اعلم ان العلوم كلها شريفه وفيها عز , ولكن اشرفها واجلها هي معرفة الانسان حقيقة جوهره , اي نفسه , وما تتصرف به الامور حالآ بعد حال الى ان يبلغ اقصى مدى غايته الذي الذي هو قاصد نحوه , وهو ان يلقى ربه , اما في الدنيا قبل فراقها , واما في الاخره بعد الفراق ..ان هذا الباب من العلم هو لب ذوي الالباب , وجذر العلوم وعنصر الحكمه , فاجتهد في طلبه فانك به تنال شرف الدنيا وسعادة الاخره ,
ما هي اشرف الامور التي ينالها الانسان في الدنيا واعلى رتبه يبلغها قبل الموت ؟؟؟ .
نحتاج ان نبين اولآ ما الانسان , اذا كان هو من اعجب الموجودات في هذا العالم , واشرفها تركيبآ , واحسنها صوره , ثم بعد ذلك نذكر الامور التي ينالها ويبلغ اليها فنقول :
ان الانسان انما هو جمله مجموعه من جسد جسماني في احسن صوره , ومن نفس روحاني من افضل النفوس , وان لكل من جزأيه غايه اليها ينتهي , ونهايه اليها يرتقي , فاعلى رتبه ينالها الانسان بجسده , واشرف رتبه يبلغها ببدنه , هي سرير الملك والعز والسلطان على اجساد ابناء جنسه , والقهر والغلبه بالقوه الغضبيه , واما اعلى رتبه ينالها الانسان من جهة نفسه , واشرف درجه يبلغلها بصفاء جوهرها , فهي قبول الوحي الذي به يعلو الانسان على سائر ابناء جنسه , وبه يغلبهم بما يدرك من المعارف الحقيقيه بالقوه الناطقه ,
بعد ان تبين ان النفس اشرف جوهرآ من الجسد , صارت الرتبه التي ينالها الانسان بنفسه اشرف واعلى من التي ينالها بجسده , لان هذه جسمانيه دنيويه , وتلك روحانيه اخرويه , ولما تبين ان الوحي هو اشرف موهبه قد يجدها الانسان في الدنيا , اردنا ان نبين ما الوحي وكيف قبول النفس له فنقول :
ان الوحي هو انباء عن امور غائبه عن الحواس , يقدح في نفس الانسان من غير قصد منه ولا تكلف , واما قبول النفس الوحي فعلى ثلاث اوجه :
منها ما يكون في المنام عند ترك النفس استعمال الحواس ..
ومنها ما يكون في اليقظه عند سكون الجوارح وهدوء الحواس ..
وهما نوعان : اما استماع صوت من غير رؤيه شخص باشارات دائما , واما استماع كلام من غير رؤية شخص كما قال الله تعالى { وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيآ او من وراء حجاب او يرسل رسولآ باذنه } . والحمد لله رب العالمين