أسباب قسوة القلب
1 - الذنب أكبر أسباب القسوة:
كل ذنب يصدر من الإنسان يزيد في قسوة قلبه وظلمته إلا إذا تاب منه بسرعة.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: " وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ".
قال الإمام الباقر عليه السلام: " ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة ( أي نقطة ) بيضاء، فإذا أذنب خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا تغطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً وهو قول الله عز وجل: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
2 - الأماني تقسي القلب:
قول الأمل أي الأماني والرغبات الدنيوية والأهواء النفسانية التي تتولد للحصول عليها رغبات لا تتناهى... - كما أنه يلزمها وقت طويل لتحققها - هذه الأهواء والأماني حجب مظلمة تغطي قلب الإنسان بحيث لا هو يذكر ربه ولا يطلب قربه ولا يبحث عن رضاه ولا يتذكر آخرته ولا يسعى لتأمين راحته الأبدية وحياته الخالدة, يركض ويسعى ويتوثّب ولكن فقط للوصول إلى الأهواء النفسية وتأمين الحياة الفانية الدنيوية التي هي مشبوهة ولا أساس لها.
وبالتدقيق يعلم أنه لا شيء كالآمال الشهوانية والأهواء الشيطانية والهوس النفساني, يقسي القلب ويجعله مظلماً حالكاً.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
3 - كثرة الأكل تورث قسوة القلب:
" كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ". الأعراف 31. أورد في كتاب الأطعمة من وسائل الشيعة اثنين وعشرين حديثاً في ذم كثرة الأكل والنهي عنها, وفي كتاب مستدرك الوسائل أورد سبعة وثلاثين حديثاً ورعاية
للإختصار يكتفى هنا بنقل عدة منها:
قال الإمام الصادق عليه السلام: " أقرب ما يكون العبد من الله إذا خفّ بطنه وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإن القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله عز وجل أنه قال له ليلة الإسراء: " يا أحمد أبغض الدنيا وأهل الدنيا وأحب الآخرة وأهلها قال يا رب ومن أهل الدنيا ومن أهل الآخرة قال أهل الدنيا من كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه.... ".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: من تعود كثرة الطعام والشراب قسا قلبه.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إياكم والبطنة فإنها مقساة للقلب مكسلة عن الصلاة مفسدة للجسد. ويجب العلم بأن كثرة الأكل وإدخال الطعام على الطعام - أي الأكل على الشبع, والشرب رغم الإرتواء - إذا كان مضراً بالبدن فهو حرام وإن لم يكن مضراً فهو مكروه.
وليس لكثرة الأكل ميزان كلي بحيث يقال إن المقدار الفلاني من الطعام يجعل صاحبه كثير الأكل بل إن ذلك يختلف باختلاف الأبدان والأمزجة والحالات مثلاً المقدار الفلاني لشخص ما هو كثرة أكل, إلا أنه لشخص آخر ليس كذلك, بل هو متوسط, ولعل السبب في العلاقة بين كثرة الأكل وقسوة القلب هو أن الطعام الكثير الذي يدخل المعدة يتعب الجهاز الهضمي فلا يقوم بوظيفته بشكل سليم وذلك يفسد الطعام أي لا يتحول إلى جزء من الجسد ولا يغذي, والدم الذي هو خلاصة ذلك الطعام الفاسد يستقر في القلب بكثافته وعدم ويتأثر بذلك القلب المعنوي لأنه مرتبط تمام الإرتباط بهذا القلب الصنوبري والجسماني, متحد معه وقد تقدم أن القلب المعنوي يتصف أيضاً بالصعوبة والقسوة.
ومن الجدير بالذكر أن كثرة الأكل الموجبة للقسوة هي كثرة الأكل الحلال أما الأكل الحرام فإن لقمة منه تسبب القسوة.
وفي وسائل الشيعة كتاب الأطعمة باب كراهة الشبع أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابنه الحسن عليه السلام: ألا أعلمك أربع خصال تستغني بها عن الطب قال بلى قال: لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ولا تقم من الطعام إلا وأنت تشتهيه, وجوّد المضغ وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء وإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب.
4 - كثرة الكلام الحلال تورث قسوة القلب:
إذا كان الكلام حراماً كالكذب, الغيبة, التهمة, النميمة, إهانةالمؤمن وفضح سره, وكل كلام يسبب الفتنة والفساد, فإن الكلمة الواحدة منه تورث قسوة القلب, أما إذا لم يكن الكلام حراماً ولم يكن واجباً ولا مستحباً وليس فيه أي نفع فهو مباح إلا أن زيادته مكروهة وتورث القسوة.
قال الإمام الصادق عليه السلام: كان المسيح عليه السلام يقول لا تكثر الكلام في غير ذكر فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ولكن لا يعلمون.
ومرّ رسول الله صلى الله عليه وآله على امرأة وهي تبكي على ولدها وتقول الحمد لله مات شهيداً فقال صلى الله عليه وآله كيف أيتها المرأة فلعله كان يبخل بما لا يضره ويقول فيما لا يعنيه.
أي أن بخل الإنسان في إنفاق الزائد مما يملك وعدم حفظ لسانه عن الكلام الزائد واللغو أمران يترتب عليهما عدم وصول الإنسان إلى الدرجة العالية وعدم الوصول إلى النجاة التامة منذ ساعة الموت.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.
-----------------------------------------------------------------------------------
مقتطفات من كتاب القلبُ السَّليم للسَّيّد عَبْد الحُسَيْن دَسْتغيْب
وفقكم الله تعالى ببركة وسداد اهل البيت عليهم السلام
(يا علي يا علي يا علي (33))