منتديات نور السادة

منتديات نور السادة (https://noor-s.site/vb/index.php)
-   نور الأعمال العبادية لكل شهر كريم (https://noor-s.site/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه (https://noor-s.site/vb/showthread.php?t=1408)

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:02 AM

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
بداية .. لتنزيل أو إستماع هذا الدعاء العظيم
http://shiavoice.com/cat-551.html


سنعيش في هذه الحلقات المباركة- بإذن الله تعالى- شيئاً من المعاني الراقية المتمثلة في مناجاة إمامنا زين العابدين.. إن أئمة أهل البيت (ع) رغم أنهم يمثلون عدل القرآن الكريم ، إلا أنهم من خلال حركتهم وجهادهم ودعائهم وخطبهم ورواياتهم ، كان شعارهم دائماً وأبداً الدعوة إلى التوحيد ، وإلى تعظيم رب الأرباب.. وما وردنا من أدعية أمير المؤمنين (ع) : كدعاء الصباح ، ودعاء كميل ، والمناجاة الشعبانية ، وما وردنا من زبور آل محمد - الصحيفة السجادية- ، لم يكن إلا نزراً يسيراً من تراثهم (ع) ، وإلا فما كان لهم في جوف الليل من حنين وأنين فإنه أكثر بكثير مما وصل إلينا..



فهؤلاء في مناجاتهم وفي دعائهم كانوا يمثلون القمة ، من حيث أدب الحديث مع رب العالمين.. ولا نبالغ عندما نقول : بأنه لا يوجد في تراث البشرية جمعاء - سواء من المسلمين أو من غير المسلمين- تراثاً دعائياً كما هو الموجود في الصحيفة السجادية لإمامنا السجاد(ع).. ومن هنا فإن الذين يغالون في أئمة أهل البيت (ع) ، ليراجعوا ما ورد عنهم (ع) من صور التذلل بين يدي الله عزوجل ؛ ليعلموا بأن هؤلاء كانوا يمثلون قمة التوحيد في كل شؤون الحياة ، رغم أنهم وصلوا إلى درجة عالية من الطهارة ، والقدسية ، والعمل بحذافير الشريعة.. ومن المعلوم بأن جميع هؤلاء القادة أو جلهم قد بذلوا أنفسهم في طاعة الله ، ما بين مقتول ، ومسموم ، وسجين ، ومنفي.. فكل هذه العقوبات إنما كانت من أجل دعوتهم التوحيدية ، حيث كان شعارهم توحيد الكلمة ، وكلمة التوحيد.



ومن الأدعية التي اشتهرت عن إمامنا زين العابدين (ع) ، هي مناجاته في جوف الليل ، وعلى الخصوص في شهر رمضان المبارك.. وهنيئاً لراوي هذا الدعاء !.. أبو حمزة الثمالي اكتسب الخلود من خلال نقله لهذه المناجاة ، كما أن أخاه من قبل ، وهو كميل بن زياد ، اكتسب الخلود في الذكر ، من خلال نقله لدعاء علي (ع) ، والذي اشتهر بدعاء كميل أو دعاء الخضر (ع).



وقد نقل في المصباح عن أبي حمزة الثمالي (رحمه الله) أنه قال : (كان زين العابدين (ع) يصلّي عامة الليل في شهر رمضان، فإذا كان السّحر دعا بهذا الدعاء ).. فلنلتفت إلى هذا التعبير!.. أي أن إمامنا زين العابدين (ع) كان في النهار يصوم كما يصوم باقي المسلمين ، ولكن إذا جن عليه الليل ، فإنه يقضي ليلته في الصلاة بين يدي الله عزوجل ، فإذا كان السحر ، دعا بهذا الدعاء ، وكأنه يتوّج سحره بهذه المناجاة البليغة !.



ومما ينقل عن الكثير من العبَّاد والصلحاء ، أنهم كانوا يختمون قيامهم في صلاة الليل ، بفقرات من هذه المناجاة ، بل لعلهم كانوا يقرؤون جميع هذه المناجاة الطويلة في قنوت صلواتهم في جوف الليل.. فطوبى لهؤلاء !..

فكم من الجميل أن يقف الإنسان في جوف الليل في محراب عبادته بين يدي ربه متضرعاً باكياً ، متأسياً بإمامه علي بن الحسين زين العابدين (ع) ، وهو يناجي ربه بفنون الدعوات ، وخاصة في المواسم المناسبة ، كشهر رمضان ، وفي ساعة السحر.. ومن المعلوم أن ساعة السحر هي أغلى ساعة في ساعات العمر ، فكيف إذا كانت تلك الساعة في شهر رمضان المبارك ، وفي ليالي القدر المباركة ؟!.. فيا ترى رب العالمين ألا يباهي بهذا العبد الذي قام من لذيذ فراشه ، إذ أنه من دون أن يفترض عليه شيئاً في هذا المجال ، قام ليحيي سنة من سنن النبي المصطفى (ص).

جعلنا الله تعالى من المستنين بسنته !.

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:03 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
عن الإمام الباقر (ع) : (إنّ لله عقوبات في القلوب والأبدان : ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة، وما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب).. يفهم من ذلك أنه مهما عظمت أي عقوبة في نظر الناس ، فإن أشدها وأعظمها هو قساوة القلب ، حيث يقف الإنسان بين يدي ربه عزوجل في جوف الليل وفي مظان الاستجابة -كشهر رمضان ، أو أمام الكعبة..- ، ولكنه لا يرى رقة في قلبه ، ولا خشوعاً ولا دمعة ؛ فإن هذه الحالة من الانتكاسة الباطنية ، وانقطاع موارد الإقبال في القلب ، لمن أهم صور العقوبات في عالم الغيب.

ومن هنا يقول الإمام السجاد (ع) في أول الدعاء :



- (إِلهِي لاَ تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ..).. أي إن كنت قد قررت أن تختم على قلبي ، وأن تجفف دمعتي ، فهذا ليس وقته الآن ، فأنا أريد أن أدعوك.. وفي هذا فائدة : أنه من المناسب أن يطلب الإنسان من الله عزوجل أن يفتح عليه أبواب المناجاة بين يديه جل وعلا قبل كل دعوة.



- (وَلاَ تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ..).. إن كلمة المكر والحيلة من الكلمات المبغوضة في عرف الناس ، فيقال فلان إنسان ماكر ، وإنسان محتال.. ومن المعلوم أن مثل هذه العبارات لا تليق بكرام الناس ، ولكن نلاحظ بأن الله عزوجل يصف نفسه بأنه خير الماكرين : {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.. فما هو التوجيه لهذه الآية ، ولهذه العبارة ؟.. ومتى يمكر الله تعالى ، وكيف يمكر ، ولمَ يمكر؟..

يعرَّف المكر اصطلاحاً : بأنه التدبير الخفي لإيقاع الغير في ورطة أو مشكلة ما.. إن الله عزوجل عندما يرى في عبده ما يوجب له الانتقام ، فإنه يدبر له تدبيراً يكشف عن حقيقة جوهره.. فمن المعلوم أن المكيدة في الحرب ضد الأعداء ، أمر مطلوب ومستحسن ، ولا يعاتب عليه الإنسان.. إن رب العالمين إذا رأى في عبده موقفاً عدائياً : كأن يروج الباطل ، أو يتجاهر بالمعصية ، أو يقف أمام مد الشريعة ؛ فإنه يفتح له بعض أبواب الامتحان والابتلاء ، بحيث ينكشف باطنه للعباد.. فهو كان يتستر بإيمانه الظاهري ، وبحسن ذكره بين الناس ، ولكن الله عزوجل يرفع هذا المانع عن طريق عباده ، ليكشف لهم حقيقة هذا الإنسان.. ومن هنا نعتقد بأن هذا المكر الإلهي والخديعة ليس مما يذم عليه.

وعليه، فلنطلب من الله عزوجل أن يبقي علينا هذا الستر ، الذي طالما حاولنا هتكه ، فإنه خير الساترين ، ولو شاء لفضحنا في الدنيا قبل الآخرة ، ولكنه بمنه وكرمه أبقاه علينا حباً لعبده العاصي.. نعم، العبد العاصي محبوباً عند الله تعالى ، ما دام في طريق التوبة والإقلاع عن المعصية.

اللهم ثبتنا على الهدى والتقوى !.. اللهم لا تمكر بنا في حيلتك فإنك أنت أرحم الراحمين !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:05 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (مِنْ أَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يَا رَبِّ، وَلاَ يُوجَدُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِكَ، وَمِنْ أَيْنَ لِيَ النَّجَاةُ، وَلاَ تُسْتَطَاعُ إلاَّ بِكَ، لاَ الَّذِي أَحْسَنَ اسْتَغْنَى عَنْ عَوْنِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَلاَ الَّذِي أَسَاءَ وَاجْتَرَأَ عَلَيْكَ وَلَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ..).. أي يا رب أنا مديون لك في استقامتي ، وفي بقائي على خط الشريعة ، والثبات على الطريق المستقيم ؛ لأنك أنت هيأتني وهيأت الأسباب التي جعلتني أقف على رجلي في هذا الطريق.. فلولا دلالة الأنبياء ، ولولا نور الفطرة ، ولولا الكتاب الإلهي المنزل ؛ لما كنت على طريق الاستقامة والنجاة.. لقد كان بإمكان رب العالمين أن يستغني بحديث الأنبياء ، وبوحي الأنبياء ، وبما أنزل من الكتب السماوية ، وبنور الفطرة ؛ ولكن الله تعالى أنزل علينا كتاباً ، المعنى واللفظ منه ، تحنناً وتفضلاً على عباده..

أضف إلى ذلك أنه من موجبات الثبات على طريق الطاعة ، هو ما تشير إليه هذه الآية الكريمة : {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}.. إذ أن تحبيب الإيمان في الصدور والقلوب من النعم الإلهية ، التي هي نعم العون على مسير الطاعة والعبادة ، ومع الأسف فالكثيرون لا يعلمون قدر هذه النعمة..

إن العبد إذا رأى بواطن الأمور - سواء الإيجابية أو السلبية- ، أي إذا رأى ملكوت الحرام ، ورأى ملكوت الطاعة ؛ فإنه سيتحرك بشكل رتيب وتلقائي ، من دون كثير حث في هذا المجال ؛ لأنه يرى النور الإلهي متمثلاً في الطاعة ، ويرى الظلمة والضيق متمثلاً في البعد عن طريق الله تعالى.



- ثم إمامنا (ع) يناجي ربه بلفظ الربوبية ، حيث يقول : ( يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ .. ) ويستمر في ذلك حتى ينقطع النفس.. وفي ذلك إشارة - والله العالم- إلى أن المؤمن وكأنه يختم حياته ، ويكون انقطاع نفسه ، بذكر ربه جل وعلا.. فطوبى لمن ختم حياته بالشهادة بوحدانية الله ، والشهادة لنبيه المصطفى (ص) !.. فالإنسان الذي تصعد روحه إلى الله عزوجل ، وهو يتمتم بلفظ الألوهية ، أو بلفظ الربوبية ، فقد ختم حياته بأفضل ما يمكن.. إن الذين في أسحارهم كانوا يتمتعون بترديد لفظ ( يا رب ) ، أو ( يا الله ) ؛ فإنهم مرشحون لأن يختموا حياتهم بهذا اللفظة المباركة.



- ( بِكَ عَرَفْتُكَ وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ، وَدَعَوْتَنِي إِلَيْكَ، وَلَوْ لاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ..).. وهنا الإمام (ع) يشير إلى مضمون هذا الحديث القدسي : (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف).. فإذن، إن رب العالمين هو الذي أراد أن يتعرف علينا ، من خلال ما جعل في نفوسنا من حب الوصول إليه تعالى.. وكلما اشتد نور الفطرة في وجود الإنسان ، فإنه لا يسكن حتى يصل إلى معين اللقاء الإلهي ، إلى معين الرضوان الإلهي.. ومن أفضل مصاديق الدعاء : أن يطلب الإنسان من ربه أن يعرفه نفسه ، كما نقرأ في تعقيبات صلواتنا في بعض الأيام : اللهم عرفني نفسك !.. إن غاية المنى في هذا الوجود ، أن يعرف الإنسان ربه كما هو أهله ؛ لأنه هنالك فرق بين المعرفة الإجمالية ، وبين الطاعة مع المعرفة الوجدانية.

رزقنا الله هذه المعرفة بمنه وكرمه إنه سميع مجيب !.

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:07 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي..)..
وفي هذه إشارة إلى حقيقة مرّة في حياتنا ، وهي أن الإنسان عندما ينادي ربه في الأزمات وفي الشدائد ، يتوقع من الله عزوجل سرعة الإجابة وحسن الإجابة ، ولو وجد بطأ لأخذ يعتب على رب العالمين ، وكأنه يملي عليه تكليفاً !.. في حين أن الله تعالى هو الأدرى بمصلحة عبده.. ومن المعلوم أن الأدعية التي تصل إلى السماء ، إما أن تستجاب معجلة ، أو مؤجلة ، أو معوضة في عرصات القيامة ؛ وفي مضمون بعض الروايات أن العبد يوم القيامة عندما يرى التعويض الإلهي بالنسبة إلى ما لم يُستجب له ، يتمنى لو لم تستجب له دعوة واحدة في الحياة الدنيا !..

وإن من مصاديق دعوة الرب إلى عبده : في وقت الأذان ، حيث ينادى : (حي على الصلاة !.. حي على الفلاح !.. حي على خير العمل !..).. فالذي لا يلبي دعوة الرب جل وعلا حين يدعوه للصلاة بين يديه ، فلا يتوقع سرعة الاستجابة منه تعالى عندما يناديه في الشدائد !.



- (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي، وَإِنْ كُنـْتُ بَخِيلاً حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي..)..
إن الله عزوجل هو صاحب المال ، بل كل ملك في الوجود راجع إليه تعالى ، وإنما جعلنا مستخلَّفين على المال ، إلا إنّا نلاحظ أنه تعالى حينما يدعو عباده للإنفاق ، يستخدم لفظ الاستقراض ، إذ يقول تعالى : {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.. وكأننا نحن أصحاب المال ، وهو تعالى أجنبي عنه !.. وفي هذا غاية التلطف والتحبب منه جل وعلا.



- ( وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي أُنَادِيهِ كُلَّمَا شِئْتُ لِحَاجَتِي، وَأَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسِرِّي..)..
إن الحديث مع رب العالمين لا يحتاج إلى سفر ، أو بذل مال ، أو حتى الذهاب إلى مكان خاص للعبادة.. فمتى ما أراد العبد أن يكلم ربه ، فإن ما عليه إلا أن يتطهر ويقف في محرابه ليكبر ، وإذا بهذه التكبيرة يعرج إلى الملكوت الأعلى - الصلاة معراج المؤمن- ، وإذا به يعرج إلى الله عزوجل في الركعة الثانية ويمد يديه قانتاً داعياً.



- (بِغَيْرِ شَفِيعٍ فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي..)..
وهنا يشير الإمام (ع) إلى أن المؤمن بإمكانه أن يسأل ربه تعالى من دون شفيع.. ولكن ماذا عن الأمر الإلهي في توسيط عظماء الخلق كالنبي وآله (ص) ، حيث يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}، و{وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} ؟.. وكيف نجمع بين هذه المعاني وبين كلمة بغير شفيع ؟..

الجواب : إن النبي وآله (ص) ، هم وجهاء عند الله عزوجل ، فلا ترد لهم دعوة عنده تعالى ، فهم يسألون ويعطون في الحال.. غير أن قضاء الحاجة استقلالاً ونفسياً ، هو أمر محصور لله عزوجل.. ومن هنا نفهم انتفاء شبهة الشرك ، عندما يُوسَط من أمرنا الله عزوجل بجعلهم سبباً للنجاة بيننا وبينه.

اللهم اقض حوائجنا للدنيا والآخرة ، وثبتنا على طريق الهدى والاستقامة !.

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:10 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَدْعُوهُ وَلاَ أَدْعُو غَيْرَهُ، وَلَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لِي دُعَائِي، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَرْجُوهُ وَلاَ أَرْجُو غَيْرَهُ، وَلَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لأَخْلَفَ رَجَائِي، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَكَلَنِي إِلَيْهِ فَأَكْرَمَنِي، وَلَمْ يَكِلْنِي إِلَى النَّاسِ فَيُهِينُونِي..)..

وفي هذه إشارة

إلى حقيقة حياتية : وهي قضية الاحتياج إلى الغير.. فمن المعلوم بأن الإنسان مدني بالطبع ، إذ لا يمكنه أن يستغني عن الآخرين ، حيث المصالح المتشابكة الملزمة لاحتياج الناس بعضهم بعضا.. وقد أشار الإمام (ع) إلى هذه القضية حينما كان بحضرته رجل يدعو ، ويقول : اللهم!.. أغنني عن خلقك.. فقال (ع) : (ليس هكذا ، إنما الناس بالناس ، ولكن قل: اللهم!.. أغنني عن شرار خلقك).. فإذن الحاجة إلى الغير والاستعانة بهم هي سنة الحياة.. فنحن ولدنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ، ومن أول يوم من أيام الولادة إلى آخر يوم من أيام الوفاة ، ونحن نحتاج إلى مدد الغير ، إلى مدد الأم ومدد الأب وغيرهم إلى أن نموت.

غير أن الطرح الإسلامي لهذا المفهوم ليس هو الاستغناء المطلق عن الغير ، فإن هذه نظرية لا يمكن العمل بها في حياتنا أبداً.. وإنما المطلوب هو عدم الركون إلى عالم الأسباب الظاهرية ، والغفلة عن المسبب والعلة الحقيقية في هذا الوجود.. ومن هنا فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم بأنه هو الزارع ؛ لأن بركات هذا الوجود : الأرض الخصبة ، والأنهار الجارية ، والسحب الماطرة... فكل ذلك من فضل الله عزوجل ، بينما العبد دوره فقط أن يلفق بين موارد الطبيعة..

فعليه، نحن عندما نذهب إلى عالم الأسباب - ومن منا لا يستعين بأحد في قضاء حوائجه- ، علينا أن ننظر إلى هذه النظرة الطولية في عالم الأسباب.. فالعلاقة علاقة طولية لا علاقة عرضية ، وليس هنالك رب يقضي الحاجة وإنسان يقضي الحاجة ، بل هنالك رب هيأ لنا الأسباب لقضاء حوائجنا وتيسير مهامنا.

ومن هنا نقرأ في الدعاء الشريف : (يا سبب من لا سبب له ، ويا سبب كل ذي سبب ، ويا مسبب الأسباب من غير سبب..).. فالذي يركن إلى الناس على أنهم هم الذين يقضون الحوائج ، ويعلق فؤاده بمخلوق من المخلوقين ، فإنه يبتلى بالحرمان والخذلان والانكسار من حيث لا يحتسب ، حتى يثبت له رب العالمين بأن أزمّة الأمور طر بيده والكل مستمدة من مدده.. وفي هذا الحديث القدسي ما يشير إلى ذلك ، إذ يقول تعالى : (لأقطعن أمل كل مؤمل غيري..).



- (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَحَبَّبَ إلَيَّ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِّي..)..

إن الرأفة الإلهية لعباده لا يمكن أن تتصورها العقول ، وما نراه من حنان الأمهات الراوحم ليس إلا شعبة من فيض حنانه جل وعلا ، فهو الذي أجرى اللبن في صدور الأمهات ، وهو الذي جعل غريزة الأمومة في قلوبهن.. ولا شك في أن الجاعل للشيء بيده خزائنه أيضاً..

إن رب العالمين هو الذي يتحبب إلى عباده بما لا نتصور كنهه ، وإن الله عزوجل لأشد فرحاً بتوبة عبده ، ممن ضل راحلته في ليلة ظلماء ثم وجدها.. قال الباقر (ع) : ألا إنّ الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من رجلٍ ضلّت راحلته في أرض قفر وعليها طعامه وشرابه ، فبينما هو كذلك لا يدري ما يصنع ولا أين يتوجّه حتى وضع رأسه لينام ، فأتاه آت فقال له : هل لك في راحلتك ؟.. قال : نعم ، قال : هو ذه فاقبضها ، فقال الباقر (ع) : والله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من ذلك الرجل حين وجد راحلته.

والسر في ذلك واضح جلي !.. لأن العلاقة علاقة الخالقية والمخلوقية .. فكل موجد يحب ما أوجده ، ولو كان صنعاً لا خلقاً وإيجاداً من العدم.. فالذي يصنع الفخار ، والذي ينبت الزرع... ، فرغم أن الأمر ليس مخلوقاً له ، ولكننا نلاحظ أنه يتشبث به.. إن رب العالمين هو العلة ، هو الموجد ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.. ومن هنا يكون وجه الغرابة والعجب في أن الإنسان كيف يواجه هذا التحبب بالتبغض !..

اللهم لا تؤاخذنا بسيئات أعمالنا ، ولا تعاملنا بشرور أنفسنا ، إنك أنت أرحم الراحمين ! ..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:12 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (اللَّهُمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَوَعْدُكَ صِدْقٌ، وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً..)..
نلاحظ أن الإمام (ع) يستعين بآية من القرآن الكريم ، لتكون منطلقاً للمناجاة والحديث مع رب العالمين ، وهي قوله تعالى : {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.. وكأن الله عزوجل في هذه الآية الكريمة يستحث عباده لأن يسألوه من فضله ، وفي هذا قمة اللطف الإلهي ؛ فضلاً عن تعامله معهم بفضله لا بعدله ، لأنه قطعاً ليس هنالك ما يستحق الإجابة ، أو ما يعبأ به من أعمال العباد..

ومن دلائل فضل الله تعالى على عباده ، أن جعل لهم حالة البقاء الأبدي والخلود السرمدي في الجنة.. فقد يسلم كافر لسويعات ثم يموت ، وإذا به يعيش الخلود في الجنة.. إن الله عزوجل كان بإمكانه أن يجعل فترة التنعم في الجنة مقايسة لسنوات الطاعة في الدنيا ، ثم يحيلهم إلى عدم.. ويروى أنه المؤمن عندما يدخل الجنة ، يأتيه كتاب من الله عزوجل : (من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت)..

فإذن، من الضروري أن نعلم بأن الله تعالى له فضل واسع ، ويرزق من يشاء بغير حساب ، وأن علينا أن نحسن الظن بالله عزوجل ، وأن نكون واثقين بالإجابة عند السؤال .. ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : (إذا دعوت فظنَّ حاجتك بالباب).



- (وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِكَ يَا سَيِّدِي، أَنْ تَأْمُرَ بِالسُّؤَالِ وَتَمْنَعَ الْعَطِيَّةَ، وَأَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْعَطِيَّاتِ عَلَى أَهْلِ مَمْلِكَتِكَ، وَالْعَائِدُ عَلَيْهِمْ بِتَحَنُّنِ رَأْفَتِكَ)..
من المسلم به عرفاً أن الكريم من كرماء الدنيا إذا تعّذر ورد السائل ، فإنه لا يُقبل منه هذا التصرف ، بل قد يعتبر ذلك عدولاً عن منطق الكرم والتفضل.. إن رب العالمين عندما يقول : {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ ..} ، فإن له فضله وعطاؤه الواسع ، فخزائنه بين الكاف والنون ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وما قيمة حوائجنا بين يديه تعالى !..

وعليه، يحسن لمن يريد أن يسأل ربه ، أن يوسع في طلب الحاجات له ولغيره ، فإنه لن ينقص من ملك الكريم شيء ، فلندعوه كما ندعو في شهر رجب بهذا الدعاء الجامع ، إذ نقول : (أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة ، وأصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة ).. ثم ما الضير في أن يحول المؤمن (ياء المتكلم) إلى (نا المتكلمين) ؛ ليعمم الفضل لإخوانه المؤمنين جميعاً ؟..

اللهم عاملنا بفضلك ، ولا تعاملنا بعدلك ؛ إنك على كل شيء قدير !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:14 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (إِلهِي رَبَّيْتَنِي فِي نِعَمِكَ وَإِحْسَانِكَ صَغِيراً، وَنَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيراً، فَيَا مَنْ رَبَّانِي فِي الدُّنْيَا بِإِحْسَانِهِ وَتَفَضُّلِهِ وَنِعَمِهِ، وَأَشَارَ لِي فِي الآخِرَةِ إِلَى عَفْوِهِ وَكَرَمِهِ..)..
إن العبد بعد أن يبلغ ويشق طريقه في الحياة ، ويحوز على بعض المكاسب الدنيوية ، وتفتح له مكانة مرموقة بين الخلق ، فإنه ينسى أيام صغره وما قبلها ، حيث كان جنيناً في بطن أنه ، وينسى أصله حيث كان نطفة قذرة.. ومن هنا الإمام (ع) في ظل فقرات هذه المناجاة البليغة ، يريد أن يذكرنا بما كنا عليه سابقاً.. فمن الذي كان معنا في ظلمات الأرحام ؟.. ومن الذي حوّل هذه النطفة - التي تشبه نطف بعض الحيوانات- ، إلى خلية ملقحة مع بويضة المرأة ؟.. وإذا بها تتكاثر وتتكاثر ، لتشكل خلايا متعددة ، تأخذ كل منها زاوية من الزوايا !.. من الذي ساق هذه الخلية المتشابهة مع باقي الخلايا ، لأن تكون عيناً ، وأن تكون أذناً ، وأن تكون مخاً ..؟!.. من هذا المهندس الذي وزع الأدوار البليغة بين هذه العناصر المتشابهة ؟!.. فإذن، لماذا الإنسان ينسى كل هذا التأريخ ؟!.. ولماذا ينسى تلك اليد المصورة البديعة ؟!.. ومن المعلوم أن رب العالمين في كتابه عندما ينتهي من خلقة بني آدم يصف نفسه بأحسن الخالقين ، إذ يقول تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}..

ثم إن هذا الرب الذي أجرى اللبن السائغ من خلال مجاري الدماء في صدر الأم ، أليس من الأولى أن يُطلب في الشدائد والمحن ؟.. إن الذي أخرجنا من الظلمات إلى عالم النور ، أليس هو أولى من غيره في أن يأخذ بيد العبد إلى شاطئ السلام وشاطئ الأمان ؟.. وهكذا، فإنه من المناسب بين فترة وأخرى أن نستعيد هذا الشريط ، ونتفكر في بديع صنع الخالق وإحسانه تبارك وتعالى ، ولو أمكن النظر إلى بعض التسجيلات العلمية في هذا المجال ، إذ أنه من أرقى صور الإعجاز في عالم الطبيعة والتكوين ما يتعلق بالخلقة الإنسانية.



- (مَعْرِفَتِي يَا مَوْلاَيَ دَلِيلِي عَلَيْكَ، وَحُبِّي لَكَ شَفِيعِي إِلَيْكَ، وَأَنَا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي بِدَلاَلَتِكَ، وَسَاكِنٌ مِنْ شَفِيعِي إِلَى شَفَاعَتِكَ..)..
أي يا رب، أنا الذي وثقت بلطفك وكرمك وقدرتك في عالم الأجنة ، فلماذا لا تأخذ بيدي وأنا قد دخلت ساحة الحياة بكل ما فيها من تعقيد ؟.. فكما أنك جمّلت هذا الجنين القبيح ، لماذا لا تجمّل هذه الروح ؟.. تدخّل يا رب في أمري !.. استأصل ما فيّ من النوازع الخبيثة !.. يا رب، أمرك بين الكاف والنون ، اجعل من هذه الروح تلك الروح الجميلة التي تلقاك وهي متصفة بالسلامة وليس فيها شيئاً سواك !..

اللهم اجعلنا من الذين يتصلون بك في الدنيا والآخرة بقلب سليم ، إنك سميع مجيب ، وما ذلك عليك بعزيز !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:16 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
من المناسب أن نذكر في هذه الحلقة المباركة أنه لا يمكن اعتماد كلام الأئمة (ع) في الدعاء بدلالته المطابقية ، فإن ذلك قطعاً مخالفاً لعصمتهم (ع).. ومن التوجيهات التي ينبغي أن نعتقد بها حول دعاء الأئمة (ع) واستغفارهم البليغ : أنه يعتبر كاشف عن حالة تذللية ؛ ولا غرابة في ذلك ، لأنهم القمة في المعرفة والاتصال الإلهي.. ثم كونه تعبير عن لسان الأمة ؛ إذ أنهم يمثلون قادة الهدى والنور على مر الأيام والعصور.



- (أَدْعُوكَ يَا سَيِّدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنبُهُ، رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُهُ..)..
الإمام (ع) بحركة تذللية بليغة يقول : يا رب أنا أناجيك بأعضاء ملوثة بالمعاصي ، بلسان قد أخرسه ذنبه.. إن الإمام يشير إلى حقيقة مؤسفة ، وهي أنه بحركات معينة بهذا اللسان ، قد يجر العبد إلى الدواهي الكبرى ، من الغيبة والبهتان والنميمة وغيره.. فبهذا اللسان كم أوجدنا الفساد في المجتمع ، كم دمرنا البيوت ، كم اغتلنا الشخصيات..



وبقلب قد أوبقه جرمه.. إن الجرم تارة يصدر من الأعضاء الخارجية : من العين ، والأذن ، والفم.. ولكن لا ينبغي أن ننسى أن هنالك مصدراً آخر من مصادر المعصية ، ألا وهو القلب.. حيث أن بعض الأمور التي تجول في قلب العبد ، تسجل عليه المؤاخذة والخطيئة.. فسوء الظن في العباد الصالحين ، والأوهام والخواطر ، والاعتقادات الخبيثة ، والحركات الحسدية التي تجول في أعماق النفس... ، كل ذلك مؤثر في سلوكيات الإنسان ، وإن كان بعض العلماء لا يرون إثماً فيما لم يتجاوز أثره خارجاً ، إلا أن الدخان الذي لا يحرق المنزل يسود الجدران !..

إن المعاصي الجوارحية هي إنعكاس للمعاصي الجوانحية.. فالقلب الذي يشتغل بسوء الظن أو الحسد مثلاً ، فإنه لابد من أن تظهر آثار هذه الحالة يوماً من الأيام.. ومن هنا فإن العلماء يشبهون البواطن بالحوض الهادئ الذي فيه كدر مترسب ، وبمجرد حركة بسيطة فإنه يطفو ويظهر على السطح..

فإذن، من الضروري للإنسان أن يعيش حالة التأمل الباطني.. ليحاول أن يزيل هذا الكدر في النفس ، من خلال مراقبة الخلاجانات.. فإذا كان المؤمن العادي يراقب جوارحه ، فيحسن للمؤمن الذي وصل إلى الدرجات العليا التكاملية ، أن يراقب سيره الباطني..

وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك ، بذكر هاتين الخطيئتين في قوله تعالى : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} ، حيث جمع بين المعصية في عالم الجوارح ، وفي عالم الجوانح.. وإن كان ما هو خافٍ في الصدور ، لا انعكاس له في الخارج ، إلا أن الله عزوجل لا يريد من عبده أن يعيش هذه الحالة الباطنية السيئة ؛ لأنه تعالى إذا أحب عبداً ، يحب أن يرى آثار الطاعة على جوارحه وجوانحه.. ومن هنا ورد عن أئمة الهدى (ع) - ما مضمونه- : أن الله عزوجل قد يحب عبداً ويبغض عمله ، وقد يبغض عبداً ويحب عمله.. وهذا ما يعرف عند الأخلاقيين بالحسن الفعلي والحسن الفاعلي.. وعليه، فلابد أن نحاول أن نصل إلى مرحلة يرى ربنا فينا حسناً فعلياً وحسناً فاعلياً ، فباكتمال الحسنيّن ، نصل إلى أعلى درجات القرب والتكامل من رب العالمين.

رزقنا الله تعالى ذلك بمنه وكرمه ، وما ذلك على بعزيز !.

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:18 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (وَأَنَا يَا سَيِّدِي عَائِذٌ بِفَضْلِكَ، هَارِبٌ مِنْكَ إِلَيْكَ..)..
إن مفهوم الهروب مستجمع لأركان ثلاثة : فالأول : ما يُهرب منه.. والثاني : ما يهرب إليه.. أما الثالث : فهو سبب الهروب.. فالإنسان عندما يهرب إنما هو يهرب من شيء ، ويلوذ بشيء ، وهو في هذه الحالة من الهروب من جهة وإلى جهة ، يعيش حالة الخوف والوجل لسبب ما.. كالإنسان الهارب من حيوان مفترس ، من الطبيعي أن تراه يلوذ بجهة مأمونة ، والذي دفعه إلى ذلك هو الحالة التي استشعرها في نفسه ، من خوف الضرر من هذا الحيوان ، والتي جعلته يسارع في الفرار..

فإذن، إن طبيعة الهرب ، يلازمها الحركة والالتجاء.. فالذي يهرب إلى الله تعالى ، لابد وأنه يخاف من شيء ، والخوف هنا إنما هو من غضب الله تعالى.. ورب العالمين نحن لا نخاف من ذاته ، وإنما نخاف من عذابه ونقمته ، ذلك العذاب الذي يترتب على فعل العبد نفسه.. ولهذا فإن القرآن الكريم يجعل الخوف من مقام الرب ، هو السبب المحرك لتهذيب النفس ، في قوله تعالى : {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}.. فمقام الرب ، هو ذلك الشيء الذي يُخاف منه هيبةً ووجلاً.. والإنسان إذا كان صادقاً في الخوف من غضب الله تعالى ، فلابد أن يتحرك ، ولابد أن يرحل ويمشي ويسير ، ولكن إلى من يلتجئ ؟.. وبمن يلوذ ؟.. لا شك في أن الجواب : أن العبد لا ملجأ له من الله تعالى إلا إليه ، فهو القائل تعالى : {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}.. فهو يفر منه ، إليه.. يفر منه بوصف المنتقمية والغضب ؛ ويهرب إليه بوصف الرحمانية والرحيمية.. فإذن، الإنسان الذي يعيش هذه الحقيقة من الخوف ، فهو في حركة دائبة إلى الله تعالى.



ومن هنا يأتي معنى الاستعاذة الحقيقة.. وعلماء الأخلاق يشبهون الذي يكتفي بمجرد الاستعاذة لفظاً : بإنسان في صحراء ، وفي هذه الصحراء حيوان مفترس ، وأمامه حصن حصين ينجيه من المخاطر ، ولكنه يكتفي بالاستعاذة بصاحب هذا الحصن ، وهو قابع في مكانه !!.. فهذا الإنسان بلا شك إن لم يقم بحركة واقعية ، فسيكون مصيره الافتراس.. فإذن، الذي يستعيذ بالله تعالى من شر الشيطان ، ومن شر نفسه ، ولا يقوم بحركة واقعية في الالتجاء إلى الله عزوجل ، فإنه واقعاً يعد مستهزئاً بنفسه.



- (وَمَا أَنَا يَا رَبِّ وَمَا خَطَرِي..)..
ثم إن الإمام (ع) يعبر بهذه العبارة المختصرة والتي تحمل زخماً عاطفياً كبيراً ، حيث يقول (ع) : يا رب أنا ما وزني عندك حتى أكون من الذين تصب عليهم الغضب والانتقام ؟!.. ومن المعلوم أن الإنسان - عادة - عندما يعاقب أحداً ، فإنما يعاقبه لأن له وزنه وقيمته.. في حين نرى - في بعض الأوقات - تجاوز الكريم عن هفوات الصبي وإن قذفه بكلام بذيء ؛ لأن الصبي لا وزن له عند الكريم فلهذا هو لا يعبأ بكلامه..

وحقيقةً إن الإنسان إذا عاش هذه العبارة بتذلل ، واستشعر حقارة ذاته ، الذي هو نقطة ضائعة في هذا الوجود المترامي الأطراف من الذرة إلى المجرة ، فإن هذا الإحساس بهذه الحقارة من موجبات نزول الرحمة الإلهية الغامرة ، ولكن بشرط الصدق والجدية في الفكرة والمشاعر.

رزقنا الله تعالى وإياكم ذلك بمنه وكرمه !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:20 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- إن الإمام (ع) عندما يناجي ربه ويتذكر ذنوبه وخطاياه السابقة يقول :
(لاَ لأَنَّكَ أَهْوَنُ النَّاظِرِينَ إِلَيَّ، وَأَخَفُّ الْمُطَّلِعِينَ عَلَيَّ، بَلْ لأَنَّكَ يَا رَبِّ خَيْرُ السَّاتِرِينَ، وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ..)..
وكأنه (ع) يقول : أنا يا رب عندما عصيتك ، لا لأنك أهون الناظرين ، وأخف المطلعين علي ، بل لأنك يا رب خير الساترين ، وأحكم الحاكمين ، وأكرم الأكرمين.. يا رب، أنا عندما عصيتك لم أكن في موقف المواجهة ، ولست في موقف المحادة ، والوقوف أمامك ، فمن أنا لأقف أمام رب العالمين ؟!.. وإنما جرأني على المعصية ، سترك المرخى علي ، لا اعتقادي بأنك لا تراني ، فلا تجعل هذه المعصية بمثابة موقف اعتقادي.. لو أن الإنسان وصل إلى درجة عالية من اليقين ، بأن الله عزوجل مطلع عليه في كل الأحوال ؛ لكفاه ذلك رادعاً عن أي معصية.. ولو أن أي زوجين استحضرا هذه الآية ، في قوله تعالى : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، فهل يمكن أن تحدث أي مشادة بينهما في جوف الليل ، حيث لا رقيب ولا عتيد ولا أقارب ولا حاكم شرعي ؟!..

ومن هنا فإن الإنسان يلزمه أن يعمق حالة المراقبة لديه ؛ حتى لا يتورط في المعصية.. وتحسن هذه المقولة لعلمائنا الأجلاء : (بأن ترك الحرام بشكل مطلق لا يكون إلا بالمراقبة المتصلة).. إذ أن دعامة الأخلاق ، ودعامة السير إلى الله ، هي المراقبة المتصلة ؛ لا مراقبة الجوارح فحسب ، وإنما مراقبة الجوانح الباطنية.



ويقسم العلماء المراقبة إلى شقين :

شق مع الرب : وهي النظر إلى مقام الربوبية في النفس ، وتوقيره الله تعالى في حركة الحياة.. فبقدر ما لله في النفس ، ينظر الله عزوجل لها بعين اللطف والرحمة.

وشق مع النفس : وهي النظر إلى الهواجس والأفكار.. فمن المعلوم بأن عالم الأوهام مقدمة للتصديقات ، والتصديقات مقدمة للحركة الخارجية نحو المعصية.. فإذن ، الذي يراقب الخلجانات الباطنية ، ويراقب الأوهام والخواطر ، فقد اجتاز مرحلة عالية من حركة المراقبة والدقة ، في سير النفس وحركتها التكاملية إلى الله.



ويا ليت أحدنا يتأسى بالله عزوجل في صفة الستر والغفارية !.. فلا يتباطأ في قبول عذر من أساء إليه - كما يفعل بعض الناس- ، وخاصة إذا كانت الإساءة بغير قصد ، أو سهو ، أو جهالة.. فإن الله تعالى كم يحلم عن عباده !.. وإذا به تعالى بجلسة واحدة في جوف الليل يتجاوز عن تاريخ من المعاصي والذنوب !..

ومن هنا فإن العلماء يوصون بأن من يريد أن يفتح صفحة جديدة مع ربه : أن يغتسل غسل التوبة ، ويصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، ثم يستغفر سبعين مرة في السجود ؛ ليجد الله تعالى بعدها تواباً رحيما.. ومن أراد أن يعلم علامة الاستجابة في التوبة ، فلينظر إلى سلوكه بعد ذلك ، فإن رأى في نفسه عزوفاً عن المنكر ، وزهداً في المعاصي ؛ فليعلم أنه على خير ، وقد قبل الله تعالى توبته.

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:22 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- إن من المقامات المقدسة والنورانية التي يعوّل عليها ، وتقترب فيها الإجابة ، هي : مقام إبراهيم ، والحطيم ، والميزاب ، والمستجار ، والمسعى ، وأرض عرفة ، ومشاهد أئمة أهل البيت (ع)... إلا أن هنالك مقام مقدس آخر ، ألا وهو مقام المصلي بين يدي ربه ، حيث يقف الإنسان في مصلاه لمناجاة الله عزوجل.. فهذا المقام مقام جليل ، سواء كان في شهر رمضان ، أو في غيره من الشهور.. ومن هنا فإنه يستحب للمؤمن أن يتخذ في بيته مسجدا ، بأن يخصص له مكان يفزع إليه كلما أراد أن يناجي ربه.. حتى أنه ورد أيضاً استحباب نقل المحتضر إلى موضع صلاته في منزله ؛ لأنه مقام مقدس ، مقام ناجي فيه ربه.. ومن المعلوم بأن البيوت التي يذكر فيها الله عزوجل ، ويتلى فيها القرآن الكريم ، فإنها تضيء لأهل السماوات كما تضيء النجوم لأهل الأرض..

ولهذا فإن الإمام (ع) في هذه العبارة يذكر هذا المقام المقدس لربه ، فيقول : (يَا رَبِّ هَذَا مَقَامُ مَنْ لاَذَ بِكَ وَاسْتَجَارَ بِكَرَمِكَ..)..
ومن الممكن أن الله عزوجل إذا رأى عبده في تلك الهيئة ، وهو في حال خضوع وخشوع ، فإنه يباهي به الملائكة المقربين ؛ فالملائكة موجودات مجبولة على العبادة ، قوتها التسبيح والتهليل ، بينما هذا العبد -الذي يصفه القرآن الكريم بالتجافي عن المضاجع- قام باختياره لمناجاة ربه تاركاً للذيذ فراشه.



- (وَقَدْ تَوَثَّقْنَا مِنْكَ بِالصَّفْحِ الْقَدِيمِ..)..
أي أن الرب تعالى معروف بالصفح القديم ، هذا الصفح الذي تجلى في حياة الأنبياء والمرسلين في مواقفهم مع الطواغيت والكفار والفجرة.. وقد سجل التاريخ لنا موقف النبي الأكرم (ص) عندما دخل مكة فاتحاً.. فبرغم كل الإساءة والأذى النفسي والجسدي الذي تعرض له هو وأصحابه صلوات الله وسلامه عليه ، إلا أنه عفا عنهم ، وكانت تلك كلمته الخالدة : (اذهبوا فأنتم الطلقاء) !.. فإذا كان النبي هكذا وهو المبعوث من قبل الله عز وجل ، فكيف برب العالمين ؟!.. وهو الذي سبقت رحمته غضبه ، وهو الذي تسمى بالغفور الرحيم ، وهو الذي كان يوصي الأنبياء باللين في القول في التعامل مع الطواغيت ، كما في أمره تعالى لهارون وموسى عند ذهابهما إلى فرعون : {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.



- (يَا رَبِّ إِنَّ لَنَا فِيكَ أَمَلاً طَوِيلاً كَثِيراً..)..
لا شك أن رب العالمين إذا رأى في عبده هذه الثقة ، وهذه الحالة من الركون إلى رحمته ؛ فإنه لن يخيب عبده أبدا.



- (يَا غَفَّارُ بِنُورِكَ اهْتَدَيْنَا، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْنَا، وَبِنِعْمَتِكَ أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا، ذُنُوبُنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، نَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ مِنْهَا وَنَتُوبُ إِلَيْكَ..)..
ما أجمله من مقطع !.. وأنعم باتخاذه ورداً لمناجاة الرب عزوجل في كل حين ، في قنوت ، أو في خلوة !..

فإذن ، إن تذكر التعامل الإلهي مع عباده في طوال التأريخ ، ذلك التعامل المليء باللطف والكرامة ؛ من موجبات سكون العبد وارتياحه إلى المغفرة الإلهية.. وما ذلك على الله بعزيز !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:24 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- ( وَارْزُقْنَا مِنْ مَوَاهِبِكَ، وَأَنْعِمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلِكَ، وَارْزُقْنَا حَجَّ بَيْتِكَ..)..
إن الإمام (ع) عندما يصل إلى ذكر المواهب يخص بالذكر حج بيت الله الحرام ، وزيارة قبر النبي المصطفى (ص) في مناجاته في جوف الليل وهو في شهر رمضان المبارك.. فإذن، إن هنالك بعض الخصوصيات والبركات في زيارة بيت الله ، والتي لا يمكن أن تنزل في غير هذه الحركة المقدسة.. فلو أمكن لإنسان أن يحج البيت ثلاث مرات متواليات ، فقد كتب من ضمن مدمني الحج ، سواء حج أو لم يحج : (مَن حجّ ثلاث سنين متوالية ، ثم حجّ أو لم يحجّ ، فهو بمنزلة مَن يدمن الحجّ)..

أضف إلى أن التوفيق للزيارة فيه كاشفية.. فإن من يوفق لزيارة بيت الله في عمرة أو في حج ، فليعلم بأن هذه من علامات الاصطفاء الإلهي.. وخير ما يُستدل به ما روي عن الإمام السجاد (ع) عندما ذهب إلى مكة ، وقد أجدب أهلها ، وكان حول البيت بعض الداعين ، فقال (ع) : أما فيكم رجل يحبه الرحمن ؟!.. ثم سجد (ع) وقال : سيدي !.. بحبك لي إلاّ سقيتهم الغيث.. فما لبث أن سقوا ماء غزيراً..

فالملفت أن الإمام (ع) لم يسأل الله عزوجل بإمامته ، أو بحسبه ونسبه ، بل بحبه له !.. ولما سئل (ع) : من أين علمت أن الله عزوجل يحبك ؟.. قال: لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمتُ أنّه يحبني، فسألتُه بحبه لي فأجابني.

أي أن الإمام (ع) جعل التوفيق إلى زيارة بيت الله من علائم الحب الإلهي.. ومن هنا فإن زيارة البيت من الأمور التي يُؤكد عليها في شهر رمضان ، وفي ليالي القدر ، وفي دعاء الافتتاح.. وما المانع لليائس من زيارة البيت لظرف صحي ، أو مالي ، أو غيره ؛ أن يتمنى هذه الهبة الإلهية وإن كان يائساً ؛ فإن الله تعالى يرزق من يشاء بغير حساب.



- ( وَزِيَارَةَ قَبْرِ نَبِيِّكَ، صَلَوَاتُكَ وَرَحْمَتُكَ وَمَغْفِرَتُكَ وَرِضْوَانُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ..)..
نحن عندما نزور قبر حبيبنا المصطفى (ص) ، فإننا لا نزور تراباً ، أو قبراً ، أو ضريحاًً... ، وإنما هذه الزيارة هي توجه إلى تلك الحقيقة المتصلة بذلك المكان ، هذه الحقيقة التي أكسبت هذا المكان الخلود والقداسة.. ومن المعلوم أن ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ؛ فلا عجب في كون هذا المكان محطاً للطف والإلتفات الإلهي.. فإذن ، نحن عندما نذهب إلى هذه البقاع ، ونناجي تلك الأرواح الحية عند الله عزوجل ، لا نتصل بجماد لا يدرك ، ولا يحس بوجودنا.. فإذا كان الشهيد مرزوق - بنص القرآن الكريم- عند الله عزوجل ، فكيف بنبي الشهداء ؟!.. فكيف بإمام الشهداء ؟!..

ولا شك في أن في زيارة هذه الأماكن الشريفة ، تقديس للمعاني التي كانت مقترنة بتلك الأرواح الشريفة.. وبلحاظ المتأمل نجد أن تقديس الرموز ما هو إلا سنة بشرية في أي مكان وزمان.. ومن هنا وجد ما يسمى بنصب الجندي المجهول ؛ تقديراً لهذا الشخص الذي سقى بدمه أرض الوطن.. ونحن عندما نذهب إلى هذه المشاهد المشرفة ، إنما نقدس ونحيي البطولة والفداء المتمثل بأبي الأحرار وسيد الشهداء الحسين الشهيد صلوات الله وسلامه عليه.



- ( وَارْزُقْنَا عَمَلاً بِطَاعَتِكَ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِكَ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ..)..
يحسن للمؤمن عندما يزور قبر المصطفى (ص) أن يطلب من الله عزوجل أن يوفقه للاستنان بسنة حبيبه (ص) ، ذلك النبي الذي كان خلقه القرآن ، وكان متأدباً بأخلاق الله ، والذي كان يقول : (أدبني ربي فأحسن تأديبي..).

اللهم اجعلنا من المستنين بسنته ، إنك سميع مجيب !.

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:26 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
- (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وَارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً، وَاجْزِهِمَا بِالإِحْسَانِ إِحْسَاناً، وَبِالسَّيِّئَاتِ غُفْرَاناً..)..
إن البعض -مع الأسف- يعلق مسألة إكرام الوالدين ببعض المقامات العلمية والعملية ، فإذا رأى والده عالماً عاملاً ، يحترمه لعلمه وعمله !.. والحال بأن عنوان الأبوة وعنوان الأمومة من العناوين المستلزمة للإكرام في نظر الشريعة ، حتى أن الشارع المقدس لم يقيد إكرام الأبوين والإحسان إليهما بقيد الإيمان والتقوى والطاعة ، كما نفهم من هذه الآية الملفتة : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.. فإذا كان الكفر لا يمنع من مصاحبة الأبوين بالمعروف ، فكيف إذا كانا مؤمنين ؟..فكيف إذا كانا بارين تقيين وفيين ومكرمين للولد ؟..

إن من موجبات نزول الغضب الإلهي -كما نفهم من الروايات المختلفة- هو عقوق الوالدين.. لأنهما ربيا ولداً وحاله كالصدف المغلق ، وهما لا يعلمان هل سيبقى حياً أم لا ؟.. هل سيكون وفياً لهما أم لا ؟.. هل سينتفعان منه عملاً أو مالاً أم لا ؟.. فبحق إن إكرام الأبوين لولدهما من أعلى صور الوفاء في الوجود !.. حتى أننا نلاحظ - في بعض الحالات- أن الأبوين رغم علمهما بأن الولد سيموت بعد سنوات لمرض فيه ، إلا أنهما لا يقصران في إكرام وتربية هذا الولد.. ومن هنا أمرنا بالمبالغة في حقهما.. أضف إلى أن هذا من شعب الشكورية في الإنسان المؤمن ؛ فالمؤمن إنسان شكور ، ومن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.



- (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَتَابِعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالْخَيْرَاتِ..)..
إن البعض قد يسأل : هل هنالك استجابة للدعاء في طلب المغفرة للأموات ؟.. نعم، الميت وهو في عالم البرزخ منقطع إلى الله ، ونفهم من خلال النصوص الشريفة أن ملف أعمال الميت مغلق إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له.. فهنيئاً لمن انتقل من هذه الدنيا ولم تغلق ملفات أعماله ، بأن جمع الله تعالى له بين هذه الأمور الثلاث !.. ومن الممكن أن يكون الإنسان عاقاً لوالديه في حياتهما ، ثم يكتب باراً لهما بعد الموت ، وذلك بالدعاء لهما.



- (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، ذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، صَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، حُرِّنَا وَمَمْلُوكِنَا..)..
نلاحظ أن الإمام (ع) ما ترك أحداً من دعائه الشريف ، ولم ينسَ حتى العبد المملوك المتعارف عليه في تلك الأيام ، مما يعكس لنا شدة رأفته (ع).. وقد ورد في بعض الأدعية أيضاً التأكيد على الدعاء للجيران ، وفي هذه دلالة على أن المؤمن في جوف الليل يذكر الجميع من إخوانه المؤمنين.. وقد كانت الزهراء (ع) تقف في محراب العبادة وتدعو طويلاً للآخرين ، فتسأل من قبل ولديها الحسن أو الحسين أنه لماذا هذه الدعوة المبالغة ؟.. فتقول : يا بني ، الجار ثم الدار..

نسأل الله عزوجل أن يقدر لنا من يدعو لنا بعد موتنا إن الله سميع مجيب !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:28 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ..)..
من المعلوم أن الصلاة على النبي وآله من موجبات الاستجابة.. فالعبد عندما يقدم الصلاة على النبي وآله قبل أن يدعو لنفسه ، ثم يختم دعاءه أيضاً بالصلاة على النبي وآله ؛ فإن الرب تعالى - كما ورد في النص- أجل من أن يستجيب الطرفين ويهمل الوسط.

وفي هذه الآية الكريمة : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ..} ، يؤكد الله عزوجل صلاته على نبيه.. ونلاحظ أنه يعبر عن الصلاة بفعل مضارع ، مما يعني أن الله عزوجل في صلاة مستمرة على حبيبه المصطفى (ص).. ثم إنه تعالى أمرنا بالاستنان بهذه السنة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا..}.. غير أننا لا نعلم ماهية هذه الصلوات ، ولكنها قطعاً ليست كصلواتنا ، ألفاظاً نتمتمها على الألسن ؛ إذ إن هنالك مباركة من قبل الله عزوجل على النبي (ص) وآله ، ومن مصاديق هذه المباركة :

* أن خلد ذكره وقرن اسمه باسمه تعالى في الأذان والإقامة والتشهد.

* أن جعل الشهادة بنبوته جزءاً أساسياً للدخول في الإسلام.. فمن تشهد بالتوحيد ، ولم يتشهد بنبوة النبي المصطفى (ص) ؛ لم يدخل دائرة الإسلام.

* أن نكون كما يحب الله ورسوله ؛ بأن نكون زيناً لهم ، ولا نكون شيناً عليهم.. فلو أن أحدنا ذهب إلى وسط لا يعترف بالإسلام وبنبوة النبي المصطفى (ص) ، فكان بسلوكه وبتعامله زيناً لهم ؛ فإنه يعطي صورة ناصعة للإسلام المحمدي الأصيل.

فإذن، إن طلب الصلاة على النبي وآله ، وطلب رفع الدرجات له ولآله ، دعاء مستجاب قطعاً ؛ لأن الله عزوجل أمرنا بذلك.. فلو قدمنا هذه الصلوات عند الدعاء لأنفسنا ، فإن رب العالمين سينظر لنا بعين اللطف والرحمة.



- (وَاكْفِنِي مَا أَهَمَّنِي مِنْ أَمْرِ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي..)..

إن المؤمن إنسان يهمه أمر الدنيا ، فمن لا معاش له لا معاد له.. ومما ورد أن سلمان المحمدي كان يؤمن قوت سنته ؛ وكان يقول (رض) : إنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت. والذي لا يفكر في أمر دنياه إنسان فاقد للمزرعة ، فالدنيا مزرعة الآخرة.. ومن هنا فليس من المانع أبداً في مظان الإجابة أن نطلب من الله أن يهيئ أمورنا الدنيوية ، كما ورد في قوله تعالى :{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.. وفي هذا الحديث القدسي : (يا موسى !.. سلني كلّ ما تحتاج إليه حتّى علف شاتك ، وملح عجينك )..

وقد كان أمير المؤمنين (ع) من أوائل المزارعين في المدينة ، فكم من النخيل التي غرسها ، والأنهار التي فجرها بساعده وتعبه وعرق جبينه.. وكذلك ما روي عن الإمام الصادق أو الباقر بأنه شوهد يتصبب عرقاً في مزرعة ولامه أحدهم على ذلك ، غير أنه (ع) كان يفتخر بما هو فيه.. وأما النبي المصطفى (ص) فقد قبل يد ذلك العامل عندما رأى آثار التعب والجهد على يده..

فإذن ، المؤمن في دعائه في جوف الليل في ساعة السحر يطلب من الله عزوجل أن يكفيه أمر الدنيا والآخرة ، ذلك الرزق النموذجي الذي ينطبق عليه عنوان الكفاف ، لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

نعوذ بالله عزوجل مما يلهينا عن ذكره وطاعته !..

عقيلة أبا الفضل 09-01-2009 10:30 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
إن الإمام (ع) في مناجاته لربه في جوف الليل يقارن بين حالة السلب في الماضي الذي كان فيه وبين وحالة الإيجاب في الحاضر فيقول (ع) :



- (أَنَا الصَّغِيرُ الَّذِي رَبَّيْتَهُ..)..
أي أنني كنت صغيراً فربيتني.. ومن المعلوم ما في صغر الإنسان من عناصر الضعف والمسكنة والحاجة إلى أبسط الأمور.. حتى قيل بأن أضعف المخلوقات عند الولادة هو بني آدم ، إذ أن الحيوان عندما يولد ، له ما يقّوم حركته ، ولكن الموجود الذي يحتاج إلى كل صغيرة وكبيرة هو بني آدم.



- (وَأَنَا الْجَاهِلُ الَّذِي عَلَّمْتَهُ..)..
سبحانه وتعالى أخرجنا من بطون أمهاتنا ونحن لا نعلم شيئاً ، وشق لنا السمع والبصر والفؤاد ، وإذا بأحدنا يصل إلى فهم ملكوت السماوات والأرض !..



- (وَأَنَا الْوَضِيعُ الَّذِي رَفَعْتَهُ..)..
إن الإنسان في مرحلة من مراحل عمره ، قد يعيش حالة من حالات الذلة أمام الخلق ، سواء بحق أو بغير حق.. ولكن الله عزوجل يرفع ذكر المؤمن بين عباده الصالحين ، فهذه سنته تعالى.. ومن أتم المصاديق لذلك ، أنه رفع ذكره حبيبه المصطفى (ص) ، وإذا بيتيم مكة الذي لا ناصر له ، يصل إلى درجة يسمع ذكره مع ذكر الله تعالى في اليوم على المنابر عدد من المرات.



- (وَأَنَا الْخَائِفُ الَّذِي آمَنْتَهُ، وَالْجَائِعُ الَّذِي أَشْبَعْتَهُ، وَالْعَطْشَانُ الَّذِي أَرْوَيْتَهُ، وَالْعَارِي الَّذِي كَسَوْتَهُ، وَالْفَقِيرُ الَّذِي أَغْنَيْتَهُ، وَالضَّعِيفُ الَّذِي قَوَّيْتَهُ، وَالذَّلِيلُ الَّذِي أَعْزَزْتَهُ، وَالسَّقِيمُ الَّذِي شَفَيْتَهُ، وَالسَّائِلُ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ، وَالْمُذْنِبُ الَّذِي سَتَرْتَهُ، وَالْخَاطِئُ الَّذِي أَقَلْتَهُ، وَأَنَا الْقَلِيلُ الَّذِي كَثَّرْتَهُ، وَالْمُسْتَضْعَفُ الَّذِي نَصَرْتَهُ..).. نلاحظ أن الإمام (ع) يتأسى بجده الأكبر إبراهيم الخليل (ع) الذي ينسب كل هذه البركات إلى الله عزوجل : {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }..



فإذن، هذه الحالة من المقايسة بين المراحل السابقة من حياة الإنسان وبين المرحلة الفعلية، من موجبات الشكورية والإحساس بمنة الله عزوجل ، ومما سيورثه قطعاً حالة الاستحياء من الله عزوجل ، إلى درجة يذهل عن شكر أي نعمة من هذه النعم ، فحتى الشكر الذي هو نعمة فهو يحتاج إلى شكر آخر ، لأن الله عزوجل وفقه لهذا الشكر ، وألهمه الشكر ، وأنطق لسانه بالشكر..

أضف إلى أن استحضار هذا الماضي ، الذي فيه الضعف والضلالة والعطشى والعرى، من موجبات رفع حالة العجب في الإنسان ، ذلك العجب الذي إذا دخل عمل عبد أفسده كما يفسد الخل العسل.



- (وَأَنَا الطَّرِيدُ الَّذِي آوَيْتَهُ..)..
الإمام (ع) يشبه نفسه بعبد آبق.. ومن المعلوم أن العبد الآبق عادة - في الأزمنة القديمة- كان سبيله الوحيد عندما يذنب ، أن يهرب من مولاه ، ويسيح في الأرض.. ورب العالمين هو مأوى وملجأ كل عباده المذنبين ، فهو تعالى عندما يقبل توبتهم ويأخذ بيدهم ، فقد آواهم.. سبحانه من رب غفور رحيم !.. وهو القائل تعالى : {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.. (التواب) : صيغة مبالغة أي هو كثير التوبة.. فلأنه يعصي كثيراً ، فيتوب كثيراً .. ومن هنا فرب العالمين يحبه من بين عباده.. ولقد علمنا أن أنين المذنبين أحب إلى الله من تسبيح المسبحين.

الصدّيق الأكبر 09-01-2009 02:16 PM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..،

ماشاءالله..
جزيتم خيرا على هذا الجهد النيّر

موفقين لكل خير ببركة نور محمد وال محمد

روح الحسين 09-01-2009 08:18 PM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماشاء الله جهد جبار بارك الله تعالى بكم ورحم الله والديكم
ان شاء الله اكمل قرائته في اقرب وقت

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم...
(يا علي يا علي يا علي(34))

عقيلة أبا الفضل 09-02-2009 01:02 PM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
أخي .. حج الحسين

أختي .. كوكب النور

مروركما أنار الموضوع ، لكما تحياتي وشكري 0

خادم الإمام المهدي (عج) 01-23-2016 03:01 PM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
يا الله يا رحمن يا رحيم ثبتني على طاعاتك و لزوم عباداتك بحق محمد وال ممحمد عليهم السلام

alzynabwly 04-11-2021 12:57 AM

رد: شرح دعاء أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه
 
الله يحفظكم بحق محمد وال محمد


الساعة الآن 11:05 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.