الموضوع: فلسفة الحج
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2011, 10:25 AM   رقم المشاركة : 1
فيضٌ بنور الكوثر
مرشدة سابقة







فيضٌ بنور الكوثر غير متواجد حالياً

افتراضي فلسفة الحج

فلسفة الحج



الشيخ محفوظ الزويد- « شبكة والفجر الثقافية » - 6 / 11 / 2008م - 4:23 م

المفهوم والمعنى

ماذا يقصد من كلمة «فلسفة» ؟ التي تستعمل في كثير من الكتابات التي تطرح من قبل البعض نحو فلسفة الصوم ، فلسفة الصلاة ، فلسفة الحج ...


يقصد من الفلسفة في مثل هذه المواضيع هو

استيحاء المعنى والحكمة من وراء وضع وتشريع الحكم الإلهي ، ومعرفة الغاية والأغراض والفوائد التي تراد من وراء ذلك ، وأيضاً العوائد التي يحصل عليها الإنسان والمجتمع نتيجة أداءه تلك الفريضة

وبذلك تتجلى لنا الضرورة من وراء مثل تلك الأبحاث الآن ، حيث في الحٌقبة الأخيرة طُرح علم أو بحث في الأوساط العلمية الجامعية وهو ما يسمى بـ فلسفة العلوم أو العلم ، وأيضاً طرح من قبل المفكرين الغربيين بحث " الفلسفة الدينية وفلسفة الدين " أي دراسة الدين من الجانب العقلي وهو " الفلسفة الدينية " ودراسة الدين من خلال النص الديني ، وهو ما يسمى بـ " فلسفة الدين "


والضرورة التي تدعونا لطرح البحث في فلسفة وأسرار الحج هي :

أ / أنه تُحلق في الذهن البشري عدة تساؤلات وإشكاليات حول الأحكام الإلهية ، ويطلب الحصول على جواب مقنع لذلك و من جملتها " أحــكام الحــج "

ب / إن الإنسان عندما يتعرف على الهدف والغاية والأسرار من وراء الأعمال التي يقوم بها ، فإنه من الضرورة أن يعطيها أهمية كبيرة ، وأيضاً تحصل بينه وبين تلك الأعمال علاقة أـنس بها ، ويحاول أن يوجدها على أحسن صورة وكيفية ، لأنه يؤديها بمعرفة واعتقاد ويقين

وإن كان البعض يرتأى أن البحث في الغاية والأسرار في الأحكام الإلهية ليس بصحيح ، لأن الفعل الإلهي لا يعلل ، ولكن معرفة الغاية والهدف للأحكام الإلهية أمر ضروري ، تقتضيه الحكمة الإلهية ، وإبعاد الفعل الإلهي عن العبثية جل جلاله عن ذلك .
ولذا جاء في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق (ره) عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله أنه سأله عن شيء من الحلال والحرام فقال : إنه لم يجعل شيء إلا لشيء.
أي ان الله سبحانه وتعالى لم يجعل حكما ًمن الأحكام إلا لغاية وهدف ولكن ليس لذاته سبحانه وتعالى وإنما لغيره وهو العبد وان العبادات وسيلة إلى غيرها وليست هي لذاتها .

والسؤال عن الهدف والغاية وطلب معرفة فلسفة الأحكام وأسرارها ، وردت من قبل أصحاب الأئمة بأسئلة وجهت إلى الإمام ونذكر نماذج ترتبط بالحج
عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : فإن قال : فلـِم َ جعل وقتها عشر ذي الحجة ولم يقدم ولم يؤخر ؟ ( العيون 2/ 118 )
"لِمَ صــار الحــاج لا يكتب عـلـيــه ذنب أربعــة أشــهـر "
"سـألتــه عــن التلبية ، لِمَ جعـلت ؟ "
" لــِمَ ســمي الــبيت العتــيق ؟ "
" لِــمَ جـــعـل المــقام بمــنى ثـلاثــاً ؟ "
" لــِمَ جــعـل الســــعي ؟ "

مصادر معرفة فلسفة الأحكام

إن للمصادر دور كبير في إيجاد الاعتقاد والاطمئنان نحو أي دراسة يقام بها وحول أي نظرية علمية
والمصادر الأساسية والأولية لمعرفة أسرار الأحكام الإلهية بشكل عام ، والحج على وجه الخصوص هي :
1 / القرآن الكريم : فهو الكتاب المحكم والجامع ، والمتيقن صدوره من قبل الله تعالى ، فيكون صاحب الأولوية لدراسة وفهم الأحكام الإلهية

2 / السنة : وهي الروايات الواصلة إلينا عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته " عليه السلام " فهــم المفســرون للقرآن الكريم ، والمرجـــع لبيان ألأحــكام و إظــهار فلســفة وأسرار ألأحـــكام .

3 / العقل : وإن للعقل دور ومكانة خاصة في فهم ومعرفة واستنباط الأحكام الشرعية وكشف أسرارها


الحج جامع العبادات

من الخصوصيات التي انفرد بها الحج عن بقية العبادات في الشريعة الإسلامية أنه جامع لكثير من العبادات الأخرى ، كالصلاة ، والإنفاق ، والطهارة ، والهجرة والجهاد وتحمل الصعوبات في طريق الله تعالى ، والإمساك عن المحرمات وتقديم القرابين لله تعالى ، والإطعام
وجاء في كتاب صاحب الجواهر:
( فهو [ الحج ] حينئذ رياضة نفسانية ، وطاعة مالية ، وعبادة دينية ، قوليه وفعلية ، وجودية وعدمية ، وهذا الجمع من خواص الحج من العبادات التي ليس فيها أجمع من الصلاة ، وهي لم تجتمع فيها ما اجتمع في الحج من فنون الطاعات ) الجواهر أول كتاب الحج
وجاء في كتاب أسرار الحج ومهماته ( من كتاب آداب السالكين للفيض ص 759 ) :
( وشرع لهم الشرائع ، والعبادات والنسك ، حتى يردوهم عن جسمانيتهم إلى الروحانية ، وعن عماهم إلى الهدى ، وعن حيوانيتهم إلى ألإنسانية ، وعن ظلمتهم إلى النور ، وعن بعدهم إلى القرب ، وجعل لهم تكاليف وعبادات تنفع بعضها في دفع الظلمة ورفعها ، وبعضها في جلب النور وإثباتها .
وبعبارة أخرى : بعضها تؤثر في التخلية وبعضها في التحلية وبعضها جامع لكلا ألأمرين ، والحج من القسم الأخير ، لأنه معجون إلهي مركب من أجزاء نافعة جدا لجميع أمراض القلوب ......
ولذا على المكلف العاقل أن تكون غايته وهدفه من حجه ، وبقية عباداته أن يحصل على مقاصد الشريعة من وراء جعلها وهذا لايكون بمعرفة المقصود من حقائق ألأوامر الإلهية ، لكي يوقع تلك الأعمال على الوجه الصحيح بحيث لا تفوته النتيجة .

فلسفة الميقات

الميقات هو الموضع الذي يحرم منه ، الميقات باب من أبواب الحرم الإلهي العظيم فليس لقاصد حرم الله ومدينته المقدسة الدخول من حيث يريد ، بل الله سبحانه وتعالى لعلمه وحكمته يقرر محل المرور ومكان العبور ، فالميقات معبر مجعول من الله سبحانه وتعالى ، يدخل منه الإنسان ليفد نحو ضيافة الله، ليتعرض للمنح والعطايا والألطاف الالهيه .
( يامن لا يفد الوافدون على أكرم منه ، ولا يجد القاصدون ارحم منه) – مناجاة المتوسلين
( إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك ، وسيرنا في أقرب الطرق للوفود عليك ، وقرب علينا البعيد وسهل علينا العسير الشديد ، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون ، وبابك على الدوام يطرقون ) مناجاة المريدين
الميقات موطن من مواطن التفكر والتأمل والتعلق والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ليخلص نفسه من الغفلة والسهو والنسيان والبعد عنه تعالى .
الميقات تصفية لروح الإنسان من الأنا والميل إلى الذات ، للوصول إلى لقاء الله تعالى، فقبل الميقات يعيش الإنسان الأنا وحب الذات ففي الميقات يراد منه تذويب كل ذلك ، والذوبان في الله تعالى .
( وأتيتك من الأبواب التي أمرت أن تؤتى منها ...... ، ثم أتبعت ذلك بالإنابة إليك ، والتذلل والإستكانة لك ، وحسن الظن بك ، والثقة بما عندك ، وشفعته برجائك الذي قل ما يخيب عليه راجيك ، وسألتك مسألة الحقير الذليل ، البائس الفقير ، والخائف المستجير ...... )
الميقات منزلة من منازل اليقظة والشعور للروح الإنسانية ، حيث يستشعر عظمة الوفود على الله سبحانه وتعالى
( خاب الوافدون على غيرك ، وخسر المتعرضون إلا لك ، وضاع الملمون إلا بك )
وبذلك يكون الميقات محطة تصفية للروح ، كما انه تصفية للبدن فقد روي أنه لما رجع الأمام زين العابدين "عليه السلام " من الحج استقبله الشبلي فقال :"عليه السلام"له :
(حججت يا شبلي ؟) قال : نعم يا ابن رسول الله.
فقال "عليه السلام " (أنزلت الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت ؟) قال :نعم
قال : ( فحين نزلت الميقات ، نويت انك خلعت ثوب المعصية ، ولبست ثوب الطاعة ؟) قال : لا قال : ( فحين تجردت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجرّدت من الرياء والنظافة والدخول في الشبهات ؟ )
نستوحي من هذه المقطوعة بعض العلل والآثار التربوية والروحية لنزول الميقات ، حيث أن الحاج يتحرك وجوده ببعديه الروحي والجسدي ، حالة الخلع و اللبس ، فهو في الجانب المادي والجسدي يخلع ثوب الدنيا وزينتها ويلبس ثوب الآخرة ، المجرد من كل زينه وتباهي ، إنه لباس بسيط في شكله وحقيقته ، لباس يتوحد فيه الكل الغني والفقير الحاكم والمحكوم ،ليعرف الكل أنهم سيخرجون من هذه الدنيا التي ربما أخذتهم وملكتهم وأبعدتهم عن النقطة المركزية التي يتحركون حولها ولابد أن يرجعون إليها وهي التعلق والارتباط بالله سبحانه وتعالى ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وكذلك في البعد الروحي والنفسي فهو يخلع ثوب المعصية والبعد من الله سبحانه وتعالى ويلبس ثوب التقوى والعبودية ( ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) الأعراف 26 .
فالإمام يريد من قوله : هل نويت بالتجرد عن الثياب انك خلعت ثوب المعصية ) أن ينخلع واقعا عن المعاصي الحاضرة بالفعل ، وعن الآتية بالعزم الصحيح ، وهكذا لأن النية لاتصـح من المرتكب بالخلاف ، بل يكون الإخطار بالضمير مع الارتكاب الفعلي استهزاء وغفلة لا نية .
( الهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي وجللني التباعد منك لباس مسكنتي وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي ويا سؤلي ومنيتي فأن طردتني من بابك فبمن ألوذ ؟ وان رددتني عن جنابك فبمن أعوذ ) مـناجـاة التــائبــين
الميقات مكاني وزماني ، المكاني هو بوابة الدخول إلى الحرم الإلهي ، والزماني هو لحظة الإقرار والاعتراف بالتقصير في حق المولى سبحانه وتعالى وطلب التوبة منه تعالى
( فها أنا ذا يا الهي واقف بباب عزك ، وقوف المستسلم الذليل ، وسائلك على الحياء مني سؤال البائس المعيل فهل ينفعني يا الهي إقراري عندك بسوء ما اكتسبت ؟ وهل ينجيني منك إعترافي لك بقبيح ما ارتكبت ؟)
( الهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك ، وسيرنا في اقرب الطرق للوفود عليك ) – مناجاة المريدين



يتبع ...






التوقيع






يممت شطرك يـاعلي ... وخلعت نـعلي في فنـاك
ولقدس طورك تنحني ... روحي وتعرج في بهاك


  رد مع اقتباس