بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليك سيدي ومولاي يا بقية الله في أرضهِ ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(كتيّب، كيف ترجع كما ولدتك أمك، باب الحاج)
================================================
الطواف:
وبعد أن ذكرنا مشاهد اللطف الإلهي في أعمال الكعبة وما حولها نبدأ الحديث في الضيافة الربانية الأولى في أعمال الحج والعمرة في داخل المسجد الحرام، وهي ما تتحقق بالطواف حول البيت العتيق حيث:
- يباهي الله بالطائفين (1).
- وينزل عليهم كل يوم ستين رحمة (2).
- ويعطيهم بكل خطوة حسنة.
- ويُمحي عنهم بكل خطوة سيّئة.
- ويرفع لهم بكل خطوة درجة (3).
ومن مظاهر الضيافة الربانية حول الكعبة ما ذكره الإمام الباقر (عليه السلام): (فإذا طفت أسبوعاً كان لك بذلك عند الله عزّ وجلّ عهداً وذكراً يستحي منك ربك أن يعذبك بعده).
فإذا تكرر الطواف من العبد منحه الله العطيَّة الكبرى الواردة في الحديث: (من طاف بالبيت خمس مرات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
أدب الطواف:
وللضيافة آداب على الضيف، وفي ضيافة الطواف لابدَّ للطائف أن يتأدّب بباطنه وظاهره، أما باطنه فينوي وهو يسير وموضع قلبه إلى جهة الكعبة أن قلبه سيبقى مع الله لا يُدخل فيه أحداً غيره، فيمشي بوقار بين البطئ والسرعة (4)، ولا يتكلم إلّا بخير (5)، وخير الكلام هو القرآن الكريم، فيتلو في طوافه آياته، ومن خير الكلام ما ذكر في روايات أهل العصمة (عليهم السلام)، نذكرها تباعاً:
1- ذكر الله:
فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (من طاف بالبيت سبعاً، ولا يتكلم إلّا بسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مُحيت عنه عشر سيّئات، وكُتبت له عشر حسنات، ورُفع له بها عشر درجات...) (6).
2- الصلاة على محمد وآله
فقد سأل أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً: دخلت الطواف الفريضة، فلم يفتح لي شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد، وسعيت فكان كذلك، فقال (عليه السلام): (ما أعطى أحد ممن سأل أفضل مما أُعطيت) (7).
3- الدعاء
وقد وردت أدعية كثيرة تُقال في الطواف.
منها: ما روي في جواب النبي (صلى الله عليه وآله) لخديجة الكبرى (عليها السلام) حينما سألته: ما أقول وأنا أطوف بالبيت؟ فقال (صلى الله عليه وآله): قولي: (اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي وعمدي، وإسرافي في أمري، إنك إن لا تغفر لي تهلكني) (8).
ومنها: ما ذكره الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: (طف بالبيت سبعة أشواط، وتقول في الطواف: اللهمّ إني أسألك باسمك الذي يُمشى به على طُلَلِ الماء (9)، كما يُمشى به على جَدَد الأرض (10)، وأسألك باسمك الذي يهتزّ له عرشك، وأسألك باسمك الذي تهتزُّ له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له، وألقيت عليه محبَّوً منك، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله ما تقدَّم من ذنبهِ وما تأخَّر، وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا... ما أحببت من الدعاء).
وكلما انتهيت إلى باب الكعبة صلِّ على النبي (صلى الله عليه وآله)، وتقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار).
وقل في الطواف: (اللهمّ إني إليك فقير، وإني خائف مستجير، فلا تغيِّر جسمي، ولا تبدِّل اسمي) (11).
================================================
صلاة الطواف:
وينتهي من طوافه ليصلي خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) صلاة الطواف التي ورد أن ثوابها أجر ألفي ركعة مقبولة.
ويدعو بعدها بما ذكره الإمام الصادق (عليه السلام): (اللهم ارحمني بطواعيتي إياك، وطواعيتي رسولك صلى الله عليه وآله، اللهم جنِّبني أن أتعدَّى حدودك، واجعلني ممن يُحبُّك، ويحبّ رسولك وملائكتك وعبادك الصالحين) (12).
================================================
سرّ مقام إبراهيم (عليه السلام):
وكانت صلاة الطواف خلق مقام إبراهيم (عليه السلام) لكرامة في هذا المقام حيث وقف خليل الله إبراهيم عليه ونادى بأعلى صوته بما أمره الله عزَّ وجلَّ، فلما تكلَّم بالكلام لم يحتمله الحجر، فغرقت رجلاه فيه، فقلع إبراهيم (عليه السلام) رجليه من الحجر قلعاً (13)، وما تزال آثار قدمي إبراهيم (عليه السلام) في المقام إلى يومنا هذا.
آداب الصلاة والمقام
وفي رواية شبلي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ما يدلّ على آداب باطنية للوقوف والصلاة عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، فقد سأله الإمام (عليه السلام):
نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم أنك وقفت على كل طاعة، وتخلَّفت عن كلّ معصية؟
قال شبلي: لا.
قال (عليه السلام): فحين صلّيت ركعتين، نويت أنك اتصلت بصلاة ابراهيم، وأرغمت أنف الشيطان لعنه الله؟
قال شبلي: لا.
قال (عليه السلام): (....لا وقفت عند المقام، ولا صلّيت فيه ركعتين) (14).
================================================
ماء زمزم:
قبل أن يشرع الحاج بالسعي، ينبغي أن يقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي توجّه بعد صلاة الطواف إلى ماء زمزم، وهو الماء الموصوف على لسان النبي (صلى الله عليه وآله): (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم) (15).
قصة ماء زمزم:
وتعود قصة هذا الماء إلى ابتلاء الله تعالى لخليله إبراهيم (عليه السلام) حينما أمره بترك زوجته هاجر وطفله اسماعيل (عليه السلام) بالقرب من مكان البيت العتيق، حيث لا ماء ولا بشر هناك.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (لما ارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى ونادت: هل في الوادي من أنيس؟
فغاب عنها اسماعيل، فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي، وظنَّت أنه ماء، فنزلت من بطن الوادي وسعت، فلما بلغت المسعى غاب عنها اسماعيل، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلما غاب عنها اسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت، حتى فعلت ذلك سبع مرات، فلما كان في الشوط السابع –وهي على المروة- نظرت إلا إسماعيل، وقد ظهر الماء من تحت رجله، فعادت حتى جمعت حوله رملاً، فإنه كان سائلاً فزمَّته بما جعلته حوله، فلذلك سميت زمزم) (16).
آثار ماء زمزم:
ورد أن ماء زمزم له آثار عديدة جعلها الله تعالى فيه كرامة لعائلة التضحية إبراهيم وزوجته وابنه (عليه السلام)، فمن الآثار أنه:
- دواء لما شرب له (17).
- أمانٌ من كل خوف وحزن (18).
- يؤثر في إفاضة الله تعالى للعلم والرزق كما يظهر من بعض الأدعية الآتية.
آداب ماء زمزم:
من آداب الضيافة في أعمال الحج والعمرة أن يُشرب من ماء زمزم قبل الخروج إلى الصفا، ويستحب عند الشرب أن يُقال: (اللهم اجعله لي علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء وسقم) (19).
كما ورد استحباب أن يقول إذا شرب منه: بسم الله، الحمد لله، الشكر لله (20).
وإضافةً إلى الشرب يستحب لمن انتهى طوافه وصلاته أن يصب من هذا الماء على رأسه وظهره وبطنه ويدعو بالدعاء السابق (اللهم اجعله لي علماً ....) (21).
ماء زمزم في رواية شبلي:
وفي الرواية الواردة عن الإمام السجّاد (عليه السلام) قال فيها لشبلي وهو يبيّن البعد الباطني للشرب من ماء زمزم،
قال (عليه السلام) فيها: أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها؟
قال شبلي: نعم.
قال (عليه السلام): أنويت أنك أشرفت على الطاعة وغضضت طرفك عن المعصية؟
قال شبلي: لا.
قال (عليه السلام): فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها (22).
================================================
السعي بين الصفا والمروة:
ويتجه الحاج والمعتمر إلى جبل الصفا ليبدأ سعيه بين الجبلين اللذين جعلهما الله تعالى من شعائره في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (23).
وقد ورد أن تاريخ الصفا والمروة واسميهما يرجعان إلى هبوط آدم وحواء على الأرض، حيث هبط آدم على الجبل الذي سمّاه الله تعالى بالصفا من قوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ} (24)، وهبطت حواء على الجبل الذي سمّاه الله تعالى بالمروة من اسم المرأة.
================================================
المصادر:
(1) الريشهري، الحج والعمرة في الكتاب والسنّة، منشورات دار الحديث، ط. الأولى، ايران، ص 189 (الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله))
(2) المصدر السابق (الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)).
(3) المصدر السابق (الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)).
(4) المصدر السابق، ص191 (الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام)).
(5) المصدر السابق (الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)).
(6) المصدر السابق ص190-191.
(7) الريشهري، الحج والعمرة، ص202.
(8) المصدر السابق، ص199.
(9) طلل الماء: أي ظهره.
(10) جَدد الأرض: أي وجه الأرض.
(11) الريشهري، الحج والعمرة، ص200-201.
(12) المصدر السابق، ص204.
(13) المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص232.
(14) الكاشاني، التحفة السنية، ص184.
(15) الريشهري، الحج والعمرة، ص117.
(16) المصدر السابق، ص115.
(17) المصدر السابق، ص117.
(18) المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص245.
(19) المصدر السابق، ص245.
(20) الريشهري، الحج والعمرة، ص118.
(21) المصدر السابق.
(22) الكاشاني، التحفة السنية، ص184.
(23) سورة البقرة، الآية 158.
(24) سورة آل عمران، الآية 33.
وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام