بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى في سورة يوسف ( عليه السلام):{ قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} 1
إن من النماذج الراقية للاستغفار والتوبة في القرآن الكريم استغفار النبي يعقوب (عليه السلام) لابنائه العشرة الذي تملكهم الحسد والحقد على أخيهم يوسف (عليه السلام) بسبب تعلق أبيهم به وحبه الشديد جداً جداً وتفضيله له ، ولم يكونوا ليرتضوا انتقال النبوة له من بعد أبيهم يعقوب ( عليه السلام) فلقد كان يروون أحقيتهم بها ، فما كان منهم إلا التخطيط للتخلص منه عبر قتله ، ولكن قام احد اخوة يوسف ( عليه السلام) بانقاذه والعرض عليهم أن يرموه بالجب ليلتقطه بعض الماره وهكذا تم انقاذ يوسف ( عليه السلام) من القتل، وسرعان ما قاموا في اليوم التالي ببيعه على أصحاب القافلة التي قامت باخراج يوسف (عليه السلام) من البئر العميق بدارهم معدودة ، وبهذه الطريقة تمكن هؤلاء الأخوة من تحقيق غايتهم من ابعاد يوسف ( عليه السلام ) عن أبيهم يعقوب ( عليه السلام ) ، ولم يرحم هؤلاء أبيهم يعقوب ( عليه السلام) ولم يعترفوا له بذنب بيعهم لاخاهم ( عليه السلام) رغم لوعة الفراق والألم التي ألمت بهذا النبي العظيم على فراق حبيب قلبه وقرة عينه يوسف ، واتخاده لبيت الاحزان ، بل استمروا في كذبهم عليه بأن قد أكله الذئب لقد واجه النبي يوسف ( عليه السلام) بسبب غيرة وحسد وحقد هؤلاء الاخوة مرارة الاغتراب عن أبيه يعقوب ( عليه السلام) ، وما أن بلغ واستوى حتى ابتلاه الله بعشق زليخه زوجة عزيز ********* ، وتعلقها به ، ولما رفض الانصياع لها ولرغباتها الشيطانية ، وامتنع عن الوقوع في الفاحشة معها حتى قامت هي وزوجها بوضعه في السجن لسنوات طوال ، لم يستطيع النبي يوسف ( عليه السلام) الخروج من السجن الا بعد أن رأى ملك ********* الرؤية التي قام النبي (عليه السلام ) بتفسيرها له ، وانذاره بوقوع القحط على ********* ، وعليهم الاستعداد ، ثم قام بتوجيههم لكيفية النجاة منه ، واستطاع ملك ********* بذلك انقاذ حياة أهلها . لقد أصاب القحط القرى المجاورة ليصل إلى فلسطين حيث يقنط النبي يعقوب ( عليه السلام) وأبنائه ، فما كان منهم إلا التوجه إلى ********* بعد سماعهم عنها وعن عزيزها وعن توفر القمح بها ، حان وقت لقاء النبي يوسف ( عليه السلام) باخوته بعد سنوات من الفراق ، لقد عرفهم ولكن لم يعرفوه ، قام بضيافتهم والاحسان إليهم ، واشترط عليهم قبل مغادرتهم احضار أخيهم الذي قد بقا مع أبيهم ( عليه السلام) لكي يزيد لهم الكيل ، وإن امتنعوا عن احضاره فلا كيل لهم ، عاد الاخوة إلى ********* ، ولقد امتلك قلوبهم الشك من اكرام عزيز ********* لهم دون غيرهم من الناس ، ولقد طلبوا من أبيهم اصطحاب أخيهم معهم في السفر المقبل إلى ********* لكنه رفض خوفاً منه أن يحدث له مثل ما حدث لاخيه يوسف (عليه السلام) وبعد اصرار الابناء على اخذه معهم اخذ عهودهم ومواثيقهم بعدم التفريط به كما فعلوا مع أخيهم ، وأمرهم بالدخول من أبواب متفرقه ،عادوا ل********* ، ووصل خبر وصولهم ليوسف ( عليه السلام) الذي كان بانتظارهم ، واستعان بمعاونيه لاخباره عن وصولهم . التقا عزيز ********* بأخيه بعد طول فراق ، ليستعلم منه عن اخبار ابيه ومدى حزنه عليه ليقوم يوسف (عليه السلام) بالتفكير بكيفية لقاء هذا الاب الذي أذاب قلبه الحزن الشديد ، وطريقة قطع الفراق الطويل بينهما ، وعلم بأنه لابد أن يضحي الأب بأسماعيليه معاً كما ضحى النبي ابراهيم ( عليه السلام) بالنبي اسماعيل (عليه السلام) ، وليتوصل بذلك إلى الاتفاق مع أخيه ( عليه السلام) بأمر الله سبحانه وتعالى على أن يبقى في ********* ، واستطاع بذلك ابقاءه عبر وضع صواع الملك في رحله ، واتهامه بالسرقة ليصبح خادم له ، حاول ابناء يعقوب ( عليه السلام) استرجاع أخيهم ، ولكن لم يستطيعوا ، فما لهم إلا العودة إلى ********* خائبين منكسرين مع بقاء الأخ الأكبر الذي قام بحماية يوسف ( عليه السلام) في ********* إلى أن يأذن له أبيه ( عليه السلام). وصل الأخوة لينصدم الأب بعدم عودة ابنه الذي كان يشم فيه ريح النبي يوسف ( عليه السلام) وعلم باتهامه بالسرقة ، فما به إلا ويكذبهم ، ويعتقد بأن قد مكروا به كأخيه ، بكى الأب على فراق ابنه بكاء شديد ليفقد بذلك بصره من شدة الحزن من هنا التقا بملك الوحي وعلم بأن لابد أن لا يكون في قلبه سوى حب الله عز وجل فلا يمكن أن يجتمع حب الله مع غيره في قلبه ، وعليه لابد أن يضحي بأبنائه لأجل الله وفي سبيله ، ولقد قام ( عليه السلام) بالتضحية ، ومن هنا يبدأ نهاية الفراق بينهما، قام النبي يعقوب (عليه السلام) بارسال أبنائه إلى ********* طالباً منهم البحث عن يوسف وأخيه ، وعليهم أن لا يشعروا باليأس ، وهكذا رحل الأخوة للمرة الثالثة إلى ********* ، لم يستقبلهم عزيز ********* ككل مرة بسبب ما حدث في المرة الأخيرة ، فذهبوا إليه ( عليه السلام) ليتحدثوا معه برقه ، دخلوا عليه وقالوا له :} يا أيُّها العزيزُ مَسَّنا وأهْلَنا الضُّرُّ وجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأوْفِ لَنا الكَيْلَ وتَصَدَّقْ عَلَينا إنّ اللهَ يَجْزي المُتَصَدّقين{ ، لقد استغرب هؤلاء وجود أخاهم بنيامين بأبهى وأفضل صورة ، فهو لايبدو عبداً وخادماً ، وبعض المواجهة الحاسمة التي بينه وبين اخوته ، ولومهم بما فعلوا بأبيهم ( عليه السلام) في تلك اللحظاتِ المُثيرة.. قالَ يوسفُ وهو يَفيضُ رحمةً لهم:
ـ هَل عَلِمْتُم ما فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وأخيهِ إذ أنتمُ جاهِلون ؟!
لقد نَسِيَ يوسفُ كلَّ الآلام التي سَبّبها إخوتُه له ولأبيه.. نَسِيَ كلَّ تلكَ المعاناةِ الطويلة. أراد أن يقول لهم فقط إن جَهلكم قد أوصَلَني إلى هذه المكانةِ؛ لأن الله قد اختارَني ومَنَّ علَيّ وكافأني على صبري وإيماني.
وفي تلك اللحظة.. استيقَظَ الإخوةُ على حقيقةٍ كبرى.. إنّ هذا العزيزَ الذي يَلتَفّ حولَه الحُرّاسُ والجنودُ وصاحبُ الكلمةِ الأولى في ********* هو يوسف!! يوسفُ أخوهُم الذي تآمَروا عليه.. يوسفُ الطيّبُ الطاهرُ الذي كافأهم على الإساءةِ إحساناً ومَلأ لهم أوعيَتَهُم قمحاً وأعادَ إليهم فِضّتهم وأموالَهُم..
هَتَف الإخوة بدهشة:
ـ إنكَ لأنتَ يوسف ؟!
أجابَ يوسفُ وعيناه تَفيضانِ بالدمعِ خشوعاً لله ربِّ العالمين:
ـ نعم، أنا يُوسُفُ وهذا أخِي قَد مَنَّ اللهُ علَينا... إنّه مَن يَتَّقِ ويَصْبِرْ فإنّ اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحِسنين . لقد قام الأخ الأكبر بحمل قميص أخيه يوسف ( عليه السلام) الذي قام النبي يعقوب ( عليه السلام) بإلباسه إياه ، هذا القميص الذي ورثه من أبائه ( عليهم السلام) ليرتد بصيرا ، وعاد الأخوة ليبلغوا أبائهم بأن عليهم جميعاً الذهاب ل********* والسكنه بها ، وترك فلسطين حيث يعيش أخوهم يوسف ( عليه السلام) ، لقد علم النبي يعقوب ( عليه السلام) بما فعل ابنائه ، واشتطاط غضبه ، لم يقبل الصفح عنهم في بداية الأمر بسبب جرمهم بحق أخاهم ( عليه السلام) وتهذيباً له واتباع الشيطان الرجيم ، وعدم الرأفه به والشفقه عليه وهم ينظرون إليه وإلى لوعته على فلذه كبده يوسف ( عليه السلام) ، قام أخاهم بنيامين بالتوسط لهم ، واخبار والده بأن النبي يوسف ( عليه السلام) قد أصفح عنهم وسامحهم ، وما كان لهذا النبي العظيم إلا وأن يصفح على فلذه أكباده ، ويستغفر لهم في وقت السحر بعد أن علم صدق توبتهم إلى الله وندمهم على ما فعلوا بأخيهم ، أعد العدة وقصد إبنه يوسف ( عليه السلام) مع أهله وزوجاته وأحفاده ، وحدث اللقاء بينهم بعد فراق طويل ، ليسعد الأب وتنتهي سنوات الفراق والعذاب .
العبرة والفائدة:
-اتخاد الوسيلة الحقه وهم أهل البيت (عليهم السلام) في طلب الشفاعة منهم (عليهم السلام) لطلب المغفرة والتوبة من الله عز وجل كما فعل أبناء يعقوب عندما قاموا بالتوجه لابيهم طالبين منه أن يستغفر لهم ( عليه السلام).
- إن مع التوجه لابد من صدق التوبة فهي الموجبه لغفران الله تعالى وعليه فلابد أن تكون توبة العبد توبة نصوحه مع معاهدة الله عدم العود مجدداً.
- بإمكان الانسان أن يقوم بالتوسل بإمام زماننا الحجة بن الحسن ( عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأن ينقي القلب ويصفيه فلا يجد الشيطان لهذا القلب مدخلاً للوسوسة والتفرقه بين المجتمع فلا يحدث كما حدث ليعقوب وأبنائه من فراق وشتتات.
07-15-2016, 01:03 AM
استغفار النبي يعقوب عليه السلام لابنائه نموذجاً قرآني للتوبة
