زينب عليها السلام وحوادث واقعة الطف(3)

[مرضية12]

زينب ومحنة حفظ يتامى الحسين عليه السلام- الورقة الثالثة

بقلم فضيلة المحروس /19 نوفمبر 2013

بعد ما فشلت جميع مخططات الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد - الساعد الأيمن لعبيدالله بن زياد لعنهما الله - في زعزعة قوى معسكر الحسين عليه السلام لجأ إلى استخدام أسلوب الضغط على الإمام الحسين عليه السلام وعلى معسكره ففرض حظراً تاماً على مياه الفرات وعسكّر جنوده على جميع أطرافه ومنع أن يتقدم إليه أي أحد من معسكر الحسين ويغترف منه ولو بالمقدار اليسير من الماء .
وعلى أثر ذلك إبتليت أطفال الحسين عليهم السلام بمحنة العطش التي عدّها المؤرخون من أعظم المحن والمآسي التي نزلت على قلب الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء وأخذت منه ومن أصحابه وأهل بيته عليهم السلام مأخذاً عظيماً، حتى أصبح الجميع من شدة العطش يترقب هاجس الموت بين الأونة والأخرى.
وفداء لأخيه الحسين عليه السلام المحتسب الصابر أمام محنة عطش الأطفال تقدّم قمر بني هاشم العباس عليه السلام ونزل إلى المشرعة بعد أخذه الأذن من أخيه، ثم أتى ماء الفرات الذي جعله الله عزّ وجل مباحاً إلى جميع الناس وجعلهم فيه شركاء لا يجوز لأحدٍ منهم منعه، كما جاء ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار .
لكن ذئاب بني أمية وأوباشهم منعوا العباس عليه السلام وحالوا بينه وبين الوصول إليه وملأ قُربه وحملها بالماء إلى مخيمات أطفال أخيه الحسين عليه السلام فرموه بسهامهم وقطعوا جسده الطاهر إرباً إرباً بعد أن قطعوا يمينه ويساره وفضخوا هامته برمح وأصابوا عينه بسهم حتى سقط صريعاً شهيداً.
ووصفه الإمام علي السجاد عليه السلام كما ذكرنا آنفاً: "رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدا أخاه بنفسه...
وقُتل عبد الله الرضيع طفل الحسين الذي حمله أبوه إلى معسكر جيوش بني أمية لعنهم الله لعلهم يستعظموا أمرعطشه ويستعطفوا لحاله ، إلا إنهم بغلظة قلوبهم وقسوتها سقوه الموت وجرعوه من نفس الكأس الذي جرّعوا منه من قبل عمه العباس عليه السلام. فقد رماه حرملة بن كاهل الأسدي لعنه الله، بسهم طويل أصابه في عنقه الطاهر فذبحه من الوريد إلى الوريد على يدي أبيه الشريفتين.
وعلى هذه الحال كانت نهاية حياة أغلب شهداء كربلاء فكل واحد منهم قضى نحبه واستشهد وكبده كانت تتضوع من شدة الجوع والعطش.
وكان للعقيلة زينب عليها السلام أمام صور الموت والقتل الأموي الوحشي دور عظيم ومميز جداً خاض هذه المحنة القاسية والمؤلمة. فقد هاجت منها الروح على أخيها الحسين عليه السلام وأطفاله وأنصاره.
وكانت المصيبة أعظم حين كان الأطفال يحومون حولها ويتشبثون بأذيالها طلبا للماء والمأكل كلما بلغ منهم الجوع والعطش مبلغه
فقد جفت الأفواه وذبلت الأجساد وتمزقت الأكباد والعقيلة زينب عليها السلام لا تملك أن تفعل لهم شيئاً في تلك اللحظات الحرجة فتسدّ به رمق جوعهم وعطشهم. فكانت تستجمع من حولها وتحثهم على الثبات والصبر وشدّ العزائم.
يبدو إن درجة الجوع الذي كان يعاني منه أطفال الحسين عليه السلام وآله الكرام قد بلغ مبلغه في عاشوراء المقدسة وحتى كان في مستوى العطش الذي امتحنوا به إلا أن مؤرخي التأريخ آنذاك لم يلفتوا النظر إلى هذه المسألة ولم يعطوها حقها بالكامل لأنها كانت تعد في العادات العربية إحراجاً وعيباً فالإنسان العربي يبقى صابراً محتسباً على تضور جوعه دون أن يعلن عنه على عكس حاجته للماء.
فلا يمكن تصور حجم ما تحملّته عقيلة بني هاشم زينب عليها السلام في هذه المحنة العظيمة، فقد كان الصبر فيها سلاحها وشعارها الذي كان يزيدها ثباتا، كيف لا يكون ذلك وهي التي ألزمت نفسها منذ البدء بالوقوف بجانب أخيها الحسين عليه السلام وملازمة جميع المحن معه في كربلاء المقدسة مهما كانت الظروف. وكانت تعلم حينها علم اليقين أنها لا زالت في بدايات تلك المحن وإن المقبل والآتي عليها أشد وأصعب .
فأوجبت على نفسها الكريمة الصبر على هذه المحن الشديدة ولا سيما أنها المثل والقدوة الحسنة لنسوة وأطفال أخيها عليه السلام وبدونها لا يستقر حال بينهم .
فلا يمكن أن تتساهل السيدة زينب عليها السلام بعدئذ بهذا السلاح "سلاح الصبر" أو تهد أركانه، فبه ستحقق الفوز والنصر والغلبة على يزيد لعنه الله.

تنوية : ممكن إرسال هذه المادة إلى جميع الجهات الإلكترونية لكن بدون تغير