بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر الله يمنح الإمام الحسين الطمأنينة في عاشوراء
وهذا ما نراه في موارد مختلفة، ففي يوم عاشوراء نرى أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان كلّما اشتدّت به البلايا، ازداد سكينة وأشرق وجهه بهجة وبشاشة[3] ، وما ذلك إلاّ لأنّ تلك الجلوات التوحيديّة كانت تزداد قوّةً وتمكّـنًا في نفسه شيئًا فشيئًا لتصل في آخر المطاف إلى نقطة النهاية والذروة، أي إنّ تلك الجلوات التوحيديّة وتلك الظهورات والفيوضات والأنوار كانت تُضاعف من شوق النفس إلى مبدئها، فيشعر الإمام بأنّه قد اقترب من ذلك الموعد الذي ضرب له، فحاله كمن أعطي موعدًا وهي يترقّبه، ويحدّث نفسه قائلاً: الموعد هو في الساعة الثانية بعد الظهر أو الثالثة، ولا يفصلني عنها سوى أربع ساعات، ولقد سرنا بحمد الله إلى هذه المرحلة وقد صبرنا وصمدنا إلى أن بلغنا هذا النقطة، لقد شملنا اللطف الإلهي إلى الآن... لذا كانت كلمات الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء تدور على أساس التوحيد: « رِضىً بقَضَائِكَ تسْلِيمًا لأمْرِكَ لا معْبُودَ سِوَاك »، فهذه الكلمات ليست بالتي تناسب ميدان القتال وأرض المعركة، ولكنّك ترى أنّ نفس الإمام كلّما كانت تقترب من مرتبة العبوديّة، وكلّما اقترب الأمر من بلوغ منتهاه، فإنّ حالة الشوق والرغبة والابتهاج تزداد وتتضاعف، خلافًا لسائر الناس حيث تجد أنّهم إذا واجهوا [خبر موتهم] فإنّهم يعيشون الاضطراب أن ماذا سيحدث وماذا سيصيبنا؟! نعم لا شكّ أنّ الناس متفاوتون في ذلك، والذين كانوا هناك أيضًا كانوا متفاوتين، ولكن ما وردنا عن الإمام عليه السلام أنّه كان على تلك الحالة، لماذا؟ لأنّ نفسه صارت مستقرّة في مقام الطمأنينة، ومتمحّضة في مقام السكينة ومقام الأمن، تتنزّل عليها الجلوات التوحيديّة، لذا فهو يزداد بهجة وبشاشة مع كلّ قدم يقترب فيها: يفقد حضرة عليّ الأكبر، ثمّ يفقد أصحابه الواحد تلو الآخر ، فيجد نفسه قد تنفّست وسكنت ، كلّ ذلك في عين رعاية جانب عالم الكثرة والاهتمام به [و في عين شعوره بالألم لفقدهم] ورغم التعلّق بالمظاهر والظواهر ـ والذي هو من لوازم مقام الإمامة ومقام الجمع ـ فإنّه من جهة أخرى يرى أنّه: ما شاء الله ها قد تجاوزنا التعلّق بحضرة عليّ الأكبر! لقد مضينا عن هذه المرحلة وقد ساعدنا الله على تجاوزها! لقد جعلني الله أعبر وأتجاوز. لقد تجاوزنا حضرة عليّ الأصغر، وتجازنا عن حبيب بن مظاهر أيضًا، وكذلك تخلّينا عن أبي الفضل العبّاس خير الإخوان الذي لا يمكنك أن تعثر على ما يوازي ذّرة من ظِفره.. لقد تخلّينا عن هذا أيضًا، كما تخلّينا عن إخواننا وعن الأصحاب الذين كنّا نزورهم كلّ يوم في المدينة أوكنّا نأنس بذكرهم، فهناك عبارات عجيبة حول بعض هؤلاء الأصحاب لسيّد الشهداء، رغم أنّ بعضهم كان في الكوفة، كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة، فقد كان الإمام في المدينة، ولكن ما هو ذلك الارتباط القلبيّ الذي كان يربطه بهم، بحيث كانت شهادة حبيب بن مظاهر ثقيلةً عليه حتّى كأنّ ركنًا من أركان الإمام عليه السلام قد انهدّ حين فقده يوم عاشوراء؟!
إنّ هذه هي الأمور التي تمثّل لديهم شؤون الدنيا ، فهي علاقات إلهيّة دنيّويّة، والحقيقة أنّ هؤلاء دنياهم خير من آخرتنا، فكيف بآخرتهم التي لا نعرف عنها شيئًا؟! ويقول الأولياء العظام أنّه عندما سقط حضرة حبيب بن مظاهر على الأرض فقد بدت آثار افتقاده على سيّد الشهداء، فأيّ ارتباط وتعلّق كان عنده حتّى كان أثره كذلك؟! أفتتصوّرون أنّ اجتماع هؤلاء الأصحاب في يوم عاشوراء كان مصادفةً، بحيث جاء هذا من هنا وذاك من هناك والآخر من وراء الجبال، وآخر من الغار وآخر من البحار اتّفاقاً؟! هل كان الأمر كذلك؟! كلاّ، بل كان كلّ واحد منهم قدوةً وأنموذجًا، فاجتمعوا وساهموا في وجود هذه الواقعة.
----------------------
محاضرة ألقيت في ليلة الثلاثاء
الخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة سنة 1432 هـ
في جمع من طلاب العلم وفضلاء الحوزة
ألقاها:
سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه الله
موقع المتقين