمد: إنّها مدنيّة (67) لما رواه الحاكم عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بني أُميَّة ينزون على منبره نزو القردة. فساءه ذلك فنزلت تسلية لخاطره الكريم (68).
قال جلال الدين: قال المزي: وهو حديث منكر (69)! لكنّه تعصّب مفضوح، لأنّ الحاكم رواها بسند صحيح، قال: هذا إسناد صحيح. وقرّره على ذلك، الحافظ الذهبي في التلخيص. وأضاف إليه طريقاً آخر ووثقه أيضاً، ثم قال: وما أدري آفته من أين؟! (70)

قلت: جاءت آفته من قبل نزعة أُمويّة اشربت في قلوب تحكّمت فيها نزعات قوميّة جاهلية، ومن ثم يصعب عليها الرضوخ للحق مهما بلغ حدّ التواتر واليقين! (71)

وبعد فإنّ دلالة هذا الحديث على مدنيّة السورة، جاءت من قبل لفظ (المنبر) إذ لم يكن للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة منبر!

لكن هذا وحده لا يصلح دليلاً على ذلك، إذ يجوز -قريباً- أنّه (صلى الله عليه وآله) أُري ذلك بمكة قبل هجرته لتكون بشارة له باعتلاء ذكره، وإلمامة الى الاغتصاب الذي يرتكبه شرار أُمَّته. فلا تتنافي هذه الرواية مع روايات الترتيب أصلاً.

وتأييداً لذلك نقول: الآية: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ﴾ (72)، تشير الى نفس الرؤيا المذكورة، والآية من سورة الإسراء المكيّة بالاتفاق، ولم يستثن احد هذه الآية، وإن استثنوا غيرها، كما سيأتي.

فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة، وأنزل الله في ذلك: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ. وقال: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ، يعني الحكم وولده).

وأخرج أيضاً عن يعلى بن مرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أريت بني أُميّة على منابر الأرض، وسيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء، واهتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبيك وجدك: (إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن).

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن سعيد بن المسيّب، قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني أُميّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: إنّما هي دنيا أعطوها. فقرّت عينه، وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ يعني: بلاء للناس (73).

قال النيسابوري: واعترض بعضهم بأنّ ايّام بني أُميَّة كانت مذمومة فكيف تذكر في مقام تفخيم أمر ليلة القدر؟ فأجاب: إنذه تفضيل لسعادة معنويّة، وجلال حقيقيّ دائم، على سعادة ظاهريّة، وجلال صوريّ زائل (74). وفي حديث ابن المسيّب الآنف إشارة الى هذا الجواب.

24- سورة البيّنة
قال مكيّ بن أبي طالب: مكيّة (75).

لكن اتفاق روايات الترتيب ونصوصه على أنّها مدنيّة، ويؤيّدها ما ورد: أنّها لمّا نزلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله) دعا أُبي بن كعب فقرأها عليه (76) وأُبي، أنصاريّ، أسلم على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة.

25- سورة الزلزلة
قال ضحّاك وعطاء: مكيّة. وهكذا قال مكيّ بن أبي طالب، ووافقهم سيّد قطب، نظراً للهجتها المثيرة (77).

لكن اتفقت كلمة الروايات على أنّها مدنيذة (78) وأيضاً فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري، قال لمّا نزلت ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّي لراءٍ عملي؟ قال: نعم. قلت: تلك الكبار الكبار؟ قال: نعم، قلت: الصغار الصغار؟ قال: نعم، قلت: واثكل أُمي!... (79) وأبوسعيد انصاريّ، لم يبلغ إلاّ بعد وقعة أُحد (80).

26- سورة العاديات
عن قتادة: أنّها مدنيّة (81)، لرواية منسوبة الى ابن عباس، قال: نزلت في خيل بعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سريّة فأبطأت، فشقّ ذلك عليه، فأخبره الله بما كان من أمرهم (82).

لكن الرواية فيها تمحّل وتهافت ظاهر، وفي نفس الوقت معارضه بما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري والحاكم- وصحّحه- وابن مردويه، عن ابن عباس أيضاً: أن علياً (عليه السلام) نهره عن تفسير العاديات بالخيل تغير في سبيل الله، وأوضح له: أنّها الإفاضة من عرفات الى المزدلفة... قال ابن عباس: فنزعت عن قولي ورجعت الى قول عليّ (عليه السلام) (83).


27- سورة التكاثر
اختار جلال الدين أنّها مدنيّة، وتمسّك لاختياره بالأُمور التالية:

1- حديث ابن بريدة: أنّها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخروا.

2- وقال قتادة: إنّها نزلت في اليهود.

3- وعن أُبي بن كعب- وهو أنصاريّ-: كنّا نزعم أنّ (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى ثالثاً...) آية قرآنيّة، حتى نزلت ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ...﴾.

4- وعن عليّ (عليه السلام): كنّا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت. قال جلال الدين: وعذاب القبر لم يذكر إلاّ بالمدينة، كما في الصحيح في قصة اليهوديّة (84).

قلت جميع ما تمسك به باطل:
أوّلا: هذه السورة لا تمسّ مسألة التفاخر، وإنّما تعرّضت لناحية التكاثر!

وثانياً: كيف يبقى أُبي بن كعب في شكّ من آية قرآنية، ولا يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو كاتبه الأوّل، الى أن يذهب شكّه بنزول سورة لا شأن لها ونفي قرآنيّة غيرها!

وثالثاً: كيف نجيز لأنفسنا تصديق رواية تنسب الشّك الى مثل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في مسألة من مسائل الآخرة، وهو (عليه السلام) باب علم النبيّ (صلى الله عليه وآله)!

وأمّا اختصاص نزولها باليهود، فتضايق في فحوى السورة العام، إذ هي تعالج مسألة عامّة تمسّ حياة البشريةّ الظاعنة في مطاليب سافلة!

والصحيح- كما جاء في روايات الترتيب المتّفقة-: أنّها من أوّليات السور المكيذة، وقد نصّ على ذلك جلال الدين نفسه في الدر المنثور، ورواه عن ابن عباس (85).


هذا مضافاً الى ما نلمسه من لهجة السورة العنيفة، التي تناسب أجواء مكة المسيطر عليها النزعة الماديّة بشدّة، ويزيد العنف استعمال لفظة (كلا) الخاصة بأهل مكة كما مرّ.

28- سورة الماعون
قال الضحاك: إنّها مدنيّة (86).
لكن روايات الترتيب ونصوصه المتّفق عليه ترفض هذا القول، مضافاً الى أنّ لهجة السورة تقريع عنيف بأُلئك المكذّبين بالدين، فهي بأوّليّات السور المكيّة أشبه، فقد كانت السابعة عشرة في الترتيب، نزلت بعد سورة التكاثر (87).

29- سورة الكوثر
عن عكرمة والضحّاك: أنّها مدنيّة ( 233). ورجّحه جلال الدين، وكذا النووي في شرح مسلم، لما رواه مسلم عن أنس، قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، فرفع رأسه وقال: أُنزلت عليّ آنفاً سورة، فقرأها.

لكنّا تكلّمنا عن هذا الحديث (88) وزيّفنا دلالته على نزول قرآن عليه (صلى الله عليه وآله) تلك الحالة، وذكرنا تأويل الرافعي للحديث الى أنّها قد خطرت له تلك الحالة فقرأها عليهم، لا أنّها نزلت عليه حينذاك. كما ويؤيّد ذلك: أنّ مسلم نفسه روى هذا الحديث بسند آخر ليس فيه (أُنزلت عليّ). قال: أغفى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إغفاءة، ثم رفع رأسه فقرأها (89).

وأخيراً فقد أطبق المفسّرون على أنّها مكيّة، نزلت تسلية لخاطر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما شنأه ذلك الأبتر اللعين (90). هذا مضافاً اتفاق روايات الترتيب: أنّها نزلت بمكة إذن لا يصلح حديث مضطرب أن يقاوم ذلك الإجماع وهذا الاتفاق!

30- سورة التوحيد
رجّح جلال الدين كونها مدنيّة، لأحاديث رواها بشان نزولها. قال: نزلت في طائفة من يهود المدينة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصف لهم ربّه، فنزل جبرئيل بسورة التوحيد (91).

لكن تجاه هذه الروايات روايات أُخرى تذكر هذا السؤال للمشركين، قالوا: انسب لنا ربّك يا محمّد (صلى الله عليه وآله) فنزلت (92) مضافاً الى اتفاق روايات الترتيب.

ومن ثم قال بعض الباحثين: إنّها نزلت مرّتين!

قلت: لا يبعد ذلك، ولكن معنى نزول السورة مرّتين: أنّ الثانية كانت تذكيراً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بمناسبتها الحاضرة، فمن المحتمل - على هذا الفرض-: أنّ اليهود سألوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سؤالا، كان المشركون قد سبقوهم الى مثله، فتردّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أن يقرأ عليهم السورة التي كانت إجابة على سؤال المشركين من ذي قبل، وذلك نظراً للفرق بين مستوى اليهود ومستوى المشركين، فعند ذلك نزل جبرئيل بكفاية نفس الإجابة الأُولى، بعد أن لم تكن السور القرآنية خاصّة بقوم دون قوم، وبمستوى دون مستوى إذ الناس على مختلف مستوياتهم يستفيدون من جميع آي القرآن، وإن كانت نوعيّة الاستفادة تختلف حسب مراتب الثقافات.

وعلى ذلك فالسورة مكيّة وإن تكرّر نزولها بالمدينة أيضاً.


31-32- المعوذتان
عدّهما اليعقوبي من أواخر المدنيّات (93). وقال جلال الدين: المختار أنّهما مدنيّتان، لأنّهما نزلتا في قصة سحر لبيد بن الأعصم (94).

والقصّة - كما جاءت في الصحيحين (95)- حدّثت بها عائشة، قالت: ( سحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من يهود بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم. قالت: حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخيّل إليه إنّه يفعل الشيئ وما يفعله - وفي لفظ آخر: سحر حتى كان يرى أنّه يأتي النساء ولا يأتيهنّ. قال سفيان وهذا أشدّ ما يكون من السحر- (96) قالت: حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم دعا ثم دعا. ثم قال: يا عائشة، أشعرت (97) أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلان (98) فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب (99). قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيئ؟ قال: في مشط ومُشاطة، وجُفّ طلعة نخل ذكر (100). قال: فاين هو؟ قال: في بئر ذي اروان. قالت: فأتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اناس من أصحابه، ثم رجع وقال: يا عائشة، والله لكأن ماءها نقاعة الحنّاء (101) ولكأن نخلهاه رؤوس الشياطين. قالت: فقلت: هلا استخرجته؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا، أمّا أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرّراً. ثم أمر بالبئر فدفنت).

وفي لفظ: (قال: وأين؟ قال: في جفّ طلعة ذكر تحت راعوفة (102) في بئر ذروان. قالت: فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) البئر حتى استخرجه. فقال: هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحنّاء. وكأن نخلها رؤوس الشياطين. قالت: فقلت: أفلا، أي تنشرت؟ فقال: أمّا الله فقد شفاني، وأكره أن اثير على أحد من الناس شرّاً) (103).

هذه القصّة كما هي مذكورة في الصحيحين ليس فيها شاهد بنزول السورتين. وقد تنبّه السيوطي لذلك، ومن ثم استدرك الأمر بما ورد من طرق أُخر لم تصحّ إسنادها. فقد أخرج البيهقي في الدلائل عن عائشة، قال: (كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) غلام يهوديّ يخدمه، يقال له: لبيد بن أعصم. فلم تزل به اليهود حتى سحر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يذوب ولا يدري ما وجعه- وفي لفظ: فكان يدور ولا يدري ما وجعه (104)- فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الأوّل للثاني: ما وجعه؟ قال: مطبوب. قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: بم طبّه؟ قال: بُمشط ومُشاطة وجُفّ طلعة ذكر بذي أروان، وهي تحت راعوفة البئر. فلمّا أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غدا ومعه أصحابه الى البئر فنزل رجل فاستخرج الجفّ، فإذا فيها: مُشط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن مُشاطة رأسه، وإذا تمثال من شمع، تمثال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وترفيه احدى عشرة عقدة. فأتاه جبرئيل بالمعّوذتين، فقال: يا محمد، قل: أعوذ برب الفلق، وحلّ العقد كلّها، وجعل لا ينزع إبرة إلاّ يجد لها ألماً، ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو قتلت اليهودي! فقال: قد عافاني الله، وما وراءه من عذاب الله أشدّ).

وفي رواية: (سحر النبيّ (صلى الله عليه وآله) يهوديّ، فاشتكى فأتاه جبرئيل بالمعوّذتين، وقالك إنّ رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان. فأرسل علياً (عليه السلام) فجاء به، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية، فجعل يقرأ ويحلّ حتى قام النبيّ (صلى الله عليه وآله) كأنّما نشط من عقال) (105).

وقيل: إنّ بنات لبيد كنّ ساحرات فهنّ سحرن وأبوهنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعقدن له إحدى عشرة عقدة. فأنزل الله المعّوذتين، إحدى عشرة آية بعدد العقد وشفى الله رسوله (صلى الله عليه وآله) (106).

وبعد... فهده القصة - لو تسلمناها - فلا شاهد في رواية الصحيحين على أنّ المعّوذتين نزلتا بشأنها. أمّا سائر الطرق فلا تصح ّ مستنداً للثقة بها، فضلا عن أخذها مستمسكاً للحكم في شأن من شؤون القرآن، الذي لا ينبغي لمسلم أن يتكلّم فيه بغير علم ولا عن مستند وثيق.

قال جلال الدين: أمّا أصل القصة فله شاهد في الصحيحين، دون نزول السورتين. ثم قال: ولكن له شاهد من غيرهما.. وأراد بذلك ما أخرجه البيهقي عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن أبن عباس، وفيه ذكر القصة ونزول السورتين (107).

لكن ذكر جدلال الدين نفسه - في الإتقان - أنّ أوهى الطرق إلى ابن عباس، هو طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (108).

ثم ذكر شاهداً آخر فيما أخرجه أبونعيم في كتاب الدلائل من طريق ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك (109).

هذا وابن حبان قال: إنّ أهل الحديث يتقون من حديث الربيع بن أنس إذا كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، لأنّ في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً (110).

إذن أفلا تعجب من رجل هو مضطلع بفنّ الحديث والتفسير، كيف يورّط بنفسه في تناقض الاختيار؟! ويضطرب في التماس الحجّة من غير وجهها الوجيه؟! ومن ثم يتكلّم في شأن جانب من كتاب الله العزيز من غير استناد وثيق؟
!
أمّا نحن - الإمامية - فإنّ أُول معتقداتنا تنفي إمكان التأثير على قلب نبيّ كريم، هو مهبط وحي الله وعيبة علمه الأمين! وبالأحرى فإنّ لبيداً أعجز من أن يستطيع التصرّف في عقليّة مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل خلق الله وأكرم انبيائه!!

يقول تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ (111). فأجدر بلبيد عدم قدرته على الاستحواذ على قلب أكرم عباد الله، وقله (صلى الله عليه وآله) بيت إلا له تعالى، لا يدع لخبيث الاقتراب منه أبداً.

على أنّا لو جوّزنا إمكان التأثير على شعور النبيّ الكريم بحيث يكاد يخيّل إليه انّه يفعل ولا يفعل، فإنّ الثقة بما يقوله وحياّ تزول، فلعله مفعول سحر ساحر خبيث، خيل إليه أنّه وحي؟!

قال العلاّمة الطبرسي: هذا لا يجوز، لأنّ من وصفه بأنّه مسحور فكأنّه قد خبل عقله، وقد أبى الله سبحانة ذكل في قوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً. انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا﴾ (112).

ولكن يمكن أن يكون اليهوديّ أو بناته - على ماروي - اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه، واطلع الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقه. وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم؟! ولو قدروا على ذلك لقتلوه، وقتلوا كثيراً من المؤمنين، مع شدّة عداوتهم لهم (113).

وقال العلاّمة المجلسي: المشهور بين الإماميّة عدم تأثير السحر في الأنبياء والأئمّة (صلوات الله عليهم) ومن ثم أوّلوا بعض الأخبار الواردة في ذلك، وطرحوا بعضها أي ما لا يقبل التأويل (114).

وقال القطب الرواندي: روي أن أمرأة يهودية عملت له (صلى الله عليه وآله) سحراً، فظنّت أنّه ينفذ فيه (صلى الله عليه وآله) كيدها والسحر باطل محال! إلاّ أنّ الله دلّه عليه، فبعث من استخرجه. وكان على الصفة التي ذكروها، وعلى عدد العقد التي عقد فيها ووصف مالو عاينة معاين لغفل عن بعض ذلك (115).

وجاء في طب الأئمة: أنّ جبرئيل أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقال له: إنّ فلاناً اليهودي سحرك، ووصف له السحر وموضعه. فبعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) حتى أتى القليب فبحث عنه فلم يجده، ثم اجتهد في طلبه حتّى وجده فأتى به إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإذا هو حقّة فيها قطعة كرب نخل في جوفه وتر عليها إحدى عشرة عقدة، وكان جبرئيل (عليه السلام) قد أنزل المعّوذتين. فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) أن يقرأهما على الوتر، فجعل كلّما قرأ آبه انحلّت عقدة حتى فراغ منها، فكشف الله عن نبيّه ما سحر به وعافاه (116).

وهذه الرواية - وإن لم يصحّ إسنادها- ليس فيها التأثير على عقليّة الرسول (صلى الله عليه وآله) نعم في رواية أُخرى جاء التأثير على جسمه الشريف، فكان يحسّ بوجع شديد، وهذا معنى (كشف الله عن نبيّه وعافاه) في رواية طبّ الائمّة. أي عافاه من الوجع الذي كان يحسّ به. وهذا أمر ممكن، غير أنّ الأصحّ عندنا هو ما ذكره القطب الراوندي: أنّ السحر لم ينفذ فيه (صلى الله عليه وآله) فقد أرادوا به كيداً لكنّهم أصبحوا هم الخاسرين.

المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة.


1- مجمع البيان: ج1 ص17.

2- الإتقان: ج1 ص12.

3- الإتقان: ج1 ص12.

4- الحجر: 87.

5- السيرة النبويّة: جذ ص161.

6- تقدّم ذلك في الصفحة: 125.

7- صحيح مسلم: ج2 ص9. والمستدرك للحاكم: ج1 ص238و239.

8- الإتقان: ج1 ص12.

9- النساء: 58.

10- مجمع البيان: ج3 ص63.

11- الإتقان: ج1 ص12.

12- الدر المنثور: ج4 ص42. ومجمع البيان: ج6 ص273.

13- الإتقان: ج1 ص9.

14- في ظلال القرآن. ج13 ص63.

15- الإتقان: ج1 ص10.

16- مجمع البيان: ج6 ص273. والدر المنثور: ج4 ص42.

17- الكشف عن القراءات السبع: ج2 ص116.

18- بسبب أبي عبيدة معمر بن المثنى، كان يرى رأي الخوارج بذيئاً متهتّكاً، قليل العناية بالقرآن، وإذا قرأه قرأه نظراً. راجع الفهرست:ص59. وميزان الاعتدال: ج4 ص155. وتهذيب التهذيب: ج10 ص247.

19- الإتقان: ج1 ص9.

20- تفسير الطبري: ج17 ص131-132.

21- راجع الاتقان: ج1 ص11و25. والفهرست: ص28. والدر المنثور: ج4 ص342.

22- تقدم ذلك في الصفحة: 86.

23- الإتقان: ج1 ص13.

24- نفس المصدر.

25- الإتقان: ج1 ص13.

26- الإتقان: ج1 ص13.

27- الإتقان: ج1 ص13.

28- الإتقان: ج1 ص13.

29- مسند احمد: ج6 ص349.

30- في ظلال القرآن: ج27 ص668.

31- راجع ميزان الاعتدال: ج2 ص475. وتهذيب التهذيب: ج5 ص374.

32- راجع مجمع البيان: ج10 ص405. والإتقان: ج1 ص11و25.

33- قال ابن حزم: هي مدنيّة إلا في قول الكلبي: انّها مكيّة رسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجلالين: ج2 ص197.

34- الحديد:8.

35- اسد الغابة: ج4 ص54.

36- طه: 15.

37- سيرة ابن هشام، وهامشه: ج1 ص370.

38- اسد الغابة: ج4 ص54، والإصابة:ج2 ص519.

39- الاصابة: ج2 ص519.

40- راجع تهذيب التهذيب: ج1 ص240. والمغني للذهبي: ج1 ص71. وميزان الاعتدال: ج1 ص193.

41- الحديد: 16.

42- مجمع البيان: ج9 ص237. والاتقان: ج1 ص13.

43- مجمع البيان: ج9 ص237.

44- أسباب النزول بهامش الجلالين: ج2 ص94.

45- رسالة الناسخ والمسنوخ بهامش الجلالين: ج2 ص199.

46- الإتقان: ج1 ص13.

47- الإتقان: ج1 ص13.

48- التغابن: 13.

49- مجمع البيان: ج10 ص296.

50- الإتقان: ج1 ص13. وتفسير شبر: ص542.

51- الدر المنثور: ج6 ص297.

52- راجع شواهد التنزيل: ص299.

53- في ظلال القرآن: ج29 ص215.

54- شواهد التنزيل: ص310 و315.

55- راجع مجمع البيان: ج10 ص405.

56- تفسير شبر: ص542.

57- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص35.

58- رسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجلالين: ج2 ص202.

59- الإتقان: ج1 ص13.

60- تقدّم ذلك في الصفحة: 131.

61- الاعلى: 14-15.

62- الإتقان: ج1 ص14.

63- الإتقان: ج1 ص14.

64- نفس المصدر.

65- الدر المنثور: ج6 ص357. ومجمع البيان: ج10 ص501.

66- راجع مجمع البيان: ج10 ص502 وتفسير الطبري: ج30 ص140. وتفسير الصافي: ج2 ص825.

67- الكشف عن القراءات السبع: ج1 ص385. ورسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجلالين: ج2 ص203.

68- مستدرك الحاكم: ج3 ص171.

69- الإتقان: ج1 ص14.

70- تلخيص المستدرك بالهامش: ج3 ص170.

71- راجع تفسير الطبري: ج15 ص77 وج30 ص167. والدر المنثور: ج4 ص191 وج6 ص371. ومروج الذهب: ج3 ص250.

72- الاسراء: 60.

73- الدر المنثور: ج4 ص191.

74- تفسير النيسابوري بهامش الطبريك ج30 ص136.

75- الكشف عن القراءات السبع: ج2 ص385.

76- الدر المنثور: ج6 ص378.

77- مجمع البيان: ج10 ص524. والكشف عن القراءات السبع: ج2 ص386. وفي ظلال القرآن: ج30 ص639.

78- الفهرست: ص28. ومجمع البيان: ج10 ص405. والإتقان: ج1 ص11. والدر المنثور: ج6 ص379.

79- الدر المنثور: ج6 ص381.

80- الإتقان: ج1 ص14. ومستدرك الحاكم: ج3 ص563.

81- مجمع البيان: ج10 ص527.

82- الدر المنثور: ج6 ص383.

83- الدر المنثور: ج6 ص383. وتفسير الطبري: ج30 ص177.

84- الإتقان: ج1 ص14.

85- الدر المنثور: ج6 ص386.

86- مجمع البيان: ج10 ص546.

87- الفهرست ص28. ومجمع البيان: ج10 ص405. والإتقان: ج1 ص11.

88- مجمع البيان: ج10 ص548.

89- تقدم ذلك في الصفحة: 57.

90- الدر المنثور: ج6 ص401.

91- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص142. والدر المنثور: ج6 ص404. ومجمع البيان: ج10 ص549.

92- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص147. والإتقان: ج1 ص14.

93- الدر المنثور: ج6 ص410.

94- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص35.

95- الإتقان: ج1 ص14.

96- صحيح البخاري: ج4 ص148 وج7 ص176. وصحيح مسلم: ج7 ص14.

97- صحيح البخاري: ج7 ص177.

98- أي أعلمت - بصيغة استفهام خطاباً إليها-.

99- في رواية: جبرائيل وميكائيل، فسأل الأوّل الثاني. فتح الباري: ج10 ص194.

100- أي مسحور.

101- المشاطة: ما ينتزع من الشعر عند المشط- بالفتح- وهو تسريح الشعر، وبالضم: آلته. والجفّ: غشاء الطلع.

102- أي لون مائها لون نقيع الحنّاء.

103- الراعوفة: صخرة أو حجر صلد، توضع عند فم البئر، لا يستطاع قلعها، يقف عليها المستقي أو توضع في اسفلها ليجلس عليها الذي ينظّف البئر.

104- صحيح البخاري: ج7 ص178.

105- فتح الباري: ج10 ص193.

106- الدر المنثور: ج6 ص417.

107- التسهيل لعلوم التنزيل: ج4 ص225.

108- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص148.

109- الإتقان: ج2 ص189.

110- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص148.

111- تهذيب التهذيب: ج3 ص239.

112- الاسراء: 65.

113- الفرقان: 8-9.

114- مجمع البيان: ج10 ص568.

115- بحار الأنوار: ج18 ص70.

116- بحار الأنوار: ج18 ص57 ح11. طب الأئمّة: ص118.


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-13-2010, 10:02 AM   رقم المشاركة : 15
ريحانة أبا الفضل (ع)
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية ريحانة أبا الفضل (ع)







ريحانة أبا الفضل (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أختنا الفاضلة حفظكم الله من كل شر وسوء
ما شاء الله تبارك الرحمن على هذا المجهود المبارك
جعلها الله في ميزان حسناتكم أختي الجليلة


وفقكم الله وسدد خطاكم لكل خير بجاه محمد وآله الأطهار







  رد مع اقتباس
قديم 09-17-2010, 09:38 PM   رقم المشاركة : 16
طيف انوار الزهراء
مـراقـبة ( إرشاد ديني )
 
الصورة الرمزية طيف انوار الزهراء







طيف انوار الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم ياكريم

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته..

بارك الله فيكم ...وجزاكم الله خيراً

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







  رد مع اقتباس
قديم 09-20-2010, 10:45 PM   رقم المشاركة : 17
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



استثناءات من سور مدنية
تقدم: استبعاد أن تبقى آية غير مسجّلة في سورة مكيّة حتى تنزل سورة مدنيّة بعد فترة طويلة أم قصيرة، فتسجّل فيها. وهكذا استبعاد ابن حجر في شرح البخاري وغيره(1)

ولكن مع ذلك فقد قالوا في كثير من آيات مسجّلة في سور مدنيّة: أنّهنّ مكيّات. ونحن نذكرهنّ تبعاً حسب ترتيب السور في المصحف الشريف، ونعقّبها بما نرتأيه من رأي.

1- سورة البقرة: (مدنيّة)
استثني منها ثلاث آيات: الأُولى قوله تعالى: ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ(2) زعموها زلت بشأن المشركين أيام كان المسلمون ضعفاء.

لكن صدر الآية: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ...) شاهد نزولها بشأن أهل الكتاب، أوائل هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، ولم تقو شوكة الإسلام بعد، ثم نسخت بقوله: ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ - إلى قوله: مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(3) راجع الطبرسي، بشأن نزول الآية ونسختها بآية براءة(4)

الثانية: قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ..(5) زعموها - أيضاً - نزلت بشأن صمود المشركين تجاه قبول الحقّ، نظيرة قوله: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء(6)
لكن الآية نزلت بشأن إنفاق المسلمين عن الكفّار، حيث امتنعوا من ذلك زعما أنّها محرّمة عليهم وهم على غير دينهم، فنزلت(7)

الثالثة: قولة تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ...(8) قيل: هي آخر آية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بمنى في حجّة الوداع(9) وعلى الفرض فهي مدنيّه على ما سلف.

2- سورة النساء: (مدنيّة)
قيل: إلاّ قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا...(10)
وقوله: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ...(11)
فإنّهما نزلتا بمكة...!
ذكر ذلك الطبرسي ولم يذكر حجّة ولا القائل بذلك (12)
ولعلّ الوجه في الآية الأُولى ما قيل: إنّها نزلت بعد الفتح بمكة، خطاباً مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) بردّ مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض من المفتاح يوم الفتح وأراد أن يدفعه إلى العباس عن ابن جريح(13)

لكن العبرة بمكيّة الآية نزولها قبل الهجرة كما سبق. على أنّ الآية لا تنطبق على القصّة المزعومة، لأن دفع المفتاح إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يكن برسم أمانة واستيداع! وإلاّ فحاشى النبي (صلى الله عليه وآله) أن يخون الأمانات حتى ينبّهه الله بنزول آية.! والطبرسي رفض هذا التنزيل...

وامّا الآية الثانية فلم نعرف السبب واحتماله، وقد ذكر الطبرسي في سبب نزولها وجوهاً لا تصلح سنداً لهذا الاستثناء(14) ولهجة الآية تنادي بمدنيّتها، لأنّها من آيات الأحكام.

غير أنّ هذا الاستثناء ينظر إلى المطلع الثاني المتقدّم. وأمّا على المصطلح الأوّل المشهور-: ما نزل بعد الهجرة فهو مدنيّ حتى ولو كان نزوله بمكة - فالآية مدنيّة(15)

3- سورة المائدة: (مدنيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا(16)

قيل نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو واقف بعرفات في حجة الوداع(17) وهكذا زعمه أبو عبد الله الزنجاني في تاريخ قرآنه(18)

لكن أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: نزلت الآية بعد أن نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) علماً للأُمَّة يوم غدير خم، منصرفه عن حجّة الوداع، فأنزل الله يومئذ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ(19) وهكذا سجّلها ابن واضح اليعقوبي، قال: وكان نزولها يوم النّص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(صلوات الله عليه) بغدير خم. قال: وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة(20) وقد ذكرها الحافظ الحسكاني بعدّة طرق(21)
ثم انّ نزول الآية بعرفات أو بغدير خم لا يجعلها مستثناة من المدنيّات، وفق المصطلح المشهور المتقدّم.

4- سورة الانفال: (مدنيّة)
استثني منها قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(22)

قالوا: إنّها نزلت في قصة دار الندوة اجتمعت فيها قريش للتآمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفشلت مؤامرتهم بهجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومبيت علي(عليه السلام) على فراشه(23)
لكن نزول الآية بشأن تلك القصة لا يستدعي نزولها حينذاك، ولا سيّما بعد ملاحظة أداة ظرف الماضي (إذ) في صدر الآية حكاية عن أمر سابق!

وفي المصحف الأميري وتاريخ الزنجاني: استثناء الآيات: 31 إلى 36. نظراً لأنّها نزلت بشأن مشركي قريش: لكنّها كالآية المذكورة حكاية لأمر سابق، ولا دليل على نزولها حينذاك. وقوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(24) ايضاً حكاية عن ماض وإخبار عن حال، أي لم يعذّبهم الله فيما قبل، بسبب وجودك بين أظهرهم ولا يعذّبهم الآن - بعد خروجك - لوجود جماعة من المؤمنين لم يستطيعوا الخروج وهم على عزم الهجرة، فرفع الله العذاب عن مشركي مكة لحرمة استغفار هؤلاء المؤمنين الباقين بين أظهرهم(25)

هذا... ونقل جلال الدين عن قتادة أنّه قال: نزلت الاية:﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ... بمكة. ثم قال: ويردّه ما صحّ عن ابن عباس أنّ هذه الآية بعينها نزلت بالمدينة(26) وقد أخرجه في اسباب النزول عن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت بعد مقدمه (صلى الله عليه وآله) المدينة(27)

واستثني أيضا - قوله:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(28) وصحّح هذا الاستثناء ابن العربي وغيره(29) وذلك لما أخرجه أبو محمد من طريق طارق عن عمر بن الخطاب، قال: أسلمت رابع أربعين فنزلت ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهكذا روي عن ابن عباس(30)

لكن يعارضه ما روي عن الكلبي، قال: نزلت هذه الآية بالبيداء في غزوة بدر(31) وقال الواقدي: نزلت الآية بالمدينة في بني قريظو وبني النضير(32)

هذا... وسياق الآية يشهد بمدينيّتها، نزلت في إبان تشريع القتال، سواء أمع المشركين أم مع أهل الكتاب. فالآية يسبقها قوله تعالى:﴿الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ... ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم... ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ...﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا... ﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ...(33)
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ...
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ...(34)
انظر إلى هذا السياق المنسجم بعضه مع بعض انسجاماً يجعلنا على ثقة من وحدة مترابطة نزلت جملة واحدة.

وأيضاً: لا معنى لكفاية أربعين رجلاً أسلموا بمكة وهم على ضعف ماداموا فيها. الأمر الذي يؤكّد من نزول الآية بالمدينة حيث جعلت تزداد شوكة المؤمنين وتقوى جانبهم مع الأيّام والساعات، فكانت فيهم الكفاية والكفاءة.
وهكذا فسّرها أبو جعفر الطبري، قال: يقول لهم جلّ ثناؤه: ناهضوا عدوّكم فإنّ الله كافيكم أمرهم ولا يهوّلنّكم كثرة عددهم وقلّة عددكم فإنّ الله مؤيّدكم بنصره. وذكر لهذا المعنى روايات، ولم يتعرضّ لشيءٍ من روايات نزولها بشأن إسلام عمر بن الخطاب(35)

5-سورة براءة: (مدنيّة)
استثني منها أربع آيات: الأُولى والثانية: قوله تعالى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى... إلى قوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ(36)
قالوا: نزلت بشأن أبي طالب عندما حضرته الوفاة، دخل عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده أبوجهل وعبدالله بن أبي اميَّة. فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أي عم، قل: لا إله إلاَّ الله، أحاجّ لك بها عند الله. فقال القرشيان: يا أبا طالب، أترغب عن ملّة عبدالمطلب؟! فكانا كلّما عرض عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) كلمة الشهادة أعادا كلامهما. فكان آخر كلام أبي طالب: أنّه على ملّة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) عند ذلك. لأستغفرنّ لك مالم انهَ عنك. فنزلت الآية... كما ونزلت ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ(37)

قالوا - ايضاً-: إنَّها نزلت بشأن والدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يستغفر لأبيه، وهكذا استجاز ربّه في زيارة قبر امّه فأجازه، فبداله أن يستغفر لها فنزلت الآية تنهاه.! فما رُئُي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر باكياً من يومه ذاك(38)

أقول: قاتل الله العصبيّة الجاهليّة: إنّها نزعةً أُمويّة ممقوتة عمدت إلى الحطّ من كرامة بني هاشم والى تشويه جانب أقرباء النبيّ (صى الله عليه وآله) لتجعل من أبيه وامّه مشركين، ويموت ابوطالب كافراً، وهو المحامي الأوّل والمدافع الوحيد في وقته عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً(39) ولاشكّ أنّ أبا طالب كان أوّل من آواه ونصره ووقف دونه بنفسه ونفيسه. والآية الكريمة شهادة عامّة تشمله قطعيّاً(40)

ويكفي دليلاً على إيمانه الصادق، قوله في قصيدته التي يحمي بها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهدّداً قريش أجمع، قال فيها:
لقد علموا أنّ ابننا لا مكذّب لدينا ولا يعني بقول الأباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومة تقصر عنه سورة المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته ودافعت عنه بالذرا والكلاكل
فأيّده ربّ العباد بنصره وأظهر ديناً حقذه غير باطل(41)

هذا... وأمّا نحن الإماميّة فإنّ اصول معتقداتنا تقضي بلزوم طهارة آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) وامّهاتهم، لم يتلوّثوا بدنس شرك قط، فلم يزالوا ينحدرون من صلب شامخ إلى رحم طاهر. كما جاء في الزيارة السابعة للإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام): (أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة، لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها)

وفي حديث ابن عباس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة مصفّى مهذّباً...(42)

والى هذا المعنى جاء تأويل قوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(43) أي لم تزل تنتقل من صلب مؤمن موحّد إلى صلب مؤمن موحّد. قال مجاهد: من نبيّ إلى نبيّ حتى اخرجت نبيّاً(44) قال العلاّمة الطبرسي: وقيل معناه: وتقلّبك في اصلاب الموحّدين من نبيّ إلى نبي حتى اخرجك نبيّاً عن ابن عباس في رواية عطا وعكرمة. وهو المروي عن ابي جعفر الإمام محمد بن علي الباقر، وأبي عبدالله الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليهما السلام) قالا: في أصلاب النبيينّ نبيّ بعد نبيّ حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم(عليه السلام)(45)

والصحيح في سبب نزول الآية: ما ذكره أبوعلي الطبرسي: أنّ المسلمين جاؤوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلبون إليه الاستغفار لموتاهم الذين مضوا على الكفر أو النفاق، قالوا: الا تستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية، فنزلت الآية(46)

وممّا يدلنّا على صحّة هذه الرواية وبطلان الرواية الأُولى: أنّ الآية الكريمة جاءت بلفظ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ... فلو صحّت تلك الرواية لما كان هناك سبب معقول لإرداف غيره (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين معه في هذا الإنكار الصارم.

وأخيراً فإنّ هذه الآية والآية رقم: 80 والآية رقم: 84 نزلن جميعاً على نمط واحد، والسبب شيئ واحد: هو ما كان المؤمنون على رجاء أن يترحّم على آبائهم وامَّهاتهم وأقربائهم الذين ماتوا على الكفر، ملتمسين من النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يساعدهم على هذه الأُمنية، فنزلت الآية لتقطع أملهم في ذلك إذا كانوا علموا من آبائهم البقاء على الشرك حتى الموت: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ(47) ولتوضيح أكثر راجع تفسير الآيتين(48)

الثالثة والرابعة: قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ . فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(49) وهما آخر سورة براءة.

قال ابن الغرس إنّهما مكيّتان.

قال جلال الدين: وهذا غريب، كيف وقد ورد أنّهما آخر ما نزل(50)
قلت: لم يثبت نزول الآيتين بمكة، ولا ذكر قائله دليلاً أو سنداً لذلك. فثبت الآية في سورة مدنيّة - ولاسيّما هي آخر السور المدنيّة- هو بذاته دليل على نزولها بالمدينة، حيث الأصل الأولى في الآيات هو الثبت الطبيعي تباعاً حسب النزول. مضافاً إلى ما ورد في سبب نزولهما: جاءت جهينة تسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله)- أوّل قدومه المدينة - عهداً يأتمنون اليه، فنزلت الآيتان(51) كما روي أنّهما آخر الآيات القرآنية نزولاً بالمدينة(52)


-6 سورة الرعد: (مدنيّة)
أخرج أبوالشيخ عن قتادة، قال: سورة الرعد مدنيّة إلا قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ..(53)

وذكر الطبرسي استثناء قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ - إلى آخر الآية- والتي بعدها(54)

لكن الآية تشنيع بموقف المشركين المتأرجح وإرعاب لهم، كما هي تبشير بفتح للمسلمين قريب، فهي لأن تكون من تتمّة آيات سابقة نزلت في صلح الحديبيّة(55) أرجح. وعن عكرمة: أنّها نزلت بالمدينة في سرايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقارعة هي السريّة كانت تدوّخهم. والوعد هو الفتح(56)

-7 سورة الحج: (مدنيّة)
استثني منها قوله: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا...(57)
قال جلال الدين: إلى تمام الآيات الثلاث فإنّهنّ نزلن بالمدينة(58)
قلت: وعلى ذلك فينبغي الانتهاء إلى الآية رقم: 22. بل إلى الآية رقم: 24 ستّ آيات، نظراً للانسجام الوثيق بينهنّ بما لا يمكن التفكيك.

لكن لا سند لهذا الاستثناء، ومن ثم فالقول به غريب. مضافاً إلى ما ورد متواتراً أنّها نزلت بشأن ثلاثة من المؤمنين هم: حمزة بن عبدالمطلب، وعبيدة بن الحارث، وعلي بن ابي طالب، تبارزوا ثلاثة من الكفّار، هم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة. قال علي(عليه السلام): أنا اوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة(59) فالآية نزلت متأخرة عن وقعة بدر، أو نزلت ببدر(60)

واستثني - أيضاً- قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ... إلى قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ(61) الآيات الاربع.

أخرج ابن المنذر عن قتادة: أنّهنّ مكيّات(62) قالوا: نزلن بمكة بشأن قصة الغرانيق(63)
وقد زيّفنا حديث الغرانيق، وأنّه حديث مفتعل، وضعته الزنادقة للتشويه على سمعة القرآن ورسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(64)

والآية إشارة إلى البدع التي تنتاب شرائع الأنبياء على أيدي المحرّفين، لكنّه تعالى يحفظ دينه على أيدي علماء ربانيّين في كلّ عصر، ينفون بدع المبطلين كما في الحديث الشريف(65) وتلك البدع هي فتنة للذين في قلوبهم مرض.

وفي المصحف الأميري وتاريخ الزنجاني: أنّ الآيات نزلن بين مكة والمدينة! ولم يعرف لهذا القيد سبب معقول أو منقول!

8- سورة محمد (صلى الله عليه وآله): (مدنيّة)
استثني منها قوله: ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ(66)
قال السخاوي في جمال القرّاء: قيل إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لما توجّه مهاجراً إلى المدينة وقف فنظر إلى مكة وبكى، فنزلت تسلية لخاطره الشريف(67)
لكن الآية في سياقها منسجمة مع آيات قبلها وبعدها أنسجاماً وكيداً، بحيث لا يدع مجالا للقول بالتفكيك، فامّا أنّ الجميع مكيّة أو الجميع مدنية.

وبما أنّ السورة تقريع عنيف بالمشركين وإثارة عامّة بالمؤمنين، تمهيداً لتشريع القتال، فهي مدنيّة نزلت بهذا اللحن اللاذع، وجعلت تعدّد مساوئ ارتكبتها قريش، وتهدّدها بقتل ذريع وفشل فظيع إزاء معاندتهم مع الحقّ. والآية المذكورة أيضاً على نفس النمط. لم تخرج على قريناتها.

9- سورة الحجرات: (مدنيّة)
نسب إلى ابن عباس: استثناء قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى...(68)
ولعلّه لمكان الخطاب مع (الناس)، على ما زعمه بعضهم أنّه من دلائل مكيّة الخطاب! وقد اسبقنا أنّه لا دليل في ذلك... بدليل وقوعه في سورة البقرة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ(69)

10- سورة الرحمان: (مدنيّة)
استثني منها قوله: ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...(70) ولم يعرف سبب هذا الاستثناء الغريب!

11- سورة المجادلة: (مدنيّة)
استثني منها قوله: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ...(71)
ولم يعرف السبب أيضاً.

12- سورة التحريم: (مدنيّة)
قال قتادة: هي إلى رأس العشرة مدنيّة: والباقي مكيّ(72)
ويردّه: أنّ الآيتين الأخيرتين هما من تتمّة المثل الذي ضربه الله، نصحاً لزوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تطاولن عليه. فلو فصلناهما عن سائر آيات السورة لما بقي لهما موقع بديع.

13 - سورة الإنسان: (مدنيّة)
استثني منها قوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ...(73) وقيل إلى آخر السورة.
قالوا: نزلت في أبي جهل(74)

لكن الآية تفريع على آيات سبقت فلا يعقل انفكاكها عنها، على أنّ الأمر بالصبر تجاه تعسّفات المعاندين أو الجاهلين، هي خصيصة الأنبياء في جميع أدوار حياتهم التي ملؤها الكفاح والجهاد. ومن ثم قيل: الآية عامّة في كلّ عاص وفاسق وكافر(75)

وهناك سور اخرى مدنيّة قالوا فيها باستثناءات غريبة تركناها، حيث طال بنا البحث وفيما ذكرنا كفاية لإثبات أنّ لا وقع لتلكم الاستثناءات إطلاقاً، سواء من سور مكيّة أم مدنيّة وكلّها مستندة إلى حدس أو نقل ضعيف لا مبرّر للاستناد إليها البتّة.

وبذلك نطوي سجل هذا البحث، والحمد لله أوّلاً وآخراً.

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة.


1- تقدم ذلك في الصفحة 169.

2- البقرة: 109.

3- التوبة: 29.

4- مجمع البيان: ج1 ص184 - 185. والدر المنثور: ج1 ص107.

5- البقرة: 272.

6- القصص: 2.

7- مجمع البيان: ج2 ص385. والدر المنثور: ج1 ص33.

8- البقرة: 281.

9- الدر المنثور: ج1 ص370.

10- النساء: 4.

11- النساء: 176.

12- مجمع البيان: ج3 ص1.

13- مجمع البيان: ج3 ص9.

14- مجمع البيان: ج3 ص149.

15- تقدم ذلك في الصفحة: 129.

16- المائدة: 3.

17- الدر المنثور: ج2 ص23.

18- تاريخ القرآن لابي بعد الله الزنجاني: ص27.

19- تفسير التبيان: ج3 ص435.

20- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص35.

21- شواهد التنزيل: ج1 ص12-16.

22- الانفال: 30.

23- مجمع البيان: ج4 ص537.

24- الانفال: 33.

25- مجمع البيان: ج4 ص539.

26- الإتقان: ج1 ص15.

27- لباب النقول بهامش الجلالين: ج1 ص170.

28- الانفال: 64.

29- الإتقان: ج1 ص15.

30- الدر المنثور: ج3 ص200.

31- مجمع البيان: ج4 ص17.

32- تفسير التبيان: ج5 ص152.

33- الإنفال: 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 8.

34- الإنفال: 64 و 65.

35- جامع البيان: ج10 ص26.

36- براءة: 113 – 114.

37- القصص: 2. الدر المنثور: ج3 ص282. وصحيح البخاري: ج2 ص119 و ج6 ص87.

38- جامع البيان: ج11 ص31.

39- الانفال: 74.

40- راجع حق اليقين للسيد عبدالله شبر: ج1 ص100.

41- سيرة ابن هشام: ج1 ص299.

42- الدر المنثور: ج3 ص294.

43- الشعراء: 219.

44- الدر المنثور: ج5 ص98.

45- مجمع البيان: ج7 ص207.

46- مجمع البيان: ج5 ص76.

47- النساء: 48 و116.

48- تفسير الطبري: ج10 ص137 و 141. ومجمع البيان: ج5 ص و 2. والدر المنثور: ج3 ص64 و 66.

49- براءة: 128 - 129.

50- الإتقان: ج1 ص15. والدر المنثور: ج3 ص296.

51- الدر المنثور: ج3 ص297.

52- نفس المصدر ومجمع البيان: ج5 ص86.

53- الرعد: 31.

54- الإتقان: ج1 ص15. ومجمع البيان: ج5 ص273.

55- راجع مجمع البيان: ج6 ص292.

56- جامع البيان: ج13 ص105.

57- الحج: 19.

58- الإتقان: ج1 ص9.

59- صحيح البخاري: ج6 ص123 و 124. وصحيح مسلم: ج8 ص246.

60- الدر المنثور: ج4 ص348 - 349. وتفسير الطبري: ج17 ص99.

61- الحج: 52 - 1.

62- الدر المنثور: ج4 ص342. وراجع البرهان: ج1 ص202.

63- مجمع البيان: ج7 ص90. وتفسير الطبري: ج17 ص131. والدر المنثور: ج4 ص366.

64- تقدّم ذلك في صفحة: 84.

65- سفينة البحار: ج1 ص1.

66- محمد: 13.

67- الإتقان: ج1 ص20. والدر المنثور: ج6 ص48.

68- الحجرات: 13. مجمع البيان: ج9 ص128.

69- البقرة: 21.

70- الرحمان: 29. الإتقان: ج1 ص17.

71- المجادلة: 7. الإتقان: ج1 ص17.

72- نفس المصدر.

73- الإنسان: 24.

74- الدر المنثور: ج6 ص302. ومجمع البيان: ج10 ص402 و413.

75- مجمع البيان: ج10 ص413.

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام













التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-20-2010, 10:49 PM   رقم المشاركة : 18
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته






استثناءات من سور (مكيّة) (1)
1- سورة الفاتحة: (مكيّة)
حكى أبو الليث السمرقندي قولاً بأن نصفها نزلت بالمدينة.

قال جلال الدين: لا دليل لهذا القول(1). كما سبق: أنّها من أوائل ما نزلت بمكة كاملة، وكان المسلمون يقرأون بها في الصلاة.

2- سورة الأنعام: (مكيّة)
(نزلت بمكة جملة واحدة، وشيّعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتسبيح والتحميد وقد طبقوا ما بين السماء والأرض، وكانت ليلة جمعة، وكانت لنزولهم هيبة وعظمة، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم، وخرّ ساجداً. ثم دعا الكتّاب فكتبوها من ليلتهم).

هذا الحديث مستفيض رواه الفريقان بطرق يعضد بعضها بعضاً(2). قال جلال الدين: فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً(3). ومن ثم لا وقع لقول أبي عمرو بن الصلاح: أنّ الخبر المذكور جاء من حديث أُبي بن كعب، وفي إسناده ضعف، ولم نر له إسناداً صحيحاً، وقد روي ما يخالفه(4).

قلت: استفاضة الطرق إلى عدّة من الأصحاب غير أُبي بن كعب أيضاً كافية للاستناد إليها.
هذا ... وأمّا رواية المخالف فضعيفة وغير ثابتة.

قال ابن الحصّار: استثنى منها تسع آيات، ولا يصحّ به نقل(5). وسنتكلذم فيما زعموا صحّتها من روايات الاستثناء(6).
وجاء في المصحف الأميري وفي بعض كتب المقلّدة استثناء تسع آيات من غير تحقيق، نبحث عن كلّ واحدة واحدة فيما يلي:

الأُولى: قوله تعالى ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَأَبْنَاءهُمْ(7).

الثانية: قوله تعالى: ﴿ثُمَّلَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّامُشْرِكِينَ(8).
ولا شاهد للاستثناء في هاتين الآيتين إطلاقاً. ولعلّ السبب مجيء ذكر أهل الكتاب فيهما، على غموض في الثانية. ولا دليل في ذلك، بعد أن جاء ذكر أهل الكتاب في كثير من سور (مكيّة). كقوله تعالى: ﴿وَلَاتُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(9)، ولم يستثنها أحد. وكذلك قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُالْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ(10). وامثال ذلك كثير.

الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَمَاقَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍمِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًىلِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراًوَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ(11).

قرأ ابن كثير وأبوعمرو: ﴿يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً(12) قيل: نزلت في جماعة من اليهود، قالوا: يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: نعم. قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً.

وقيل: نزلت في مالك بن الصيف، وكان حبراً من أحبار يهود قريظة، وكان سميناً، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، اما تجد في التوراة: (إنّ الله يبغض الحبر السمين)؟. فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيئ وقيل: الذي خاصم النبيّ (صلى الله عليه وآله) في هذا المقال هو فنحاص بن عازوراء اليهودي.

وقيل: نزلت في مشركي قريش، حيث أنكروا النبوّات رأساً(13).

قال أبو جعفر الطبري: وأولى هذه الأقوال بالصواب، هو القول الأخير، إذ لم يجر لليهود ذكر قبل ذلك. وليس إنكار نزول الوحي على بشر ممّا تدين به اليهود، بل المعروف من دينهم الإقرار بصحف إبراهيم وموسى وزبور داود. ولم يكن الخبر بأنّها نزلت في اليهود خبراً صحيحاً متصل السند، ولا أجمع المفسّرون على ذلك. وكان سياق السورة من أوّلها إلى هنا جارياً في المشركين، فناسب أن تكون هذه الآية أيضاً موصولة بما قبلها لا مفصولة منه. فلم يجز لنا أن ندّعي فصلها إلاّ بحجّة قاطعة من خبر أو عقل. ولعلّ الذي أوقع هذا القائل في الوهم المذكور ما وجده في قوله تعالى:﴿تجعلونه... على وجه الخطاب. ولكن الأصوب من القراءة أنّها بياء الغيبة(14).

قلت: ونحن إذ نصادق أبا جعفر في هذا التحقيق، نضيف اليه: أنّ القصة التي ذكروها بشأن مالك بن الصيف في محاورته تلك مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) تتنافى تماماً مع خُلق رسول الله الكريم، النبيّ لا يجرح من عاطفة إنسان إطلاقاً، كما وننزّه كتاب الله العزيز عن التعرّض لهكذا أُمور تافهة لا قيمة لها، أو تنزل بشأنها آية!!

إذن فقوله: ﴿وعلمتم... خطاب موجّه إلى المشركين، بعد تلك الحكاية - بصورة الغيبة كما رجّحها أبوجعفر- عن أهل الكتاب.

وأمّا القراءة المشهورة بتاء الخطاب في الجميع، فلا تستدعي اختصاص الخطاب بأهل الكتاب، بل إلى البشرية باعتبار فعل بعضهم ممّن نزل عليهم الكتاب. ولاسيّما ومساس العرب المشركين مع اليهود ومخالطتهم معهم في الجزيرة، ومن ثمّ جاء الكلام عن بني إسرائيل في سور (مكيّة) كثيراً، كما في سورة الأعراف(15).

ويشهد بذلك قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(16) خطاباً مع أهل مكة، وسورة الأنبياء المكية أيضا(17). وقد كان للعرب صلة وثيقة وثقة بأهل الكتاب، ويعرفونهم أهل علم وثقافة، وكثيراً ما يسألونهم عن تاريخ الأُمم والأنبياء ويعتمدون كلامهم، فجاز أن يخاطبوا بخطاب اليهود المجاورين لهم المخالطين معهم الموثوق بهم عندهم!

الرابعة: قوله تعالى: ﴿وَمَنْأَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّوَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ(18).

قالوا: نزل قوله تعالى: ﴿وَمَنْأَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى... في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة. وكان أسلم وكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإما نزلت: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ(19) دعاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأملاها عليه. فلمّا انتهى إلى قوله: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ عجب عبدالله في تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هكذا أُنزلت عليّ، فشك عبدالله حينئذ، وقال: لئن كان كاذباًَ لقد قلت كما قال. فارتدّ عن الإسلام، ولحق أهل مكة، فجعلوا يقولون له: كيف كنت تكتب لابن أبي كبشة القرآن؟ قال: كنت أكتب كيف شئت. وذلك أنّه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يملي عليه (عليماً حكيماً) فيكتب (غفوراً رحيماً) يزيد وينقص ويبدّل في كتاب الله، ولا يشعر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم شك في رسالته، وكفر ولحق بقريش، فأهدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) دمه! لكن عثمان أجاره يوم الفتح، والحّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى عفى عنه(20).
لكن الحديث مكذوب من أصله. لأنّ سورة (المؤمنون) (مكيّة)، ولم يستثن أحد تلك الآية. فكيف يكتبها ابن أبي سرح بالمدينة ثم يرتدّ إلى مكة؟! ثم أنّى لبشر أن يتقوّل على الله كذباً وينتحله وحياً، وقد ضمن الله لكتابه الكريم بالحفظ. ثم لا يشعر الرسول بدسّ كاذب مفتر على الله فيما أنزله الله عليه!! وهل تبقى - بعد هذا الاحتمال- ثقة بنصوص الكتاب العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟!

نعم هناك ثلاث آيات من ثلاث سور، قيل في كلّ واحدة منها: أنها نزلت بشأن ابن أبي سرح. هذه إحداها!
والثانية قوله: تعالى: ﴿وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ(21).

والثالثة: ﴿إِنَّالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً(22).

وهذه الأخيرة أنسب وأولى بالقبول، كما روي ذلك عن الإمامين محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)(23).

إذن فالصحيح في الآية الأُولى هو ما قاله أبو جعفر الطبري: هي عامّة، تصف موقف الإنسان عموماً تجاه رسالات الأنبياء (عليهم السلام): فمن منكر معاند لا يصدّق بأي رسالة جاءت من قبل الله. وآخر مسترسل ضعيف يؤمن بكلّ دعوى رساليّة، حتى ولو كانت نزغة شيطانيّة، من غير تدبّر ولا تفكير صحيح. ومن ثم وبّخت الآية هذا النمط من الاسترسال الهابط، وتلك الجرأة الظالمة تجاه ربّ العزّة، فيفترى عليه تعالى ظلماً وعدواناً. ولا مساس للآية بقضية ابن أبي سرح بالخصوص.

على أنّ قوله تعالى: ﴿سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ لا ينطبق مع موقف ابن أبي سرح تجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله). نعم كان ينطبق عليه لو كانت الآية هكذا: (سأُنزل مثل ما أنزل محمد)...!

وقد ناقض سيد قطب هنا بشأن الآية، ففي موضع رجّح كون السورة (مكيّة) كلّها، وفي موضع آخر اعتمد على روايات الاستثناء!(24).

الخامسة: قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَإِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ(25).

وليس في الآية ما يدعو إلى الظنّ بأنّها مدنيّة إلاّ ذكر أهل الكتاب فيها. وقد سبق أنّ هذا وحده ليس دليلاً، فقد ورد مثلها في آيات (مكيّة) كثيراً. ويرجع السبب إلى ثقة العرب المشركين بمن جاور بلادهم من أهل الكتاب، فيرونهم أهل علم ودراية، ومن ثم قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ.بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ(26) يعني أهل الكتاب ولا سيّما اليهود. وهذه الآية (مكيّة) بالإجماع، ما خلا ما نسب إلى جابر بن زيد، وقد ردّ عليه السيوطي من وجهين فراجع(27).

السادسة: قوله تعالى: ﴿وَهُوالَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ .. إلى قوله: كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ(28).

ولعل القائل بمدنيّتها فسّر الحقّ الواجب بالزكاة، والزكاة لم تقرّر بأنصبتها المحددة في الزروع والثمار إلاّ في المدنية.
ولكن هذا المعنى ليس متعيّنا في الآية، لأنّها فسّرت بمطلق الصدقة من غير تحديدن وهي بهذا الإطلاق كانت واجبة في مكة، وجاءت الإشارة إليها في قوله: ﴿وَفِيأَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ الآية رقم:19 من سورة الذاريات ال(مكيّة) باجماع. وجاء ذكر الإنفاق والصدقة في كثير من آيات (مكيّة).

وجاءت روايات مأثورة، بأنّ الحقّ في هذه الآية يعني الإنفاق وإعطاء اليتامي والمساكين - عن سعيد بن جبير وغيره- ثم نسخت بآية الزكاة فيما بعد(29) وروي ذلك عن الإمام أبي عبدالله الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)(30).

السابعة: قوله تعالى: ﴿قُلْتَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ...(31).

الثامنة: قوله تعالى: ﴿وَلاَتَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...(32).

التاسعة: قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ...(33).

قال السيوطي: وقد صحّ النقل عن ابن عباس باستثناء هذه الآيات الثلاث(34) والرواية هي: ما أخرجه ابوجعفر النحّاس في كتابه (الناسخ والمنسوخ) عن طريق أبي عبيدة معمّر بن المثنى، عن يونس، عن ابي عمرو، عن مجاهد عن ابن عباس...(35).
وأبو عبيدة هذا كان رجلا به شذوذ، كان يرى رأي الخوارج، وكان بذي اللسان متهتّكاً قليل العناية بالقرآن، وإذا قرأه قرأه نظراً(36)، ومن ثم لا يعتمد على نقله فيما يخضّ الكتاب والسنّة، اللهمّ إلاّ في رواية الشعر والأدب. ولا ندري بم صحّح جلال الدين سند هذا النقل؟!

هذا وقد روى أبونعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لمّا أمر الله نبيهّ أن يعرض نفسه على القبائل، خرج إلى منى وأنا معه وأبوبكر، وكان رجلاً نسّابة، فوقف على مضاربهم بمنى وسلّم عليهم فردّوا عليه السلام، فتكلم معه القوم، حتى سألوه: إلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿قل تعالوا اتل ما حرم ربكم - إلى قوله: لعلكم تتقون تمام الآيات الثلاث. فأعجبهم كلام الله، وقالوا: فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان لعرفناه...(37) فالآيات كانت نازلة حينذاك بمكة(38). على أنّ لحن الآيات وأُسلوب التعبير فيها - أيضاً- يشهد بمكيّتها.

وتلخّص: أنّ سورة الانعام كلّها (مكيّة)، ليست منها آية مدنية إطلاقاً. ولم يثبت شيئ مما قيل باستثنائه أصلاً، لا نقلاً ولا عقلاً، على ما أسلفنا.


3- سورة الأعراف: (مكيّة)
أخرج ابن ضريس والنحّاس وابن مردويه من عدّة طرق عن ابن عباس: أنّها نزلت بمكة(39).

قال قتادة: سوى آية واحدة: ﴿واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ(40). قال: نزلت بالمدينة(41).

وقال غيره: إلى نهاية الآية رقم: 171(42). وهي قوله: ﴿وَإِذنَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ....

قلت: ودليل قتادة هو الأمر بسؤال اليهود، وهو يناسب - كما زعم- أيّام كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة. وهذا ليس دليلاً، إذ لا مستند لعود الضمير إلى اليهود، فلعلّه يعود إلى المشركين أنفسهم، لمكان معرفتهم بقصّة أصحاب السبت، والقرية - وهي أيلة- كانت على ساحل البحر الأحمر، مما يلي الشام. وهي آخر الحجاز وأوّل الشام، مدينة يهوديّة صغيرة كانت عامرة(43)، وكانت قريش تمرّ عليها في رحلتها الصيفيّة التجاريّة، وكانت تتصّل بهم أخبارها، ومن ثمّ كانوا على معرفة من أهلها اليهود الذين عتوا عن أمر ربّهم.

وأمّا قول غيره فلا مستند له إطلاقاً، ولا سند معروف فالصحيح أنّ هذه الآيات متناسقة مع غيرها من قصص أُمم الأنبياء نزلت على قريش ليعتبر أُلوا البصائر منهم، إذن يكون الترجيح مع القول بأنّ جميعها مكيذة، لا استثناء فيها.

4- سورة يونس: (مكيّة)

استثنى بعضهم منها أربع آيات:

الأُولى: قوله تعالى: ﴿وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِوَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ(44). زعم بعضهم أنّها نزلت في اليهود(45). لكن السياق يأباه.

الثانية: قوله تعالى: ﴿فَإِنكُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَالْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ...(46).

الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَلاَتَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ...(47).

الرابعة: قوله تعالى: ﴿إِنَّالَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ...(48).
زعموها - أيضاً- نزلت في اليهود. ولا دليل لهم في ذلك، والسياق واحد متّصل. ولعلّ ذكر أهل الكتاب هو الذي أوقعهم في هذا الزعم! مع العلم بأنّ هذه الآيات ليست بأصرح من قوله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ(49) الآية ال(مكيّة) بالإجماع.

وقيل: من الآية: رقم 40 إلى نهاية السورة كلّها نزلت بالمدينة(50) ولا شاهد لهذا القول إطلاقاً. ولحن الآيات ولهجتها أيضاً تأباه.

والخلاصة: القائل بالاستثناء في هذه السورة، لا يملك دليلاً موثوقاً به ولا سنداً يعتمد عليه. كما أنّ سياقها ينادي بمكيّتها بوضوح. ومن ثم نرجّح كونها (مكيّة) أجمع.

5- سورة هود: (مكيّة)
استثني منها ثلاث آيات:

الأُولى: قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِصَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ(51).

لكن السياق يشهد - صراحة- بأنّها (مكيّة). وقد روي في سبب نزولها ما يجعلها أيضاً (مكيّة) قطعيّاً(52).

الثانية: قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌمِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ(53). استشهد من قال بمدنيتها بقوله: (كتاب موسى). وبقوله: (من الأحزاب).

لكن لا شاهد فيهما، بعد أن جرى ذكر موسى في كثير من آيات (مكيّة).

والاحزاب إشارة إلى قبائل عربيّة متحزّبة ضدّ الرسول، وقد كانت تحزّبت منذ أن شعر المشركون بخطر نفوذ الإسلام في الجزيرة وسرعة انتشاء الدعوة(54). ولا شاهد على إرادة وقعة الأحزاب.

الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ(55).

روى أبوجعفر الطبري بإسناده عن أبي ميسرة. قال: جاءتني إمرأة تبتاع منّي تمراً، فقلت لها: إنّ في البيت تمراً أجود، فأدخلتها البيت وأهويت إليها وأقبّلها وآتي منها ما يأتي الرجل من امرأته سوى الجماع، حتى مسست بيدي دبرها. ثم خرجت فذكرت ذلك لأبي بكر وعمر، فقالا: استر ذلك على نفسك ولا تخبرن أحداً. ثم ذكرت ذلك للنبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: هل جهّزت غازياً؟ قلت: لا. فقال: هل خلفت غازياً في أهله؟ قلت: لا. فقال: استغفر ربّك وصلّ أربع ركعات. ثم تلا: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ثم قال: إنّها للناس عامّة، وفي رواية: نزل بها جبرئيل لساعته(56).

وهذه الرواية بهذا السياق باطلة عندنا البتة. لأنّها تجرئة على المعاصي، فليفعل أيّ إنسان ما يريد ثم يعمد إلى صلاة يصليها لتكون كفّارة عن كلّ ذنب يقترفه. هذا فضلا عن التهافت في نفس الرواية وعدم انسجامها مع الآية، وهو دليل آخر على وهنها. وأخيراً ففي أكثر الروايات: ثم تلا عليه الآية، وليس فيها أنّها نزلت تحينذاك. كما روي غير هذه الأُقصوصة أيضاً.

والصحيح عندنا: أن سورة هود (مكيّة) بأجمعها، نظراً لوحدة سياقها المنتظم على اسلوب تقريعي بديع يتناسب والدعوة في مكة.

6- سورة يوسف: (مكيّة)
في المصحف الأميري: استثناء ثلاث آيات من أولها (1 -3) وقوله: ﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ(57). قال جلال الدين: وهو واه جداً، لا يلتفت إليه(58). قلت: ونحن نربأ بمثل العلاّمة أبي عبد الله الزنجاني أن يتابع ثبت المصحف ال*********ي من غير تحقيق، فيسجّله في كتابه القيم (59). وفضح الأمر أوضح من أن يستره وهم.

7- سورة إبراهيم: (مكيّة)
قال الزركشي: سوى آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين وهما قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ(60).

والأصل في ذلك: ما روي عن سعد، عن عمر بن الخطاب قال: الذين يدّلوا نعمة الله كفراً، هما: الأفجران من قريش: بنو المغيرة وبنو أُميّة. أمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر. أو قال: استأصلهم الله يوم بدر. وأمّا بنو اميَّة. فمتّعوا إلى حين (61). وهكذا روي عن الإمام الصادق، وزاد، بلى هي قريش قاطبة (62).

لكن لا دلالة في ذلك على أنّهما نزلتا يوم بدر أو بعده. وإنّما كانت وقعة بدر مصداقاً من مصاديق البوار الذي أنذروا به. أمّا المصداق فهي جهنم يصلونها وبئس القرار. فهذا الاستثناء كان نتيجة عدم التدبّر في تأويل الآية بزعم أنّه السبب الداعي للنزول!

8- سورة الحجر: مكية
قال جلال الدين: ينبغي استثناء قوله تعالي: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ(63). لما أخرجة الترمذي: أنّها نزلت في صفوف الصلاة(64).
وقال الحسن: إلاّ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي ...(65). وقوله تعالى: ﴿كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ(66).

قلت: سياق الاية يأبى حملها على صلاة الجماعة. بشاهد قوله تعالى قبل هذه الآية: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ، وكذا الآية بعدها: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وإنما المعنى: ولقد علمنا بالأموات الماضين وبالأحياء الباقين(67). أمّا رواية الترمذي قهي مقطوعة وفي اسنادها ضعف، مضافاً إلى عدم انسجامها مع الآية.

وامّا استثناء الآية رقم: 87 فمستند غلى قول مجاهد: إنَّ سورة الفاتحة نزلت بالمدينة. وتقدّم انّها هفوة منه، والإجماع على خلاف قوله(68).

وأمّا آية المقتسمين، فزعمها نزلت في اليهود والنصارى ممّن آمنوا ببعض القرآن وكفروا بالبعض(69). لكنّه زعم باطل، لأنّ اليهود لم يؤمنوا بالقرآن إطلاقاً، ولم يكونوا هم المنزل عليهم. نعم كان إيمانهم بالكتب النازلة عليهم كذلك يؤمنون بالبعض ويكفرون بالبعض.

والصحيح أنّ الآية المذكورة نزلت في المشركين الذين جعلوا من القرآن بعضه سحراً وبعضه أساطير الأوّلين وبعضه مفترى وغير ذلك، وكانوا يتفرّقون على أبواب مكّة يصدّون الناس عن القرآن ويقولون على الله الكذب(70).

وقد روى العياشي عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): أنّها نزلت في قريش(71).

1- الإتقان: ج1 ص14.

2- الانفال: 30.

3- فتح الباري: ج9 ص38.

4- الإتقان: ج1 ص12 و14.

5- تفسير العياشي: ج1 ص353ح1. ومجمع البيان: ج4 ص271. والدر المنثور: ج3 ص2.

6- الإتقان: ج1 ص37.

7- البرهان: ج1 ص199.

8- الإتقان: ج1 ص15.

9- عند استثناء الآيات رقم: 7و8و9.

10- الانعام: 20.

11- الانعام: 23.

12- العنكبوت: 46 و 47.

13- الانعام: 91.

14- الكشف عن القراءات السبع: ج1 ص440.

15- تفسير الطبري: ج7 ص177. ومجمع البيان: ج4 ص333.

16- جامع البيان: ج7 ص178. وهكذا وافقه سيد قطب في ظلال القرآن: ج7 ص302-303.

17- الآية: 102و160.

18- النحل: 43.

19- الآية: 7.

20- الأنعام: 93.

21- المؤمنون: 12.

22- نفس المصادر.

23- النحل: 106. تفسير الطبري: ج7 ص181

24- النساء: 137.

25- تفسير العياشي: ج1 ص281 ح288. وامّا الذي جاء في التفسير المنسوب إلى علي بن ابراهيم القمي:ج1 ص210 من نزول آية الأنعام(93) بشأن ابن أبي سرح، ففيه من المناكير ما يرفض صدوره من المعصوم (عليه السلام) إذ فيه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يُقرّه على تبديله النّص ويقول له: هو واحد..!!

26- في ظلال القرآن: ج7 ص106و306.

27- الانعام: 114.

28- النحل: 43-44. وفي سورة الأنبياء: 7بدون الذيل

29- الإتقان: ج1 ص15.

30- الانعام: 141

31- راجع الدر المنثور: ج3 ص49. وتفسير الطبري: ج8 ص44.

32- مجمع البيان: ج4 ص375.

33- الانعام: 151.

34- الأنعام: 152.

35- الأنعام: 153.

36- الإتقان: ج1 ص15.

37- الإتقان: ج1 ص9.

38- الفهرست: ص59. وتهذيب التهذيب: ج10 ص247. وميزان الاعتدال: ج4 ص155. ونقدّم ذلك في الصفحة: 148.

39- (40) الدر المنثور: ج3 ص54.

40- تفسير الطبري: ج8 ص60.

41- الدر المنثور: ج3 ص67.

42- الأعراف: 163.

43- الكشف عن القراءات السبع: ج1 ص460.

44- الإتقان: ج1 ص15.

45- معجم البلدان: ج1 ص292.

46- يونس: 40.

47- الإتقان: ج1 ص15.

48- يونس: 94.

49- يونس: 95.

50- يونس: 96.

51- النحل: 43.

52- الإتقان: ج1 ص15.

53- هود: 12.

54- مجمع البيان: ج5 ص146.

55- هود: 17.

56- تفسير التبيان: ج5 ص461.

57- هود: 114.

58- تفسير الطبري: ج12 ص82-83.

59- يوسف 7.

60- الإتقان: ج1 ص15.

61- تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني: ص28.

62- إبراهيم 28-29. البرهان: ج1 ص200.

63- تفسير الطبري: ج13 ص146.

64- تفسير العياشي: ج2 ص229 ح22. وتفسير الصافي:ج1 ص888.

65- الحجر: 24.

66- الإتقان: ج1 ص15.

67- الحجر: 87.

68- الحجر: 90-91. مجمع البيان: ج6 ص326.

69- راجع تفسير الطبري: ج14 ص16و18.

70- راجع الإتقان: ج1 ص12.

71- تفسير الطبري: ج14 ص42.



وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 09-21-2010, 05:44 AM   رقم المشاركة : 19
نورانية بروح علي (ع)
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية نورانية بروح علي (ع)








نورانية بروح علي (ع) غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آله الأطهار و عجل فرجهم يا كريم .,

أحسنتم و بارك الله فيكم عزيزتي .,

وفقكم الله .,







التوقيع

رُوي عن جدي النبي (صل الله عليه و آله):

(إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خُلقاً، وأشدكم تواضعاً)


رُوي عن الإمام الجواد سلام الله عليه :

( تَوسَّدِ الصَّبر ، واعتَنِقِ الفَقر ، وارفضِ الشَّهَوَات ، وخَالف الهوى ، واعلَم أَنَّكَ لَن تَخلُو مِن عَينِ الله ، فانظُر كَيفَ تَكُون )


قال جدي الإمام الصادق سلام الله عليه : ( إنا أهل بيتٍ لا نزداد مع الإساءةِ إلا إحسانا)


اللهمّ قنّعْني بما رزقتَني، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني. اللهمّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي، وما قدّرتَه عليّ فاجعلْه ميسّراً سهلا. اللهمّ كافِ عنّي والدَيَّ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيّ خيرَ مكافأة. اللهمّ فرّغْني لِما خلقتَني له، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به، ولا تعذّبْني وأنا أستغفرك، ولا تحرْمني وأنا أسألك .

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
  رد مع اقتباس
قديم 10-20-2010, 11:09 PM   رقم المشاركة : 20
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استثناءات من سور (مكيّة) (2)
9- سورة النحل: (مكيّة)
قال قتادة: إلاّ قوله: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ...(1). وقيل: إلى آخر السورة نزلن بالمدينة(2).

وعن عطاء بن ياسر: استثناء قوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ... إلى آخر السورة - وهن ثلاث آيات - نزلن في حادثة اُحد، بعد مقتل حمزة (عليه السلام)(3).
وفي رواية عن ابن عباس قوله: ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً ... إلى قوله: بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(4). نزلتا بالمدينة(5).

قلَت: أمّا الآية رقم 41 و42 فلا دلالة فيها على أنّ المراد هي الهجرة الثاية إلى المدينة، بل الظاهر منها أنّها: الهجرة الأُولى إلى الحبشة، كما روي ذلك عن قتادة أيضاً(6). وأمّا القول بنزول ما بعد آية الأربعين إلى آخر السورة بالمدينة فلا مستند له وسياق الآيات أيضاً ينافيه.

وأمّا الآية رقم 95 و96 فقيل: نزلت بشأن امرئ القيس الكندي، كان قد غصب أرضاً من عبدان الأشرع الحضرموتي. فشكاه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنكر امرؤ القيس، فاستحلفه فاستعظم أن يحلف كاذباً، فنزلت الآية(7). وهذه القصة وقعت بالمدينة!

لكن القصة لم تثبت، ولهجة الآية عامّة، وسياقها يشهد بانسجامها الوثيق مع آيات قبلها، تهدف تقريعاً عنيفاً باولئك المشركين المعاندين. وملاحظة عابرة بالآية تجعلنا نطمئن بأنّها مرتبطة تمام الارتباط مع الآية رقم: 91 ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ توكيداً منها، وتثبيتاً بموقف المؤمنين آنذاك، فلا يشتروا بما عاهدوا الله عليه ثمناً بخساً: عرض هذه الحياة الدنيا، تجاه ما أعد لهم من عظيم الأجر والثواب وحسن الخاتمة(8).

وأمّا آية ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ فقد اختلف المفسرون فيها على ثلاثة اقوال:

الأول: أنّها نزلت يوم اُحد، عندما وقف النبيّ (صلى الله عليه وآله) على حمزة وقد مُثّل به، فما كان أوجع لقلبه الكريم، فقال: أمَا والله لا مثّلنّ بسبعين، أو قال: بثلاثين منهم مكانك!

وهكذا لمّا سمع المسلمون ذلك، قالوا: لئن أمكننا الله منهم لنمثّلنّ بالأحياء منهم فضلاً عن الأموات، وقال بعضهم: لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب! فنزل جبرئيل بالآية، فكفّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن يمينه وأمسك عن الذي أراد.!

الثاني: أنّها نزلت يوم الفتح، فهمّ المسلمون أن يقعوا في المشركين، ويقتلوهم شرّ قتلة، تشفّيقاً بما كانوا يفعلوا بهم يوم اُحد: كان قد اُصيب من الانصار يومذالك أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزن بن عبد المطلب، وقد مثّل بهم المشركون! فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربينّ عليهم، فلمّا كان يوم فتح مكة، وأمكن الله السلمين من المشركين، نزلت الآية للأخذ من حدّة المسلمين، وأن لا يتجاوزوا حدود ما أنزل الله!

الثالث: أنّها عامّة في كلّ ظلم، يحاول المظلوم الانتقام من الظالم، بعد ما يمكّنة الله منه.

وهذه الآية جاءت مزيجة بين الانتقام العادل والصفح الجميل، الأمر الذي يتناسب مع حالة المسلمين يوم كانوا بمكة. ومن ثم قالوا: إنّها منسوخة بآية القتال. وهي نظيرة قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وقوله: ﴿فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (9). أوائل عهد المسلمين بالمدينة.

وهذا الرأي الأخير هو الصحيح، نظراً إلى سياق الآية نفسها، وماسبتها الوثيقة مع آيات قبلها وبعدها: قال تعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ....

﴿وَإِنْعَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ.... ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْوَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ(10).

وهذه الآية جاءت تصبّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) على أذى المشركين وتسلّيه عن حزنه عليهم لا حزنه منهم، وهو دليل على أنّ الآية نزلت يوم كان المشركون صموداً تجاه دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومتعرّضين أذاه. وكانت نفوس مؤمنة تأبى تحمّل الضيم، وتحاول الانتقام منهم مهما كلّف الأمر(11).

10- الإسراء: (مكيّة)
قالوا: فيها سبع عشرة آية نزلن بالمدينة، وهن: 26، 32، 33، 57، 60، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 79، 80، 81، 85، 88، 107.

وهذه مبالغة في القول، لا سند لأكثرها، وإليك بعض التفصيل:

الآية الأُولى: قوله تعالى: ﴿وَآتِذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْتَبْذِيراً(12). قيل: نزلت بالمدينة بعدما فتح الله خيبر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعطى فاطمة فدكاً(13).
وأخرج أبوجعفر الطبري عن السدّي عن أبي الديلم، قال: قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لرجل من أهل الشام: أقرأت القرآن، قال: نعم! قال: أفما قرأت في نبي إسرائيل: ﴿وَآتِذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ؟ قال: وإنّكم للقرابة التي أمر الله جل ثناؤه أن يؤتى حقّه؟ قال (عليه السلام): نعم(14).

وأخرج الحافظ الحسكاني حديث نزول الآية بشأن إعطاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) فدكاً، بأسانيد وطرق عديدة(15).

قلت: ولكن ظاهر الآية كونها شريعة عامّة، وظيفة لكلّ مسلم، وجاءت مجملة بوجوب الإنفاق على ذوي القربى والمساكين، كما هو طابع التشريعات ال(مكيّة)، ثم فصّلت حدودها بعد الهجرة بالمدينة.

والآية بعمومها شاملة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو أيضاً مأمور بمواصلة الأرحام والإنفاق عليهم وعلى الفقراء، كأحد المسلمين.

إذن فالآية - لعلّها- نزلت للمرة الثانية بعد فتح خيبر، وبعد ما أفاء الله على رسوله والمؤمنينن نزل بها جبرئيل يذكّره بها وجوب مواصلة قرباه، فدعى فاطمة (عليها السلام) وأعطاها فدكاً، ولا دليل على أنّ الآية نزلت - في أوّل نزولها- حينذاك.

أو لعلّ الآية التي نزلت بخيبر، بشأن مواصلة القربى، كانت غيرها: فقد ورد في حديث (منهال بن عمرو) بالشام - أيضاً- عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿مَّا أَفَاءاللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِيالْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ(16). وأهل القرى: هم بنو قريظة وبنو النضير. والقرى، هي: فدك وخيبر وعرينة وينبع، أصبحت غنائم في يد المسلمين. وقد نزلت الآية بشأنها حينذاك(17).

فلو صحّ أنّ جبرئيل(عليه السلام) جاء بالآية الأُولى أيضاً، فهو تذكير للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بحكم سابق، وتأكيد لحكم حاضر. هذا إذا لم يكن الراوي قد اشتبهت عليه إحدى الآيتين بالأُخرى!

الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَلاَتَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً(18).

الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَلاتَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ(19).
والقائل باستثناء هاتين الآيتين لم يعلل استثناءه بشيئ(20).

ولعلّه نظر إلى ظاهر تشريع حرمة الزنا وقتل النفس، حيث كان تشريع الأحكام بالمدينة!

لكن فاته أن تحديدات الحدود وتفاصيل الأحكام جاءت بالمدينة، أمّا أُسس الشريعة وكليّات الأحكام في صورها الإجمالية فقد جاءت في سور (مكيّة) وبمكة كثيراً. وهاتان الآيتان جاءتا بمكة على نفس النمط.

قال السدّي: آية ﴿وَلاَتَقْرَبُواْ الزِّنَى نزلت يوم لم تكن حدود. فجاءت بعد ذلك في سورة النور - وهي مدنيّة- (21).

وقال الضحّاك في آية القتل: كان هذا بمكة، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) بها. وهو أوّل شيئ نزل من القرآن في شأن القتل، كان المشركون يغتالون أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) يومذاك، فهمّ أصحابه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفعلوا بهم مثل ذلك، فقال جلّ ثناؤه: من قتلكم فلا يحملنّكم عمله على أن تقتلوا أباه أو أخاه أو أحداً من المشركين، كما كانت العادة الجاهليّة جارية على قتل الأخ بأخيه أو آخرين من أفراد قبيلته، فلا يقتلنّ أحدكم إلاّ القاتل نفسه(22).

الآية الرابعة: ﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُالْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ(23).

والآية، بقرينة الآية قبلها تتناسب مع نزولها بمكة، ولم نعرف وجه هذا الاستثناء الذي جاء في المصحف الأميري وغيره!

الآية الخامسة: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِوَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ(24).

جاء هذا الاستثناء في كلام جلال الدين، نظراً لأنّ الآية نزلت في رؤيا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهمّته، رأى بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك، ولم ير ضاحكاً حتى مات (صلى الله عليه وآله)(25).

هذا ... والنبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يكن له منبر بمكة!

وقد تقدّم كلامنا في ذلك، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أُري اعتلاء دعوته المباركة، وأُري أيضاً تطاول أيدي الغاصبين لمنصبه الإلهي فساءه ذلك(26).

السادسة و السابعة والثامنة:
قوله تعالى: ﴿وَإِنكَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَاغَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً.وَلَوْلاَ أَنثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً.إِذاً لَّأَذَقْنَاكَضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً(27).

لاشك أنّ الآيات مكيّات، نزلن بشأن مشركي قريش عرضوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسالمته مع آلهتهم، فنهرهم نهراً، ونزلت الآيات تثبيتاً بموقف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاك المشرّف، وتيئيساً للمشركين نهائياً، لئلا يطمعوا في رسول الله، وهو داعية إلى التوحيد الخالص ونبذ الإشراك كليّاً، أن يجامل فيما يناقض دعوته إلى الله وحده لا شريك له!(28).

ولم نعرف وجهاً صحيحاً لاستثناء هذه الآيات الثلاث، كما جاء في كلام جلال الدين(29) وفي المصحف الأميري وغيرهما!.

التاسعة والعاشرة:
قوله تعالى: ﴿وَإِنكَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّيَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً.سُنَّةَ مَن قَدْأَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً(30).

وجه الاستثناء: ما قيل في سبب نزولهما: أنّ اليهود أتوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: إن كنت نبيّاً فأت الشام أرض الأنبياء، فصدّقهم على ذلك. وغزا غزوة تبوك، لا يريد إلاّ اللحاق بالشام، فلمّا بلغ تبوك أنزل الله عليه هاتين الآيتين، فأمره بالرجوع إلى المدينة، ففيها محياه ومماته ومبعثه يوم القيامة(31).

لكنه معارض بما ورد: أنّهما نزلتا بشأن مشركي مكة، همّوا بإخراج الرسول من مكة بنفس الأُسلوب، قالوا له (صلى الله عليه وآله): كانت الأنبياء (عليهم السلام) يسكنون الشام فما لك وسكنى هذه البلدة! أو همّوا بإخراجه عنفاً، لأنّ الاستفزاز هو الإزعاج بعنف، وظاهر الآية يرجّح المعنى الثاني، كما أنّ المشركين لمّا فعلوا ذلك بعدئذ طبّقت عليهم سنّة الله في الخلق، بدأت بقتلى بدر، وانتهت بفتح مكة وإخراج المشركين منها نهائياً(32).

الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة:
قوله تعالى: ﴿أَقِمِالصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّقُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً. وَمِنَ اللَّيْلِفَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماًمَّحْمُوداً. وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِيمُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَسُلْطَاناً نَّصِيراً.وَقُلْ جَاء الْحَقُّوَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً(33).

زعم المستثني: أنّها من تتمّة الآيتين السابقتين نزولا بالمدينة(34). وهو زعم باطل، بعد أن لم يثبت الأصل فكيف بالفرع!

وقد أخرج أبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس: أنّ قوله: ﴿وقل رب أدخلني مدخل صدق... نزل بمكة قبيل هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم)(35).

على أنّ الآيات في سياقها المتّصل، سبقاً ولحوقاً، بنفسها تشهد بنزولها بمكة، ولا تنسجم مع القول بنزولها في المدينة بشيئ.

الخامسة عشرة:
قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَاأُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً(36).

أخرج جماعة من أهل الحديث: أنّ هذا السؤال كان من يهود المدينة، بعد الهجرة(37).

لكنه معارض بما ورد أنّ هذا السؤال وقع من مشركي قريش، سألوه عن الروح الذي جاء ذكره في القرآن(38) أو أنّ اليهود أو عزوا إلى المشركين توجيه هكذا سؤال إلى محمد (صلى الله عليه وآله). قالوا: فإن أجابكم فليس بنبيّ وإن لم يجبكم فهو نبيّ(39).

هذا مضافاً إلى أنّ ذيل الآية تشهد بأنّها خطاب مع المشركين، وعن عطاء بن يسار: أنّ قوله تعالىّ: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً نزلت بمكة(40).

السادسة عشرة:
قوله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(41).

أَخرج الطبري: أنّ الآية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، بسبب قوم من اليهود جادلوه في تناسق القرآن، فانكروا تناسقه وزعموا أنّ التوراة أنسق منه(42).

لكن رنّة الآية الأخّاذة تشي بنزولها بشأن مشركي قريش تحدّياً معهم حينما سألوه مخاريق غريبة غلى جنب مطاليب تافهة، تجاه نزول القرآن.

وهذه الآية نزلت تمهيداً للتشنيع المتّجه إليهم في آيات بعدها: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا(43). إلى تمام الاربع آيات، والتي تستتبعها إلى الآية السابعة والتسعين. فراجع نفس الآيات.

الآية الأِخيرة وهي السابعة عشرة:
قوله تعالى: ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا44).

قال جلا الدين: نزلت بالمدينة، لما أخرجاه في أسباب النزول(45).

لكنه لم يخرج شيئاً بهذا الشأن، لا في لباب النقول ولا في الدر المنثور!!

والآية بسياقها تشهد بأنّها (مكيّة)، نزلت توبيخاً لصمود المشركين تجاه نزول القرآن وإباءهم عن الإيمان به، وتلميحاً بأنّ هذا العناد هو أثر الجهل الأعمى والتوحّش الفادح الذي تمكّن من نفوسهم القاسيّة، أمّا أهل المدينة والثقافة فإنّهم إذا لمسوا من حقيقة القرآن الواضحة يؤمنون به فوراً بلا ارتياب، كناية بأن هؤلاء المشركين بعيدون عن الحضارة والعلم، ومن ثم هذا التأنّف والشموخ الجاهل!

11- سورة الكهف: (مكيّة)
استثنى بعضهم منها اثنين وثلاثين آية، زعمها نزلت بالمدينة. وهذا إسراف في القول، لأنّ هذا يعني: أنّ ثلث السورة، ولا سيّما ثماني آيات من أوّلها مدنيّة، فكان جديراً ثبتها في المدنيّات!

قال جلال الدين: استثنى من أوّلها إلى قوله: ﴿جُرُزاً الآيات رقم 1- 8 نزلت بالمدينة(46).
ولا دليل لهذا الاستثناء إطلاقاً، مضافاً إلى استلزامه أن تكون السورة مدنيّة لا (مكيّة)! لأنّ الاعتبار في ال(مكيّة) والمدنيّة إنما هو بمفتتح السورة وشيء من آيات من اوّلها. هذا والإجماع منعقد على أنّ سورة الكهف (مكيّة) لا اختلاف فيها(47).

ولعلّ المستثني نظر إلى قوله تعالى: ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا(48).

ولكن ذلك لا يستدعي نزولها بالمدينة لمناسبة وجود اليهود فيها، بل هي عامّة تشمل النصارى والمشركين أيضاً، على أنّ نزول آية بشأن قصّة يهودّية لا تستوجب مقارنة نزولها يوم كانوا ينابذون الإسلام، والآيات بهذا النمط كثيرة في سورة (مكيّة)، وذلك لوجود الصلة القريبة بين اليهود والمشركين قبل مهاجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.

قال أيضاً باستثناء قول تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ... إلى قوله: فُرُطًا(49).

زعمها نزلت في عيينة بن حصن، عرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آنذاك بالمدينة، أن يتباعد مجلس فقراء المؤمنين، إن كان يريد إسلام عظماء البلد(50).

لكن الصحيح أنها نزلت في اُميّة بن خلف، عرض عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك وهو بمكة فدعى النبي (صلى الله عليه وآله) إلى طرد الفقراء وتقريب صناديد قريش(51). ولهجة الآية وسياقها أيضاً تشي بذلك.

وفي المصحف الأميري وتاريخ القرآن للزنجاني: استثناء قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ... إلى قوله: لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا(52). تسع عشرة آية.

زعموا أنّ الذينّ وجّهوا هذا السؤال إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانوا هم اليهود أنفسهم، ومن ثم كان نزول الآيات - بصدد الإجابة - في المدينة(53).

والصحيح أنّ المشركين هم الذين سألوا هذا السؤال، لكن بتعليم من اليهود، كان المشركون بعثوا من يسأل اليهود عن أوصاف رسول الله، فأجابوهم بأسئلة يوجّهونها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن أجاب فهو نبيّ حقاً.
روى أبو جعفر الطبري: أنّ قريشاً بعثت النضربن الحرث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأوّل - التوراة - وعندهم علم ما ليس عندنا، من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنّكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالت لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل، ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب سلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟. سلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فإنّه بنيّ فاتّبعوه... الخ. والحديث طويل وفي نفس الوقت طريف(54).

وفي الإتقان جاء استثناء قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا إلى آخر السورة(55). أربع آيات(56).

هذا... ولم يبيّن سند هذا الاستثناء الغريب! ولعلّه سهو أو جزاف من الكلام، إذ لا شيء في الآيات يصلح دليلاً على مدنيّتها، ولا ورد في تفسيرها ما يتناسب ونزولها بالمدينة!!

نعم روى في الدر المنثور عن مجاهد قال: كان من المسلمين من يقاتل وهو يحبّ أن يرى مكانه، فانزل الله، ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ...(57). لكن لحن الاية وفحواها لا تلتئم وذلك.. وروى الطبرسي عن ابن عباس: لما نزل قوله ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً قالت اليهود، أُتينا التوراة وفيها علم كثير. فأنزل الله ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ... وذلك قال الحسن: أراد بالكلمات العلم(58). لكن هذا لا يدلّ على كونها نزلت بالمدينة كما مرّ غيرة مرة!.

12- سورة مريم: (مكيّة)
قال جلال الدين: استثني منها آيتان(59).

1- آية السجدة: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَمِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ- إلى قوله-: خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً(60).

ويكذبه: أنّ هذه الآية نزلت تعقيباً على الآيات التي سبقتها من أوّل السورة إلى هنا، ذكرت أحوال الأنبياء وأُمم سالفة بتفصيل، ثم جاء مدحهم جميعاً بصورة إجمالية في هذه الآية، كأنّها تلخيص لتلكم السمات والأوصاف، وكانت نتيجة عليها، فأمّا أن نقول بأن جميعها من أوّل السورة إلى هذه الآية مدنيّة أو كلّها (مكيّة)، ولا موقع لهذا الاستثناء الغريب، والذي لم يبيّن المستثنى سنده في ذلك!!

2- قوله تعالى: ﴿وَإِنمِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً(61).

وهذه كسابقتها مرتبطة تمام الارتباط بآيات اكتنفتها سبقاً ولحوقاً، بما لا يدع مجالا لاستثنائها وحدها.

13- سورة طه: (مكيّة)
استثني منها آيتان: الأُولى قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا(62).
لكن الآية تفريع على آيات سبقتها، مضافاً إلى لهجتها الخاصّة بآيات (مكيّة). وورد في تفسيرها ما يؤكّد نزولها بمكة(63).

الثانية قوله تعالى: ﴿لاَتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ...(64).

قال جلال الدين: لما أخرجه البزّار عن أبي رافع، كان بعثه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك، فنزلت الآية(65).

لكن القصة - على فرض صحّتها- لا تصلح داعية لنزول هذه الآية بشأنها، ولا مناسبة بينها وبين فحوى الآية رأساً.


المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة



1- راجع الميزان: ج12 ص205.

2- تفسير العياشي: ج2 ص151-252 ح43و44.

3- النحل: 41.

4- الإتقان: ج1 ص15. وفي مجمع البيان: ج6 ص347 نسبه إلى الحسن وقتادة.

5- الدر المنثور: ج4 ص135.

6- النحل: 95-96.

7- مجمع البيان: ج6 ص347.

8- الدر المنثور: ج4 ص118.

9- مجمع البيان: ج6 ص384.

10- راجع الدر المنثور: ج4 ص129.

11- البقرة: 190 و191.

12- النحل: 125 و 126 و127.

13- راجع مجمع البيان: ج6 ص393. والدر المنثور: ج4 ص135.

14- الاسراء: 26.

15- الدر المنثور: ج4 ص177. ومجمع البيان: ج6 ص411.

16- تفسير الطبري: ج15 ص53.

17- شواهد التنزيل: ج1 ص338- 341.

18- الحشر المدنية: 7.

19- مجمع البيان: ج9 ص260 – 161. وجاء في الدر المنثور: ج6 ص189 إشارة.

20- الاسراء: 32.

21- الاسراء: 33.

22- تاريخ القرآن لابي عبدالله الزنجاني: ص28.

23- الدر المنثور: ج4 ص179.

24- الدر المنثور: ج4 ص181.

25- الاسراء: 57.

26- الاسراء: 60.

27- الدر المنثور: ج4 ص191.

28- تقدم ذلك في الصفحة: 157.

29- الاسراء: 73 – 74 – 75.

30- راجع مجمع البيان: ج6 ص431. والدر المنثور: ج4 ص194.

31- الإتقان: ج1 ص15.

32- الاسراء: ج76 – 77.

33- مجمع البيان: ج6 ص432. والدر المنثور: ج4 ص195.

34- راجع: نفس المصادر.

35- الاسراء: 78 و 79 و 80 و81.

36- الإتقان: ج1 ص15.

37- الدر المنثور: ج4 ص198. وتفسير الطبري: ج15 ص100.

38- الاسراء: 85.

39- الدر المنثور: ج4 ص199. وتفسير الطبري: ج15 ص105.

40- و (113) راجع مجمع البيان: ج6 ص437 والدر المنثور: ج4 ص199.

41- و (115) تفسير الطبري: ج15 ص106.

42- الاسراء: 88.

43- الاسراء: 90.

44- الاسراء: 107.

45- الإتقان ج1 ص15. وفي الدر المنثور: ج4 ص205: أخرج ابن جرير عن مجاهد: أنّ الذين أُتوا العلم من قبله هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل الله على محمد.. ولكنّ ذلك لا يستدعي نزول الآية بالمدينة، كما لا يخفى.

46- نفس المصدر.

47- راجع الدر المنثور: ج4 ص208.

48- الكهف: 4.

49- الكهف28. الإتقان: ج1 ص15، وتأريخ القرآن لأبي عبدالله الزنجاني: ص29.

50- الدر المنثور: ج4 ص220.

51- أسباب النزول بهامش الجلالين: ج1 ص230. والدر المنثور: ج4 ص220.

52- الكهف: 83 – 101.

53- الدر المنثور: ج4 ص340.

54- جامع البيان: 215 ص127 وج16 ص7. والدر المنثور: ج4 ص210. ولباب النقول بهامش الجلالين: ج1 ص228.

55- الكهف: 107-110.

56- الإتقان: ج1 ص15.

57- الدر المنثور: ج4 ص255.

58- مجمع البيان: ج6 ص499.

59- الإتقان: ج1 ص15.

60- مريم: 58.

61- مريم:71.

62- طه: 130.

63- تفسير الطبري: ج16 ص168.

64- طه: 131.

65- الإتقان: ج1 ص16. وراجع تفسير الطبري: ج16 ص169.



وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 10-27-2010, 10:27 PM   رقم المشاركة : 21
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته



استثناءات من سور (مكيّة) (3)
14- سورة الأنبياء: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا(1) ولم يذكروا سند الاستثناء.
لكن السياق مكيّ بلا كلام. وجاءت نظيرتها في سورة الرعد: 41 أيضاً، ولهجتها (مكيّة)، لولا اتفاق روايات الترتيب على مدنيّتها على ما سبق.

15- سورة المؤمنون: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿حَتَّىإِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم- إلى قوله – مُبْلِسُونَ ثلاث عشرة آية(2).
ولا شاهد لهذا الاستثناء بتاتا. ولعلّ المستثني نظر إلى روايات فسرت العذاب بما أُصيب المشروكون يوم بدر أو يوم الفتح. لكنه غفل عن أنّها تفسير لوعد سابق، لا حكاية عن أمر كان. راجع أبا جعفر الطبري وغيره(3).

16- سورة الفرقان: (مكيّة)
استثني منها ثلاث آيات: 68 و 69 و 70.
لكن الآيات منسجمة مع قريناتها سبقاً ولحوقاً تمام الانسجام، بما يستحيل استثناؤها لوحدها. وفي تفسير الطبري وغيره ما يؤكد نزولها بمكة فراجع(4).

17- سورة الشعراء: (مكيّة)
استثني منها خمس آيات:

1- قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِيإِسْرَائِيلَ(5).

حكى ابن غرس: أنّها مدنيّة(6) ولعلّه لما ورد في تفسيرها من أنّ المراد من علماء بني إسرائيل -هنا- هم: أسد وأُسيد وابن يامين وثعلبة وعبدالله بن سلام(7).

لكن وجة الآية بلا شكّ مع مشركي قريش، وتوبيخ لاذع بهم. أمّا التفسير الوارد فلا يعني نزول الآية بعد إيمان هؤلاء اليهود، وإنّما هو بيان مصداق من مصاديق الآية تحقّقت فيما بعد.

وقد تقدّم(8). مراجعة المشركين إلى اليهود فيما يخصّ معرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكانوا يعرّفونهم خصائص وسمات كانت موجودة فيه (صلى الله عليه وآله) والآية إنّما تعني ذلك، وإنّ هذا شيئ كان يعرفه أهل الكتاب. كما اعترفوا هم قبل هجرته (صلى الله عليه وآله) وإنّما نكروه بعد ذلك طمعاً في حطام الدنيا ولم تعن الآية إيمانهم وإنما عنت معرفتهم. وبذلك لا يصلح التفسير الوارد لتعيين نزول الآية بالمدينة.

2- قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ(9) إلى آخر السورة أربع آيات.

حكي استثناء ذلك عن ابن عباس(10) وسند الاستثناء ما روي أنّها نزلت في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين(11).

لكنه معارض بما هو أقوى سنداً وأكثر عدداً: أنّها نزلت في مشركي قريش، كان شعراؤهم يهجون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقرأها سفلتهم على ملأ من الناس امتهانا بموقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزلت الآية تقريعاً بشأنهم وتنديداً بسلوكهم الشنيئ وقد جاء الطبرسي باسماء هؤلاء المشركين في تفصيل عريض(12). وهكذا رجّحه أبوجعفر الطبري(13).

18- سورة القصص: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ - إلى قوله-: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ(14). أربع آيات.

قيل: نزلت في جماعة من أهل الكتاب كانوا قد أسلموا، منهم: عبدالله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي(15).

وقيل: نزلت في أصحاب النجاشي قدموا المدينة وشهدوا وقعة أُحد(16).

لكن لو صحّ تفسير الآية بالمذكورين فإنّما عنت الأخبار عمّا سيكون لا عمّا كان! فضلا عن معارضة هذا التفسير بتفسيرها بجماعة من أهل الكتاب كانوا مسلمين بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مبعثه، وهم أربعون رجلاً على ما جاء في تفسير الطبرسي وتفسير الطبري وغيرهما فراجع(17).

ويؤكد ما ذكرنا قوله تعالى: ﴿وَلَاتُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَظَلَمُوا مِنْهُمْ...(18).
هذه الآية (مكيّة) وردت بشأن مجادلة أهل الكتاب.

وقوله تعالى - أيضاً-: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُالْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ...(19). وهي (مكيّة) أيضاً بالاتفاق.

وهذه نظيرة الآية المبحوث عنها تماماً، إخبار عمّا سيكون.

واستثنى منها - أيضاً- قوله تعالى: ﴿إِنَّالَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ...(20).

قيل: نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مهاجر إلى المدينة، عند وصوله إلى الجحفة(21) فاآية على الاصطلاح الثاني(22) لا (مكيّة) ولا مدنيّة.

لكن الاختيار المشهور هو المصطلح الأوّل. وعليه فالآية (مكيّة). وقد سبق ذلك.

19- سورة العنكبوت: (مكيّة)
استثني من أوّلها إلى الآية الحادية عشرة، قالوا: نزلن بالمدينة(23) قالوا: نزلت الآيات في أُناس من المسلمين تخلّفوا عن الهجرة، ثم كتب إليهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، فعمدوا إلى المهاجرة فردتهم قريش ووقع بينهم قتال وعنف(24).

لكن الآية عامّة، نزلت في مؤمني مكة وقعوا تحت شدّة، وكانت ابتلاء لهم ليعلم الصادق من الكاذب. وهكذا فسّرها أبو جعفر الطبري(25). وجاءت به الرواية عن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)(26).

هذا فضلا عن أنّ مفتتح السورة لوصحّ نزولها بالمدينة لأصبحت السورة مدنيّة، وفق المصطلح المتقدّم(27) هذا ولم يخالف أحد في مكيّتها.

واستثني منها - أيضاً- قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَاوَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(28).

استثناها جلال الدين، لما رواه ابن أبي حاتم - بسند ضعيف- عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، ثم قال (صلى الله عليه وآله) هذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً ولم أجده... قال ابن عمر: فو الله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت: ﴿وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ...(29).

والرواية مطعون في سندها، فضلا عن اضطراب متنها وعدم معقوليّة فحواها!
هذا... وقد روي عن مقاتل والكلبي: أنّها نزلت في جماعة من المؤمنين المستضعفين، ضاق بهم المقام بمكة قبل هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) ووقعوا في عسر وشدّة، فأُمروا بالهجرة إلى المدينة، قالوا: كيف نخرج إلى بلد ليس لنا به دار ولا عقار ولا معيشة! فنزلت الآية: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ - إلى قوله -: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ...الخ(30).

والرواية الثانية أوفق بنصّ بعض الكتاب وأولى بالاعتبار، ومن ثمّ فهي الصحيحة المقبولة!

20- سورة الروم: (مكيّة)
جاء في المصحف الأميري وتاريخ القرآن لأبي عبدالله الزنجاني والمجمع: استثناء قوله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(31).

ولا سند لهذا الاستثناء، فضلا عن ارتباطها الوثيق مع آيات سبقتها وآيات لحقتها!

21- سورة لقمان: (مكيّة)
روي عن ابن عباس: استثناء قوله تعالى: ﴿وَلَوْأَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِسَبْعَةُ أَبْحُرٍ- إلى قوله -: بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(32) ثلاث آيات.

وذلك لأنه (رضي الله عنه) روى في سبب نزولها: أنّ أحبار يهود قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة: إنّا قد أُوتينا التوراة وفيها علم كثير، فقال (صلى الله عليه وآله): إنّها في جنب علم الله قليل، فنزلت الآيات(33).

ولكن التعليل إن كان يتناسب مع الآية رقم: 27 فرضاً، فإنّه لا يتناسب مع الآيتين بعدها، ولا يصلح داعية لنزولهما البتة.

والصحيح أنّ الآيات الثلاث، هي كسوابقها ولواحقها منسجمة بعضها مع بعض وهي جميعاً عرض لعظمة ربّ العالمين، لايدانيه أحد، ولا يماثله شيئ!.... فلا سبب يفصلها عن قريناتها، ومن ثم لا وجه لاستثنائها أصلا.

ولو صحّت الرواية المذكورة عن ابن عباس، فلابدّ أنّه (صلى الله عليه وآله) قرأها عليهم حينما عرضوا عليه ذلك التحدّي الغريب! لا أنّها نزلت حينذاك.

22- سورة السجدة: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاًوَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(34).

قال جلال الدين: لما أخرجه البزّار وابن مردويه عن بلال، قال: كنّا جلوساً وناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت(35).

قلت: الآية عامّة. وانسجامها مع قريناتها من آيات بادية الوضوح. فضلا عن عدم التئامها مع فحوى الروياة في شيئ.
وفي المصحف الأميري وتاريخ الزنجاني: استثناء قوله تعالى: ﴿فَلَاتَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ(36).

ولعل ذلك نظراً لأنّها تتميم للآية السابقة. والأصحّ أنّها كسابقتها عامّة.

وروي عن ابن عباس: استثناء قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَمُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً - إلى قوله- نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(37).

وذلك لما روي بطرق وأسانيد كثيرة ومعتبرة: أنّها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) والوليد بن عقبة بن أبي معيط، في مشاجرة جرت بينهما يوم بدر، قال له الوليد: اسكت فإنّك صبيّ وأنا أبسط منك لسانا وأحدّ منك سنانا وأردّ منك للكتيبة! فقال له علي (عليه السلام) على رسلك فإنّك فاسق، وليس كما تقول.

أخرجها أبو الفرج الإصبهاني في كتاب الأغاني، والواحدي في أسباب النزول وابن مردويه. والخطيب البغدادي. وابن عساكر من طرق عن ابن عباس. وأخرجها ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار. وأخرجها ابن أبي حاتم عن السدّي وعبد الرحمان بن أبي ليلى. فالمؤمن الذي عنته الآية الكريمة هو علي بن أبي طالب والفاسق هو الوليد(38).

وأخرجها الحافظ الحسكاني باثنى عشر طريقاً، ربّما بلغت بذلك حدّ التواتر(39).

قلت: سياق الآية عام، وهي مرتبطة مع بقيّة الآيات، سابقة ولاحقة. يبدو ذلك لأدنى مراجعة إلى السورة.

نعم يجوز نزول آية مرّة ثانية لمناسبة تستدعي ذلك، الأمر الذي حدث في كثير من آيات سوف ننبذه عليها. ويحتمل أنّ المحاورة المذكورة بلغت النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقرأ الآية الكريمة، تطبيقاً مع المورد، فقد فسق الوليد هذا في آيات أُخرى، ونزلت: ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا(40) بشأنه الخاصّ، أخرجه جلال الدين بأسانيد رجالها ثقات(41).

23- سورة سبأ: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنرَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(42).

هذه الآية إشارة إلى أن أهل العلم الواقعيين يؤمنون بهذا الكتاب إيمانا صادقا عن علم ويقين، ولاشكّ أنّ الأمر كذلك، فالنابهون العقلاء وأرباب الفضيلة والكمال، لا يتردّدون في الإيمان بهذا الكتاب العزيز الذي لا ريب فيه، فور معرفتهم به. وهذا شأن كلّ حقّ صريح. وهكذا رجّح هذا المعنى العلاّمة الطبرسي، قال: وهذا أولى، لعمومه... ثم قال: لأّنهم يتدبّرونه ويتفكّرون فيه، فيعلمون بالنظر والاستدلال أنّه ليس من قبل البشر(43).

لكن أبا جعفر الطبري فسّر الآية - ابتداء- بمسلمي أهل الكتاب كعبدالله ابن سلام ونظرائه(44). ومن ثم زعم بعضهم أنذ الآية مدنية نزلت بعد إسلام هؤلاء(45).

هذا... وأبو جعفر لم يستند في تفسيره ذلك إلى نقل مأثور(46) وإنما نقل عن قتادة: أنهم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) السابقين الأوّلين ممّن وجدوا الإسلام حقيقة ناصعة فاحتضنوها عن معرفة ويقين. فنقله يختلف عن رأيه هو!

واستثني منها - أيضاً- قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَلِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ - إلى قوله-:وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(47) سبع آيات.

يروى عن فروة بن مسيك: أنّه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو سمع رجلا يسأله (صلى الله عليه وآله) عن سبأ: جبل أم أرض، رجل أم امرأة؟ فنزلت الآيات، وكان هذا السؤال بعد مرجعه من غزو قبائل سبأ، أرجعه رسول

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّه لم يؤمر بذلك(48).

قال ابن الحصار: وهذا يدلّ على أنّ نزول الآيات كان بالمدينة، لأنّ مهاجرة فروة كانت بعد إسلام ثقيف سنة تسع من الهجرة(49).

لكنه قال بعد ذلك: ويحتمل أن يكون قوله: (اُنزل في سبأ ما أُنزل) حكاية عمّا تقدّم نزوله قبل الهجرة بمكة، لا نزوله حينذاك.

قلت: لو صدقت القصة لابدّ من حمل قوله في ذلك على الحكاية، اذ يبعد جداً نزول آية أو آيات لمجرد سؤال رجل كان جوابه (صلى الله عليه وآله وسلم) كافياً لارضاء حسّ استطلاعه - كما جاء في الرواية- ولم يستدع تفصيلا تعرّضت له الآيات.

على أنّ ملاحظة عبرى بشأن قصة سبأ كما وردت في القرآن تكفي للدلالة على أنّ الهدف منها عامّ كسائر القصص الواردة في القرآن تروم توجيه البشريّة إلى معالم السير الصحيح، تنبيها لها على مواضع الخطأ في حياتها الغابرة لتأخذ منها درساً تسير عليه في حياتها الحاضرة.

والصحيح في قصة فروة بن مسيك: أنّه سأل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن قصة سبأ بعد أن قرأها في القرآن، فسأله (صلى الله عليه وآله) عن سبا أرجل هو أم امرأة، أم هو اسم ارض أم جبل؟ فشرح له النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه رجل من العرب كان له من الأولاد كذا وكذا(50). وهذا يدلّ على تأخر السؤال عن نزول الآيات.

وأخيراً فإنّ الرواية بهذا الشأن عن فروة مضطرية وتناقضة بعضها مع بعض، بما يجعل الاستناد إليها في الحكم بنزول الآيات بشأنها مستحيلا.

فقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن رباح قال: حدّثني فلان-؟- أنّ فروة بن مسيك الغطفاني-؟- قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا نبيّ الله إنّ سبأ قوم كان لهم في الجاهلية غزو. وإنّي أخشى أن يرتدّوا عن الإسلام-؟- أفاُقاتلهم؟ فقال: ما أُمرت فيهم بشيئ بعد، فأُنزلت هذه الآية: ﴿لَقَدْ كَانَلِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ...(51).

انظر إلى هذه الرواية المتفكّكة سنداً وتناً وأًُسلوباً، وعدم أيّ مناسبة بين مضمونها ونزول هكذا آيات!! الأمر الذي يجعلنا نطمئن بأنّها لم تكن من حياكة إنسان نابه يلتفت إلى ما يقوله من كلام!

وهكذا سائر الروايات الواردة بهذا الشأن، فراجع(52).

فان كانت هكذا مناسبات تستدعي نزول قرآن، فأجدر بنا أن نقول: إنّه كان ينزل بلا مناسبه!!

24- سورة فاطر (الملائكة): (مكيّة)
قال الحسن: إلاّ آيتين:

الأُولى: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّارَزَقْنَاهُمْ ...(53).

الثانية قوله: ﴿ثُمَّأَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...(54).

ولعلّ الأُولى لذكر الصلاة فيها...

والثانية من أجل تعقيبها بقوله:﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌبِالْخَيْرَاتِ. فقد روى عكرمة عن ابن عباس: أنّ الظالم هو المنافق...(55).

غير أنّ الصلاة فرضت بمكّة... وكان تطبيق الظالم على المنافق لا يستدعي نزول الآية بالمدينة حيث وفور المنافقين، لأنّه تطبيق وبيان مصداق من ابن عباس، إن صحّ الحديث. واللّفظ عامّ لا يتقيّد بموارد تطبيقه.

25- سورة يس: (مكيّة)
استثنيت منها آيتان:

الأُولى: قوله تعالى: ﴿إِنَّانَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍأحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(56).

أخرج الحاكم والترمذي عن أبي سعيد الخدري، قال: كانت بنوسلمة في ناحية من المدينة، فشكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد منازلهم من المسجد والصلاة معه، فنزلت الآية، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ آثاركم تكتب، فلم ينتقلوا(57).

لكن القصّة لا تصلح سبباً لنزول جميع فقرات الآية، لعدم المناسبة! ولعلّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) استشهد بفقرة منها بعدما شكوا إليه بعد منازلهم، حيث أفضل الأعمال أحمزها.

الثانية: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَالَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُأَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(58). قال ابن عباس: نزلت بالمدينة بشأن المنافقين(59).
لكنّها صريحة في خطابها مع الذين كفروا، وقد نصّ أبوجعفر نزولها بشأن المشركين(60) وهكذا يشهد بذلك سياق الآية ذاتها.

وفي المصحف الأميري وتاريخ الزنجاني: استثناء الآية رقم: 45.

ولعلّه سهو جاء في اشتباه الرقم. وعلى الفرض فسياقها نفس سياق الآية رقم: 47 والكلام فيها هو الكلام في تلك.

26- سورة الزمر: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿قُلْيَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِيهَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّىالصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ61).

نقل السخاوي في (جمال القراء) عن بعضهم: أنّها نزلت بالمدينة(62).

لكن الآية بنفسها تشي بأنّها (مكيّة)، نزلت تحرّض المؤمنين المستضعفين على المهاجرة. وهكذا روي عن ابن عباس(63).

واستثني - أيضاً- قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاًمَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ...(64).

حكى ابن الجرزي عن بعضهم – أيضاً- أنّها نزلت بالمدينة(65).

لكن لهجة الآية الرنّانة الأخّاذة بمجامع القلوب، بذاتها شاهدة على أنّها (مكيّة)، كما أنّ السياق أيضاَ يشهد بذلك، ولا وجه لهذا الاستثناء بتاتاً.

وهكذا استثني منها قوله تعالى: ﴿قُلْيَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ- إلى قوله -:وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(66) ثلاث آيات.

قيل: نزلن في وحشي قاتل حمزة! روي ذلك عن ابن عباس بسند ضعيف(67).

نعم أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس، قال: أُنزلت هذه الآية في مشركي أهل مكة(68) وهكذا فسّرها أبو جعفر بعدّة طريق(69).

قلت: لا يستحق وحشي - وهو وحش في صورة إنس- أن تنزل عليه بالخصوص آية هي ذات صدى عاطفي رقيق، وذات إشارات خفيّة لا يلسمها إلاّ ذووا أفهام ناضجة وقرائح متوقّدة!

قال العلاّمة الطبرسي: ولا يصحّ نزولها بشأن (وحشي) لأنّ الآية نزلت بمكة، ووحشي أسلم بعدها بسنين كثيرة، ولكن يحتمل أن يكون قرئت عليه الآية فكانت سبب إسلامه(70).


المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة





1- الأنبياء: 44. الإتقان: ج1 ص16.

2- المؤمنون: 64 – 77. الإتقان: ج1 ص16.

3- تفسير الطبري: ج18 ص28.

4- تفسير الطبري: ج19 ص26.

5- الشعراء: 197.

6- الإتقان: ج1 ص16.

7- تفسير الطبري: ج19 ص69. والدر المنثور: ج5 ص95.

8- تقدم ذلك في الصفحة: 195.

9- الشعراء: 224.

10- الإتقان: ج1 ص9 و16.

11- الدر المنثور: ج5 ص99. وتفسير الطبري: ج19 ص78.

12- مجمع البيان: ج7 ص208.

13- جامع البيان: ج19 ص78.

14- القصص: 52 - 55.

15- مجمع البيان: ج7 ص258.

16- الإتقان: ج1 ص16.

17- مجمع البيان: ج7 ص358. وجامع البيان: ج20 ص57. والدر المنثور: ج5 ص133.

18- العنكبوت: 46.

19- العنكبوت: 47.

20- القصص: 85.

21- مجمع البيان: ج7 ص268.

22- تقدم ذلك في الصفحة: 129.

23- الإتقان: ج1 ص16.

24- أسباب النزول بهامش الجلالين: ج2 ص32.

25- جامع البيان: ج20 ص83.

26- مجمع البيان: ج7 ص272.

27- تقدم ذلك في الصفحة: 133.

28- العنكبوت: 60.

29- الإتقان: ج1 ص16. والدر المنثور: ج5 ص149.

30- العنكبوت: 56-60. مجمع البيان: ج8 ص290.

31- الروم: 17. تاريخ القرآن لأبي عبدالله الزنجاني: ص30. ومجمع البيان: ج8 ص293.

32- لقمان: 27 – 29.

33- الدر المنثور: ج5 ص167. والإتقان: ج1 ص16.

34- السجدة: 16.

35- الإتقان: ج1 ص16. والدر المنثور: ج5 ص175.

36- السجدة: 17.

37- السجدة: 19-18.

38- راجع الدر المنثور: ج5 ص178. وتفسير الطبري: ج21 ص68. وتفسير النيسابوري بهامش الطبري: ج21 ص72. ومجمع البيان: ج8 ص332.

39-

40- شواهد التنزيل: ج1 ص445-453.

41- الحجرات: 6.

42- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص80-82. واخرجه أيضاً أصحاب مجاميع معتبرة فراجع.

43- سبأ:6.

44- مجمع البيان: ج8 ص378 – 379.

45- جامع البيان: ج22 ص44.

46- الإتقان: ج1 ص16.

47- وفي مجمع البيان: ج8 ص378: أنّه قول الضحّاك.

48- سبأ: 15-21.

49- مجمع البيان: ج8 ص386. وجامع البيان: ج22 ص53. والدر المنثور: ج5 ص231.

50- الاتقان: ج1 ص16.

51- مجمع البيان: ج8 ص386.

52- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص55.

53- تفسير الطبري. والدر المنثور، وغيرهما.

54- فاطر: 29.

55- فاطر: 32.

56- مجمع البيان: ج8 ص399 و409.

57- يس: 12.

58- مجمع البيان: ج8 ص418. والإتقان: ج1 ص16. وتفسير الطبري: ج22 ص100.

59- يس: 47.

60- الإتقان: ج1 ص16. ومجمع البيان: ج8 ص413.

61- جامع البيان: ج23 ص9.

62- الزمر: 10.

63- الإتقان: ج1 ص16.

64- مجمع البيان: ج8 ص492.

65- الزمر: 23.

66- الإتقان: ج1 ص16.

67- الزمر: 53-55.

68- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص63.

69- نفس المصدر.

70- جامع البيان: ج24 ص10.



وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 12-01-2010, 02:29 PM   رقم المشاركة : 22
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

استثناءات من سور (مكيّة) (4)
27- سورة المؤمن (غافر): (مكيّة)
استثنيت منها ثلاث آيات:

الأُولى: قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ(1).

قال الحسن: لأنّها تعني بذلك صلاة المغرب وصلاة الفجر، وقد ثبت أنّ فرض الصلاة نزل بالمدينة(2).

قلت: وهذا غريب! لأنّ الصلاة أوّل ما فرضت فرضت بمكة، وكان المسلمون يصلّون بها جماعة وفرادى. وتقدّم: أنّ الصلاة هي أوّل شيئ جاء به جبرائيل وعلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوضوء والصلاة في بدء بعثته (صلى الله عليه وآله وسلم)(3).

وأيضاً فإنّ صدر الآية: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ دليل على مكيتّها، فضلاً عن السياق المتناسب.

الثانية والثالثة: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَيُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ- إلى قوله- وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(4). قال جلال الدين: أخرج ابن حميد وابن أبي حاتم بسند صحيح -!- عن أبي العالية، قال: إنّ اليهود أتوا النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقالوا: الدجّال منّا يخرج في آخر الزمان... وجعلوا يعظّمون من شأنه، فأنزل الله هاتين الآيتين، وفيهما:﴿لَخَلْقُالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ(5).

قلت: نعوذ بالله من سفاسف الكلام، كيف تنزل آية قرآنية في ردّ مزعومة تافهة تبجج بها يهودي، لتجعل المقايسة بين دَجَل دجّال وخلق السماوات والأرض؟!

ولقد أحسن أبو جعفر الطبري(6) فلم يذكر شيئاً من تلكم الأحاديث الفارغة التي ملأ بها جلال الدين السيوطي تفسيره، ونحن ننزّه القرآن الكريم منها بتاتا!

ثمّ إنّ الآية قارنت بين خلق السماوات وخلق الناس، وجعلت الأُولى أكبر، وهذا دليل على جحود وقع بشأن خلق الإنسان... الأمر الذي يتنافى مع تلك المزعومة السخيفة...

ومن العجيب أنّ مثل الطبرسي(7) انخرط مع أمثال السيوطي في هذا الفراغ التافه!

28- سورة الشورى: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿أَمْيَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً- إلى قوله-:وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ(8) ثلاث آيات.
قيل: نزلن في الأنصار. رواه الطبراني عن ابن عباس بسند ضعيف(9).

وقوله: ﴿وَلَوْ بَسَطَاللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ- إلى قوله- خَبِيرٌ بَصِيرٌ(10).

قيل: نزلت في أصحاب الصفّة، أخرجه الحاكم وصححه(11).

قلت: من المستبعد جداً نزول الآيات الأُولى في الأنصار، إذ كيف يعقل نسبة هذا الكلام إليهم: ﴿افْتَرَى- يعني محمد-عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟!

أمّا الآية الأخيرة فهي عامّة، ولو صحّت الرواية عن علي (عليه السلام) فإنّما تعني شمولها لهم بعمومها، لا أنّها نزلت بشأنهم الخاص، إذ ذلك - على هذا الفرض- قدح لاذع بأهل الصفّة، وحاشا القرآن أن يجرح من عاطفة جماعة من المؤمنين لمكان فقرهم!!

واستثني - أيضاً- قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ- إلى قوله-: فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ(12).
حكى أبو غرس عن بعضهم: أنّهنّ نزلن بالمدينة(13).

غير أنّ السياق مكيّ لا غير، وآيات تقدمتها تأخّرتها مرتبطة بها تمام الارتباط، ممّا يجعل التفكيك مستحيلا، وكلّهن نزلن بشأن المؤمنين في مكة أيام كانوا مستضعفين، هذا لا يشكّ فيه من راجع الآيات.

29- سورة الزخرف: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَامِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ(14).

قال مقاتل: نزلت ببيت المقدس ليلة المعراج(15) وقيل: نزلت بالمدينة(16). لكن الآية مرتبطة بقريناتها المكتنفة بها ارتباطاً وثيقا. ونزلت ب(إيّاك أعني واسمعي يا جارة) فهي (مكيّة) بلا شكّ، نزلت بشأن المشركين. أمّا نزولها في السماء(17) أو ببيت المقدس فلا تجعلها مدنيّة، وإنّما هي (مكيّة) باعتبار نزولها قيل الهجرة، وفق الاصطلاح المتقدّم(18).

وجاء في المصحف الأميري ومقلدته: استثناء آية رقم:54. ولعلّه اشتباه في الرقم.

30- سورة الجاثية: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿قُللِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ(19).
قال قتادة: نزلت بالمدينة(20).

والصحيح: أنّها من آيات الصفح التي نزلت بمكة أيام كان المؤمنون مستضعفين، ومن ثم نسخت فيما بعد، عندما قويت شوكة الإسلام بالمدينة(21).

31- سورة الأحقاف: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿قُلْأَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ(22).

أخرج الطبراني أنّها نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبدالله بن سلام(23).

قلت: ما أغرب ولع المفسّرين بكلّ آية جاء فيها إلماح بإيمان أهل الكتاب فسرعان ما أوّلوها بعبدالله بن سلام وأضرابه؟!

والصحيح: أنّها تشنيع بقريش تقاعست عن الإيمان بدين جاء على يد رجل منهم وعلى لغتهم، ثم يؤمن به غيرهم من بني إسرائيل وغيرهم. وإنّما خصّ بنو إسرائيل بالذكر - هنا- لمزيد عناية العرب آنذاك بهم وثقتهم بعلمهم وثقافتهم.
هذا... وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: أُنزلت هذه الآية بمكة بشأن المشركين، وهكذا أخرج أبو جعفر الطبري بعدة أسناد(24).

واستثني - أيضاً- قوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً- إلى قوله-: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25) خمس آيات. قيل: نزلت الآيات في أبي بكر حيث برّ بوالديه وفي ابنه عبد الرحمان عندما عقّ والديه، وهما لا يحاولان إسلامه(26).

لكن الآيات في كلا الموضعين عامّة، بدليل صيغة الجمع تعقيباً على كلّ من الفقرتين، فالآيات تصوير تفصيلي عن الذي يبرّ بوالديه والذي يعقّهما بصورة عامّة(27).

وعلى تقدير نزولها بشأن أبي بكر وابنه عبد الرحمان فلا موجب لعدّها مدنيّة بعد أن كانت تلك القصة بشأنها - على فرض الصحّة- بمكة.

وكذلك لأوجه لاستثناء قوله:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ(28).

بعد أن كانت لهجتها (مكيّة)، وسياق لحنها موجّه إلى مشركي قريش، نزلت أيام كان المسلمون على ضعف ومن ثم نسخت بعدئذ بآية القتال.

32- سورة ق: (مكيّة)
أخرج الحاكم وغيره: أنّ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِيسِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ(29) نزلت بالمدينة، ردّاً على مزعومة يهوديّة، قالوا: إنّ الله استراح يوم السبت بعد أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام من يوم الأحد إلى يوم الجمعة(30). وزاد في المجمع عن الحسن إلى قوله ﴿وَقَبْلَ الْغُرُوبِ(31).

قلت: أمّا نزولها ردّاً على تلك المزعومة الباطلة فنعم، وأمّا أنّها نزلت بالمدينة فلا! وذلك لأنّ العرب - كما سبق مراراً- كانوا على اتصال دائم بأهل الكتاب، وربّما كانوا يأخذون منهم تعاليم أو معارف ممّا يخصّ خلق السماوات والأرض، فكانت مشهورة بين العرب المشركين، فهذا الردّ - لو صحّ أنّه ردّ- لا يدلّ على أنّه نزل بالمدينة! فلعلّ الرواية القائلة بأنّها نزلت في اليهود، إنّما تعني ما ذكرنا، أي نزلت في تعاليم كانوا بثّوها بين العرب.

والشاهد على أنّ الآية (مكيّة): ما جاء تفريعاً عليها: ﴿فَاصْبِرْ عَلَىمَا يَقُولُونَ ... التي هي من آيات الصفح المكيّة، والتي نسخت فيما بعد.

33- سورة النجم: (مكيّة)
استثني منها قوله: ﴿...هُوَأَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِيبُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32).

أخرج الواحدي عن ثابت بن الحرث الأنصاري، قال: كانت اليهود تقول - إذا هلك لهم صبيّ صغير-: صدّيق. فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: كذبوا، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أُمّه إلا انّه شقيذ أو سعيد، فأنزل الله عند ذلك: ﴿هُوَأَعْلَمُ بِكُمْ ...(33).

قلت لو صحّت الرواية فلا دلالة فيها على نزول الآية بالمدينة، فلعلّ قولة اليهود - وهم يبثّون تعاليمهم الفاسدة بين العرب- بلغت الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو بمكة، فنزلت الآية بها!

لكن الرواية المذكورة لا مساس لها بفحوى الآية رأساً، لأنّ قوله: (هُوَأَعْلَمُ بِكُمْ... تعليل لقوله: ﴿وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ.
يعني: إنّ هذا الإنسان مفطور على اقتراف مطاليب أرضيّة سافلة وفقاً لفطرته البشريّة المتركذبة من نزعات ورغبات، والله أعلم بذلك، ومن ثم عهد على نفسه الغفران، رحمة بهذا الإنسان ورأفة بموقفه الخاصّ تجاه رغباته ونزغاته.

واستثني - أيضاً- قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَالَّذِي تَوَلَّى... إلى تمام الآيات التسع(34).

قيل: نزلت في رجل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) عند خروجه إلى غزاة، يطلب مركباً وسلاحاً فلم يجد، فلي صديقاً له فقال: أعطني شيئاً. فقال: أعطيك بكري هذا على أن تتحمّل بذنوبي، فقال: نعم. فنزلت الآيات(35).

لكن الآيات لا تنطبق على فحوى القصة في شيئ وإنّما نزلت في صنديد من صناديد قريش في تفصيل ذكره أبو جعفر الطبري، فراجع(36).

34- سورة القمر: (مكيّة)
استثني منها ثلاث آيات:

الأُولى: قوله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ(37) زعموها نزلت يوم بدر(38). والصحيح: أنها وعد بظفر المسلمين فيما يأتي، فتحقّق يوم بدر(39).

الثانية والثالثة: قوله تعالى: ﴿إِنَّالْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ.فِي مَقْعَدِ صِدْقٍعِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ(40).

ولم يذكر المستثني سبباً لاستثنائهما! كما لا وجه له بعد ملاحظة وحدة السياق، وذلك الانسجام الوثيق.

وجاء في مصحف الأميري: استثناء الآيات رقم: 44 و 45 و46. ولعله اشتباه في الرقم اثبتوه من غير تحقيق.

35- سورة الواقعة: (مكيّة)
استثني منها قوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِّنَالْآخِرِينَ(41) ولعلّه لما رواه ابن مسعود من رؤيا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصّها على أصحابه ثم قرأ عليهم الآيتين(42) وهذه القصة كانت بالمدينة.
لكن قراءته (صلى الله عليه وآله) لا تدلّ على نزولهما حينذاك.

واستثني – أيضاً- قوله: ﴿فَلَاأُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْتَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌكَرِيمٌ.فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ.لَّا يَمَسُّهُ إِلَّاالْمُطَهَّرُونَ.تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّالْعَالَمِينَ.أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِأَنتُم مُّدْهِنُونَ.وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْأَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ(43).

لما رواه مسلم والحاكم وغيرهما: أنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُصيبوا بجدب أو نفدت مياههم في سفر من الأسفار، أو في غزوة تبوك، فشكوا إليه فقام (صلى الله عليه وآله) وصلّى ركعتين ثم دعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت عليهم، فجعل بعض المنافقين يسرّ إلى بعضهم: إنّما مطرنا بنوء كذا، فنزلت الآيات(44).

غير أنّ الآيات تأبى الانطباق على هذه القصة، وأنّها ردّ على ناكري القرآن وحياً من الله العزيز الحميد، ولا مساس لها بقضيّة الأنواء، لا في ظاهر الآيات ولا في فحواها. كما أنّ انسجام الآيات سبقا ولحوقا ذلك الانسجام البديع يجعل من قبول الرواية المذكورة مستحيلا.

36- سورة الملك: (مكيّة)
روي عن ابن عباس: أُنزلت تبارك الملك في أهل مكة إلاّ ثلاث آيات(45).

قلت: ليس معنى هذا الكلام: أنّها نزلت بمكة غير ثلاث آيات نزلن بغيرها! وذلك لأنّه قال: في أهل مكّة، ولم يقل: في مكة أو بمكة!

بل المعنى: أنّ هذه السورة نزلت تقريعاً وتشنيعاً بأهل مكة أي المشركين، فكلّ آياتها تهديد وتوعيد بشأنهم، غير ثلاث آيات تخصّ المؤمنين: أُولاها قوله تعالى: ﴿إِنَّالَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم.... والثانية قوله:﴿هُوَ الَّذِيجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ...

والثالثة قوله: ﴿قُلْ هُوَالرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ...(46).

فالصحيح - كما جاء في حديث ابن خديج-: أنّها نزلت جملة واحدة بمكة(47).

37- سورة القلم: (مكيّة)
حكى السخاوي في جمال القرّاء: استثناء قوله: ﴿إِنَّابَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ - إلى قوله-:لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(48).

سبعة عشرة آية. وقوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِرَبِّكَ- إلى قوله-: فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(49) ثلاث آيات. فهذه عشرون آية زعموها نزلت بالمدينة وزاد في المجمع الآية رقم: 51 والآية رقم: 52(50).

أخرج ابن أبي حاتم وابن جريح: أنّ أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذاً، فاربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحداً، فنزلت: ﴿إِنَّابَلَوْنَاهُمْ...الخ(51).

ولكن لا مناسبة ظاهرة بين كلام أبي جهل هذا وفحوى الآيات المذكورة، ليكون الداعي لنزولها!

والصحيح: أنّها نزلت بشأن المشركين عموماً، انسجاماً مع بقية آيات السورة، وهكذا فسّرها العلاّمة الطبرسي وأبو جعفر الطبري(52).

وأمّا قوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِرَبِّكَ... الخ فهي من آيات الصفح ال(مكيّة) بلا ريب، وما ندري ما وجه هذا الاستثناء الغريب؟!

38- سورة المزّمل: (مكيّة)
استثني منها قوله: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ - إلى قوله-: وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً(53).

حكاه الاصبهاني(54) لكن الآيتين تصبير للنبيّ (صلى الله عليه وآله) تجاه أذى المشركين، وتوعيد بهم، فهما آيات الصفح الـ(مكيّة)، ولا وجه لعدهما مدنيّتين.

وحكى ابن الغرس استثناء قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَيَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ - إلى قوله-: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(55).

قال جلال الدين: ويردّه ما أخرجه الحاكم: أنّه نزل بعد نزول صدر السورة بسنة، وذلك حين فرض قيام الليل في أوّل الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس(56) وهكذا أخرج عبد بن حميد عن عكرمة، قال: لبث المسلمون بعد نزول: ﴿يَا أَيُّهَاالْمُزَّمِّلُ.قُمِ اللَّيْلَ... سنة فشقّ عليهم وتورّمت أقدامهم، حتى نسختها آخر السورة: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ(57).

قلت تمسّك القائل بمدنيّة الآية بأنّ الصلاة والزكاة لم تفرضا بمكة(58) وهو استدلال غريب، لأنّ الصلاة هي أُولى فريضة فرضت بمكة(59) أمّا الزكاة فليست هي الزكاة المفروضة بحدود وأنصبة مقررة، وإنّما هي مطلق التصدّق وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(60). وقوله: ﴿لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ(61).

نعم جاءت تفاصيل حدودها وأحكامها بالمدينة، أمّا أصلها فكانت واجبة بمكة بلا شك.

وليته تمسّك بقوله: ﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والقتال لم يشرّع أصلا إلاّ بالمدينة. لكنّه على تقدير أن يراد بالقتال: هو ما يقع فعليّاً، لا ما سيفرض وسيقع بعد ذلك! والاحتمال الثاني أوجه، نظراً إلى أنّه تعالى - في هذه الآية- يذكر أسباب رفع ذلك التكليف الأوّل الشديد وتبديله إلى تكليف آخر خفيف. ومن تلك الأسباب تشريع القتال بعدئذ، من غير أن يكون هنا دليل صريح على إرادة فعليّته حينذاك.

39- سورة المرسلات: (مكيّة)
قالوا باستثناء: قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ(62).

قال مقاتل: نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة، فقالوا: لا ننحني، فإنّ ذلك سبّة علينا(63) وثقيف أسلمت بالمدينة.

لكن وجه الآية وسياقها مع المكذّّبين، وهم مشركو العرب، ولا معنى لأن يكون هذا الموضع من السورة خلواً من هذه الآية إلى أواخر سني الهجرة ثم تكتمل. إذ ذلك يخلّ بفصاحة السورة ويخلخل من نظمها المنسجم.

على أنّ الركوع هنا بمعنى: الخضوع لله والانقياد التامّ لأوامره ونواهيه، لا اركوع المصطلع جزء من الصلاة. وهذا هو اختيار أبي جعفر الطبري(64). كما جاء بهذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ(65). راجع تفسير شبر في هذا الموضوع قال: أو أريد به الخضوع والانقياد للحق. وقال - في سورة المرسلات - بصورة جزميّة: وَإذَا قِيل لَهُمْ ارْكَعُوا: سلّموا واخشعوا أو انقادوا(66). إذن فلا مساس للآية بقضيّة إسلام ثقيف، بل هي عامّة حكاية عن صمود المشركين أمام الحقّ الصراح.

40- سورة المطفّفين: (مكيّة)
قالوا: نزل صدرها في المدينة أوّل قدوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليها فقد كان أهل المدينة من أخبث الناس كيلاً، فأنزل الله(عزّوجلّ): وَيْلٌ لِِلْمُطفِّفِينً - إلى تمام تمام الست آيات- فأحسنوا لكيل بعد ذلك(67).

وقد تقدّم: أَنّه من المستبعد جداً مواجهة الرسول (صلى الله عليه وآله) للأنصار بهكذا آيات ذوات لهجة عنيفة، في أوّل لقياه معهم في دارهم التي آووه إليها، وشمّروا ساق الجدّ لمؤازرته ونصرته، عاهدوه على أنفسهم وأموالهم في
سبيل إعلاء كلمة الإسلام.

والصحيح: أنّها بأجمعها (مكيّة)(68).

وكانت هناك استثناءات من سور (مكيّة) تركناها خوف الإطالة، ولعدم الاستناد إلى حجّة مقبولة. كالاستثناء من سورتي الليل والماعون ذكرهما السيوطي في الإتقان.

الهوامش:
(69) جاءت في المصحف الأميري المطبوع بالقاهرة بإذن مشيخة الأزهر وبإشراف لجنة مراقبة البحوث الإسلاميّة، استثناءات بأرقام كبيرة، لكنّه تقليد محض لا أصل لأكثريّتها الساحقة. وهكذا سجّلها من غير تحقيق الشيخ أبو عبدالله الزنجاني في تاريخ قرآنه.

أضف إلى ذلك تناقضات جاءت في هكذا اختيارات تقليديّة:

مثلاً: جاء في المصحف الأميري أنّ سورة الم تنزيل - السجدة- نزلت بعد سورة المؤمن، وأنّ سورة حم تنزيل – فصلت- نزلت بعد سورة غافر! في حين أنّ المؤمن وغافر اسمان لسورة واحدة!

وأثبت أبو عبدالله في تاريخ قرآنه قائمتين بشأن ترتيب نزول السور فذكر في القائمة الأُولى: أنّ سورة الأنعام نزلت بعد الحجر. وفي الثانية: أنّها نزلت بعد الكهف! كما ذكر في الأُولى أنّ الأعراف نزلت بعد ص وفي الثانية: نزلت بعد الأنفال! وذكر أنّ السور ال(مكيّة): 85. والسور المدنيّة: 28. ولم يلتفت أنّها تنقص مجموع سور القرآن بواحدة! وأظنّه في ذلك قلّد الإمام بدر الدين الزركشي!!

كما جاء في مصحف مطبوع في إيران على عهد القاجاريّة قائمتان، الأُولى تسجّل عام نزول كلّ سورة، والثانية تسجّل ترتيب النزول. فجاء في الأُولى: نزلت الصافات في العام الخامس من البعثة، ونزلت الأنعام في العام الثالث عشر. ثم جاء في القائمة الثانية: أنّ الصّافات نزلت بعد الأنعام!! وأمثال هذا التناقض كثير.

المصدر:
كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة


1- مجمع البيان: ج8 ص503.

2- المؤمن: 55.

3- مجمع البيان: ج8 ص512.

4- تقدم ذلك في الصفحة: 125.

5- المؤمن: 56 – 57.

6- الدر المنثور: ج5 ص353. وأسباب النزول بهامش الجلالين: ج2 ص65.

7- جامع البيان: ج24 ص50.

8- مجمع البيان: ج8 ص528.

9- الشورى: 24-26.

10- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص68.

11- الشورى: 28.

12- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص68

13- الشورى: 39 – 41.

14- الإتقان: ج1 ص16. وزاد في مجمع البيان: ج9 ص20 الآية رقم 23 و 38 عن الحسن وقتادة، لكنّه لم يذكر سند الاستثناء، وهما كسائر آيات السورة ذواتا لهجة (مكيّة) والسياق نفس السياق.

15- الزخرف: 45.

16- مجمع البيان: ج9 ص38. والدر المنثور: ج6 ص19.

17- الإتقان: ج1 ص16.

18- تقدم ذلك في الصفحة: 129.

19- الجاثية: 14.

20- مجمع البيان: ج9 ص70. والإتقان: ج1 ص16.

21- راجع تفسير الطبري: ج25 ص87.

22- الاحقاف: 10.

23- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص72. وتفسير الطبري: ج26 ص8. والإتقان: ج1 ص16.

24- جامع البيان: ج26 ص7. والدر المنثور: ج6 ص39.

25- الاحقاف: 15-19.

26- الدر المنثور: ج6 ص41. وتفسير الطبري: ج26 ص13.

27- مجمع البيان: ج9 ص87.

28- الاحقاف: 35. الإتقان: ج1 ص16.

29- ق: 38.

30- الدر المنثور: ج6 ص110. والإتقان: ج1 ص16.

31- ق: 39.

32- النجم: 32.

33- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص89. والدر المنثور: ج6 ص128.

34- النجم: 33- 41.

35- الدر المنثور: ج6 ص128.

36- جامع البيان: ج27 ص41-42.

37- القمر: 45

38- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص90.

39- مجمع البيان: ج9 ص194. وراجع الإتقان: ج1 ص17 و 36. وتفسير الطبري: ج27 ص65.

40- القمر: 54- 55.

41- الواقعة: 39 – 40. الإتقان: ج1 ص17.

42- مجمع البيان: ج9 ص 219.

43- الواقعة: 75- 82.

44- أسباب النزول بهامش الجلالين: ج2 ص92 – 93.

45- الدر المنثور: ج6 ص246.

46- الملك: 12 و15 و29.

47- الدر المنثور: ج6 ص246.

48- القلم: 17 – 33.

49- القلم: 48 – 50.

50- الإتقان: ج1 ص17. ومجمع البيان: ج10 ص330.

51- الدر المنثور: ج6 ص253.

52- مجمع البيان: ج10 ص336. وجامع البيان: ج29 ص19.

53- المزمل: 10 -11.

54- الإتقان: ج1 ص17.

55- المزمل: 20.

56- الإتقان: ج1 ص17.

57- الدر المنثور: ج6 ص280.

58- مجمع البيان: ج10 ص 382.

59- راجع سيرة ابن هشام: ج1 ص259.

60- المؤمنون: 4.

61- فصلت: 7.

62- المرسلات: 48.

63- مجمع البيان: ج10 ص419.

64- راجع جامع البيان: ج29 ص150.

65- البقرة: 43.

66- تفسير شبر: ص46 و545.

67- الإتقان: ج1 ص17. والدر المنثور: ج6 ص324. ومجمع البيان: ج10 ص452.

68- راجع الصفحة: 154.

69- راجع الصفحة: 154.




وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 12-10-2010, 11:54 PM   رقم المشاركة : 23
قلبي نور اليقين
متخرجو مدرسة السير والسلوك








قلبي نور اليقين غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من المتابعين لكم ان شاء الله
بارك الله فيكم وفي جهودكم المثمرة







التوقيع

شكراً لله الذي منحني أباً كأبي
رباه أحفظ لي أبي


اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ رَحْمَتِكَ وَ كَلِمَةِ نُورِكَ وَ أَنْ تَمْلَأَ قَلْبِي نُورَ الْيَقِينِ وَ صَدْرِي نُورَ الْإِيمَانِ وَ فِكْرِي نُورَ النِّيَّاتِ وَ عَزْمِي نُورَ الْعِلْمِ وَ قُوَّتِي نُورَ الْعَمَلِ وَ لِسَانِي نُورَ الصِّدْقِ وَ دِينِي نُورَ الْبَصَائِرِ مِنْ عِنْدِكَ وَ بَصَرِي نُورَ الضِّيَاءِ وَ سَمْعِي نُورَ الْحِكْمَةِ وَ مَوَدَّتِي نُورَ الْمُوَالاةِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ
  رد مع اقتباس
قديم 12-24-2010, 01:44 AM   رقم المشاركة : 24
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجّل فرجهم يا كريم...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


اختنا الفاضله :

بارك الله فيكم عزيزتي ومتابعه مفيدة نتمناها لكم .


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 12-24-2010, 01:46 AM   رقم المشاركة : 25
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي الشبهات المثارة حول المكي والمدني


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الشبهات المثارة حول المكي والمدني
لقد كان موضوع المكي والمدني من جملة الموضوعات القرآنية التي أثيرت حولها الشبهة والجدل وتنطلق الشبهة هنا من أساس هي أن الفروق والميزات التي تلاحظ بين القسم المكي من القرآن الكريم والقسم المدني منه.. تدعو في نظر بعض المستشرقين إلى الاعتقاد بان القرآن قد خضع لظروف بشرية مختلفة اجتماعية وشخصية تركت آثارها على أسلوب القرآن وطريقة عرضه وعلى مادته والموضوعات التي عنى بها.

ويجدر بنا قبل أن ندخل في الحديث عن الشبهات ومناقشتها أن نلاحظ الأمرين التاليين لما لهما من تأثير في فهم البحث ومعرفة نتائجه.

الاول: انه لابد لنا أن نفرق منذ البدء بين فكرة تأثر القرآن الكريم وانفعاله بالظروف الموضوعية من البيئة وغيرها بمعنى انطباعه بها وبين فكرة مراعاة القرآن لهذه الظروف بقصد تأثيره فيها وتطويرها لصالح الدعوة فان الفكرة الأولى تعني في الحقيقة بشرية القرآن حيث تفرض القرآن في مستوى الواقع المعاش وجزءاً من البيئة الاجتماعية يتأثر بها كما يؤثر فيها بخلاف الفكرة الثانية فإنها لا تعني شيئاً من ذلك لأن طبيعة الموقف القرآني الذي يستهدف التغيير وطبيعة الأهداف والغايات التي يرمي القرآن إلى تحقيقها قد تفرض هذه المراعاة حيث تحدد الغاية والهدف طبيعة الأسلوب الذي يجب سلوكه للوصول إليها.

فهناك فرق بين أن تفرض الظروف والواقع نفسها على الرسالة وبين أن تفرض الأهداف والغايات التي ترمي الرسالة إلى تحقيقها من خلال الواقع أسلوبا ومنهجاً للرسالة. لان الهدف والغاية ليسا شيئين منفصلين عن الرسالة ليكون تأثيرهما عليها تأثيراً مفروضاً من الخارج.

فنحن في الوقت الذي نرفض فيه الفكرة الأولى بالنسبة إلى القرآن نجد أنفسنا لا تأبى التمسك بالفكرة الثانية في تفسير الظواهر القرآنية المختلفة. سواء ما يرتبط منها بالأسلوب القرآني أو الموضوع والمادة المعروضة فيه.

الثاني: إن تفسير وجود الظاهرة القرآنية لابد أن يعتبر هو المصدر الأساس في جميع الأحكام التي تصدر على محتوى القرآن وأسلوب العرض فيه. فقد تكون النقطة الواحدة في القرآن الكريم سبباً في إصدار حكمين مختلفين نتيجة للاختلاف في تفسير أصل وجود القرآن وسوف نورد بعض الأمثلة لهذا الاختلاف في الحكم عندما نذكر من شروط في المفسر للقرآن أن يكون ذا ذهنية إسلامية(1).

ومن اجل ذلك فنحن لا نسوغ لأنفسنا أن نقبل حكماً ما في تفسير نقطة حول القرآن الكريم، لمجرد انسجام هذا الحكم مع تلك النقطة بل لا بد لنا أن ننظر أيضاً - بشكل مسبق - إلى مدى انسجام الحكم مع التفسير الصحيح لوجود الظاهرة القرآنية نفسها.

إن الظاهرة القرآنية كما سنشرحه في البحوث القادمة ليست نتاجاً شخصياً لمحمد وبالتالي ليست نتاجاً بشرياً مطلقاً وإنما هي نتاج إلهي مرتبط بالسماء. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نجزم بشكل مسبق ببطلان جميع الشبهات التي تثار حول المكي والمدني لأنها في الحقيقة تفسيرات لظاهرة الفرق بين المكي والمدني على أساس أن القرآن الكريم نتاج بشري.

وبالأحرى يجب أن يقال: إن شبهات المكي والمدني ترتبط في الحقيقة بالشبهات التي أثيرت حول الوحي ارتباطاً موضوعياً لأنها ترتبط بفكرة إنكار الوحي ولذا فسوف نناقش هذه الشبهات بعد التحدث عنها لإيضاح بطلانها من ناحية وتقديم التفسير الصحيح للفرق بين المكي والمدني بعد ذلك من ناحية ثانية.

المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم



1 - راجع بحث شروط المفسر.


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام







التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 02-10-2011, 12:25 AM   رقم المشاركة : 26
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته






الشبهة حول المكي والمدني



للشبهة حول المكي والمدني جانبان: جانب يرتبط بالأسلوب القرآني فيها وجانب آخر يرتبط بالمادة والموضوعات التي عرض القرآن لها في هذين القسمين وفي كل من القسمين تصاغ الشبهة على عدة إشكال نذكر مها صياغتين لكل واحد من القسمين.

أ - أسلوب المكي يمتاز بالشدة والعنف والسباب فقد قالوا: إن أسلوب القسم المكي من القرآن يمتاز عن القسم المدني بطابع الشدة والعنف بل السباب أيضاً. وهذا يدل على تأثر محمد بالبيئة التي كان يعيش فيها لأنها مطبوعة بالغلظة والجهل. ولذا يزول هذا الطابع عن القرآن الكريم عند ما ينتقل محمد إلى مجتمع المدينة الذي تأثر فيه - بشكل أو بآخر - بحضارة أهل الكتاب وأساليبهم وتستشهد الشبهة بعد ذلك لهذه الملاحظة بالسور والآيات المكية المطبوعة بطابع الوعيد والتهديد والتعنيف أمثال: سورة (المسد) وسورة (العصر) وسورة (التكاثر) وسورة (الفجر) وغير ذلك.

ويمكن أن نناقش هذه الشبهة.

أولا: بعدم اختصاص القسم المكي من القرآن الكريم بطابع الوعيد والإنذار دون القسم المدني بل يشترك المكي والمدني بذلك. كما إن القسم المدني لا يختص أيضا كما قد يفهم من الشبهة بالأسلوب اللين الهادئ الذي يفيض سماحة وعفواً بل نجد ذلك في المكي والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة.

فمن القسم المدني الذي اتسم بالشدة والعنف قوله تعالى ﴿فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين﴾(1).

وقوله تعالى: ﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) (2) ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون﴾ (3)

وقوله تعالى: ﴿إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئاً وأولئك هم وقود النار. كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم اللّه بذنوبهم واللّه شديد العقاب. قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد﴾ (4).

كما نجد في القسم المكي ليناً وسماحة كما جاء في قوله تعالى ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللّه وعمل صالحاً وقال انني من المسلمين. ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾ (5).

وقوله تعالى: ﴿فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند اللّه خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها. فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب اليم. ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ (6).

وقوله تعالى: ﴿ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم. لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين﴾ (7).

وقوله تعالى: ﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم﴾ (8).

وثانياً: انه ليس في القرآن الكريم سباب وشتم. كيف ؟ وقد نهى القرآن نفسه عن السب والشتم حيث قال تعالى: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه عدواً بغير علم﴾ (9).

وليس في سورة (المسد) أو (التكاثر) سب أو بذاءة - كما يحاول المستشرقون ان يقولوا ذلك - وإنما فيهما تحذير ووعيد بالمصير الذي ينتهي إليه أبو لهب والكافرون باللّه.

نعم، يوجد في القرآن الكريم تقريع وتأنيب عنيف وهو موجود في المدني كما هو في المكي وان كان يكثر وجوده في المكي بالنظر لمراعاة ظروف الاضطهاد والقسوة التي كانت تمر بها الدعوة، الأمر الذي اقتضى أن يواجه القرآن ذلك بالعنف والتقريع - أحيانا - لتقوية معنويات المسلمين من جانب وتحطيم معنويات المقاومة من جانب آخر كما سوف نشير إليه قريباً.

ومن هذا التقريع في السور المدنية قوله تعالى ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم. ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين - إلى قوله تعالى - صم بكم عمي فهم لا يعقلون﴾ (10).

وقوله تعالى ﴿وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من اللّه ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النبيين بغير الحق. وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون﴾ (11) وقوله ﴿بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما انزل اللّه بغياً أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين﴾(12).

وقوله تعالى ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون﴾ (13).

وقوله تعالى: ﴿اذ قال اللّه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون. فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين﴾ (14).

وقوله تعالى: ﴿قل هل أُنَبِّئُكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل﴾ (15).

وقوله تعالى: ﴿وقالت اليهود يد اللّه مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان﴾(16).

ب - أسلوب القسم المكي يمتاز بقصر السور والآيات:

وقالوا أيضا إن من الملاحظ قصر السور والآيات في القسم المكي على عكس القسم المدني الذي جاء بشيء من التفصيل والإسهاب. فنحن نجد أن السور المكية جاءت قصيرة ومعروضة بشكل موجز في الوقت الذي نجد في القسم المدني سورة البقرة وآل عمران والنساء وغيرها من السور الطوال.

وهذا يدل على انقطاع الصلة بين القسم المكي والقسم المدني وتأثرهما بالبيئة التي كان يعيشها محمد (ص) فان مجتمع مكة لما كان مجتمعاً أميا لم يكن بقدرته التبسط في شرح المفاهيم وتفصيلها وإنما واتته القدرة على ذلك عند ما اخذ يعيش مجتمع المثقفين المتحضر في يثرب.

وتناقش هذه الشبهة بالامرين التاليين:

الأول: إن القصر والإيجاز ليسا مختصين بالقسم المكي بل يوجد في القسم المدني سور قصيرة أيضا كالنصر والزلزلة والبينة وغيرها. كما أن الطول والتفصيل ليسا مختصين بالقسم المدني بل توجد في المكي أيضاً سور طويلة كالأنعام والأعراف. وقد يقصد من اختصاص المكي بالقصر والإيجاز أن هذا الشيء هو الغالب الشائع فيه.

وقد يكون هذا صحيحاً ولكنه لا يدل بوجه من الوجوه على انقطاع الصلة بين القسمين المذكورين من القرآن الكريم لأنه يكفي في تحقيق هذه الصلة أن يأتي القرآن الكريم ببعض السور الطويلة المفصلة في القسم المكي كدليل على القدرة والتمكن من الارتفاع إلى مستوى التفصيل في المفاهيم والموضوعات.

بالإضافة إلى أن من الملاحظ وجود آيات مكية قد أثبتت في السور المدنية وبالعكس وفي كل من الحالتين نجد التلاحم والانسجام في السورة وكأنها نزلت مرة واحدة الأمر الذي يدل بوضوح على وجود الصلة التامة بين القسمين.

الثاني: إن الدراسات اللغوية التي قام بها العلماء المسلمون وغيرهم دلت على أن الإيجاز يعتبر مظهراً من مظاهر القدرة الخارقة على التعبير وهو بالتالي من مظاهر الإعجاز القرآني. خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار إن القرآن قد تحدى العرب بأن يأتوا بسورة من مثله حيث يكون التحدي بالسورة القصيرة أروع وأبلغ منه حين يكون بسورة مفصلة.

ج - لم يتناول القسم المكي في مادته التشريع والاحكام

وقالوا: إن القسم المكي لم يتناول فيما تناول من موضوعات - جانب التشريع من أحكام وأنظمة بينما تناول القسم المدني هذا الجانب من التفصيل. وهذا يعبر عن جانب آخر من التأثر بالبيئة والظروف الاجتماعية حيث لم يكن مجتمع مكة مجتمعاً متحضراً ولم يكن قد انفتح على معارف أهل الكتاب وتشريعاتهم على خلاف مجتمع المدينة الذي تأثر إلى حد بعيد بالثقافة والمعرفة للأديان السماوية كاليهودية والنصرانية.

وتناقش هذه الشبهة بالأمرين التاليين أيضاً:

أولا: إن القسم المكي لم يهمل جانب التشريع وإنما تناول أصوله العامة وجملة مقاصد الدين كما جاء في قوله تعالى: ﴿قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده...﴾ (17).

بالإضافة إلى أننا نجد في القسم المكي وفي سورة الأنعام بالخصوص مناقشة لكثير من تشريعات أهل الكتاب والتزاماتهم وهذا يدل على معرفة القرآن الكريم بهذه التشريعات وغيرها مسبقاً.

وثانياً: إن هذه الظاهرة يمكن أن تطرح في تفسيرها نظرية أخرى تنسجم مع الأساس الموضوعي لوجود الظاهرة القرآنية نفسها. وهذه النظرية هو أن يقال: أن الحديث عن التشريع في مكة كان شيئاً سابقاً لأوانه حيث لم يتسلم الإسلام حينذاك زمام الحكم بعد. بينما الأمر في المدينة على العكس. فلم يتناول القسم المكي التشريع لأن ذلك لا يتفق مع المرحلة التي تمر بها الدعوة. وإنما تناول الجوانب الأخرى التي تنسجم مع الموقف العام كما سوف نشرح ذلك قريباً.

د - لم يتناول القسم المكي في مادته الادلة والبراهين:

وقالوا: إن القسم المكي لم يتناول أيضاً الأدلة والبراهين على العقيدة وأصولها على خلاف القسم المدني. وهذا تعبير آخر أيضاً عن تأثر القرآن بالظروف الاجتماعية والبيئة اذ عجزت الظاهرة القرآنية بنظر هؤلاء عن تناول هذا الجانب الذي يدل على عمق النظر في الحقائق الكونية عندما كان يعيش محمد (ص) في مكة مجتمع الأميين بينما ارتفع مستوى القرآن في هذا الجانب عندما اخذ محمد (ص) يعيش إلى جانب أهل الكتاب في المدينة وذلك نتيجة لتأثره بهم ولتطور الظاهرة القرآنية نفسها.

وتناقش هذه الشبهة من وجهين:

الأول: إن القسم المكي لم يخل من الأدلة والبراهين بل تناولها في كثير من سوره والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة وفي شتى المجالات.

فمن موارد الاستدلال على التوحيد قوله تعالى: ﴿ما اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من إله. إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان اللّه عما يصفون﴾ (18).

وقوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا فسبحان اللّه رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. أم اتخذوا من دونه آلهة. قل هاتوا برهانكم. هذا ذكر من معي وذكر من قبلي، بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون﴾ (19).

وبصدد الاستدلال على نبوة محمد (ص) وارتباط ما جاء به من السماء: ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون. بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون وقالوا لولا انزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند اللّه وإنما أنا نذير مبين. أوَلم يكفهم انا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون﴾ (20).

وبصدد الاستدلال على البعث والجزاء قوله تعالى: ﴿ونزلنا من السماء ماء مباركاً فانبتنا به جنات وحب الحصيد. والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج﴾ ﴿أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد﴾ (21).

وقوله تعالى: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون﴾ (22)

وقوله تعالى: ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ؟ ساء ما يحكمون. وخلق اللّه السموات والأرض بالحق لتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون﴾ (23).

وهكذا تتناول الأدلة جوانب أخرى من العقيدة الإسلامية والمفاهيم العامة:

الثاني: انه لو تنازلنا عن ذلك فمن الممكن تفسير هذا الفرق على أساس مراعاة طبيعة موقف المواجهة من الدعوة حيث كانت تواجه الدعوة في مكة مشركي العرب وعبدة الأصنام. والأدلة التي كان يواجه القرآن بها هؤلاء أدلة وجدانية من الممكن أن تستوعبها مداركهم ويقتضيها وضوح بطلان العقيدة الوثنية. وحين اختلفت طبيعة الموقف وأصبحت الأفكار المواجهة تمتاز بكثير من التعقيد والتزييف والانحراف كما هو الحال في عقائد أهل الكتاب اقتضى الموقف مواجهتها بأسلوب آخر من البرهان والدليل أكثر تعقيداً وتفصيلاً(24).




1- البقرة: 24.

2- البقرة: 275 و278 - 279.

3- البقرة: 275 و278 - 279.

4- آل عمران: 10-12.

5- فصلت: 33-35.

6- الشورى: 36-43.

7- الحجر: 87-88.

8- الزمر: 53.

9- الانعام: 108.

10- البقرة: 6-18 و61 و90 و171.

11- البقرة 61 و90 و150.

12- البقرة 61 و90 و150.

13- البقرة 61 و90 و150.

14- آل عمران: 55 و56.

15- المائدة: 60 و64.

16- الانعام: 151 - 152.

17- الإنعام: 151 - 152.

18- المؤمنون: 91.

19- الانبياء: 22 - 24.

20- العنكبوت: 48 - 51.

21- ق: 9-11 و15.

22- المؤمنون: 115.

23- الجاثية 21-22.

24- اعتمدنا بصورة اساسية - في عرض الشبهات ومناقشتها على ما ذكره الزرقاني في مناهل العرفان: 1/199-232.


* بحمد الله وتوفيقه وسداد أهل البيت عليهم السلام انتهينا من بحث المكي والمدني والشبهات الخاصه فيهما .
تابعونا في بحث نزول القران .

وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام .






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس
قديم 02-10-2011, 05:27 PM   رقم المشاركة : 27
أنوار الإيمان
منتسب سابق لمدرسة السير والسلوك
 
الصورة الرمزية أنوار الإيمان







أنوار الإيمان غير متواجد حالياً

افتراضي رد: المكي والمدني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم يا كريم

بارك الله فيكم وفي جهودكم المباركة
طرح موفق ومبارك ومفيد جعله الله في ميزان حسناتكم
جزيتم خيرا

موفقين لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ


  رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 05:35 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.