الموضوع: فلسفة الحج
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-12-2011, 01:07 PM   رقم المشاركة : 2
فيضٌ بنور الكوثر
مرشدة سابقة







فيضٌ بنور الكوثر غير متواجد حالياً

افتراضي رد: فلسفة الحج

فلسفة الحج....الإحرام

بــداية ألــمــح إلى مقــدمة بسيطة حــول تشــريع العبادات في الشريعة الإسلامية ، حــيث أن المشّرع العــليم والحكيم شـــرَّع العــبادات كالصــلاة والصــوم والــزكاة والحــج من أجــل غــاية وهــدف ، وأمـا هي فهي طــريق ووســـيلة إلى تلك الغــاية الــتي هــي مطــلـوبــة بالــذات ، وأما العـــبادات فهي مطــلـوبة بالعـــرض .
والغاية المطلوبة هي الوصول إلى وجود حالة التقوى عند الإنسان وتقـوية الارتباط و الاتصال بالله سبحانه وتعالى ، بشكل دائم ومستمـر ، وأن يجعل الإنسان الله سبحانه وتعالى نصب عينيه دائما ، ( ألم يـعـلم بأن الله يــرى ).
لكي يأتمـر بأوامره وينتهي عن نواهيه ، وهذا هو روح التقوى الحقيقية ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ... لعلكم تتقون ) . وقال تعالى لبيان الحكمة من تشريع الهدي في الحج : ( لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم ).
وعلى ضوء هذه الحقيقة ندرك أن الحج لم يشرع وجوبه بصفته العامة ، وكل عمل منه بصفته الخاصة إلا من أجل الوصول إلى هدف تنشده السماء ، وهو التعلق والارتباط بالله تعالى .


المفهوم والحقـيقة :

للحــرم الإلـهي الآمـن خصــوصــية انفـرد بها عن بقــية الأماكـن على وجـه الأرض ، ولذا لايمــكن الـدخـول إليه بدون إحــرام من الميقات , قال ألإمام الصادق " عليه السلام " : ( وجب ألإحــرام لعلة الحـــرم )
الفقيه : 2/ 195 .
والإحرام الذي هو بداية الدخول في أعمال الحج والعمرة ، من خلال لبس ثوبي الإحـرام والنــية والتلبـية , الذي هو رمز الالتزام بالمواصفات الخاصة التي يجب أن يتحلى بها الداخل إلى الحرم الإلهي ، وأيضا نظــر الزائر إلى البيت الحرام ، أنه عندما يصل إلى الميقات يطلب أن يحضر في صورة الإقدام على دخول حرم الله تعالى الذي جعل الله له أحكامه الخاصة ، وقدسيته الممـــيزة ، ليســتشــعـر بذلك عـظــمة الله تعالى وجلاله ، ليصطحب هذا الشعور معه إلى كل نقطه يقف عليها من الحرم الإلهي ، وعند قيامه بأي منسك من مناسك الحج ، باعتبار أن الإحرام هو بداية أعمال الفريضة المباركة نظير تكبيرة الإحرام في الصلاة .
عن ألإمام الرضا " عليه السلام " : فإن قيل : فِــلَــَم أ ُمـروا بالإحـــرام ؟
قيل : لأن يخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه ، ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشيء من أمور الدنيا وزينتها ولذاتها ، ويكونوا صابرين فيما هم فيه قاصدين ونحوه مقبلين عليه بكليتهم ، مع ما فيه من التعظيم لله عزوجل ولبيته ....... ) العيون : 2 / 120.
ألإحـــرام هو ألاستئذان من صاحب الحرم ، وبأن يتأهب للدخول بالطهارة عن ألأوساخ المكتسبة في دار البعد والغرور ، والنظافة من الألواث الموجبة للطرد والحرمان عن دار السرور ، وبالتشبه ممن جاور الحضرة وأقام نفسه بالخدمة بالموت عن كل شيء ورفض ماسوى المحبوب من كل ضوء وفيء .
قال الإمام الصادق " عليه السلام " :
( ألإحــرام لعلة التحريم ، وتحريم الحرم لعلة المسجد وحرمة المسجد لعلة الكعبة ) آداب السالكين _ للفيض / 703
ألإحــرام يتجلى فيه التوحيد بأبـلغ صوره ، حيث يعلن ألإنسان الحاج قطع كل علاقة ورابطة وعقد بغير الله تعالى ، كما يفهم ذلك من كلمات السجاد النورانية ( عليه السلام ) :
قال: فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله؟
قال: لا.
قال (عليه‏السلام) له: ما تنظفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج.
و أيضا جاء في الدعاء بعد صلاة الإحرام :
( اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن أستجاب لك وآمن بوعدك واتبع امرك ، فإني عبدك وفي قبضتك ، لا أوقي إلا ماوقيت ، ولا آخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه وعلى كتابك وسنة نبيك ، وتقويني على ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، و اجعلني من وفدك الذي رضيت وأرتضيت وسميت وكتبت ...... ) الكافي 4 / 331
الإحرام في حقيقته وجوهره هو التجرد عن الحياة المادية الدنيوية ، وبكل ما يرتبط بها من شهوات وملذات ومتع ، وكل ما يبعد عن الله سبحانه وتعالى والتعلق به ، وأن يحــرم عن كل شيء يمنعه عن ذكر الله تعالى ويحجبه عن طاعته ، فهو تقوية كل ما يرتبط بروح الإنسان أو الجانب المعنوي والروحي الذي يمثل الوجود الحقيقي لوجود الإنسان .
قال الإمام السجاد عليه السلام للشبلي :
( فحين تجردت من مخيط ثيابك نويت انك تجردت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات ؟ ) مستدرك الوسائل 10 /166
الإحرام هجرة وفرار من ظلمة الطبيعة المادية الظلمانية ، إلى النورانية الإلهية السامية .
الإحرام تجرد عن كل ما يجذبك إلى الشهوات والغرائز والميولات الحيوانية لتتلبس بالملكوتية والنورانية الإلهية .
قال الإمام السجاد عليه السلام في حديثه مع الشبلي :
( فحين أحرمت نويت انك حرّمت على نفسك كل محرّم حرمه الله عز وجل ؟) .
وإنما سمي الإحرام إحراما لأنه يحرِّم على المُحرم ما كان مباحا من المفسدات ومنافيات الحج التي هي تروك الإحرام
فالإحرام حضر الشهوات واللذات التي كانت مباحة قبل ذلك ، وذلك لخلق روح الاعتدال والموازنة عند الإنسان ، ولتـفعـيل قوة الســـيطرة والتحكــم وتفعــيل إرادة وقوة ألإنســان أمام المكــروه والحــرام ولتحــريك ســيطـرة العـقـل على القوة النفســية وإخماد
نــيران الــنفــس الأمارة بالســوء كــما يقول الأمير (عليه السلام ) :
( إن استصعبت عليه نفسه في ما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب ) مكارم الأخلاق صفحة 477.
إذا للإحــرام مرتبتان من الوجود :
المرتبة الظاهرية وهي التي يشترك فيها كل حاج مع الآخر ، اللباس والنية والتلبية .
المرتبة الباطنية والحـقـيقــية وهي مختصة بمن أدرك حقيقة ألإحــرام مع الله سبحانه وتعالى ، وهو العارف لله ولروح أحكامه تعالى ، كما تشــير إلى ذلك الكلمات النورانية لسيد الساجدين ( عليه السلام ) مع الشبلى .


الاستعداد قبل الإحــرام :

ذكر الشارع المقدس عدة من الآداب التي يحبذ من الحاج والقاصد إلى بيت الله الحرام الإتيان بها في الميقات قبل الإحرام ، كالغسل والتنظيف والصلاة والدعاء .
وإن للآداب دور كبير في تهيئة النفس وخلق الجاذبية عندها لكي تعيش روحانية الإحرام وتقتبس النوارنية من افاضاته العظمية .
وحيث أن تلك الآداب جاءت من عند الصادق الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمن المحتم أن تكون لها أسرار عميقة قد تخفى علينا ، وأن عدم وجدانها لنا لا يدل على عدم وجودها في نفسها و ذاتها لكي نغض الطرف عنها .
وهذه الآداب كما أن لها مظهر بارز ومحسوس ، أيضا لها معان عميقة تتحرك فيها روح الإنسان ، لكي تكتسب الجاذبية نحو المعنويات من التقوى لصيانة الروح والعقل من كل رين ودرن لكي تتلقى الإفاضات والألطاف والعناية الإلهية ، وتكتسب أيضا المانعية عن وسوسة الشيطان ومشتهيات النفس ، لأن المطلوب من الإنسان المؤمن ليس المانعية عن المعاصي والذنوب فقط ، بل المراد اكبر من ذلك ، بل يراد بلورة كل جـزئية ضمن المنظومة الإعتقادية والفكرية والروحية لكي تكون حركة الإنسان في دائرة الحقائق دون الأوهام والخيالات والخرافات .

وهذا ما نلحظه من خلال الآيات والروايات و الأدعية وبعض المستحبات الأخرى عند الإحرام ، حيث أنها تفرز المضامين الإعتقادية والفكرية والروحية للإنسان الحاج من خلال القوالب الخطابية ، والحركات العملية ونشير الآن إلى بعض منها .

غســل الإحــرام :

قال عليه السلام فحين اغتسلت نويت انك اغتسلت من الخطايا والذنوب ؟)
إن الغسل من الأمور المؤكدة حتى قال البعض إن الأحوط عدم ترك هذا الغسل ، وهو طهارة للبدن من الأقذار والنجاسات وهي أمور خارجية مادية محسوسة ، ولابد من ربط ذلك بالأمور المعنوية والروحية كما يشير الإمام .
وأن هذا الغسل هو توبة نصوحة بأن لا يعود بعدها إلى ذنب أو خطيئة مما سلف منه ، وأنه يتطهر بالرحمة الإلهية من المعاصي , وأن لايسلك طريقا غير طريق الله .
فالغسل كما أنه يزيل ألأدران المادية , فهو يرمز إلى تطهير القلب والروح من المعاصي والآثام فيكون الغسل التزاماً بترك جميع الموبقات .
قال الإمام السجاد للشبلي :
( تنظّفت وأحرمت وعقدت الحج ؟
قال : نعم
قال : فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت بالحج نويت أنك تنظّفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى ؟
قال : لا
قال : فحين عقدت الحج نويت أنك حللت كل عقد لغير الله ؟
قال : لا
قال له عليه السلام : ما تنظّفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج ) .
ويقول صادق أهل البيت عليهم السلام :
( ثم أغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك ، وألبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع وأحرم عن كل شيء يمنعك عن ذكر الله تعالى ويحجبك عن طاعته ) الأخلاق /شبر صفحة 47


صــلاة الإحــــرام :
صلاة الإحــرام ويؤتى بها قبل ألإٌحرام في الميقات ، ولعل اٌلإتيان بها قبل الإحرام لمن عزم على الإٌحرام إلى بيت الله الحرام كأن المحرم يخاطب الله تعالى : ( إلهي إني أتقرب إليك في عملي هذا بأحب الأعمال إليك التي هي رأس الدين ، ووجهه ) .
جاء في الحديث الشريف : ( ليكن أكثر همّـك الصلاة فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين ) البحار 77 / 127
وجاء أيضا : ( لكل شيء وجه ووجه دينكم الصلاة ) البحار 82 / 310 .
أ ُقـــدِّم هذه الصلاة التي هي قربان كل تقي لكي أكون من وفدك لأحبى بمغفرة منك ، وضيفا في بيتك الحرام لأتحف بكراماتك يا أكرم الأكرمين , ولأقرى بفيضك وعطاءك يا رب العالمين .


الـتـلبــية :

ألتلبية إجابة من العبد لنداء المولى سبحانه وتعالى :
( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران / 97
فالقاصد لبيت الله تعالى أستأذن في الميقات بالغسل ولبس الإحرام بان ينضم على وفد الله تعالى ليرد على ضيافة الله تعالى في حرمه فيأتيهم الداء منه تعالى كما في الخبر :
سليمان بن جعفر : سألت أباالحسن "عليه السلام " عن التلبية وعلتها ، فقال :
( إن الناس إذا أحرموا ناداهم الله عز وجل ، فقال : عبادي و إيمائي ، لأحر ّمنـّكم على النار ، كما أحرمتم لي ، فقولهم : لبيك اللهم لبيك ، إجابة لله عز وجل على ندائه لهم )
عيون أخبارالرضا 2 / 83
فالعبد أجاب بالتلبية فعليه أن يحرص على أن يحصل على الجواب المثبت من الله تعالى ، ويخشى أن يأتيه النداء : ( لا لبيك ولا سعديك ) .
قال سفيان بن عيينة :
حج علي بن الحسين " عليه السلام " فلما أحرم واستوت به راحلته أصفر لونه وانتفض ووقع عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي ، فقيل له : لم لا تلبي ؟
فقال : أخشى أن يقول لي ربي : لا لبيك ولا سعديك ، فلما لبى غشي عليه وسقط من راحلته ، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه . ( الحج والعمرة في الكتاب والسنة 182 )

لذا للتلبية مراتب تبعا لمراتب الإيمان بالله تعالى .
فالبعض يقول : ( لبــيك ) إستجابة لداعي الله تعالى : «لبّيك داعي الله، لبّيك داعي الله» وهي إجابة لدعوة الخليل " عليه السلام "
( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَـجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا ً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) الحج / 27
وقال ألإمام الصادق " عليه السلام " :
« لمّا أُمر إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) ببناء البيت وتمّ بناؤه قعد إبراهيم علي ركن ثمّ نادي:
هلمَّ الحجَّ، هلمَّ الحجَّ. فلو نادي هلموا إلي الحجّ، لم يحجّ إلّا من كان يومئذ إنسياً مخلوقاً ولكنّه نادي:
هلمَّ الحجَّ؛ فلبّي الناس في أصلاب الرجال: لبّيك داعي الله، لبّيك داعي‏الله عزّ وجلّ. فمن لبّي عشراً يحجّ عشراً ومن لبّي خمساً يحجّ خمساً ومن لبّي أكثر من ذلك فبعدد ذلك و من لبّي واحداً حجّ واحداً ومن لم يلبِّ لم يحجّ » الكافي ج 4، ص 207 ـ 206.
والبعض إستجابة لدعوة الله تعالى وهم ألأعلى قال تعالى :
( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران / 97
والذين يصلون إلى هذه المرتبة قلة جدا ، وهم الذين يحصلون على الجواب المثبت من الله تعالى للتلبية ، ومن الطبيعي أن المجيب لدعوة الخليل مجيب لدعوة الجليل جل جلاله ، ولا يمكن أن تتحقق ألإجابة للخليل دون الإجابة لله تعالى ، ولكن للقاصدين إلى بيت الله الحرام مراتب من الشهود والمعرفة بحقيقة المقصود .
وهذا ألإختلاف والتفاوت في قول ( لبـــــــيك ) هو سار في كل المسائل والقضايا الدينية كما لصلاة المصلي ، ولصيام الصائم ، ولتالي آيات القرآن الكريم مراتب مختلفة .
فا التالي لآيات القرآن الكريم ـ مثلا ـ لهم مراتب مختلفة فالبعض وهم الأكثر لا يتوجه إلى معاني الآيات الشريفة للقرآن الكريم ، والبعض كالأولياء يتلون القرآن وكأنهم يسمعونه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والبعض ألآخر وهم أصحاب الكمال ألأعلى كأنهم يتلقونه من الله تعالى كما روي عن ألإمام الصادق " عليه السلام" :
«ما زلت أكرّر آيات القرآن حتى بلغتُ إلي حالٍ كأنّني سمعتها مشافهة ممن أنزلها» البحار ج 47، ص 58.






التوقيع






يممت شطرك يـاعلي ... وخلعت نـعلي في فنـاك
ولقدس طورك تنحني ... روحي وتعرج في بهاك


  رد مع اقتباس