عندما ضاع الحسين عليه السلام
روي أن النبي - صلى الله عليه وآله - خرج من المدينة غازيا وأخذ معه علي - عليه السلام - وبقي الحسن والحسين - عليهما السلام - عند أمهما لأنهما صغيران .
فخرج الحسين - عليه السلام - ذات يوم من دار أمه يمشي في شوارع المدينة وكان عمره يومئذ ثلاث سنين ، فوقع بين نخيل وبساتين حول المدينة فجعل يسير في جوانبها ويتفرج في مضاربها ، فمر عليه يهودي يقال له صالح بن رقعة اليهودي فأخذه إلى بيته وأخفاه عن أمه .
بلغ النهار إلى وقت العصر والحسين - عليه السلام - لم يتبين له أثر ، فقاد قلب فاطمة - عليها السلام - بالهم و الحزن على ولدها الحسين - عليه السلام - فصارت تخرج من دارها إلى باب مسجد النبي - صلى الله عليه وآله- سبعين مرة فلم ترا أحدا تبعثه في طلب الحسين - عليه السلام - ثم أقبلت إلى ولدها الحسن - عليه السلام- وقالت له : يا مهجة قلبي وقرة عيني قم فاطلب أخاك الحسين - عليه السلام - فإن قلبي يحترق من فراقه .
فقام الحسن - عليه السلام - وخرج من المدينة وأتى إلى دور حولها نخل كثير وجعل ينادي : يا حسين بن علي ، يا قرة عين النبي ، أين أنت يا أخي ؟
فبينما الحسن - عليه السلام - ينادي إذ بدا له غزالة في تلك الساعة فألهم الله الحسن - عليه السلام - أن يسأل الغزالة فقال : يا ظبية هل رأيتِ أخي حسينا ؟
فأنطق الله الغزالة ببركات رسول الله - صلى الله عليه وآله - وقالت : يا حسن ، يا نور عين المصطفى وسرور قلب المرتضى ويا مهجة فؤاد الزهراء ، اعلم أن أخاك أخذه صالح اليهودي وأخفاه في بيته .
فسار الحسن - عليه السلام - حتى أتى دار اليهودي فناداه فخرج صالح فقال له الحسن عليه السلام : إليّ بالحسين من دارك وسلمه إليّ وإلا أقول لأمي تدعو عليك في أوقات السحر وتسأل ربها حتى لا يبقي على وجه الأرض يهودي ، ثم أقول لأبي يضرب بحسامه لجمعكم حتى يلحقكم بدار بوار ، وأقول لجدي يسأل الله سبحانه أن لا يدع يهوديا إلا وقد فارق روحه .
فتحيّر صالح اليهودي من كلام الحسن - عليه السلام - وقال له : يا صبي من أمك ؟
فقال الحسن عليه السلام : أمي الزهراء بنت محمد المصطفى قلادة الصفوة ودرة صدف العصمة وعزة جمال العالم والحكمة . وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخرة ولمعة من أنوار المحامد والمآثر ، خمرة طينة وجودها من تفاحة من تفاح الجنة ، وكتب الله في صفيحتها عتق عصاة الأمة ، وهي أم السادة النجباء وسيدة النساء البتول العذراء فاطمة الزهراء عليها السلام .
فقال اليهودي : أما أمك فقد عرفتها . فمن أبوك ؟
فقال الحسن عليه السلام : إن أبي أسد الله الغالب ، علي بن أبي طالب ، الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين والمصلي مع النبي في القبلتين والمفدي نفسه لسيد الثقلين ، أبو الحسن والحسين .
فقال صالح : يا صبي قد عرفت أباك ، فمن جدك ؟
فقال : جدي من صف الجليل ، وثمرة من شجرة إبراهيم الخليل ، الكوكب الدري والنور المضيء من مصباح التبجيل المعلقة في عرش الجليل سيد الكونين ورسول الثقلين ونظام الدارين وفخر العالمين ومقتدى الحرمين وإمام المشرقين والمغربين وجد السبطين أنا الحسن وأخي الحسين .
فلما فرغ الحسن - عليه السلام - من تعداد مناقبه إنجلى صداة الكفر عن قلب صالح وهملت عيناه بالدموع وجعل ينظر كالمتحير متعجبا من حسن منطقه وصغر سنه وجودة فهمه ثم قال : يا ثمرة فؤاد المصطفى ويا نور عين المرتضى ويا سرور صدر الزهراء يا حسن ، أخبرني من قبل أن أسلم إليك أخاك عن أحكام دين الإسلام حتى أذعن لك وأنقاد إلى الإسلام .
ثم أن الحسن - عليه السلام - عرض عليه أحكام الإسلام وعرفه الحلال والحرام ، فأسلم صالح وأحسن الإسلام على يد الإمام وسلم أخاه الحسين - عليهما السلام - ثم نثر على رأسيهما طبقا من الذهب والفضة وتصدق به على الفقراء والمساكين ببركة الحسن والحسين - عليهما السلام - .
ثم إن الحسن - عليه السلام - أخذ بيد أخيه الحسين - عليه السلام - وأتيا إلى أمهما ، فلما رأتهما إطمأن قلبها وزاد سرورها بولديها .
فلما كان اليوم الثاني أقبل صالح ومعه سبعون رجلا من رهطه وأقاربه وقد دخلوا جميعهم في الإسلام على يد الإمام إبن الإمام أخي الإمام - عليهم أفضل الصلاة والسلام - ، ثم تقدم صالح إلى الباب باب الزهراء - عليها السلام - رافعا صوته بالثناء للسادة الأمناء وجعل يمرغ وجهه وشيبته على عتبة دار الزهراء - عليها السلام - وهو يقول : يا بنت محمد المصطفى ، عملت سوءا بابنك وآذيت ولدك وأنا على فعلي نادم فاصفحي عن ذنبي .
فأرسلت إليه فاطمة تقول : يا صالح أما أنا فقد غفرت عنك من حقي ونصيبي وصفحت عن ما سوءتني به لكنهما ابناي وابنا علي المرتضى فاعتذر إليه مما آذيت إبنه .
ثم إن صالحا إنتظر عليا - عليه السلام - حتى أتى من سفره وعرض عليه حاله واعترف عنده بما جرى له وبكى بين يديه واعتذر مما أساء إليه .
فقال له الإمام عليه السلام : يا صالح أما أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن ذنبك لكن هؤلاء ابناي وريحانتا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فامض واعتذر مما أسأت بولده .
فأتى صالح إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - باكيا حزينا وقال : يا سيد المرسلين أنت قد أرسلت رحمة للعالمين وإني قد أسأت وأخطأت وإني قد سرقت ولدك الحسين - عليه السلام - وأدخلته داري وأخفيته عن أخيه وأمه وقد سوءتهما في ذلك وأنا الآن قد فارقت الكفر ودخلت في دين الإسلام .
فقال له النبي صلى الله عليه وآله : أما أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن جرمك لكن يجب عليك أن تعتذر إلى الله وتستغفره مما أسأت به قرة عين الرسول ومهجة فؤاد البتول حتى يعفو الله عنك سبحانه .
فلم يزل صالح يستغفر ربه ويتوسل إليه ويتضرع بين يديه في أسحار الليل وأوقات الصلوات حتى نزل جبرائيل إلى النبي بأحسن التبجيل وهو يقول : يا محمد قد صفح الله عن جرم صالح حيث دخل في دين الإسلام على يد الإمام ابن الإمام عليهم أفضل الصلوات والسلام .