بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم يا كريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
يَقُولُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ"
إِذَا كُنْتُ أَكْرَهُ الكُفْر والفُسُوق والعِصْيَان فَلِمَاذَا أَقَع فِيْ المَعَاصِي..؟!
يَقَعُ الْإِنْسَان فِيْ المَعَاصِي لِأنَّهُ غَافلٌ (إِلَهِي لَمْ أَعْصِكَ حِينَ عَصَيْتُكَ وَأَنَا بُرُوبِيَّتِكَ جَاحِدٌ).. لَـاْ يَعْصِب الْإِنْسَان وَهُوَ مُنْكِرٌ لِـ قُدْرَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ؛ لَكِنَّ الغَفْلَةَ تُعْمِيهِ فَيَعْمَى فِيْ لَحْظَةِ الذَّنْبِ عَنِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَإلَّا فَهُوَ يَكْرَهُ الْمَعْصِية وَلَكِنَّهُ يَرْتَكِبُهَا لِأنَّ العَامِل الآخر أَقْوَى مِنْهَا ، عَامِل الشَّهْوَة أَقْوَى مِنْ كِرْهِهِ لِلْمَعْصِيَة فَيَقَع فِيْ المَعْصِيَة ؛ لِذَلِكَ "أُولئكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" لَـا أَنَّهُمْ لَـاْ يَعْصُون ، الله سُبحانه وَتَعَالى كرَّهَهُم فِيْ العِصْيَان لَكِنَّهُمْ يُمْكِنْ أَنْ يَقَعُوا فِيْ المَعْصِيَة.
لِكِنْ مَا السَّبَب الَّذِي دَعَاهُمْ فِيْ الوُقُوع فِيْ المَعْصِيَة..؟!
غَلَبَةِ الشَّهْوَة ( إِلَهِيْ قَلْبي مَحْجُوبٌ وَنَفْسِي مَعْيُوبٌ وَعَقْلِي مَغْلُوبٌ وَهَوائِي غَالِبٌ وَطَاعَتِي قَليلٌ وَمَعْصِيَتِي كَثِيرٌ)
الْهَوَى إِذَا غَلَبَ أَعْمَى البَصَر ، فإذا أَعْمَى البَصَر وَقَعَ الإنْسَان فِيْ المَعْصِيَة ؛ وَلَكِنَّ هَؤلاء الَّذِين يُحِبُّهمُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والَّذِينَ حَبَّبَ إِلَيهم الإيْمَان ، الله يُحبّ هؤلاء ويَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَعْصُونَه وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُبْغِضَهُمْ لِأنَّ هَؤلاء سيتُوبُونَ ؛ لِذَلِكَ جَاءت آية أُخْرَى وَقَالَتْ: "إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ" .. والإمام عليهِ السَّلام يَقُول: والتَّوبَة إِنَّمَا تَكُون عنِ ذنبٍ .." ، وكَثِيرُ الذَّنبِ كَثِيرُ التَّوبَة" ، وكلّ ابن آدنم خَطَّاء ، وخير الخَطَّائين التَّوابين"
يُخْطِئ الإنْسَان لَكِنْ هَذَا لا يَخْرِجَهُ عَنْ كَونِهِ مَحْبُوباً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، تَمَامَاً كَمَا تَتَعَامَل مَعَ ابْنِكَ .. أَنْتَ تُحِبُّ ابْنكَ وقَدْ يَعْصِيكَ ، لَكِنَّهُ عِنْدَمَا يَعْصِيكَ مَا خَرَجَ مِنْ مَحَبَّتِكَ ، أَنْتَ تَكره فعله هَذَا لَكِنْ هُوَ مَحْبُوب لَدَيكَ ؛ فَإذَا أَخْطَأ ورجعَ واسْتَسْمَحَ ، هَذَا يُعْطِيكَ زِيَادَة محبَّة له لِأنَّهُ يَعْتَرِفُ بِخَطَئهِ وَيَسْتَغْفر وَيَرجِع ، أَمَّا إِذَا وَصَلَ إلى حَدّ يَرفُض الرُّجوع بل إِنَّهُ لَا يَعْتَرف بِخَطَئهِ بَل يَقُول أَنَا أَفْعَلُ الصَّحِيح ، ويَكفر بالله وَيَقُول : أنَّ الكُفر هُوَ الحَقّ! .. وَيَسبُّ الْإمَام عليّ عليهِ السَّلام وَيَقُول: سَبُّ الإمام عليّ هُوَ الطَّاعَة لله..!! .. ابن ملجم (لعنة الله عليه) يَقْتُل أَمير المُؤمنين عليهِ السَّلام وَيَقُول إنَّ هَذَا العَمَل هُوَ طَاعَة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، قَلْبُهُ مَقْلُوب بِالكَاملِ ؛ هَذَا يُصْبِحُ مَبْغُوضَاَ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وصلَّ الله عَلَى مُحَمَّدٍ وآلهِ وسلَّم
من كتاب شَرح (مُنَاجاة المُحِبِّين) لسماحة الشِّيخ جعفر المبارك
والسلام خير الختام