عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2010, 08:13 PM   رقم المشاركة : 1
قريرةٌ بروح الزهراء
مـراقـبة سابقة
 
الصورة الرمزية قريرةٌ بروح الزهراء








قريرةٌ بروح الزهراء غير متواجد حالياً

افتراضي (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) لماذا التقديم?

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلّ ِ على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) لماذا التقديم?





السؤال:
في قوله تعالى:﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ / أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾

1- صحيح التقديم لا يعني التفضيل، كما ورد في آيات عدة، ولكن لما قدم الإناث في الآية الأولى، بينما قدم الذكران في الآية التي بعدها؟
2- ما سر تعريف الذكور بـ (الـ)، دون الإناث؟
3- ما معنى ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا﴾؟
4- ما الفرق بين ذكور وذكران؟

الجواب:
لعلَّ منشأ تقديم الإناث على الذكور في قوله تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ﴾ كان رعايَّةً لفواصلِ الآيات، فالآية التي سَبَقَت هذه الآية انتهت بقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ﴾ والآية التي لَحِقَت هذه الآية انتهت عند قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ فتقديم الإناث على الذكور كان لغرضِ التحفُّظ على الإيقاع اللفظي للآيات، وذلك بِجَعلِ فواصلها ذات سجعٍ ونسقٍ واحد، وهو ما يُضفي على الكلام جمالاً يُعبَّر عنه في عِلم البلاغة بالمُحَسِّن البديعي.

وثمَّة احتمالٌ آخر قد يكون مَنشأً للتقديم وهو المبالغة في التصحيح لثقافةٍ كانت رائجة في المجتمع العربي وهو انَّ الإناث بلاءٌ ونقمةٌ فليست هي مِن النِعَم المُستَحِقة للحمد، فمتى ما جاءت المرأة بأنثى انتاب زوجها شعورٌ بأنَّه قد شُقيَّ بهذا المولود، لذلك قال الله تعالى واصفًا الحال التي يكون عليها الرجل حينما يُبَشرُ بالأنثى ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ / يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾.

فأنْ يُبَشر الرجل بالأنثى فذلك مِن بواعث الغيظ وهو معنى الكظيم، فهي عنده سبُّة وسؤَة تَدفَعُ به إلى انْ يتوارى عن الناس حتى لا يسألوه عنها وحتى لا يَرى في أعينهم التشفِّي منه أو الإشفاق عليه.

فالآية المباركة جاءت لتصحيح هذه الثقافة، ولهذا وصفت الأنثى بالهبة، والهبةُ تستبطن في مدلولها اللغوي معنى الخير، فالشيء المُعطى حينما يكون شرًا وسوءً فإنَّه لا يُوصف بالهبة، إذ انَّ ما يصح توصيفه بالهبة انَّما هو العطيَّة التي يترتب عليها خيرٌ ونفعٌ للمُعطى. ولهذا يكون أثرها على نفس المُعطى هو الرضا والارتياح والشعور بالامتنان للمُعطي، ذلك لأنَّه أسدى له جميلاً يستحِق عليه الشكر.

فتوصيف القرآن الكريم للأنثى بالهبة كان لغرضِ التعبير عن انَّها خيرٌ ونفعٌ لأبويها ولهذا ينبغي انَّ يكون الأثر النفسي المترتب عن مجيئها هو الانبساط والابتهاج والشعور بالرضا والامتنان لواهبها ومانحها.

ثم انَّ القرآن أراد التأكيد والمبالغة في التصحيح للثقافة الرائجة في الوسط العربي الجاهلي فقَدَّمَ الإناث على الذكور للتعبير عن انَّ هبة الإناث لا تقل شأنًا عن هبة الذكور.

فلو قَدَّمَ الذكور على الإناث في المقام لتوهَّمَ المتلقِّي للآية المباركة انَّ القرآن وإنْ تصدى لتصحيح ما عليه العرب من توهُّم انَّ الأنثى بلاءٌ ونقمةٌ وذلك لتوصيفه إياها بالهبة إلا انَّها ورغم ذلك لا ترقى لمستوى هبة الذكور.

فالقرآن أراد انْ ينفي الوهم المقدَّر عن ذهن المتلقَِّي للآية، فقدَّم الإناث على الذكور للتعبير عن انَّ لهما شأنًا واحدًا عند الله تعالى، فينبغي انْ يكون شأنهما عند أبويهما كذلك.

وثمة احتمالٌ ثالثٌ لتقديم الإناث على الذكور وهو إرادة التأكيد على انَّ الإنجاب خاضعٌ لمشيئةِ الله تعالى وحده فرُغم انَّ رغبة الإنسان غالبًا ما تتعلَّق بالذكور دون الإناث إلا انَّ ذلك ليس خاضعًا لرغبته فهو تعالى وحده مَن يقدِّر متعلَّق الهبة.

فتقديم الإناث كان لغرض التعبير عن انَّ الأمر بيده وانَّه يجري بمقتضى تقديره وإرادته لا انَّه يجري بمقتضى تقدير الإنسان وإرادته وإلا لكان مريدًا للذكور دون الإناث أو مريدًا لتكثير الذكور وتقليل الإناث.

وأما منشأ تقديم الذكور في ذيلِ الآية على الإناث فلعلَّه لغرضِ التأكيد أيضًا على انَّ أمر الإنجاب خاضعٌ لمشيئته فهو تارةً يقدِّر تقديم الإناث على الذكور وأخرى يُقدِّر تقديم الذكور على الإناث، وقد يكون منشأ تقديم الذكور في ذيل الآية بيان انَّ تقديم الإناث في صدر الآية لم يكن لغرض التفضيل وإلا لاقتضى ذلك التقديم مطلقًا، فهو يُقدِّم الإناث تارةً في الذْكْر ويؤخِر ذِكرَهن تارةً أخرى للتعبير عن انَّه لا فَرق عنده بين الذكور والإناث.

وأما تعريف الذكور فلانَّ الإنسان يرجو من زواجه الذكور ولهذا كان هذا المعنى حاضرًا في ذهنه، فالمناسب بمقتضى اللغة هو التعريف بلامِ العهد المعبَّر عنه بالعهد الذهني، فحينما يكون الشيء حاضرًا في الذهن لأيِّ سببٍ كان فإنَّ المناسب لغةً هو تعريفه لغرضِ الإشارة إلى انَّ المقصود من الخطاب هو ذلك الشيء المعهود.

وأما ما هو المراد من قوله تعالى: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ فهو انَّه تعالى قد تتعلَّق مشيئته بأنْ يهب لبعض عباده ذكورًا واناثًا، وذلك في مقابل من يهبهم ذكورًا دون إناث أو اناثًا دون ذكور.

فقوله: ﴿يُزَوِّجُهُمْ﴾ من المزاوجة والتي تعني الجمع فهو تعالى يجمع لهم هبة الذكور وهبة الإناث.

فالناس كما أفادت هذه الآية والتي قبلها على أحوالٍ أربعة، فمنهم من يهبه ذكورًا وحسب، ومنهم من يهبهم إناثًا ولا يهبهم ذكورًا، ومنهم من يجمع لهم إناثًا وذكورًا، وهم الصنف الثالث، ومنهم من يكون عقيمًا فلا يهبه الله تعالى ذكرًا ولا انثى.

فليس معنى التزويج في الآية هو النكاح كما قد يتَوَهم من لا معرفةَ له بسياقات الكلام العربي بل هو بمعنى الجمع والتقارن فهو بمعنى انَّ الله تعالى يَهبُ لبعض عباده بناتٍ وبنين أي انَّه يزاوج له في الهبة فيهبه من كلا الجنسين.

لا فرق بينهما فكلاهما من صيغ الجمع للذكر.



سماحة الشيخ محمد صنقور



وصلّ ِ اللهم على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم ..






التوقيع

( واحمدوا الذي لعظمته ونوره.. يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة
ونحن وسيلته في خَلْقه، ونحن خاصّته ومحلّ قُدسه، ونحن حُجّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه )

* روي عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام

**********

  رد مع اقتباس