منتديات نور السادة

منتديات نور السادة (https://noor-s.site/vb/index.php)
-   نور الحج والعمرة (https://noor-s.site/vb/forumdisplay.php?f=116)
-   -   فلسفة الحج (https://noor-s.site/vb/showthread.php?t=28161)

فيضٌ بنور الكوثر 10-11-2011 10:25 AM

فلسفة الحج
 
فلسفة الحج


http://www.walfajr.net/media/lib/pic...1227775827.jpg
الشيخ محفوظ الزويد- « شبكة والفجر الثقافية » - 6 / 11 / 2008م - 4:23 م

المفهوم والمعنى

ماذا يقصد من كلمة «فلسفة» ؟ التي تستعمل في كثير من الكتابات التي تطرح من قبل البعض نحو فلسفة الصوم ، فلسفة الصلاة ، فلسفة الحج ...


يقصد من الفلسفة في مثل هذه المواضيع هو

استيحاء المعنى والحكمة من وراء وضع وتشريع الحكم الإلهي ، ومعرفة الغاية والأغراض والفوائد التي تراد من وراء ذلك ، وأيضاً العوائد التي يحصل عليها الإنسان والمجتمع نتيجة أداءه تلك الفريضة

وبذلك تتجلى لنا الضرورة من وراء مثل تلك الأبحاث الآن ، حيث في الحٌقبة الأخيرة طُرح علم أو بحث في الأوساط العلمية الجامعية وهو ما يسمى بـ فلسفة العلوم أو العلم ، وأيضاً طرح من قبل المفكرين الغربيين بحث " الفلسفة الدينية وفلسفة الدين " أي دراسة الدين من الجانب العقلي وهو " الفلسفة الدينية " ودراسة الدين من خلال النص الديني ، وهو ما يسمى بـ " فلسفة الدين "


والضرورة التي تدعونا لطرح البحث في فلسفة وأسرار الحج هي :

أ / أنه تُحلق في الذهن البشري عدة تساؤلات وإشكاليات حول الأحكام الإلهية ، ويطلب الحصول على جواب مقنع لذلك و من جملتها " أحــكام الحــج "

ب / إن الإنسان عندما يتعرف على الهدف والغاية والأسرار من وراء الأعمال التي يقوم بها ، فإنه من الضرورة أن يعطيها أهمية كبيرة ، وأيضاً تحصل بينه وبين تلك الأعمال علاقة أـنس بها ، ويحاول أن يوجدها على أحسن صورة وكيفية ، لأنه يؤديها بمعرفة واعتقاد ويقين

وإن كان البعض يرتأى أن البحث في الغاية والأسرار في الأحكام الإلهية ليس بصحيح ، لأن الفعل الإلهي لا يعلل ، ولكن معرفة الغاية والهدف للأحكام الإلهية أمر ضروري ، تقتضيه الحكمة الإلهية ، وإبعاد الفعل الإلهي عن العبثية جل جلاله عن ذلك .
ولذا جاء في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق (ره) عن جميل بن دراج عن أبي عبدالله أنه سأله عن شيء من الحلال والحرام فقال : إنه لم يجعل شيء إلا لشيء.
أي ان الله سبحانه وتعالى لم يجعل حكما ًمن الأحكام إلا لغاية وهدف ولكن ليس لذاته سبحانه وتعالى وإنما لغيره وهو العبد وان العبادات وسيلة إلى غيرها وليست هي لذاتها .

والسؤال عن الهدف والغاية وطلب معرفة فلسفة الأحكام وأسرارها ، وردت من قبل أصحاب الأئمة بأسئلة وجهت إلى الإمام ونذكر نماذج ترتبط بالحج
عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : فإن قال : فلـِم َ جعل وقتها عشر ذي الحجة ولم يقدم ولم يؤخر ؟ ( العيون 2/ 118 )
"لِمَ صــار الحــاج لا يكتب عـلـيــه ذنب أربعــة أشــهـر "
"سـألتــه عــن التلبية ، لِمَ جعـلت ؟ "
" لــِمَ ســمي الــبيت العتــيق ؟ "
" لِــمَ جـــعـل المــقام بمــنى ثـلاثــاً ؟ "
" لــِمَ جــعـل الســــعي ؟ "

مصادر معرفة فلسفة الأحكام

إن للمصادر دور كبير في إيجاد الاعتقاد والاطمئنان نحو أي دراسة يقام بها وحول أي نظرية علمية
والمصادر الأساسية والأولية لمعرفة أسرار الأحكام الإلهية بشكل عام ، والحج على وجه الخصوص هي :
1 / القرآن الكريم : فهو الكتاب المحكم والجامع ، والمتيقن صدوره من قبل الله تعالى ، فيكون صاحب الأولوية لدراسة وفهم الأحكام الإلهية

2 / السنة : وهي الروايات الواصلة إلينا عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته " عليه السلام " فهــم المفســرون للقرآن الكريم ، والمرجـــع لبيان ألأحــكام و إظــهار فلســفة وأسرار ألأحـــكام .

3 / العقل : وإن للعقل دور ومكانة خاصة في فهم ومعرفة واستنباط الأحكام الشرعية وكشف أسرارها


الحج جامع العبادات

من الخصوصيات التي انفرد بها الحج عن بقية العبادات في الشريعة الإسلامية أنه جامع لكثير من العبادات الأخرى ، كالصلاة ، والإنفاق ، والطهارة ، والهجرة والجهاد وتحمل الصعوبات في طريق الله تعالى ، والإمساك عن المحرمات وتقديم القرابين لله تعالى ، والإطعام
وجاء في كتاب صاحب الجواهر:
( فهو [ الحج ] حينئذ رياضة نفسانية ، وطاعة مالية ، وعبادة دينية ، قوليه وفعلية ، وجودية وعدمية ، وهذا الجمع من خواص الحج من العبادات التي ليس فيها أجمع من الصلاة ، وهي لم تجتمع فيها ما اجتمع في الحج من فنون الطاعات ) الجواهر أول كتاب الحج
وجاء في كتاب أسرار الحج ومهماته ( من كتاب آداب السالكين للفيض ص 759 ) :
( وشرع لهم الشرائع ، والعبادات والنسك ، حتى يردوهم عن جسمانيتهم إلى الروحانية ، وعن عماهم إلى الهدى ، وعن حيوانيتهم إلى ألإنسانية ، وعن ظلمتهم إلى النور ، وعن بعدهم إلى القرب ، وجعل لهم تكاليف وعبادات تنفع بعضها في دفع الظلمة ورفعها ، وبعضها في جلب النور وإثباتها .
وبعبارة أخرى : بعضها تؤثر في التخلية وبعضها في التحلية وبعضها جامع لكلا ألأمرين ، والحج من القسم الأخير ، لأنه معجون إلهي مركب من أجزاء نافعة جدا لجميع أمراض القلوب ......
ولذا على المكلف العاقل أن تكون غايته وهدفه من حجه ، وبقية عباداته أن يحصل على مقاصد الشريعة من وراء جعلها وهذا لايكون بمعرفة المقصود من حقائق ألأوامر الإلهية ، لكي يوقع تلك الأعمال على الوجه الصحيح بحيث لا تفوته النتيجة .

فلسفة الميقات

الميقات هو الموضع الذي يحرم منه ، الميقات باب من أبواب الحرم الإلهي العظيم فليس لقاصد حرم الله ومدينته المقدسة الدخول من حيث يريد ، بل الله سبحانه وتعالى لعلمه وحكمته يقرر محل المرور ومكان العبور ، فالميقات معبر مجعول من الله سبحانه وتعالى ، يدخل منه الإنسان ليفد نحو ضيافة الله، ليتعرض للمنح والعطايا والألطاف الالهيه .
( يامن لا يفد الوافدون على أكرم منه ، ولا يجد القاصدون ارحم منه) – مناجاة المتوسلين
( إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك ، وسيرنا في أقرب الطرق للوفود عليك ، وقرب علينا البعيد وسهل علينا العسير الشديد ، وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون ، وبابك على الدوام يطرقون ) مناجاة المريدين
الميقات موطن من مواطن التفكر والتأمل والتعلق والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ليخلص نفسه من الغفلة والسهو والنسيان والبعد عنه تعالى .
الميقات تصفية لروح الإنسان من الأنا والميل إلى الذات ، للوصول إلى لقاء الله تعالى، فقبل الميقات يعيش الإنسان الأنا وحب الذات ففي الميقات يراد منه تذويب كل ذلك ، والذوبان في الله تعالى .
( وأتيتك من الأبواب التي أمرت أن تؤتى منها ...... ، ثم أتبعت ذلك بالإنابة إليك ، والتذلل والإستكانة لك ، وحسن الظن بك ، والثقة بما عندك ، وشفعته برجائك الذي قل ما يخيب عليه راجيك ، وسألتك مسألة الحقير الذليل ، البائس الفقير ، والخائف المستجير ...... )
الميقات منزلة من منازل اليقظة والشعور للروح الإنسانية ، حيث يستشعر عظمة الوفود على الله سبحانه وتعالى
( خاب الوافدون على غيرك ، وخسر المتعرضون إلا لك ، وضاع الملمون إلا بك )
وبذلك يكون الميقات محطة تصفية للروح ، كما انه تصفية للبدن فقد روي أنه لما رجع الأمام زين العابدين "عليه السلام " من الحج استقبله الشبلي فقال :"عليه السلام"له :
(حججت يا شبلي ؟) قال : نعم يا ابن رسول الله.
فقال "عليه السلام " (أنزلت الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت ؟) قال :نعم
قال : ( فحين نزلت الميقات ، نويت انك خلعت ثوب المعصية ، ولبست ثوب الطاعة ؟) قال : لا قال : ( فحين تجردت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجرّدت من الرياء والنظافة والدخول في الشبهات ؟ )
نستوحي من هذه المقطوعة بعض العلل والآثار التربوية والروحية لنزول الميقات ، حيث أن الحاج يتحرك وجوده ببعديه الروحي والجسدي ، حالة الخلع و اللبس ، فهو في الجانب المادي والجسدي يخلع ثوب الدنيا وزينتها ويلبس ثوب الآخرة ، المجرد من كل زينه وتباهي ، إنه لباس بسيط في شكله وحقيقته ، لباس يتوحد فيه الكل الغني والفقير الحاكم والمحكوم ،ليعرف الكل أنهم سيخرجون من هذه الدنيا التي ربما أخذتهم وملكتهم وأبعدتهم عن النقطة المركزية التي يتحركون حولها ولابد أن يرجعون إليها وهي التعلق والارتباط بالله سبحانه وتعالى ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وكذلك في البعد الروحي والنفسي فهو يخلع ثوب المعصية والبعد من الله سبحانه وتعالى ويلبس ثوب التقوى والعبودية ( ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) الأعراف 26 .
فالإمام يريد من قوله : هل نويت بالتجرد عن الثياب انك خلعت ثوب المعصية ) أن ينخلع واقعا عن المعاصي الحاضرة بالفعل ، وعن الآتية بالعزم الصحيح ، وهكذا لأن النية لاتصـح من المرتكب بالخلاف ، بل يكون الإخطار بالضمير مع الارتكاب الفعلي استهزاء وغفلة لا نية .
( الهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي وجللني التباعد منك لباس مسكنتي وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي ويا سؤلي ومنيتي فأن طردتني من بابك فبمن ألوذ ؟ وان رددتني عن جنابك فبمن أعوذ ) مـناجـاة التــائبــين
الميقات مكاني وزماني ، المكاني هو بوابة الدخول إلى الحرم الإلهي ، والزماني هو لحظة الإقرار والاعتراف بالتقصير في حق المولى سبحانه وتعالى وطلب التوبة منه تعالى
( فها أنا ذا يا الهي واقف بباب عزك ، وقوف المستسلم الذليل ، وسائلك على الحياء مني سؤال البائس المعيل فهل ينفعني يا الهي إقراري عندك بسوء ما اكتسبت ؟ وهل ينجيني منك إعترافي لك بقبيح ما ارتكبت ؟)
( الهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك ، وسيرنا في اقرب الطرق للوفود عليك ) – مناجاة المريدين



يتبع ...

فيضٌ بنور الكوثر 10-12-2011 01:07 PM

رد: فلسفة الحج
 
فلسفة الحج....الإحرام

بــداية ألــمــح إلى مقــدمة بسيطة حــول تشــريع العبادات في الشريعة الإسلامية ، حــيث أن المشّرع العــليم والحكيم شـــرَّع العــبادات كالصــلاة والصــوم والــزكاة والحــج من أجــل غــاية وهــدف ، وأمـا هي فهي طــريق ووســـيلة إلى تلك الغــاية الــتي هــي مطــلـوبــة بالــذات ، وأما العـــبادات فهي مطــلـوبة بالعـــرض .
والغاية المطلوبة هي الوصول إلى وجود حالة التقوى عند الإنسان وتقـوية الارتباط و الاتصال بالله سبحانه وتعالى ، بشكل دائم ومستمـر ، وأن يجعل الإنسان الله سبحانه وتعالى نصب عينيه دائما ، ( ألم يـعـلم بأن الله يــرى ).
لكي يأتمـر بأوامره وينتهي عن نواهيه ، وهذا هو روح التقوى الحقيقية ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ... لعلكم تتقون ) . وقال تعالى لبيان الحكمة من تشريع الهدي في الحج : ( لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم ).
وعلى ضوء هذه الحقيقة ندرك أن الحج لم يشرع وجوبه بصفته العامة ، وكل عمل منه بصفته الخاصة إلا من أجل الوصول إلى هدف تنشده السماء ، وهو التعلق والارتباط بالله تعالى .


المفهوم والحقـيقة :

للحــرم الإلـهي الآمـن خصــوصــية انفـرد بها عن بقــية الأماكـن على وجـه الأرض ، ولذا لايمــكن الـدخـول إليه بدون إحــرام من الميقات , قال ألإمام الصادق " عليه السلام " : ( وجب ألإحــرام لعلة الحـــرم )
الفقيه : 2/ 195 .
والإحرام الذي هو بداية الدخول في أعمال الحج والعمرة ، من خلال لبس ثوبي الإحـرام والنــية والتلبـية , الذي هو رمز الالتزام بالمواصفات الخاصة التي يجب أن يتحلى بها الداخل إلى الحرم الإلهي ، وأيضا نظــر الزائر إلى البيت الحرام ، أنه عندما يصل إلى الميقات يطلب أن يحضر في صورة الإقدام على دخول حرم الله تعالى الذي جعل الله له أحكامه الخاصة ، وقدسيته الممـــيزة ، ليســتشــعـر بذلك عـظــمة الله تعالى وجلاله ، ليصطحب هذا الشعور معه إلى كل نقطه يقف عليها من الحرم الإلهي ، وعند قيامه بأي منسك من مناسك الحج ، باعتبار أن الإحرام هو بداية أعمال الفريضة المباركة نظير تكبيرة الإحرام في الصلاة .
عن ألإمام الرضا " عليه السلام " : فإن قيل : فِــلَــَم أ ُمـروا بالإحـــرام ؟
قيل : لأن يخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه ، ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشيء من أمور الدنيا وزينتها ولذاتها ، ويكونوا صابرين فيما هم فيه قاصدين ونحوه مقبلين عليه بكليتهم ، مع ما فيه من التعظيم لله عزوجل ولبيته ....... ) العيون : 2 / 120.
ألإحـــرام هو ألاستئذان من صاحب الحرم ، وبأن يتأهب للدخول بالطهارة عن ألأوساخ المكتسبة في دار البعد والغرور ، والنظافة من الألواث الموجبة للطرد والحرمان عن دار السرور ، وبالتشبه ممن جاور الحضرة وأقام نفسه بالخدمة بالموت عن كل شيء ورفض ماسوى المحبوب من كل ضوء وفيء .
قال الإمام الصادق " عليه السلام " :
( ألإحــرام لعلة التحريم ، وتحريم الحرم لعلة المسجد وحرمة المسجد لعلة الكعبة ) آداب السالكين _ للفيض / 703
ألإحــرام يتجلى فيه التوحيد بأبـلغ صوره ، حيث يعلن ألإنسان الحاج قطع كل علاقة ورابطة وعقد بغير الله تعالى ، كما يفهم ذلك من كلمات السجاد النورانية ( عليه السلام ) :
قال: فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله؟
قال: لا.
قال (عليه‏السلام) له: ما تنظفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج.
و أيضا جاء في الدعاء بعد صلاة الإحرام :
( اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن أستجاب لك وآمن بوعدك واتبع امرك ، فإني عبدك وفي قبضتك ، لا أوقي إلا ماوقيت ، ولا آخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه وعلى كتابك وسنة نبيك ، وتقويني على ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، و اجعلني من وفدك الذي رضيت وأرتضيت وسميت وكتبت ...... ) الكافي 4 / 331
الإحرام في حقيقته وجوهره هو التجرد عن الحياة المادية الدنيوية ، وبكل ما يرتبط بها من شهوات وملذات ومتع ، وكل ما يبعد عن الله سبحانه وتعالى والتعلق به ، وأن يحــرم عن كل شيء يمنعه عن ذكر الله تعالى ويحجبه عن طاعته ، فهو تقوية كل ما يرتبط بروح الإنسان أو الجانب المعنوي والروحي الذي يمثل الوجود الحقيقي لوجود الإنسان .
قال الإمام السجاد عليه السلام للشبلي :
( فحين تجردت من مخيط ثيابك نويت انك تجردت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات ؟ ) مستدرك الوسائل 10 /166
الإحرام هجرة وفرار من ظلمة الطبيعة المادية الظلمانية ، إلى النورانية الإلهية السامية .
الإحرام تجرد عن كل ما يجذبك إلى الشهوات والغرائز والميولات الحيوانية لتتلبس بالملكوتية والنورانية الإلهية .
قال الإمام السجاد عليه السلام في حديثه مع الشبلي :
( فحين أحرمت نويت انك حرّمت على نفسك كل محرّم حرمه الله عز وجل ؟) .
وإنما سمي الإحرام إحراما لأنه يحرِّم على المُحرم ما كان مباحا من المفسدات ومنافيات الحج التي هي تروك الإحرام
فالإحرام حضر الشهوات واللذات التي كانت مباحة قبل ذلك ، وذلك لخلق روح الاعتدال والموازنة عند الإنسان ، ولتـفعـيل قوة الســـيطرة والتحكــم وتفعــيل إرادة وقوة ألإنســان أمام المكــروه والحــرام ولتحــريك ســيطـرة العـقـل على القوة النفســية وإخماد
نــيران الــنفــس الأمارة بالســوء كــما يقول الأمير (عليه السلام ) :
( إن استصعبت عليه نفسه في ما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب ) مكارم الأخلاق صفحة 477.
إذا للإحــرام مرتبتان من الوجود :
المرتبة الظاهرية وهي التي يشترك فيها كل حاج مع الآخر ، اللباس والنية والتلبية .
المرتبة الباطنية والحـقـيقــية وهي مختصة بمن أدرك حقيقة ألإحــرام مع الله سبحانه وتعالى ، وهو العارف لله ولروح أحكامه تعالى ، كما تشــير إلى ذلك الكلمات النورانية لسيد الساجدين ( عليه السلام ) مع الشبلى .


الاستعداد قبل الإحــرام :

ذكر الشارع المقدس عدة من الآداب التي يحبذ من الحاج والقاصد إلى بيت الله الحرام الإتيان بها في الميقات قبل الإحرام ، كالغسل والتنظيف والصلاة والدعاء .
وإن للآداب دور كبير في تهيئة النفس وخلق الجاذبية عندها لكي تعيش روحانية الإحرام وتقتبس النوارنية من افاضاته العظمية .
وحيث أن تلك الآداب جاءت من عند الصادق الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمن المحتم أن تكون لها أسرار عميقة قد تخفى علينا ، وأن عدم وجدانها لنا لا يدل على عدم وجودها في نفسها و ذاتها لكي نغض الطرف عنها .
وهذه الآداب كما أن لها مظهر بارز ومحسوس ، أيضا لها معان عميقة تتحرك فيها روح الإنسان ، لكي تكتسب الجاذبية نحو المعنويات من التقوى لصيانة الروح والعقل من كل رين ودرن لكي تتلقى الإفاضات والألطاف والعناية الإلهية ، وتكتسب أيضا المانعية عن وسوسة الشيطان ومشتهيات النفس ، لأن المطلوب من الإنسان المؤمن ليس المانعية عن المعاصي والذنوب فقط ، بل المراد اكبر من ذلك ، بل يراد بلورة كل جـزئية ضمن المنظومة الإعتقادية والفكرية والروحية لكي تكون حركة الإنسان في دائرة الحقائق دون الأوهام والخيالات والخرافات .

وهذا ما نلحظه من خلال الآيات والروايات و الأدعية وبعض المستحبات الأخرى عند الإحرام ، حيث أنها تفرز المضامين الإعتقادية والفكرية والروحية للإنسان الحاج من خلال القوالب الخطابية ، والحركات العملية ونشير الآن إلى بعض منها .

غســل الإحــرام :

قال عليه السلام :( فحين اغتسلت نويت انك اغتسلت من الخطايا والذنوب ؟)
إن الغسل من الأمور المؤكدة حتى قال البعض إن الأحوط عدم ترك هذا الغسل ، وهو طهارة للبدن من الأقذار والنجاسات وهي أمور خارجية مادية محسوسة ، ولابد من ربط ذلك بالأمور المعنوية والروحية كما يشير الإمام .
وأن هذا الغسل هو توبة نصوحة بأن لا يعود بعدها إلى ذنب أو خطيئة مما سلف منه ، وأنه يتطهر بالرحمة الإلهية من المعاصي , وأن لايسلك طريقا غير طريق الله .
فالغسل كما أنه يزيل ألأدران المادية , فهو يرمز إلى تطهير القلب والروح من المعاصي والآثام فيكون الغسل التزاماً بترك جميع الموبقات .
قال الإمام السجاد للشبلي :
( تنظّفت وأحرمت وعقدت الحج ؟
قال : نعم
قال : فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت بالحج نويت أنك تنظّفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى ؟
قال : لا
قال : فحين عقدت الحج نويت أنك حللت كل عقد لغير الله ؟
قال : لا
قال له عليه السلام : ما تنظّفت ولا أحرمت ولا عقدت الحج ) .
ويقول صادق أهل البيت عليهم السلام :
( ثم أغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك ، وألبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع وأحرم عن كل شيء يمنعك عن ذكر الله تعالى ويحجبك عن طاعته ) الأخلاق /شبر صفحة 47


صــلاة الإحــــرام :
صلاة الإحــرام ويؤتى بها قبل ألإٌحرام في الميقات ، ولعل اٌلإتيان بها قبل الإحرام لمن عزم على الإٌحرام إلى بيت الله الحرام كأن المحرم يخاطب الله تعالى : ( إلهي إني أتقرب إليك في عملي هذا بأحب الأعمال إليك التي هي رأس الدين ، ووجهه ) .
جاء في الحديث الشريف : ( ليكن أكثر همّـك الصلاة فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين ) البحار 77 / 127
وجاء أيضا : ( لكل شيء وجه ووجه دينكم الصلاة ) البحار 82 / 310 .
أ ُقـــدِّم هذه الصلاة التي هي قربان كل تقي لكي أكون من وفدك لأحبى بمغفرة منك ، وضيفا في بيتك الحرام لأتحف بكراماتك يا أكرم الأكرمين , ولأقرى بفيضك وعطاءك يا رب العالمين .


الـتـلبــية :

ألتلبية إجابة من العبد لنداء المولى سبحانه وتعالى :
( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران / 97
فالقاصد لبيت الله تعالى أستأذن في الميقات بالغسل ولبس الإحرام بان ينضم على وفد الله تعالى ليرد على ضيافة الله تعالى في حرمه فيأتيهم الداء منه تعالى كما في الخبر :
سليمان بن جعفر : سألت أباالحسن "عليه السلام " عن التلبية وعلتها ، فقال :
( إن الناس إذا أحرموا ناداهم الله عز وجل ، فقال : عبادي و إيمائي ، لأحر ّمنـّكم على النار ، كما أحرمتم لي ، فقولهم : لبيك اللهم لبيك ، إجابة لله عز وجل على ندائه لهم )
عيون أخبارالرضا 2 / 83
فالعبد أجاب بالتلبية فعليه أن يحرص على أن يحصل على الجواب المثبت من الله تعالى ، ويخشى أن يأتيه النداء : ( لا لبيك ولا سعديك ) .
قال سفيان بن عيينة :
حج علي بن الحسين " عليه السلام " فلما أحرم واستوت به راحلته أصفر لونه وانتفض ووقع عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي ، فقيل له : لم لا تلبي ؟
فقال : أخشى أن يقول لي ربي : لا لبيك ولا سعديك ، فلما لبى غشي عليه وسقط من راحلته ، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه . ( الحج والعمرة في الكتاب والسنة 182 )

لذا للتلبية مراتب تبعا لمراتب الإيمان بالله تعالى .
فالبعض يقول : ( لبــيك ) إستجابة لداعي الله تعالى : «لبّيك داعي الله، لبّيك داعي الله» وهي إجابة لدعوة الخليل " عليه السلام "
( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَـجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا ً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) الحج / 27
وقال ألإمام الصادق " عليه السلام " :
« لمّا أُمر إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) ببناء البيت وتمّ بناؤه قعد إبراهيم علي ركن ثمّ نادي:
هلمَّ الحجَّ، هلمَّ الحجَّ. فلو نادي هلموا إلي الحجّ، لم يحجّ إلّا من كان يومئذ إنسياً مخلوقاً ولكنّه نادي:
هلمَّ الحجَّ؛ فلبّي الناس في أصلاب الرجال: لبّيك داعي الله، لبّيك داعي‏الله عزّ وجلّ. فمن لبّي عشراً يحجّ عشراً ومن لبّي خمساً يحجّ خمساً ومن لبّي أكثر من ذلك فبعدد ذلك و من لبّي واحداً حجّ واحداً ومن لم يلبِّ لم يحجّ » الكافي ج 4، ص 207 ـ 206.
والبعض إستجابة لدعوة الله تعالى وهم ألأعلى قال تعالى :
( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) آل عمران / 97
والذين يصلون إلى هذه المرتبة قلة جدا ، وهم الذين يحصلون على الجواب المثبت من الله تعالى للتلبية ، ومن الطبيعي أن المجيب لدعوة الخليل مجيب لدعوة الجليل جل جلاله ، ولا يمكن أن تتحقق ألإجابة للخليل دون الإجابة لله تعالى ، ولكن للقاصدين إلى بيت الله الحرام مراتب من الشهود والمعرفة بحقيقة المقصود .
وهذا ألإختلاف والتفاوت في قول ( لبـــــــيك ) هو سار في كل المسائل والقضايا الدينية كما لصلاة المصلي ، ولصيام الصائم ، ولتالي آيات القرآن الكريم مراتب مختلفة .
فا التالي لآيات القرآن الكريم ـ مثلا ـ لهم مراتب مختلفة فالبعض وهم الأكثر لا يتوجه إلى معاني الآيات الشريفة للقرآن الكريم ، والبعض كالأولياء يتلون القرآن وكأنهم يسمعونه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والبعض ألآخر وهم أصحاب الكمال ألأعلى كأنهم يتلقونه من الله تعالى كما روي عن ألإمام الصادق " عليه السلام" :
«ما زلت أكرّر آيات القرآن حتى بلغتُ إلي حالٍ كأنّني سمعتها مشافهة ممن أنزلها» البحار ج 47، ص 58.

تسبيحة الحسين (ع) 10-12-2011 01:50 PM

رد: فلسفة الحج
 
بسمـ اللهـ الرحمن الرحيم
اللهمـ صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم ياكريمـ
السلامـ عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أحسنتِ أختي النورانية
على ماقدمتي
جزاك الله تعالى كل خير والى الامام

نورانية بنور الحجة (عج) 10-13-2011 10:49 AM

رد: فلسفة الحج
 
ما شاءالله على هذه المعلومات القيمة زادك الله نورا وعلما ببركة محمد وآله الطاهرين

عابرة سبيل2005 10-14-2011 10:36 PM

رد: فلسفة الحج
 
http://www.noraletra.com/vb/images/smilies/bsmsalm.gif
بارك الله بكم

في ميزان حسناتكم

alzynabwly 04-10-2021 03:11 PM

رد: فلسفة الحج
 
الله بحفظكم بحق محمد وال محمد

فضة 12-15-2022 01:59 PM

رد: فلسفة الحج
 
اللهم صل على محمد وال محمد
جزاكم الله الف خير
اللهم عجل لوليك الفرج


الساعة الآن 11:55 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.